الإثنين ديسمبر 15, 2025

طلبه للعلم ومشايخه رضي الله عنهم

قال رضي الله عنه: «في بلادنا كانوا إذا أرادوا طلب العلم يرحلون إلى زبيد، هذه في اليمن. شيخنا الشيخ أحمد عبد المطلب كان تخرج في الفقه من زبيد، أما في الحديث والقراءات ففي مكة، وكان من شدة عبادته كأنه ملك في صورة بشر كان كأنه ملك في صورة بشر من حيث قوة العبادة والزهد في الدنيا. كان إذا نظر إلى الصحيفة مرة يحفظها. وكان يختم القرءان في كل يوم من رمضان ورجب وشعبان يختم في كل يوم ختمتين، «وقد أخذ علي عهدا إذا رأيت منه مكروها أن أنبهه، قال لي: إن رأيت مني مكروها فنبهني، قال هذا من شدة احتياطه. ما رأيت مثله في العبادة. كان من أعبد الناس وأعلم أهل تلك الناحية.

مع كل هذا ما كان يعتبر نفسه معصوما. اجتمعت به في بلد شيخه. العلماء الأولياء هذا شأنهم لا يدعون أنهم معصومون بل يخافون على أنفسهم أن يطرأ عليهم ما يضرهم. في أول مرة خرج يطلب العلم في زبيد أصابته حمى هناك فصار صاحب البيت يتركه وحده مع زوجته وكان جميل الشكل فامرأته تحركت نحوه، زوجة هذا الرجل اشتغل فيها الشيطان، وكان الشيخ في أول شبابه من حيث الطبيعة الحمى شلته، مع أنه مريض حصلت فيه حركة، تحركت عليه طبيعته، فحضر جده الذي كان من أكابر الأولياء من أهل البرزخ بينهما فصار بينهما شيء فذهبت عنه تلك الحركة، ذهب ما به. جده المتوفى يقال له الشيخ داود وكان شيخنا أحمد عبد المطلب كلما يذكر جده المفتي داود يقول عنه: عبد صالح.

الشيخ أحمد عبد المطلب كان معمرا عمره لـمـا مات فوق المائة، كان على أيام السلطان عبد الحميد يؤم الناس في رمضان في الحرم المكي يعلم الناس الحديث والفقه وكان يجيز بعض الناس مع إعطاء السند، كان أسمر اللون معتدل الطول والصوت. اجتمعت به لما كان عمره ثمانين عاما ودرست عنده.

بعض الناس كانوا يقولون له: اذهب إلى السلطان عبد الحميد – يعنون حتى يكرمك – وكان لا يذهب بل كان زاهدا. وكان له تأليف في الفقه الشافعي من سبعة آلاف بيت، هو ما قال لي لكن بعض الطلاب قال لي ذلك، لم يعلم به إلا القليل. وهذا التأليف للشيخ أحمد ظل مخطوطا لم يطبع يمكن أنه أحرق. وما كان يذكرها للناس من شدة انشغال قلبه بالعبادة، هذا من تواضعه. وكان يقول: البن يساعد أيام المجاعة هو وخرقة القماش تلف على البطن.

الشيخ أحمد عبد المطلب دفن في غدو (Gaddo) في دوي في ولو في الحبشة.

في المدة التي مكثتها في ناحية الشيخ أحمد عبد المطلب ينقعون الحلبة ويشربونها، في المدة التي مكثتها هناك لما أردت الوضوء فوضعت يدي على وجهي وجدته كالحرير فعرفت أنه من الحلبة. استغربت لما وضعت يدي على وجهي من اللين الذي في وجهي.

في الحديث: «الإيمان يمان والفقه يمان والحكمة يمانية» رواه البخاري ومسلم وأحمد وغيرهم. تخرج من هناك أكابر من العلماء. وقد كان شيخنا الشيخ أحمد عبد الـمطلب شديد الإنكار على التجانية حتى عرف بذلك وذاع صيته، ثم قيل إنه قال بأنه رأى الشيخ أبا العباس التجاني في الرؤيا وهو مستقبل للقبلة فصار يعتقد فيه أنه على خلاف هذه الطائفة الـمنتسبة له وأنه مستقيم، إنما الضلال من الـمنتسبين إليه.

أبو العباس التجاني بعض الناس يعتقدون أنه كان من الطيبين أما المنتسبون إليه انحرفوا، وبعضهم يعتقد أن هذه الأشياء في كتبه، فهو من الضالين عندهم.

كان إنسان يريد الذهاب إلى الشيخ أحمد عبد المطلب ففترت همته فرأى النبي ﷺ في الرؤيا وقال له: أتغطى الشمس بالكف. معناه هناك خير كثير لا يخفى، فذهب إليه.

أما الشيخ محمد عبد السلام فشيخنا من هرر هو قطب، شأنه كبير ليس كبعض المجاذيب. كان من أهل الحديث والفقه والنحو، جذب بعد الخمسة والأربعين. لما كنت في هرر توفي في مدينة تبعد عن هرر خمسين كيلومترا في ديردوى.

حين كنت صغيرا كان يأخذني ويذهب بي وكان يستتبعني خلفه وأنا صغير ويحملني كتابين، أقرأني كتابين كتاب ملحة الإعراب في النحو وكتابا كبيرا في الفقه الشافعي، كان عمر نحو ثماني سنوات. أخي علي في ذلك الوقت كان دون التمييز هو ما تعرف عليه إلا بعد أن سافرت أنا في طلب العلم.

منذ صغري كنت مع الشيخ محمد عبد السلام وهو قطب ولي كبير وفقيه عالم، وفي السلوك كنت معه، الرجل الصالح كان يسمى ركن البلد في بلده، هناك طلب للقضاء لأنه كان أعلم أهل عصره، أعلم علماء عصره، كانوا أرادوا منه أن يكون قاضيا، طلبوه للقضاء وألحوا عليه. الأتقياء يخافون من القضاء يخشون أن يفتنوا، لكنه من شدة تواضعه وورعه حتى يخلص منهم لبس القميص مقلوبا لبس الجلابية مقلوبة ومشى في البلد بين الناس فأعرضوا عنه قالوا: اختل عقله جن، فتركوه، فعل ذلك هربا من أن يدخل في هذه الـمسؤولية، لأن الذي يتعين قاضيا قد ينجر للحكم بالباطل، بعض الحكام يأتي إليه يقول هذه القضية مشها لنا وهي حرام لذلك الأولياء يخافون من القضاء. أما الذين لا يبالون يسعون لنيل القضاء لأن القضاء من أراد أن يدخل عليه مال واسع له فيه باب واسع. رضي الله عن الشيخ محمد نفعنا به، في ءاخر حياته غلب عليه الحال.

والشيخ محمد عبد السلام كان قادري الطريقة، كان يدرس على شيخ يسمى يوسف عبد الوهاب، قال له أي الشيخ يوسف عبد الوهاب: «جاءتك القطبانية» وكان عمره نحو خمس وعشرين سنة. بلغني أنه قرأ المتممة على الشيخ يوسف عبد الوهاب خمس عشرة مرة. صادق الهمة في العلم يحب تكرار ما تلقاه.

كان الشيخ يوسف عبد الوهاب يؤذن متبرعا في الجامع الكبير في هرر، صوته كان يصل إلى مسافة خمسين كيلومترا. في ديردوى امرأة اشتد عليها الطلق، فاستأذن الشيخ يوسف ليؤذن في مسجد في الطريق – كان يحب الأذان – فلما سمعت تلك الـمرأة صوته يؤذن نزل منها الولد.

ثم هو قبل وفاته بزمن انتقل إلى ديردوى. كان الشيخ محمد عبد السلام يعرف والدي ويعرف إخوتي، مات رحمه الله وهو ابن خمسين وشيء، والشافعي كذلك، الشيخ محمد كان طويلا. مرة نظر إلى السماء وصار يقول ما شاء الله، الله كشف له ورأى الحور العين. وكان يقول لي: الشيخ عبدوش ملائكة، لعله يريد الذي تحبه الملائكة أو الذي ترافقه الملائكة. الشيخ محمد عبد السلام كان يرى في قدمه نعال لا تعرف في بلادنا، وهو الذي ظهر للشيخ إسماعيل الضناوي في دمشق، وذلك أن الشيخ إسماعيل كان يرافقني ثم تركني في الطريق وذهب فلما وصل إلى غرفته ظهر له الشيخ محمد وقال له: أين تركت ولدي عبد الله.

الشيخ محمد عبد السلام كان له شيخ صالح ظل يقرأ القرءان وهو في سكرات الموت سبعة أيام ثم لـما مات ذهب الشيخ محمد عبد السلام إلى قبره وقال: في أي نعيم أنت.

الشيخ محمد عبد السلام مرة كان له مريد اسمه حسين عبد القادر رغب في أن يريه الشيخ خارقا من خوارق العادة قال له: تعال، قدمه أمامه، قال له: أغمض عينيك فدفعه من خلفه، وضع يده على ظهره فدفعه دفعا خفيفا فوجد نفسه مع الشيخ في أرض بعيدة لا يعرفها دخلوا مسجدا وكان هناك رجال أولياء صلى بهم الشيخ إماما ثم قال له: أغمض عينيك، فدفعه فوجد نفسه في عاصمة الحبشة.

هذ المريد صارت له حالة راقية، الشيخ توفي قبل خمسين سنة وهذا المريد بعده بوقت توفي.

بعض الناس الأولياء من الأول يهتمون به، وهو طفل، حتى تكون اتجاهاته إلى الرقي. شيخنا الشيخ محمد عبد السلام رضي الله عنه كان له جد أشهر منه في الولاية يقال له الشيخ خليل، قيل له: من يخلفك، من يرث سرك بعدك، قال: ابن ابني، وعلامته أن أذنه طويلة، بعد ذلك بعد موت الجد بمدة ولد فطلع شيخنا كما قال جده أذنه طويلة.

جده هذا اسمه الشيخ خليل وقال: إنه كان يزورني في العام ملكان وهذا العام زارني أربعة، ولعل أجلي قريب فمات في تلك السنة التي زاره فيها أربعة من الملائكة.

الشيخ محمد عبد السلام كان أعلم علماء هرر كان قطبا، في أول أمره ما كان يدخن لكن لما أخذه الحال وظهرت له عجائب كثيرة صار يدخن كثيرا، بعد أن قوي عليه الحال صار يكثر من شرب السيكارة، كان يشرب السيكارة على التتابع، كان يتداوى بها، ثم لما مات قال أحد مريديه: اليوم أجرب ما يقوله الناس، لأنه في بلادنا شائع أن شارب الدخان تخرج منه عند موته رطوبة مستقذرة، يخرج من فمه سائل مستقذر عند الموت، ويطلع من فمه رائحة كريهة بعد موته، فنظر إلى الشيخ فلم يجد إلا نقطتين مثل لؤلؤتين «هنا وهنا» وريحها مسك تفوح منهما رائحة المسك، يفوح منهما الطيب، ما وجد منه ذلك الشيء الذي الناس يتحدثون به، فتبين له أن ما يقوله كثير من الناس لا أصل له.

هؤلاء مشايخ الأكراد أغلبهم يشربون الدخان. كثير من الأولياء يستعملون الدخان وهم أولياء الله، هذا الشيخ أحمد الحارون كان يستعمله وشيخنا محمد عبد السلام كذلك بعد أن غلبه الحال وترك التدريس صار يدخن.

يروى عن الشيخ أحمد الحارون أنه جاءه الشيخ عبد الوهاب فقال له: كيف تدخن وهذا الدخان لا يجوز، فقال له: بل يجوز، فذهب الشيخ عبد الوهاب إلى بيته فوجد بيته ممتلأ بالدخان فرجع إلى الشيخ أحمد معتذرا.

كان رجل في بلدنا ذكر لي أنه مبتلى بعلة صعبة وكان يتداوى بشرب الخمر لأنه لم يجد ما يتداوى به غيره، فدخل عليه الشيخ محمد عبد السلام فقال له: تلك الفعلة بعد أنت ما زلت تفعلها، يعني شرب الخمر، كأنه يقول لا بأس عليك لأنك معذور، وقال عن هذا المبتلى: أنت أحد قوائم عرش البلد، يريد أنه من الأولياء، بعضهم وظيفته لبلدة واحدة وبعضهم للإقليم وبعضهم لأوسع من ذلك، معناه يوجد ثلاثة ءاخرون. أما الذي يستعمل الخمر لغير التداوي فهذا دجال. أما إن رأيتم إنسانا لا يعلم له معصية وكان مبتلى بمرض صعب يجوز تحسين الظن به أنه يشربها للتداوي لأنه ما وجد دواء غيرها. ثم مثل هذا الولي لا يشرب إلى حد السكر إنما إلى حد أن يفك هذه العسرة.

الشيخ محمد عبد السلام كان له مريد ركبته الديون وكان عليه ديون أربعون قطعة ذهبية فنبش الشيخ محمد التراب وأخرج أربعين قطعة ذهبية وأعطاه وقال له: ف دينك ثم عد إلينا. وكان هذا المبلغ بمقدار دين الـمريد.

الشيخ محمد عبد السلام في ءاخر حياته خمس سنوات انزوى في المسجد كانوا يدخلون إليه الطعام ثم يرجعون فيجدونه كما هو كان منشغل البال عن هذا.

شيخنا محمد عبد السلام غلبه الحال بعد سن خمس وأربعين وما ظهر عليه الشيب.

أنا غبت خمس سنوات إلى مكان بعيد فكان الشيخ محمد عبد السلام يأتي إلى بيتنا فلقي أخي عليا فقال: «أين عبدوش الملائكة» عندنا عبد الله معناه عبدوش.

ومن مشايخي كذلك:

  • إبراهيم أبو الغيث الهرري قرأت عليه في الفقه الشافعي.
  • ومحمد العربي الفاسي قرأت عليه من أجل السند لأن سنده عال، قرأت عليه في الموطأ ومسند الإمام أحمد، قرأت بعضه وأجزت منه.
  • ومحمد شريف الحبشي هذا حضرت عليه درس النحو والتفسير.
  • دواء الجبرتي القارئ كان أخذ القراءة من الشيخ عثمان عامر والد الشيخ عامر عثمان الذي توفي في مصر. قرأت على الشيخ داود بعض القراءات عاصم وأبي عمرو ونافع (قالون) أما ورش فلا. قرأت عليه في عاصمة الحبشة هو كان يسكن هناك في أديس.
  • ومحمد عمر جامع قرأت عليه العقيدة والفقه والنحو، كان من أوائل مشايخي قرأت عليه في هرر، هو هرري.
  • وعبد الرحمن عبد الله الحبشي قرأت عليه في الحديث، قرأت عليه مسلما والنسائي، قرأت عليه في جمة.
  • والشيخ الحاج كبير أحمد المشهور بأحمد عبد المطلب القارئ كان يؤم في الحرمين أيام السلطان عبد الحميد قرأت عليه البخاري وكذلك الترمذي.
  • وسنن ابن ماجه قرأته على المفتي محمد سراج الجبرتي وسنن أبي داود كذلك. فأما مسند الإمام الشافعي أجزت فيه فقط ولم أقرأه على أحد والترغيب والترهيب والجامع الصغير بالإجازة.
  • والشيخ فايز الدير عطاني قرأت عليه رواية حفص على وجه قصر الـمنفصل أقل من ختمة، فقط هذا، ليس كل القراءات.
  • أما الشيخ صالح العقاد أدركته في دمشق لقاء فقط. في دمشق لم تحصل رواية من أحد في غير الطرق. إلا بابن الشيخ عبد الكبير الكتاني وأعطاني إجازة.
  • أعلى كتاب في الفقه الشافعي في هرر، نهاية الدراسة في الفقه المعتمد هناك كتاب فتح الجواد لابن حجر شرح الإرشاد. مطبوع في مصر جزءان. قرأته على الشيخ يونس الحبشي.
  • والشيخ كبير علي شريف قرأت عليه القرءان وكان عمري عندما قرأت عليه دون العاشرة. (وأنهيت القرءان حفظا واستظهارا في نحو العاشرة).