صِفَاتُ اللَّهِ كُلُّهَا كَامِلَةٌ
صِفَاتُ اللَّهِ أَزَلِيَّةٌ أَبَدِيَّةٌ، لِأَنَّ الذَّاتَ أَزَلِيٌّ فَلا تَحْصُلُ لَهُ صِفَةٌ لَمْ تَكُنْ فِي الأَزَلِ، أَمَّا صِفَاتُ الْخَلْقِ فَهِيَ حَادِثَةٌ تَقْبَلُ التَّطَوُّرَ مِنْ كَمَالٍ إِلَى أَكْمَلَ فَلا يَتَجَدَّدُ عَلَى عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى شَىْءٌ. وَاللَّهُ تَعَالَى خَلَقَ كُلَّ شَىْءٍ بِعِلْمِهِ الأَزَلِيِّ وَقُدْرَتِهِ الأَزَلِيَّةِ وَمَشِيئَتِهِ الأَزَلِيَّةِ، فَالْمَاضِي وَالْحَاضِرُ وَالْمُسْتَقْبَلُ بِالنِّسْبَةِ لِلَّهِ أَحَاطَ بِهِ بِعِلْمِهِ الأَزَلِيِّ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ﴾ [سُورَةَ مُحَمَّد/31] فَلَيْسَ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ سَوْفَ يَعْلَمُ الْمُجَاهِدِينَ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِهِمْ بِالِامْتِحَانِ وَالِاخْتِبَارِ، وَهَذَا يَسْتَحِيلُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، بَلْ مَعْنَى الآيَةِ حَتَّى نُمَيِّزَ أَيْ حَتَّى نُظْهِرَ لِلْعِبَادِ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ مِنْ غَيْرِهِمْ.
وَيَكْفُرُ مَنْ يَقُولُ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَكْتَسِبُ عِلْمًا جَدِيدًا.
وَصِفَاتُ اللَّهِ تَعَالَى كُلُّهَا كَامِلَةٌ قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾ [سُورَةَ الأَعْرَاف/180].
وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى﴾ [سُورَةَ النَّحْل/60] فَيَسْتَحِيلُ فِي حَقِّهِ تَعَالَى أَيُّ نَقْصٍ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾ [سُورَةَ ءَالِ عِمْرَان/54] فَالْمَكْرُ مِنَ الْخَلْقِ خُبْثٌ وَخِدَاعٌ لإِيصَالِ الضَّرَرِ إِلَى الْغَيْرِ بِاسْتِعْمَالِ حِيلَةٍ، وَأَمَّا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ مُجَازَاةُ الْمَاكِرِينَ بِالْعُقُوبَةِ مِنْ حَيْثُ لا يَدْرُونَ. وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى إِنَّ اللَّهَ أَقْوَى فِي إِيصَالِ الضَّرَرِ إِلَى الْمَاكِرِينَ مِنْ كُلِّ مَاكِرٍ جَزَاءً لَهُمْ عَلَى مَكْرِهِمْ، فَالْمَكْرُ بِمَعْنَى الِاحْتِيَالِ مُسْتَحِيلٌ عَلَى اللَّهِ.
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ﴾ [سُورَةَ الْبَقَرَة/15] أَيْ يُجَازِيهِمْ عَلَى اسْتِهْزَائِهِمْ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْعُلَمَاءَ يَقُولُونَ: نُؤْمِنُ بِإِثْبَاتِ مَا وَرَدَ فِي الْقُرْءَانِ وَالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ كَالْوَجْهِ وَالْيَدِ وَالْعَيْنِ وَالرِّضَا وَالْغَضَبِ وَغَيْرِهِ عَلَى أَنَّهَا صِفَاتٌ يَعْلَمُهَا اللَّهُ لا عَلَى أَنَّهَا جَوَارِحُ وَانْفِعَالاتٌ كَأَيْدِينَا وَوُجُوهِنَا وَعُيُونِنَا وَغَضَبِنَا، فَإِنَّ الْجَوَارِحَ مُسْتَحِيلَةٌ عَلَى اللَّهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ﴾ [سُورَةَ الشُّورَى/11]، وَقَوْلِهِ: ﴿وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾ [سُورَةَ الإِخْلاص/4].
قَالُوا لَوْ كَانَ لِلَّهِ عَيْنٌ بِمَعْنَى الْجَارِحَةِ وَالْجِسْمِ لَكَانَ لَهُ أَمْثَالٌ فَضْلًا عَنْ مِثْلٍ وَاحِدٍ وَلَجَازَ عَلَيْهِ مَا يَجُوزُ عَلَى الْمُحْدَثَاتِ مِنَ الْمَوْتِ وَالْفَنَاءِ وَالتَّغَيُّرِ وَالتَّطَوُّرِ، وَلَكَانَ ذَلِكَ خُرُوجًا مِنْ مُقْتَضَى الْبُرْهَانِ الْعَقْلِيِّ عَلَى اسْتِحَالَةِ التَّغَيُّرِ وَالتَّحَوُّلِ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ عَلَى اللَّهِ.
وَلا يَصِحُّ إِهْمَالُ الْعَقْلِ لِأَنَّ الشَّرْعَ لا يَأْتِي إِلَّا بِمُجَوَّزَاتِ الْعَقْلِ أَيْ إِلَّا بِمَا يَقْبَلُهُ الْعَقْلُ لِأَنَّهُ شَاهِدُ الشَّرْعِ، فَالْعَقْلُ يَقْضِي بِأَنَّ الْجِسْمَ وَالْجِسْمَانِيَّاتِ أَيِ الأَحْوَالَ الْعَارِضَةَ لِلْجِسْمِ مُحْدَثَةٌ لا مَحَالَةَ وَأَنَّهَا مُحْتَاجَةٌ لِمُحْدِثٍ، فَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْمُتَّصِفُ بِهَا لَهُ مُحْدِثٌ وَلا تَصِحُّ الأُلُوهِيَّةُ لِمَنْ يَحْتَاجُ إِلَى غَيْرِهِ، لِأَنَّ الدَّلائِلَ الْعَقْلِيَّةَ عَلَى حُدُوثِ الْعَالَمِ طُرُوءُ صِفَاتٍ لَمْ تَكُنْ عَلَيْهِ وَالتَّحَوُّلُ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ.