الإثنين ديسمبر 8, 2025

صلاة رسول الله

 

قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون. هذا رسول الله ﷺ يقول:”أرحنا بها يا بلال”. نعم، هي صلاة رسول الله ﷺ، وما أحلاها من صلاة. فكيف كانت صلاة رسول الله ﷺ؟

أولا، الله تبارك وتعالى أنزل على سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام شيئا من سورة المزمل في أوائل بعثته، أي في أوائل الأيام التي نبأ فيها. فقال تعالى:﴿قم الليل إلا قليلا نصْفه أو انْقصْ منه قليلا أو زدْ عليه ورتل القرآن ترْتيلا﴾. كان النبي ﷺ يصلي قبل أن تفرض عليه الصلوات الخمس. وفي ليلة الإسراء والمعراج، فرضت على نبينا وحبيبنا محمد عليه الصلاة والسلام خمس صلوات في اليوم والليلة. وأما الإسراء والمعراج فاختلف في وقته. منهم من قال كان قبل الهجرة بأربع سنوات. وعلى كل، سيدنا وحبيبنا محمد عليه الصلاة والسلام فرضت عليه الصلوات الخمس لما كان في السماوات العلى. ومن المعلوم أن الله تبارك وتعالى لا يسكن جهة فوق، لا يسكن السماء. فالنبي عليه الصلاة والسلام لم يلتق بالله تبارك وتعالى في السماوات العلى ولم يكلمْه الله تعالى بالحرف والصوت كما قد يتبادر إلى الأذهان. فالنبي عليه الصلاة والسلام فرضت عليه أولا خمسون صلاة في اليوم والليلة. ثم مر على موسى بن عمران عليه السلام، فسأله:”كم فرض الله عليك وعلى أمتك؟”. فقال:” فرض الله علي وعلى أمتي خمسين صلاة”. فقال موسى عليه السلام:”ارجع إلى ربك فسلْه التخفيف، فإني بلوْت بني إسرائيل”. فالنبي عليه الصلاة والسلام رجع إلى المكان الذي تلقى فيه الوحي، وليس أن النبي عليه الصلاة والسلام رجع إلى مكان يلتقي فيه بذات الله عز وجل، حاشى وكلا. فصار النبي عليه الصلاة والسلام يتردد بين نبي الله موسى وبين ذاك المكان الذي تلقى منه الوحي حتى صارت خمسا بثواب خمسين. ثم نزل النبي عليه الصلاة والسلام إلى الأرض، إلا أنه لم يصل الفجر لأن جبريل عليه السلام لم يكن علمه مواقيت الصلوات بعد، ولم يكن صلى به الفجر بعد. سيدنا رسول الله ﷺ يقول:”أمني جبريل عند البيت مرتين”، أي صلى جبريل إماما برسول الله ﷺ مرتين، أي صلى كل صلاة مرتين. بدأ بالظهر أولا فصلاها في أول وقتها، ثم صلى العصر في أول وقتها، فالمغرب في أول وقتها، فالعشاء في أول وقتها، فالفجر في أول وقتها. وفي اليوم الثاني، صلى الظهر في آخر وقتها وكذلك فعل بالعصر، وهكذا صلى جبريل برسول الله ﷺ كل صلاة مرتين. ثم علمه مواقيت الصلاة فقال:” الوقت ما بين هذين الوقتين، هذه صلاة الأنبياء من قبلك”. وهكذا علم النبي عليه الصلاة والسلام أمته الصلاة. ففرض الله على الأمة خمس صلوات فكان النبي عليه الصلاة والسلام يصليها في المسجد جماعة. فكان النبي عليه الصلاة والسلام إذا كان في مهنة أهله في البيت فحضر وقت الصلاة خرج من البيت للصلاة، فصلى وعاد بعد ذلك إلى بيته. وهذا يظهر جليا عندنا، واضحا، أن رسول الله ﷺ كان معلق القلب بالصلاة فقال:” وجعلت قرة عيني في الصلاة.”.

سيدنا رسول الله ﷺ كان إذا صلى في المسجد إماما بالناس كانت صلاته وسطا، فكان لا يطيل على الأمة. وكان يقول للأئمة:”إذا أممتم فخففوا فإن فيهم (أي في الناس) الضعيف والصغير والكبير وذا الحاجة”، أي لا تطيلوا على الناس، فإن في الناس من له شغل يحتاج الذهاب إلى شغله أو من كان ضعيفا. ورسول الله ﷺ كان إذا صلى إماما بالناس يقرأ في الصبح أي في الفجر وفي الظهر طوال المفصل، أي يقرأ ذلك بعد قراءته للفاتحة. والمفصل من سورة الحجرات إلى سورة الناس. أما طوال المفصل فمن سورة الحجرات إلى سورة عبس وتولى. وأما أوساط المفصل فمن عبس إلى الضحى. وأما قصار المفصل فمن الضحى إلى سورة الناس. فكان عليه الصلاة والسلام يقرأ في الصبح وفي الظهر بطوال المفصل، وفي العصر والمغرب بقصار المفصل، وفي العشاء بأوساطه، وهذا كان غالبا. فقد كان أحيانا عليه الصلاة والسلام يقرأ في المغرب بأوساط المفصل.

وكانت صلاة النبي عليه الصلاة والسلام صلاة معلم، فكان يقول:”صلوا كما رأيْتموني أصلي”. وتحدث السيدة عائشة رضي الله عنها وأرضاها عن صلاة رسول الله في بيته. فكان النبي عليه الصلاة والسلام يحب أن يصلي النافلة في البيت، وكان يقوم الليل في بيته. فتقول السيدة عائشة:”إن النبي ﷺ كان يصلي في الليل وأكون معترضة في القبلة”، أي بينه وبين قبلته. فكان النبي عليه الصلاة والسلام إذا أراد السجود غمز لها قدمها حتى تضمها ليسجد، فكان يسجد، وبعد ذلك إذا رفع مدت قدميها. وتقول السيدة عائشة:” صلى رسول الله ﷺ مرة في بيته وأقال في السجود، وأطال في صلاته وأطال وأطال حتى تورمت قدماه”، وهذا من غير ضرر، إلا أنه من التعب. وهذا إن دل على شيئ فإنما يدل على كثرة صلاة رسول الله ﷺ. وكان رسول الله يبكي في صلاته ويبكي ويبكي حتى ابتلت لحيته بالدمع وابتل التراب تحته، والسيدة عائشة تقول:”يا رسول الله لم كل هذا البكاء؟ وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر”. فقال عليه الصلاة والسلام:”أفلا أحب أن أكون عبدا شكورا”.

إخوتي في الله، صلاتنا لربنا شكر له. نشكر الله تعالى على ما أنعم به علينا. فهذا رسول الله ﷺ أعبد الناس، وكان يبكي ويكثر من البكاء في الليل في صلاته شكرا لربه.

وهذا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما يحدث عن صلاة رسول الله ﷺ في الليل. فكان قد قضى ابن عباس ليلة عند رسول الله ﷺ، فصلى خلفه شيئا من قيام الليل، قال:”افتتح رسول الله ﷺ سورة البقرة”. قال ابن عباس:”فقلت يركع عند المائة، فمضى. فقلت يتم بها ركعة، فمضى. فافتتح سورة النساء. فقلت يركع بها، فقرأ آل عمران. ثم ركع رسول الله ﷺ يقول:”سبحان ربي العظيم”. وكان ركوعه نحوا من قيامه. ثم اعتدل رسول الله ﷺ يقول:”سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد”. فكان قيامه نحوا من ركوعه، ثم سجد يقول:”سبحان ربي الأعلى”. فكان سجوده نحوا من قيامه.”.

هذا رسول الله ﷺ يرتاح في الصلاة، يشكر الله بصلاته، يعبد الله بصلاته. فلا ينبغي أن نتقاعس عن أداء الصلوات الواجبة، كما لا ينبغي أن نترك النوافل بعد أدائنا للمفروضات.

رسول الله ﷺ يقول:”هي كنهر جار غمر بباب أحدكم، يغتسل منه كل يوم خمس مرات. فهل يبقى من درنه شيء؟”. يعني هل يبقى من وسخه شيء؟ فالصلاة تكفر الذنوب. أخي المؤمن، هي كنهر جار غمر كثير المياه. لا ينبغي أن تكون تاركا للصلاة. فترك الصلاة أمر عظيم، شيء خطير. لا ينبغي للمؤمن ولا للمؤمنة لا ينبغي للشاب والشابة لا ينبغي للرجل وللمرأة لا ينبغي لأحد أن يكون تاركا للصلاة.

فهذا رسول الله ﷺ في مرض وفاته يغمى عليه، فإذا أفاق قال:”أصلى الناس يا عائشة؟”. قالت:”هم ينتظرونك يا رسول الله”. فإذا تجهز للخروج أغمي عليه ثانية. فإذا أفاق قال:”أصلى الناس يا عائشة؟”. قالت:”هم ينتظرونك يا رسول الله”. ثم بعد ذلك أمرها النبي ﷺ أن تخبر أبا بكر فليصل بالناس. ومع ذلك لما شعر رسول الله ﷺ من نفسه خفة خرج يصلي مع المسلمين.

رسول الله ﷺ في مرض وفاته وفي يوم وفاته أزال الستار فرأى المسلمين يصلون خلف أبي بكر، فسر رسول الله ﷺ إذ ترك أمته في صلاة.

الصلاة الصلاة إخوة الإيمان، الصلاة الصلاة أحباب رسول الله، الصلاة الصلاة يا من أردن الاقتداء برسول الله، الصلاة الصلاة. علق قلبه بالصلاة. ومن لطيف ما يذكر أن أنس بن مالك خادم رسول الله ﷺ كان له تلميذ، لكن كان عالما من العلماء، يقال له ثابت البناني. وهذا ثابت بعد دفنه فتح قبره فوجد قائما يصلي. فسئلت ابنته فقالت:”قضى ستين سنة كلما سجد لله سجدة قال: “اللهم ربي إن رزقت أحدا الصلاة في قبره فارزقني الصلاة في قبري“.

ديننا هو أغلى ما نملك، فلا نملك أغلى منه. والصلاة عماده. فالنبي عليه الصلاة والسلام أخبر أن الصلاة عمود الدين، فإذا زال العمود يخشى على الدين من الهدم. فإياك وإياك أن نكون تاركين للصلاة. نسأل الله تبارك وتعالى أن يعلق قلوبنا بالصلاة وأن نكون من المصلين الخاشعين الساجدين الراكعين العابدين الشاكرين لله تعالى، إنه على ما نسأله قدير. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.