الجمعة ديسمبر 12, 2025

صفة الوضوء

   الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى ءاله وصحابته الطيبين الطاهرين.
   أما بعد فقد قال الله تعالى في القرءان الكريم ﴿إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين﴾ وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الطهور شطر الإيمان» رواه مسلم، بين لنا الرسول في هذا الحديث أن الطهور شأنه عظيم عند الله لأنه مفتاح الصلاة وليس الأمر كما يقول سيد قطب فإن له كتابا سماه في ظلال القرءان يقول فيه: «إن الاشتغال بالفقه الآن بوصفه عملا للإسلام مضيعة للعمر والأجر». وقوله هذا فيه معارضة للقرءان والسنة وإجماع الأمة وهو كفر قطعا. فمعرفة الفقه ومعرفة الأحكام المتعلقة به أمر ضروري يحتاج إليه المسلم في كل وقت لأن معرفة أحكام الطهارة من وضوء وغسل وإزالة نجاسة وتطبيقها على الوجه الصحيح من الأمور المهمة في دين الله وذلك لأنه يترتب على الإخلال بها وعدم صحتها عدم صحة الصلاة التي عظم الله أمرها فهي أي الطهارة مفتاح الصلاة فمن أهمل طهارته أهمل صلاته والصلاة أعظم أمور الدين بعد الإيمان بالله ورسوله. وإنما أراد سيد قطب أن يبقى أتباعه حزب الإخوان على الجهل ويزيدهم جهلا على ما عندهم من فساد وضلال في العقيدة والأحكام وغيرها. وقد قال الله عز وجل ﴿قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون﴾ وقال صلى الله عليه وسلم: «من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين» رواه البخاري وقال النووي الشافعي: «الاشتغال بالعلم أولى ما تقضى به نفائس الأوقات» وقال أحد العارفين: «علم الدين حياة الإسلام» فكيف بعد هذا يزعم هذا الجاهل بأن الاشتغال بالفقه مضيعة للوقت.

   والوضوء شرعا استعمال ماء في أعضاء مخصوصة مفتتح بنية، والمياه التي يجوز بها التطهير سبع مياه: ماء السماء أي الـنازل منها وهو المطر قال الله تعالى ﴿وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به﴾ وماء البحر لحديث رسول الله «هو الطهور ماؤه الـحل ميتته» رواه أبو داود، وماء الـنهر ودليله الإجـماع وماء البئر ودليله قوله صلى الله عليه وسلم لما سئل عن بئر بضاعة «إن الماء طهور لا ينجسه شىء» رواه أبو داود، وماء العين وأصل ماء النهر من العين، وماء الـثلج وماء الـبرد لحديث رسول الله «اللهم طهرني بالثلج والبرد والماء البارد» رواه مسلم. ويـجمع هذه السبعة قولك: ما نزل من السماء أو نبع من الأرض على أي صفة كان من أصل الـخلقة.

   والوضوء فيه فائدة كبيرة لمن أحسنه أي لمن أتقنه أي توضأ وضوءا يوافق وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد روى مسلم من حديث عثمان بن عفان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من توضأ فأحسن وضوءه خرجت منه خطاياه حتى تخرج من تحت أظافره» وقال عليه الصلاة والسلام: «من توضأ كما أمر وصلى كما أمر غفر له ما تقدم من ذنبه» رواه ابن حبان.

   وفرض الوضوء عندما فرضت الصلاة وهو ليس من خصائص هذه الأمة بل كان قبل ذلك، والوضوء شرط من شروط صحة الصلاة لقوله تعالى ﴿يا أيها الذين ءامنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين﴾ والشرط في اصطلاح الفقهاء ما يتوقف عليه صحة الشىء وليس جزءا منه كالطهارة واستقبال القبلة بالنسبة للصلاة.

   وفروض الوضوء أي أركانه ستة أربعة عرفت بالكتاب والسنة واثنان بالسنة فغسل الوجه واليدين ومسح الرأس وغسل الرجلين هذه الأربعة بالكتاب والسنة أما النية والترتيب فبالحديث. أما حديث النية فهو قوله صلى الله عليه وسلم «إنما الأعمال بالنيات» رواه البخاري، وأما الترتيب فبحديث «ابدأوا بما بدأ الله به» أخرجه النسائي في سننه، فهذا الحديث وإن كان واردا في السعي للبدء بالصفا فإنه عام المعنى له ولغيره لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.  

   فإذا أراد الشخص الوضوء بدأ وضوءه بالتسمية فيسمي الله تعالى عند غسل الكفين للأمر بذلك في حديث النسائي وغيره فإن ترك الـتسمية أوله أتى بـها فـي أثنائه فيقول بسم الله أوله وءاخره، وأقل التسمية بسم الله وأكملها بسم الله الرحمٰن الرحيم، ويغسل كفيه إلى الكوعين ثلاثا للاتباع في ذلك رواه الشيخان، ثم الاستياك بعد غسل الكفين أي استعمال السواك وهو ما يستاك به من أراك ونـحوه قال صلى الله عليه وسلم: «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء» أخرجه مالك، ويسن أن ينوي بالسواك السنة وأن يستاك بيمينه ويبدأ بالـجانب الأيـمن من فمه وأن يـمره على سقف حلقه إمرارا لطيفا وعلى كراسي أضراسه. ومن فوائد السواك أنه يطهر الفم ويرضي الرب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «السواك مطهرة للفم مرضاة للرب» رواه أبو داود بإسناد قوي، ومن فوائده أيضا أنه يشد اللثة ويضاعف الأجر ويبيض الأسنان ويذكر بالشهادة عند الموت ويساعد في إخراج الحروف. ثم يتمضمض ويستنشق ثلاثا وهو من سنن الوضوء، ومعنى المضمضة إدخال الماء في الفم أما الاستنشاق فهو إدخال الماء إلى داخل الأنف، والأحسن في المضمضة والاستنشاق أن يجمع بينهما بثلاث غرفات ويبالغ فيهما ندبا بأن يبلغ بالماء أقصى الحنك ووجهي الأسنان واللثتين في المضمضة ويصعده بالنفس إلى أقصى الخيشوم في الاستنشاق. ويـحصل أصل السنة في المضمضة بإدخال الماء فـي الفم سواء أداره فيه ومـجه أم لا وفي الاستنشاق بإدخال الماء فـي الأنف سواء جذبه بنفسه إلـى خياشـيمه ونثره أم لا فإن أراد الأكمل نثره. ولا يبالغ في الاستنشاق إن كان صائما لحديث «وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما» رواه الترمذي وصححه، وفي البخاري أنه صلى الله عليه وسلم تمضمض واستنشق ثلاثا بثلاث غرفات.

   ثم ينوي بقلبه فعل الوضوء، والنية هي قصد الشىء مقتـرنا بفعله ولا بد في الوضوء لصحته من نية مجزئة كأن ينوي الطهارة للصلاة بقلبه ولا يكفي أن ينوي الطهارة فقط ويكفي أن ينوي فرض الوضوء أو الوضوء فقط أو ينوي استباحة مفتقر إلى وضوء كأن ينوي استباحة الصلاة أو استباحة مس المصحف، فمن توضأ بنية شىء من هذه المذكورات استباح الصلاة وغيرها أي مما يحتاج إلى الطهارة. وكذلك تجزئ نية رفع الحدث الصادر منه كالبول إلا لسلس البول أو مستحاضة وهي التي ينزل منها الدم في غير وقت الحيض والنفاس لأن هذين لا يرتفع حدثهما فلا تجزئ نية رفع الحدث فيهما فهما ينويان استباحة الصلاة. ويجب أن تكون هذه النية في مذهب الإمام الشافعي عند غسل الوجه أي مقترنة بغسل جزء من الوجه أي عند إصابة الماء لأول جزء من الوجه فإذا قرن النية بأول غسل الوجه كفت تلك النية، فلو غسل جزءا من وجهه قبل هذه النية ثم نوى في أثناء غسل الوجه وجب عليه إعادة غسل ذلك الجزء. وتكفي النية إن تقدمت على غسل الوجه بقليل عند مالك على أن مسح الرأس كله ركن على قول عنده وكذلك الدلك أي إمرار اليد على العضو المغسول والموالاة وهي أن يغسل العضو قبل أن يجف العضو الذي قبله. أما في مذهب الشافعي رضي الله عنه فإن الدلك والموالاة من سنن الوضوء.

   ثم يغسل وجهه لقوله تعالى ﴿فاغسلوا وجوهكم﴾ أي ظاهر الوجه شعرا وبشرا لا باطن لحية الرجل الكثيفة أي الشعر النابت على الذقن وباطن عارضيه أي شعر العارضين الكثيف أي الشعر النابت على العظمين جانبي الوجه الملتقيين في أسفله، فإن خف شعر اللحية والعارضين وجب غسل باطنه. ويسن تقليل الماء في الوضوء فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم كثيرا ما يتوضأ بمد والمد ملء الكفين المعتدلتين. ويسن أن يبدأ بغسل الوجه من أعلاه والمراد بالغسل ما يشمل الانغسال كأن يقف الشخص تحت الميزاب فيصيب الماء وجهه فهذا يسمى انغسالا لا غسلا، ويحصل الفرض بالانغماس في بركة بدلك ومن غير دلك. والمراد بغسل الوجه غسل ظاهره فلا يجب غسل باطن العين والفم والأنف. وحد الوجه من منابت شعر الرأس باعتبار الغالب إلى الذقن، والذقن هو مجتمع اللحيين وهما العظمان اللذان أسفل الأذن عليهما الأسنان السفلى يجتمعان في أسفل الوجه فيسمى مجتمعهما الذقن هذا حد الوجه طولا، وأما حده عرضا فهو من الأذن إلى الأذن أي من وتد الأذن إلى وتد الأذن ولا يدخل الوتد فيما يجب غسله، ولا يدخل الأذنان في الوجه ولا يجب غسلهما إنما الذي يجب غسله ما بينهما فما كان ضمن هذا من شعر وبشر أي جلد فغسله فرض، قال الجويني أي إمام الحرمين عبد الملك: يمد خيط من منابت شعر الرأس عادة إلى رأس الأذن فما كان من هذا الخيط إلى جهة الوجه فيجب غسله. والمراد برأس الأذن الجزء المحاذي لأعلى العذار قريبا من الوتد. فمما يجب غسله العذار والهدب والحاجب والشارب وكذلك الغمم وهو الشعر الذي ينبت على الجبهة لأن هذا خلاف غالب الناس فهذا الغمم يجب غسله مع الوجه لأنه نبت في غير محله، ولا يجب غسل ما ينحسر عنه الشعر كالناصية فمن كان مقدم رأسه انحسر عنه الشعر فلا يجب عليه غسله مع الوجه. فإن كان على الوجه شعر خفيف لزمه غسل ما تحته أي باطنه مع البشرة التـي تـحته وإن كان عليه شعر كثيف لم يلزمه غسل ما تحته بل يغسل ظاهره فقط لعسر إيصال الماء إليه إلا الحاجب والشارب والعنفقة والهدب والعذارين وهما الشعر المحاذي للأذنين بين الصدغ والعارض فإنه يجب غسل ما تحتها وإن كثف الشعر عليها والكثيف ما لا ترى البشرة من خلاله في مجلس التخاطب والخفيف بخلافه. ومما يجب غسله من الوجه ما يظهر من حمرة الشفتين عند إطباق الفم بخلاف ما لا يظهر عند الإطباق فإنه لا يجب غسله ويغسل من العينين ما يظهر عند إطباق الجفن ولا يجب غسل باطن العين. قال الفقهاء يجب غسل جزء من سائر جوانب الوجه للتحقق من استيعاب الوجه وهذا يحصل ولو بقدر قلامة ظفر. وتسن الغرة وهي من خصائص هذه الأمة ومعنى الغرة أن يزيد في غسل الوجه على القدر الواجب من جميع جوانبه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أمتي يدعون يوم القيامة غرا محجلين من أثر الوضوء» رواه مسلم، أي أنهم بإطالة الغرة أي زيادة شىء مما حول الوجه في غسل الوجه في وضوئهم وزيادة شىء مما فوق المرفقين والكعبين في غسل أيديهم وأرجلهم تنور لهم هذه المواضع يوم القيامة فيعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان من أمته بهذه العلامة. ويسن تخليل اللحية الكثة فعن عثمان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخلل لحيته في الوضوء، أخرجه الترمذي وصححه ابن خزيمة. قال النووي في شرح المهذب: وهو بالأصابع من أسفلها. قال السرخسي: ولو أخذ له ماء ءاخر كان أحسن.

   ثم يغسل يديه لقوله تعالى ﴿وأيديكم إلى المرافق﴾ أي الكفين والساعدين مع المرفقين وما عليهما ويقال المرفقين وهما مجتمع عظمي الساعد والعضد فإن كان أقطع من فوق المرفق استحب له أن يمس الموضع أي الباقي من العضد بماء بأن يغسله محافظة على التحجيل المندوب، فقوله تعالى ﴿وأيديكم إلى المرافق﴾ أي مع المرافق فإذا ترك المرفقان لم يصح الوضوء وذلك لأنه ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يغسل مرفقيه ولا يقتصر على ما قبلهما كما روى ذلك مسلم في صحيحه.

   ويجب أيضا غسل ما على اليدين من شعر ولو كان كثيفا طويلا ويجب غسل الظفر أيضا وأما الوسخ الذي تحت الظفر قال بعضهم يعفى عنه في الوضوء وبعضهم قال لا يعفى عنه فيـجب إزالته ويجب غسل الشق أي إذا كان في يده شقوق يجب إيصال الماء إليها، أما الشوكة فإن استترت وتجاوزت الجلد فلا يجب إخراجها لغسل موضعها أما إن كانت ظاهرة لم تستتر فيخرجها. ويكفي غسل قشر الجرح ولا يجب رفعه وإزالته فلو أزاله بعد إتمام الوضوء لم يجب غسل ما ظهر. ويـجب أيضا غسل ما على اليدين من سلعة وهي قطعة لحم زائدة وأصبع زائدة. ويسن تقديـم اليمنى على اليسرى من اليدين والرجلين فإن ابتدأ باليسرى كره لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم «إذا توضأتم فابدءوا بميامنكم» أخرجه الأربعة، أما الكفان والخدان والأذنان فيطهران دفعة واحدة. ويسن الابتداء في اليدين بالأصابع مطلقا ويسن تخليل أصابع اليدين لحديث «وخلل بين الأصابع» صححه الترمذي. وكيفية تـخليل اليدين بالـتشبيك والأفضل أن يكون التخليل من ظاهر الكف فإن خلل من باطنه حصلت السنة أيضا.

   ثم يمسح رأسه أو بعض رأسه ولو شعرة في حده، روى مسلم أنه صلى الله عليه وسلم توضأ فمسح بناصيته وعلى العمامة فدل على الاكتفاء بمسح البعض. والواجب في مذهب الشافعي رضي الله عنه مسح شىء من شعر الرأس ولو بعض شعرة أو جزءا من الرأس لا شعر عليه لكنه يشترط في الشعر أن يكون في حد الرأس وحد الرأس من منبت الشعر غالبا إلى النقرة، ونقرة القفا حفرة في ءاخر الدماغ، فلو مسح القدر الذي يخرج عن حد الرأس عند مده لجهة نزوله فلا يكفي. ويسن مسح جميع الرأس فيبدأ ندبا بمقدم رأسه بأن يضع إبهاميه على صدغيه ويلصق سبابتيه ببعضهما عند مقدم الرأس ثم يذهب باليدين إلى قفاه ثم يردهما إلى المكان الذي بدأ منه ويفعل ذلك ثلاثا للاتباع في ذلك رواه الشيخان، وهذا فيمن له شعر ينقلب بالذهاب والرد ليصل البلل إلى جميعه وإلا فلا حاجة إلى الرد.

   ثم يمسح أذنيه ظاهرهما وباطنهما بماء جديد لا ببلل ماء الرأس ثلاثا لأنه صلى الله عليه وسلم أخذ لهما ماء خلاف الماء الذي أخذه لرأسه فعن عبد الله بن زيد رضي الله عنه أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يأخذ لأذنيه ماء غير الماء الذي أخذه لرأسه، أخرجه البيهقي. فيضع سبابتيه في صماخيه وهما خرقا الأذنين ثم يديرهما على المعاطف ثم يمسح بإبهاميه ظاهرهما ويلصق يديه مبلولتين بهما.

   ثم يغسل رجليه أي قدميه مع الكعبين وهما العظمان الناتئان أي المرتفعان الخارجان من الجانبين عند مفصل الساق والقدم. ويسن الابتداء في الرجلين بالأصابع مطلقا ويسن تخليل أصابع الرجليـن بأن يخلل بخنصر اليد اليسرى من أسفل الأصابع مبتدئا بخنصر الرجل اليمنى خاتما بخنصر اليسرى. ويسن التثليث أي غسل الرجلين ثلاث مرات. فالفرض الخامس من فرائض الوضوء غسل الرجلين مع الكعبين وما عليهما من شعر وسلعة وشقوق ونحو ذلك وهذا في غير لابس الخف أما من لبس الخف المستوفي للشروط فيكفيه مسح الخف بدلا عن غسل الرجلين وذلك بأن يكون الخف طاهرا لا نحو جلد ميتة، ساترا لمحل غسل الفرض من القدمين من كل الجوانب غير الأعلى، وأن يكون مانعا لنفوذ الماء، يمكن المشي عليه بلا نعل لحاجات المسافر عند الحط والترحال أي الرحيل بعد الاستراحة في السفر ونحوهما وأن يبتدئ لبسهما بعد كمال الطهارة لحديث ابن خزيـمة «أرخص صلى الله عليه وسلم للمسافر إلى أن قال: «إذا تطهر فلبس خفيه أن يمسح عليهما» وأما في غير ذلك فلا يكفي المسح فإن الذي ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم ثبوتا قطعيا هو غسلهما أو المسح على الخف، والسنة أن يمسح أعلى الخف الساتر لمشط الرجل وأسفله فيضع يده اليمنى على موضع الأصابع واليسرى تحت عقبه أي مؤخر قدمه ثم يمر اليمنى إلى ساقه واليسرى إلى موضع الأصابع من أسفل ويفرج بين أصابعه. ويمسح المقيم يوما وليلة والمسافر ثلاثة أيام بلياليهن، روى مسلم عن شريح بن هانئ قال: سألت علي بن أبي طالب عن المسح على الخفين فقال: جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر ويوما وليلة للمقيم. وابتداء المدة من حين يحدث بعد لبس الخفين فإن مسح في الحضر ثم سافر أو مسح في السفر ثم أقام أتم مسح مقيم ويبطل المسح بثلاثة أشياء بخلعهما وانقضاء المدة وما يوجب الغسل وكذلك لو خرج الخف عن صلاحية المسح عليه لتخرقه.

   فإذا كان الخف مستوفيا للشروط كلها ناب المسح عن الغسل، والمسح على الخف رخصة ويسن لمن وجد ثقلا في نفسه لعدم إلفه أي لأنه لم يعتد عليه لأنه خلاف الأصل وهو الغسل فهذا ليكسر نفسه يسن له أن يمسح حتى يكون اتبع الرسول صلى الله عليه وسلم لأن الرسول مسح، ففي هذه الحال يسن المسح بدل الغسل. أما في الأصل الغسل أفضل لكن من وجد في نفسه نفورا عن المسح على الخفين يسن أن يمسح على الخفين ليزيل أثر ذلك النفور.

   ولا بد من ترتيب الأركان على ما ذكرناه فيبدأ بغسل الوجه المقرون بالنية ثم اليدين ثم مسح الرأس ثم غسل الرجلين للاتباع المعلوم من الأحاديث الصحيحة فلو ترك الترتيب بأن قدم شيئا من هذه المذكورات على ما قبله لم يصح ما قدمه، فلو غسل أعضاء الوضوء كلها في لحظة ارتفع حدث الوجه فقط أما إن حصل الترتيب تقديرا فيكفي ذلك كأن غطس في ماء مع النية فخرج ولم يمكث زمنا يمكنه الترتيب الحقيقي فيه.

   ويستحب إذا فرغ من الوضوء أن يقول أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله لحديث مسلم «ما منكم من أحد يتوضأ فيسبغ الوضوء ثم يقول أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء» وزاد فيه الترمذي «اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين». فمن توضأ مقتصرا على الأركان ولم يأت بالسنن صح وضوؤه لكن يكون فوت على نفسه خيرا.