صفة الصلاة
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى ءاله وصحابته الطيبين الطاهرين.
أما بعد فقد قال الله تعالى ﴿إن الصلوة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا﴾ أي فرضا لها أوقاتها. وهي من أعظم أمور الإسلام قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: »بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان« رواه البخاري ومسلم. فالصلاة هي أفضل الواجبات بعد الإيمان بالله ورسوله. الصلاة مرتبتها في الدين أعلى من مرتبة الزكاة والصيام والحج. الحج الله تعالى جعل فيه مزية ليست للصلاة وهي أنه يكفر الكبائر والصغائر بخلاف الصلوات الخمس فإنها لا تكفر الكبائر ومع ذلك الصلوات الخمس مرتبتها في الدين أعلى من مرتبة الحج. فالمزية لا تقتضي التفضيل أي أن الحج وإن كان يكفر الكبائر والصغائر بخلاف الصلوات الخمس فليس ذلك دليلا على أن الحج أفضل من الصلوات الخمس.
جعل الله الصلاة قرة للعيون ومفزعا أي ملجأ للمحزون فكان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر أي إذا نابه وألم به أمر شديد صلى، أخرجه أحمد وأبو داود. وقال عليه الصلاة والسلام: «وجعلت قرة عيني في الصلاة» أخرجه أحمد في مسنده وصححه الحاكم في المستدرك. وكان ينادي عليه الصلاة والسلام «يا بلال أرحنا بالصلاة» أخرجه أحمد.
من حافظ على هذه الصلوات الخمس فأحسن وضوءهن وصلاهن لوقتهن فأتم ركوعهن وسجودهن وخشوعهن كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة. نفحات ورحمات وبركات، بها تكفر صغائر السيئات وترفع الدرجات وتضاعف الحسنات، يقول رسول الهدى صلى الله عليه وسلم: «أرأيتم لو أن نهرا بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات هل يبقى من درنه (أي وسخه) شىء؟» قالوا: لا يبقى من درنه شىء. قال: «فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا» أي الذنوب الصغيرة، متفق عليه.
وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد صحيح فيما رواه ابن حبان في وعيد تارك الصلاة أنه لا نور له ولا نجاة ولا برهان يوم القيامة وأنه يكون مع فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف ومع ذلك فتاركها كسلا ليس بخارج من الإسلام بل هو مسلم لأنه صلى الله عليه وسلم قال «خمس صلوات كتبهن الله على العباد من أتى بهن بتمامهن كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد أن يدخله الجنة إن شاء عذبه وإن شاء أدخله الجنة» رواه الإمام أحمد في مسنده، فما ورد من الحديث مما ظاهره تكفير تارك الصلاة فهو مؤول وذلك كحديث مسلم «بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة» فليس مراد النبي أن الإنسان بمجرد ترك الصلاة يصير كافرا إنما المراد أنه يشبه الكافر وذلك تعبير عن عظم ذنبه حيث شبهه بالكافر الذي لا يؤمن بالله ورسوله. بعد قتل النفس المؤمنة التي حرم الله أشد الذنوب الزنى وبعده ترك الصلاة وأكل الربا وشرب الخمر.
وقد توعد الله بالعذاب الشديد من يؤخر الصلاة عمدا حتى يدخل وقت الصلاة الأخرى بلا عذر. قال الله عز وجل ﴿فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون﴾ والمراد بالسهو عن الصلاة تأخير الصلاة عن وقتها حتى يدخل وقت الصلاة الأخرى فتوعد الله من يخرجها عن وقتها بالويل وهو الهلاك الشديد أي شدة العذاب. وقد ثبت عن عمر رضي الله عنه أنه قال »من جمع بين صلاتين من غير عذر فقد أتى بابا من أبواب الكبائر«.
فلما كانت الصلاة أفضل الواجبات بعد الإيمان بالله ورسوله فينبغي الاعتناء بها بأن نؤديها على الوجه الذي أمر الله به من الإتيان بأركانها وشروطها ونجتنب مبطلاتها.
والصلاة شرعا هي أقوال وأفعال مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم. وهي تشتمل على فروض وسنن. فإذا أراد الشخص الصلاة قام إليها ويسن أن يستاك عند القيام إلى الصلاة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ركعتان بسواك أفضل من سبعين ركعة من غير سواك» رواه ابن ماجه، والاستياك معناه استعمال السواك وهو ما يستاك به من أراك ونـحوه ويسن أن يستاك بيمينه ويبدأ بالـجانب الأيـمن من فمه وأن يـمره على سقف حلقه إمرارا لطيفا وعلى كراسي أضراسه. ومن فوائد السواك أنه يطهر الفم ويرضي الرب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «السواك مطهرة للفم مرضاة للرب» رواه أبو داود بإسناد قوي، ومن فوائده أيضا أنه يشد اللثة ويضاعف الأجر ويبيض الأسنان ويذكر بالشهادة عند الموت ويساعد في إخراج الحروف، ثم ينوي بقلبه فعل الصلاة وهو أمر ضروري في النية والنية ركن من أركان الصلاة وهي عمل قلبي فالنطق بها باللسان ليس واجبا، ويجب عليه أن يعين في النية الصلاة ذات السبب كالاستسقاء أو ذات الوقت كالعصر ولا بد أن ينوي الفرضية في الفرض كل ذلك يجب تحصيله مع التكبير أي ضمنه في مذهب الإمام الشافعي، فتكون النية مثلا أصلي فرض العصر ونحو ذلك وقال بعض الشافعية إن نية الفرضية غير لازمة فتصح الصلاة بدونها على هذا الوجه فيكفي أن ينوي أنه يصلي الظهر أو العصر أو المغرب أو صلاة كذا من المفروضات من دون أي ينوي الفرضية بقلبه. ولا يجب عند الإمام مالك أن تكون النية مقترنة بالتكبير فلو نوى الصلاة التي يصليها قبل التكبير بقليل صحت الصلاة عنده. والنية في الصلاة فرض بالإجماع والدليل على اشتراطها حديث البخاري ومسلم «إنما الأعمال بالنيات» هذا الحديث دليل على أن الصلاة لا تصح إلا بنية.
ثم يكبر وجوبا لحديث أبي داود »تحريـمها التكبير وتحليلها التسليم« فيقول بحيث يسمع نفسه ككل ركن قولي «الله أكبر» فمما هو لازم لا يصح التكبير بدونه أن ينطق به بحيث يسمع نفسه جميع حروفه، وكذا كل ركن من الفاتحة والتشهد الأخير والصلاة على النبي والسلام فإنه يشترط فيه أن ينطق به بحيث يسمع نفسه. ومعنى «الله أكبر» أن الله أكبر من كل كبير قدرا وعظمة لا حجما لأن الله منزه عن الحجم، ويصح تفسيره بمعنى الكبير فكلمة «الله أكبر» على هذا مرادفة لكلمة «الله كبير» والكبير هو الجليل كبير الشأن قال تعالى ﴿وهو العلى الكبير﴾، ويشترط في التكبير أن لا يمد الباء بحيث يكون اللفظ «أكبار» فإنه يفسد الصلاة أي لا تنعقد الصلاة بذلك لأن الأكبار في اللغة جمع كبر وهو الطبل الكبير، فإن قال ذلك وكان جاهلا بالمعنى لم تصح صلاته، وإن كان عالما بالمعنى وقال ذلك عمدا كفر والعياذ بالله، وقد نص على أن ذلك كفر مع العلم بالمعنى والتعمد للنطق بعض الشافعية والمالكية فليحذر ذلك في الأذان أيضا. وكذلك يشترط أن لا يزيد واوا قبل لفظ الجلالة فلو قال والله أكبر لم تصح صلاته، كذلك لو زاد واوا بين لفظ الجلالة و(أكبر) وكذلك لو أبدل همزة أكبر بالواو فقال «الله وكبر». ويجهر بالتكبير في الجهرية وغيرها إن كان إماما يسمع من خلفه بخلاف المأموم والمنفرد فيسران به، وتكبيرات الانتقالات كتكبيرة الإحرام فيما ذكر. ويرفع يديه مع ابتداء التكبير حذو منكبيه لحديث الشيخين عن ابن عمر «أنه صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه حذو منكبيه إذا افتتح الصلاة» ونقل ابن المنذر وغيره الإجماع على سنيته. قال النووي: ومعنى حذو منكبيه أن تحاذي أطراف أصابعه أعلى أذنيه وإبهاماه شحمتي أذنيه وراحتاه منكبيه، ويفرق أصابعه عند الرفع تفريقا وسطا. فإذا انقضى التكبير حط يديه بحيث يكون إرسالهما عقيب فراغه. وأخذ مع الحط كوعه الأيسر بكفه الأيمن ويتخير بين بسط أصابع اليمنى في عرض المفصل وبين نشرها صوب الساعد، وجعلهما تحت صدره فوق سرته، روى مسلم عن وائل بن حجر «أنه صلى الله عليه وسلم رفع يديه حين دخل في الصلاة ثم وضع يده اليمنى على اليسرى» ولأبي داود «على ظهر كفه اليسرى والرسغ والساعد»، والرسغ المفصل بين الكف والساعد، وجعل نظره إلى موضع سجوده لأنه أقرب للخشوع ثم يقول «وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا مسلما وما أنا من المشركين إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين» لحديث علي رضي الله عنه «أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا استفتح الصلاة كبر ثم قال ذلك» رواه مسلم إلا كلمة «مسلما» فابن حبان، وسواء في ذلك الإمام والمأموم والمنفرد فرضا كانت الصلاة أو نفلا. ومعنى «وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض» قصدت بعبادتي الخالق الذي خلق السموات والأرض. والحنيف المائل عن الأديان كلها إلى الدين القيم وهو الإسلام. والنسك هو ما يذبح تقربا إلى الله من الذبيحة كالأضحية، كذلك في الحج إذا أخذ الإنسان من بلده إبلا أو بقرا أو غنما فذبحه ضمن حدود الحرم تقربا إلى الله فهذا الذبح لله أي ملك لله وخلق له، ومحياي أي حياتي ومماتي ملك لله وخلق له لا شريك له في ذلك، فكما أن الله خالق الحياة والموت وهما ليسا من الأفعال الاختيارية كذلك الله خالق للأعمال الاختيارية كالصلاة والنسك. ولو ترك دعاء الافتتاح عمدا أو سهوا أو شرع في التعوذ لم يعد إليه.
ثم يقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم لقوله تعالى ﴿فإذا قرأت القرءان فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم﴾ أي إذا أردت قراءته قل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. ولو ترك وشرع في القراءة لم يعد إليه. والاستعاذة أي قول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ليست من القرءان إجماعا ومعناها أستجير بالله ليحفظني من أذى الشيطان وهو الكافر من الجن، والرجيم بمعنى المرجوم وهو البعيد من الخير المطرود المهان. ويستحب البدء بها قبل البدء بقراءة القرءان، ويقرأ فاتحة الكتاب بالبسملة والتشديدات الأربع عشرة فيها فمن ترك شيئا منها لم تصح قراءته للفاتحة فلا تصح صلاته، فلو خفف مشددا لم تصح صلاته إن لم يعد تلك الكلمة على الصواب. وتجب مراعاة موالاتها بأن لا يفصل بين شىء منها وما بعده فلو أخل بالموالاة كأن سكت أثناء القراءة سكوتا طويلا وهو ما زاد على سكتة التنفس بلا عذر وجب الاستئناف أي العود إلى أول الفاتحة، وسكتة التنفس هي مقدار ما يسكت الناس عادة أثناء كلامهم إذا أرادوا أن يتنفسوا، أما إذا كان الفصل لعذر فيجوز أكثر من ذلك كأن غلبه السعال مثلا، ويشترط ترتيبها بأن يأتي بها على نظمها المعروف وإخراج الحروف من مخارجها فهي أي الفاتحة فرض على المنفرد والإمام والمأموم لقوله صلى الله عليه وسلم «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب» رواه البخاري وغيره. أخذ الشافعي رضي الله عنه بعموم اللفظ فقال بأن الحديث يعني المنفرد والإمام والمأموم فلا يستثنى المأموم عنده كما يستثنى في المذاهب الثلاثة الأخرى مذهب مالك ومذهب أبي حنيفة ومذهب أحمد بن حنبل فإن قراءة الإمام قراءة للمأموم عندهم، واحتجوا بقوله صلى الله عليه وسلم «وإذا قرأ [أي الإمام] فأنصتوا» رواه مسلم في صحيحه، ومن أخذ بمذهب الشافعي أخذ بالأحوط في أمر دينه. ثم إن الفاتحة سبع ءايات والبسملة ءاية منها فلو تركها لم تصح قراءته كما أنها ءاية من كل سورة سوى براءة فلا يجوز قراءة البسملة أولها لأن براءة نزلت بالسيف أي بقتال الكفار للتحريض الشديد فيها أكثر مما في غيرها، وكان عبد الله بن عباس رضي الله عنهما يسميها الفاضحة لأنها تفضح المنافقين. والمنافقون هم الذين يبطنون الكفر ويتظاهرون بالإسلام.
بسم الله الرحمٰن الرحيم (1) الحمد لله رب العالمين (2) الرحمٰن الرحيم (3) مالك يوم الدين (4) إياك نعبد وإياك نستعين (5) اهدنا الصراط المستقيم (6) صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين (7)
﴿بسم الله الرحمٰن الرحيم﴾ البسملة ءاية من الفاتحة ولا تصح الصلاة بدونها وقد جرت عادة السلف والخلف على تصدير مكاتيبهم بالبسملة وكذلك يفعلون في مؤلفاتهم حيث إنها في أول كل سورة سوى براءة. والابتداء بها سنة غير واجبة في كل أمر له شرف شرعا سوى ما لم يرد به ذلك بل ورد فيه غيرها كالصلاة فإنها تبدأ بالتكبير، والدعاء فإنه يبدأ بالحمدلة أي قول الحمد لله. ومعنى «بسم الله» أبتدئ بسم الله أي ذاكرا له متبركا به ولفظ الجلالة «الله» اسم يدل على الذات المقدس أي المنزه عن النقائص المستحق للعبادة وهي نهاية التعظيم وغاية الخضوع ومعناه من له الإلهية وهي القدرة على إبراز المعدوم إلى الوجود. و«الرحمٰن» من الأسماء الخاصة بالله ومعناه الكثير الرحمة للمؤمنين والكافرين في الدنيا وللمؤمنين في الآخرة، أما «الرحيم» فمعناه الكثير الرحمة للمؤمنين.
﴿الحمد لله رب العالمين﴾ الحمد معناه الثناء باللسان على الجميل الاختياري على جهة التبجيل والتعظيم. ومعنى الجميل الاختياري الشىء الذي أنعم به على عباده من غير وجوب عليه، وهو مالك العالمين والعالم هو كل ما سوى الله، سمي عالما لأنه علامة على وجود الله.
﴿الرحمٰن الرحيم﴾ الرحمٰن من الأسماء الخاصة بالله ومعناه أن الله شملت رحمته المؤمن والكافر في الدنيا وهو الذي يرحم المؤمنين فقط في الآخرة قال تعالى ﴿ورحمتي وسعت كل شىء فسأكتبها للذين يتقون﴾ أي وسعت رحمة الله في الدنيا كل مؤمن وكافر أما في الآخرة فقد جعلها الله خاصة بالمؤمنين، والرحيم هو الذي يرحم المؤمنين قال الله تعالى ﴿وكان بالمؤمنين رحيما﴾، والرحمٰن أبلغ من الرحيم لأن الزيادة في البناء تدل على الزيادة في المعنى.
﴿مالك يوم الدين﴾ أي أن الله هو المالك وهو المتصرف في المخلوقات كيف يشاء، ويوم الدين هو يوم الجزاء فالله مالك للدنيا والآخرة إنما قال مالك يوم الدين إعظاما ليوم الجزاء لشدة ما يحصل فيه من أهوال.
﴿إياك نعبد وإياك نستعين﴾ أي أن الله تعالى هو وحده المستحق أن يتذلل له نهاية التذلل وهو الذي يطلب منه العون على فعل الخير ودوام الهداية لأن القلوب بيد الله. وتفيد الآية أنه يستعان بالله الاستعانة الخاصة أي أن الله يخلق للعبد ما ينفعه من أسباب المعيشة وما يقوم عليه أمر المعيشة، وليس المعنى أنه لا يستعان بغير الله مطلق الاستعانة بدليل ما جاء في الحديث الذي رواه الترمذي »والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه«.
﴿اهدنا الصراط المستقيم﴾ أي أكرمنا باستدامة الهداية على الإسلام.
﴿صراط الذين أنعمت عليهم﴾ أي دين الذين أكرمتهم من النبيين والملائكة وهو الإسلام.
﴿غير المغضوب عليهم ولا الضآلين﴾.
ويسن أن يقول ءامين عقب الفاتحة في الصلاة فقد جاء في الحديث الذي رواه البخاري »إذا قال الإمام ﴿غير المغضوب عليهم ولا الضآلين﴾ فقولوا ءامين«. وهي ليست من القرءان إجماعا ومعناها اللهم استجب ويجهر بها الإمام لما روى ذلك الدارقطني والحاكم «أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا فرغ من قراءة أم القرءان رفع صوته وقال ءامين» والمأموم يؤمن مع تأمين إمامه لحديث الصحيحين «إذا قال الإمام غير المغضوب عليهم ولا الضالين ءامين فأمنوا فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر الله له ما تقدم من ذنبه». وفي جهر المأموم بها قولان أصحهما وهو القديـم أنه يجهر بها تبعا لإمامه، والمنفرد كالإمام يجهر بها. ولو ترك التأمين وشرع في القراءة لم يعد إليه ثم يقرأ السورة للاتباع كما في الأحاديث الصحيحة المشهورة يبتدئها ببسم الله الرحمٰن الرحيم لأنها ءاية منها فإن كان مأموما في صلاة يجهر فيها لم يقرإ السورة لحديث عبادة بن الصامت أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال «لعلكم تقرؤن خلف إمامكم؟» قلنا نعم قال «لا تفعلوا إلا فاتحة الكتاب فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها» رواه أبو داود والترمذي والدارقطني وحسناه وصححه الحاكم وابن حبان. ويستحب للإمام أن يسكت بعد الفاتحة قدر قراءة المأمومين لها ويشتغل في هذه السكتة بدعاء أو ذكر أو قراءة سرا. والمستحب أن تكون السورة في الصبح والظهر من طوال المفصل وفي العصر والعشاء من أوساط المفصل وفي المغرب من قصار المفصل للاتباع رواه النسائي وابن حبان وغيرهما وأول المفصل من الحجرات كما صححه النووي وطواله إلى عم ومنها إلى الضحى أوساطه ومنها إلى ءاخر القرءان قصاره، ويحصل أصل الاستحباب بقراءة شىء من القرءان لكن السورة أحب. ويجهر الإمام والمنفرد بالقراءة في ركعتي الصبح والركعتين الأوليين من المغرب والعشاء ويسر فيما عدا ذلك ويسر المأموم في الجميع بالإجماع في كل ذلك وخرج بالقراءة التعوذ ودعاء الافتتاح فيسر بهما قطعا. وحد الجهر أن يسمع من يليه، والإسرار أن يسمع نفسه، ولا تجهر المرأة في موضع فيه رجال أجانب بخلاف ما إذا كانت خالية أو عندها نساء أو رجال محارم.
ثم يركع مكبرا رافعا يديه حذو منكبيه لحديث الشيخين »ثم اركع حتى تطمئن راكعا«. والجديد أنه يمد بهذا التكبير وغيره من تكبيرات الانتقالات إلى أن يحصل في الركن المنتقل إليه حتى لا يخلو جزء من صلاته عن الذكر. وأدنى الركوع أي أقله الذي لا يجزئ غيره أن ينحني حتى تبلغ راحتاه ركبتيه لو وضعهما عليهما مع اعتدال الخلقة ولا يكفي بلوغ الأصابع دون الراحتين أو إحداهما، والراحتان هما ما عدا الأصابع من الكفين، ولو كان قصير اليدين فالشرط في صحة ركوعه أن ينحني بحيث تنال راحتاه ركبتيه لو كان معتدلا. ويشترط أن يكون هذا الانحناء بلا انخناس أي ثني الركبتين كثيرا.
والمستحب أن يضع يديه على ركبتيه لحديث البخاري عن أبي حميد «رأيت النبي صلى الله عليه وسلم إذا ركع أمكن يديه من ركبتيه» وفي لفظ الترمذي «وضع يديه على ركبتيه وصنع كالصفيحة» ولأبي داود «راحتيه». ويفرق أصابعه لحديث البيهقي وابن حبان عن وائل بن حجر «كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ركع فرج أصابعه وإذا سجد ضمها». ويمد ظهره وعنقه كالصفيحة لحديث مسلم عن عائشة «أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا ركع لم يشخص رأسه ولم يصوبه» ويجافي مرفقيه عن جنبيه للاتباع رواه أبو داود. وتضم المرأة بعضها إلى بعض لأنه أستر لها. ويقول سبحان ربي العظيم ثلاثا للاتباع رواه مسلم إلا الثلاث فأبو داود وذلك أدنى الكمال ومعناه أنزه ربي العظيم عن كل نقص وعيب أي عن كل ما لا يليق به من العجز والضعف والجهل والخوف والتغير وما في معنى ذلك من صفات البشر، والعظيم أي عظيم الشأن منزه عن صفات الأجسام، فالله أعظم قدرا من كل عظيم. وإن قال مع ذلك «اللهم لك ركعت وبك ءامنت ولك أسلمت، خشع لك سمعي وبصري ومخي وعظمي وعصبي» كان ذلك أكمل فقد روى مسلم في صحيحه وأحمد في مسنده عن علي أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا ركع قال «اللهم لك ركعت وبك ءامنت ولك أسلمت، خشع لك سمعي وبصري ومخي وعظمي وعصبي»، ومعنى «ومخي» السائل داخل العظم، ومعنى «وعصبي» الواحد من أطناب المفاصل. ثم إنما يستحب ذلك لمنفرد أو إمام قوم يرضون بالتطويل. ولا بد من الطمأنينة في الركوع بقدر سبحان الله وهي سكون كل عظم مكانه دفعة واحدة.
ثم يرفع رأسه بأن ينتصب بعد الركوع قائما لحديث الشيخين «ثم ارفع حتى تعتدل قائما» قائلا مع ابتداء الرفع «سمع الله لمن حمده» إماما كان أو منفردا أو مأموما ويرفع يديه مع ابتداء رفع رأسه حذو منكبيه للاتباع فيهما رواه الشيخان وغيرهما فإذا استوى قائما قال «ربنا لك الحمد ملء السموات وملء الأرض وملء ما شئت من شىء بعد» للاتباع رواه مسلم وذلك أدنى الكمال. فإن قال معه «أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد» كان ذلك أكمل للاتباع، رواه مسلم في صحيحه. وقوله «من شىء بعد» أي كالكرسي وسع كرسيه السموات والأرض. والثناء معناه المدح، والمجد معناه العظمة. ومعنى «لا مانع لما أعطيت» أي إذا شاء الله تعالى لعبد أن تصيبه نعمة من النعم فهو يمكنه منها ولا يستطيع أحد أن يمنعها عنه. والجد بالفتح معناه الغنى ومنك بمعنى عندك. وإنما يستحب للمنفرد أو إمام قوم يرضون بالتطويل. ويجهر الإمام بسمع الله لمن حمده ويسر بما بعده ويسر المأموم والمنفرد بالجميع. ومعنى «سمع الله لمن حمده» الله يتقبل حمد من حمده. ويشترط في الاعتدال عدم الصارف فلو رفع فزعا من شىء لم يكف للاعتدال. ولا بد من الطمأنينة في الاعتدال والمراد بالطمأنينة استقرار الأعضاء دفعة واحدة. ويسن أن يقرأ دعاء القنوت في اعتدال الركعة الثانية في الصبح وفي اعتدال ركعة الوتر في نصف رمضان الثاني، ويقول في ءاخره «وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى ءاله وصحبه وسلم». والإمام يأتي به بلفظ الجمع ويجهر به بخلاف المنفرد ويؤمن المأموم على الدعاء فيه إن سمعه ويشارك في الثناء وأوله «فإنك تقضي» وألحق المحب الطبري الصلاة على النبي بالدعاء فيؤمن معها، فإن لم يسمع قنوت الإمام لبعد أو صمم أو نحوه قنت سرا كما يقرأ السورة. روى أبو داود والبيهقي وغيرهما بالإسناد الصحيح عن الحسن بن علي رضي الله عنهما قال: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في الوتر: «اللهم اهدني فيمن هديت وعافني فيمن عافيت وتولني فيمن توليت وبارك لي فيما أعطيت وقني شر ما قضيت، فإنك تقضي ولا يقضى عليك وإنه لا يذل من واليت ولا يعز من عاديت تباركت ربنا وتعاليت فلك الحمد على ما قضيت، أستغفرك اللهم وأتوب إليك». ومعنى «اللهم اهدني فيمن هديت» يا رب اجعلني من المهتدين الذين شئت لهم الهداية. ومعنى «وعافني فيمن عافيت» أي اجعلني من الذين رزقتهم العافية، ومعنى «وتولني فيمن توليت» أي اجعلني من الذين توليتهم بالحفظ، ومعنى «وبارك لي فيما أعطيت» أي اجعل لي البركة فيما أعطيتني، ومعنى «وقني شر ما قضيت» أي جنبني الشر الذي أنت تخلقه وليس معناه مما قدرت أن يصيبني غير مشيئتك واصرفه عني، لأن مشيئة الله لا تتغير، قال صلى الله عليه وسلم: «ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن»، ومعنى «فإنك تقضي ولا يقضى عليك» أي أنت تقدر على مخلوقاتك ولا يقضي عليك غيرك أي لا يصيبك من أحد نفع ولا ضرر، ومعنى «وإنه لا يذل من واليت» أي من شئت له أن يكون عزيزا وأيدته بنصرك لا يكون ذليلا، لو كان بعض الناس يؤذيه فهو عزيز. الأنبياء كثير منهم الكفار قتلوهم وكثير منهم أوذوا من غير أن يصلو إلى حد القتل ومع هذا عند الله أعزاء. ومعنى «ولا يعز من عاديت» أي من كان عدوا لك لا يصير عزيزا أي عندك وعند خيار الناس وإن كان بحسب الظاهر قد يكون عند أمثاله عزيزا وذلك لا عبرة به، ومعنى «تباركت ربنا وتعاليت» دام فضلك يا رب وأنت منزه عن مشابهة الخلق وليس معنى العلو في حق الله علو الجهة والمكان لأن هذا من صفات الخلق ولا يجوز على الخالق، ومعنى «ولك الحمد على ما قضيت» نحمدك يا رب على مشيئتك وقضائك ونحن راضون عن الله في تقديره الخير والشر لا عن العبد الذي يفعل الشر لأن العبد منهي عنه.
ثم يرفع رأسه من السجود مكبرا لحديث الشيخين «ثم ارفع حتى تطمئن جالسا« ويجلس مفترشا للاتباع رواه البخاري والافتـراش أن يـجلس الشخص على كعب الـيسرى جاعلا ظهرها للأرض وينصب قدمه اليمنـى ويضع بالأرض أطراف أصابعها لـجهة القبلة ويقول «اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وعافني وارزقني» وفي اللفظ اختلاف روايات وهذا اللفظ رواية الحاكم وقد صححها هو وغيره. ومعنى وعافني أي ارزقني العافية، المريض يدعو بالعافية والصحيح يدعو بالعافية. ثم يسجد السجدة الثانية مكبرا ثم يرفع رأسه مكبرا ويجلس ندبا جلسة الاستراحة لحديث البخاري عن مالك بن الحويرث أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي فإذا كان في وتر من صلاته لم ينهض حتى يستوي قاعدا. وجلسة الاستراحة جلسة خفيفة بقدر الجلوس بين السجدتين، فلو تركها الإمام فعلها المأموم لقصر زمنها. ثم ينهض إلى الركعة الثانية قائما معتمدا على يديه أي بطنهما على الأرض للاتباع رواه البخاري ولأنه أعون له، ويمد التكبير من الرفع من السجود إلى أن يستوي قائما لئلا يخلو جزء من صلاته عن ذكر ثم يصلي الركعة الثانية مثل الأولى لقوله عليه الصلاة والسلام في حديث المسيء صلاته «ثم اصنع ذلك في صلاتك كلها» رواه الشيخان إلا في النية ودعاء الاستفتاح لأنهما مرادان في الدخول والاستفتاح وذلك مفقود في غير الأولى.
فإن كان في صلاة هي ثلاث ركعات أو أربع جلس بعد الركعتين الأوليين مفترشا، ويتشهد ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم وحده من غير أن يصلي على الآل ثم يصلي ما بقي من صلاته مثل الثانية إلا أنه لا يقرأ السورة لحديث أبي قتادة: أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الظهر في الأوليين بأم الكتاب وسورتين، وفي الركعتين الأخريين بأم الكتاب ويطول في الركعة الأولى ما لا يطول في الثانية وكذا في العصر، متفق عليه.
وإن كان في صلاة هي ركعتان جلس بعد الركعتين متوركا للاتباع رواه البخاري يفرش رجله اليسرى وينصب اليمنى ويخرجهما من تحته، ويفضي بوركه إلى الأرض ويضع يده اليمنى على فخذه اليمنى ويقبض أصابعه إلا المسبحة من اليمنـى فلا يقبضها وهي التي تلي الإبهام فإنه يشير بها رافعا لـها حال كونه متشهدا وذلك عند قوله «إلا الله» ولا يـحركها، ويبسط اليد اليسرى أي لا يقبض من أصابعها شيئا ويضعها على الفخذ اليسرى بـحيث تسامت رؤوس أصابعها الركبة للاتباع في كل ذلك، روى مسلم عن ابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا جلس وضع يده على ركبتيه ورفع إصبعه اليمنى التي تلي الإبهام فدعى بها ويده اليسرى على ركبته باسطها عليها. ويتشهد فيقول «التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله» للاتباع وهذا أكمله أما أقل التشهد الذي لا تصح الصلاة بدونه فهو «التحيات لله سلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته سلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله». والتحيات معناها ما يحيي به العباد بعضهم بعضا، أي أن كل التعظيمات التي يعظمها الخلق بعضهم لبعض هي ملك لله، وأما «المباركات» فمعناها الأعمال النامية في الخير، وأما «الصلوات» فهي الصلوات الخمس، وقيل الدعاء بخير. وأما «الطيبات» فمعناها الأعمال الصالحة، ومعنى «لله» أي أن كل ذلك ملك لله. ومعنى «السلام عليك أيها النبي» الله يحفظك مما تكرهه، شامل للأمة، ومعنى «أيها النبي» يا نبي الله. وأما «وبركاته» فمعناه الزيادات في الخير، ومعنى «السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين» الله يحفظنا ويحفظ عباده المتقين من السوء، وأما «الصالحين» فهو جمع صالح، والصالح من كان قائما بحقوق الله وحقوق الخلق. وحقوق الله من جملتها تعلم ما افترض الله على عباده ومنها أداء الواجبات واجتناب المحرمات فلا يكون العبد صالحا بغير ذلك، وأما السالحون بالسين فمعناه المتغوطون أو أصحاب السلاح فليحذر قراءة الصالحين بالسين لفساد المعنى. ومعنى «أشهد أن لا إله إلا الله» أعتقد بقلبي وأعترف بلساني أن لا معبود بحق إلا الله، أي لا يستحق أحد أن يعبد أي أن يتذلل له نهاية التذلل إلا الله. ومعنى «أشهد أن محمدا رسول الله» أعتقد بقلبي وأعترف بلساني أن سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم مرسل من عند الله إلى كافة العالمين من إنس وجن، صادق في كل ما يبلغه عن الله تعالى ليؤمنوا بشريعته ويتبعوه.
ثم يصلي على النبي وجوبا لقوله تعالى ﴿يا أيها الذين ءامنوا صلوا عليه﴾ فيقول »اللهم صل على محمد وعلى ءال محمد كما صليت على إبراهيم وعلى ءال إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى ءال محمد كما باركت على إبراهيم وعلى ءال إبراهيم إنك حميد مجيد« وأقل الصلاة على النبي »اللهم صل على محمد«. ومعنى اللهم صل على محمد اللهم زد سيدنا محمدا شرفا وتعظيما وليس معناه أن الله يشبهنا ويصلي مثلنا، أما ءال محمد فمعناه أهل بيته. ومعنى الحميد المستحق للحمد والثناء والمدح، وأما المجيد فمعناه الواسع الكرم العالي القدر.
ويقرأ بعد الانتهاء من الصلاة الإبراهيمية دعاء ءاخر الصلاة وهو »ربنا ءاتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب». اللهم ءاتنا في الدنيا حسنة أي عملا صالحا وفي الآخرة حسنة أي ارزقنا الجنة، ومعنى »الوهاب» الذي يجود بالعطاء من غير استثابة أي يثيب الطائعين فضلا منه وكرما. فالله سبحانه وتعالى لا يرجو من عباده ثوابا أو منفعة، ما كلفهم بالعبادة لأنه يلحقه نفع من ذلك، وكيف يرجو ثوابا من عباده وهو خالقهم وخالق أعمالهم.
ويدعو بما يحب من أمر الدين والدنيا لحديث الشيخين، والمستحب أن يدعو بدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول »اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أسرفت وما أنت أعلم به مني أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت« رواه مسلم من حديث علي، أسرف يسرف تجاوز الحد، المقدم والمؤخر أي المنزل للأشياء منازلها يقدم ما يشاء منها ويؤخر ما يشاء بحكمته.
ثم يسلم تسليمتين إحداهما عن يمينه وهي فرض للحديث السابق »وتحليلها التسليم« والأخرى عن يساره. ولفظهما »السلام عليكم« والأفضل زيادة ورحمة الله، ومعنى »السلام عليكم« أطلب لكم السلامة من الله للذين وراءه من مؤمنين من إنس وجن ولو لم يكن معه بشر، وكذلك الملائكة قد يصلون خلف شخص إن كانت صلاته صحيحة، الذي يصلي في البرية في جماعة بأذان وإقامة يصلي خلفه ما لا يرى طرفاه من الجن والملائكة. روى ابن حبان وغيره عن ابن مسعود: أنه صلى الله عليه وسلم كان يسلم للصلاة عن يمينه وشماله حتى يرى بياض خده »السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله». ومن شروط إجزاء السلام الإتيان بأل فلا يكفي سلام عليكم، والموالاة بين كلمتيه، وأن يكون بحيث يسمع نفسه، وكونه مستقبل القبلة بصدره إلى تمامه وذلك بالإتيان بميم عليكم. وتسن التسليمة الثانية وإن تركها الإمام، هذا إذا لم يعرض معها أو قبلها مبطل كحدث، والفصل بين التسليمتين بقدر سبحان الله، والابتداء به مستقبلا للقبلة بوجهه، والالتفات في الأولى إلى الجانب الأيمن بحيث يرى من على جانبه، والالتفات في الثانية إلى الجانب الأيسر.
ويقرأ عقب الصلاة »اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك»، ومعناه يسر لي ذكرك وأن أعمل العبادة الحسنة أي المقبولة. ويقرأ أيضا »اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام». والسلام من أسماء الله ومعناه السالم من كل نقص وعيب فلا يوصف بالظلم أو الولدية أو الزوجية قال تعالى ﴿السلام المؤمن﴾، ومنك السلام أي أنت الذي تعطي السلام. ومعنى تباركت دام فضلك، وأما ذو الجلال والإكرام فمعناه أن الله مستحق أن يجل فلا يجحد ولا يكفر به، وهو المكرم أهل ولايته بالفوز والنور التام يوم القيامة.
ثم يدعو سرا لحديث الترمذي أنه صلى الله عليه وسلم سئل أي الدعاء أسمع [أي أقرب إلى الإجابة] فقال: »جوف الليل الآخر ودبر الصلوات المكتوبات».