الجمعة ديسمبر 12, 2025
صفة الإرادة لله تعالى:
اعلم أخي المسلم أن الإرادة وهي المشيئة صفة ثابتة لذات الله لا ابتداء ولا انتهاء لها يخصص الله بها كل ما دخل بالوجود بوجوده بدل أن يبقى في العدم وبالصفة التي عليها دون غيرها وبوقت دون ءاخر ثم إن الإرادة بمعنى المشيئة شاملة لأعمال العباد الخير منها والشر فكل ما دخل في الوجود من أعمال الشر من كفر ومعاص فبمشيئة الله وقع وحصل ولولا تخصيص الله تعالى لها بالوجود ما وجدت. وليس خلق القبيح قبيحا من الله، وإرادة وجود القبيح ليس قبيحا من الله، إنما القبيح فعله وإرادته من الخلق. فالله تعالى خالق الخير والشر ولكن يحب الخير ولا يحب الشر ولا يرضى ولا يأمر به. وقوله تعالى: “ادعوني أستجب لكم” معناه أطيعوني أثبكم. ويجب التحذير من قول يردده بعض الناس: كان الله يريد أن يخلق فلانة ذكرا ثم خلقها أنثى وعكسه، فإن في ذلك نسبة الجهل إلى الله ونسبة تغير المشيئة الأزلية، والله لا يجوز عليه التغير في ذاته أو في صفة من صفاته لأن التغير علامة الحدوث والحدوث ينافي الألوهية وأما قوله تعالى: “كل يوم هو في شأن” فليس معناه أن الله يغير مشيئته، وإنما معناه كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يغفر ذنبا ويفرج كربا ويرفع قوما ويضع ءاخرين” رواه ابن حبان، ويوافق هذا قول الناس: سبحان الذي يغير ولا يتغير، وهو كلام جميل، إذ التغير في المخلوقات وليس في الله وصفاته. والدليل على أن مشيئة الله لا تتغير لدعاء داع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “سألت ربي أربعا فأعطاني ثلاثا ومنعني واحدة: سألته أن لا يكفر أمتي جملة فأعطانيها وسألته أن لا يهلك أمتي بما أهلك به الأمم قبلهم فأعطانيها وسألته أن لا يظهر عليهم عدوا من غيرهم فأعطانيها وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها”. وفي رواية لمسلم في صحيحه “وقال يا محمد إني إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد” ومعنى قوله عليه السلام “سألته أن لا يكفر أمتي جملة فأعطانيها” أي أن أمته لا يكفرون كلهم ولا جمهورهم وإن كفر بعضهم الذين هم الأقل وقوله “وسألته أن لا يهلك أمتي بما أهلك به الأمم قبلهم فأعطانيها” أي أن لا يهلك أمته بما أهلك به الأمم السابقة كأمة نوح وأمة هود وأمة صالح أي أن لا يسلط عليهم عذابا يستأصلهم جملة بالغرق مثلا أو المجاعة أو غير ذلك فأعطاه ذلك، وقوله “وسألته أن لا يظهر عليهم عدوا من غيرهم فأعطانيها” أي أن لا يسلط على أمته عدوا كافرا يستأصلهم كلهم فلا يستطيع الكفار ولو اجتمعوا من بين مشارق الأرض ومغاربها على أن يبيدوا أمة محمد ويفنوهم من على وجه الأرض لأن الله لا يمكنهم من ذلك، والرابع الذي طلبه سيدنا محمد من الله فلم يعطه إياه هو أن يجعل أمته لا يقتلوا بعضهم بعضا وفي رواية لمسلم قال: “يا محمد إني إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد” ومعناه لا أعطيك هذا الطلب لأني شئت في الأزل أن يصير في أمتك قتال بين بعضهم البعض فلا بد أن يصير ذلك. والله تعالى لا يعترض عليه.