الجمعة أكتوبر 18, 2024

شَفاءُ رِجْلِ ابنِ عَتِيكٍ بِمَسْحةٍ مِنهُ

452-        

وَابْـنُ عَتِيْكٍ رِجْـلُـهُ أُصِـيْبَتْ


 

فَهْـيَ بِمَسْـحِهِ سَـرِيعًا بَرِئَـتْ


 




(وَ)كذلكَ الصّحابيُّ الجليلُ عبدُ الله (ابْنُ عَتِيْكٍ) الخَزرجيُّ الأنصاريُّ كانَ بَعْثَ النّبيّ ﷺ على رِجالٍ مِن الأنصارِ بعثَهُم النَّبِيُّ لِقَتْلِ أبي رافِعٍ اليَهوديّ الّذي كان يؤذِي النَّبِيَّ ويُعِينُ عليهِ، فقُتِلَ أبو رافِعٍ على يَدِ ابنِ عَتِيكٍ لكن (رِجْلُهُ) أي ساقُ ابنِ عَتِيكٍ (أُصِيْبَتْ) وَقتَها لكنّها عادتْ كما كانتْ (فَهْيَ) أي ساقُهُ (بِمَسْحِهِ) أي مَسحةٍ مِن يَدِ النّبِيّ الكريمةِ (سَرِيعًا) عَقِبَ المَسحِ قَد (بَرِئَتْ) أي شُفِيَتْ وكأنّه لَم يَشتَكِ شيئًا قَبلُ.

ورَوَى الخَبرَ بِطُولِه البُخاريُّ في «صحِيحِه» عنِ البَراءِ بنِ عازِبٍ رضي الله عنه قالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ ﷺ إِلَى أَبِي رافِعٍ اليَهُودِيِّ رِجالًا مِنَ الأَنْصارِ، فَأَمَّرَ عَلَيْهِم عَبْدَ اللهِ بْنَ عَتِيكٍ، وَكانَ أَبُو رافِعٍ يُؤْذِي رَسُولَ اللهِ ﷺ وَيُعِينُ عَلَيْهِ، وَكانَ فِي حِصْنٍ لَهُ بِأَرْضِ الحِجازِ، فَلَمّا دَنَوْا مِنْهُ وَقَدْ غَرَبَتِ الشَّمْسُ وَراحَ النّاسُ بِسَرْحِهِمْ فَقالَ عَبْدُ اللهِ لِأَصْحابِهِ: اجْلِسُوا مَكانَكُمْ، فَإِنِّي مُنْطَلِقٌ وَمُتَلَطِّفٌ لِلْبَوّابِ لَعَلِّي أَنْ أَدْخُلَ، فَأَقْبَلَ حَتَّى دَنا مِنَ البابِ ثُمَّ تَقَنَّعَ بِثَوْبِهِ كَأَنَّهُ يَقْضِي حاجَةً وَقَدْ دَخَلَ النّاسُ، فَهَتَفَ بِهِ البَوّابُ يا عَبْدَ اللَّهِ: إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ أَنْ تَدْخُلَ فادْخُلْ فَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُغْلِقَ البابَ، فَدَخَلْتُ فَكَمَنْتُ، فَلَمّا دَخَلَ النّاسُ أَغْلَقَ البابَ ثُمَّ عَلَّقَ الأَغالِيقَ([1]) عَلَى وَتدٍ، قالَ: فَقُمْتُ إِلَى الأَقالِيدِ فَأَخَذْتُها فَفَتَحْتُ البابَ، وَكانَ أَبُو رافِعٍ يُسْمَرُ عِنْدَهُ([2])، وَكانَ فِي عَلاَلِيَّ([3]) لَهُ، فَلَمّا ذَهَبَ عَنْهُ أَهْلُ سَمَرِهِ صَعِدْتُ إِلَيْهِ، فَجَعَلْتُ كُلَّما فَتَحْتُ بابًا أَغْلَقْتُ عَلَيَّ مِنْ داخِلٍ قُلْتُ: إِنِ القَوْمُ نَذِرُوا بِي([4]) لَم يَخْلُصُوا إِلَيَّ حَتَّى أَقْتُلَهُ، فانْتَهَيْتُ إِلَيْهِ فَإِذا هُوَ فِي بَيْتٍ مُظْلِمٍ وَسْطَ عِيالِهِ، لاَ أَدْرِي أَيْنَ هُوَ مِنَ البَيْتِ، فَقُلْتُ: يا أَبا رافِعٍ، قالَ: مَنْ هَذا؟ فَأَهْوَيْتُ نَحْوَ الصَّوْتِ فَأَضْرِبُهُ ضَرْبَةً بِالسَّيْفِ وَأَنا دَهِشٌ([5]) فَما أَغْنَيْتُ شَيْئًا، وَصاحَ فَخَرَجْتُ مِنَ البَيْتِ فَأَمْكُثُ غَيْرَ بَعِيدٍ، ثُمَّ دَخَلْتُ إِلَيْهِ فَقُلْتُ: ما هَذا الصَّوْتُ يا أَبا رافِعٍ؟ فَقالَ: لِأُمِّكَ الوَيْلُ، إِنَّ رَجُلًا فِي البَيْتِ ضَرَبَنِي قَبْلُ بِالسَّيْفِ، قالَ: فَأَضْرِبُهُ ضَرْبَةً أَثْخَنَتْهُ([6]) وَلَم أَقْتُلْهُ، ثُمَّ وَضَعْتُ ظِبَةَ السَّيْفِ([7]) فِي بَطْنِهِ حَتَّى أَخَذَ فِي ظَهْرِهِ فَعَرَفْتُ أَنِّي قَتَلْتُهُ، فَجَعَلْتُ أَفْتَحُ الأَبْوابَ بابًا بابًا حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى دَرَجَةٍ لَهُ فَوَضَعْتُ رِجْلِي وَأَنا أُرَى أَنِّي قَدِ انْتَهَيْتُ إِلَى الأَرْضِ، فَوَقَعْتُ فِي لَيْلَةٍ مُقْمِرَةٍ([8]) فانْكَسَرَتْ ساقِي فَعَصَبْتُها بِعِمامَةٍ ثُمَّ انْطَلَقْتُ حَتَّى جَلَسْتُ عَلَى البابِ، فَقُلْتُ: لا أَخْرُجُ اللَّيْلَةَ حَتَّى أَعْلَمَ أَقَتَلْتُهُ، فَلَمّا صاحَ الدِّيكُ قامَ النّاعِي عَلَى السُّورِ فَقالَ: أَنْعَى أَبا رافِعٍ تاجِرَ أَهْلِ الحِجازِ، فانْطَلَقْتُ إِلَى أَصْحابِي فَقُلْتُ: النَّجاءَ([9]) فَقَدْ قَتَلَ اللَّهُ أَبا رافِعٍ، فانْتَهَيْتُ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَحَدَّثْتُهُ فَقالَ: «ابْسُطْ رِجْلَكَ»، فَبَسَطْتُ رِجْلِي فَمَسَحَها فَكَأَنَّها لَم أَشْتَكِها قَطُّ.



([1]أي المَفاتيحَ.

([2]أي يَتحدَّثون ليلًا.

([3]جمعُ عُلِّيَّةٍ وهي الغُرفةُ.

([4])  أي عَلِمُوا بِي.

([5]أي مُتحيِّرٌ.

([6]أيْ أضْعَفَتِ الضَّربةُ أبا رافِعٍ لكنْ لَم تَقتُلْه.

([7]حَرفُ حَدِّ السَّيفِ.

([8]يَعِني كان سبَبُ وُقوعِه على الأرضِ أنَّ ضَوءَ القمَرِ وقَعَ في دَرَجِ العُلِّيَّةِ فدَخَل علَيهِ، فحَسِبَ أنَّ الدَّرَج مُساوٍ للأَرضِ فوَقَعَ مِنهُ على الأَرضِ، قاله الطِّيبيُّ.

([9]أي أَسرِعُوا.