الأحد ديسمبر 7, 2025

 

#6

 

(53) السُّؤَالُ الثَّالِثُ وَالخَمْسِينَ: ما الفرق بين النبى غير الرسول والنبى الرسول.

   النبى غير الرسول هو إنسان أوحى إليه لا بشرع جديد بل أوحى إليه باتباع شرع الرسول الذى قبله، والرسول من أوحى إليه بشرع جديد وكلاهما مأمور بالتبليغ قال تعالى ﴿كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين﴾.

(54) السُّؤَالُ الرَّابِعُ وَالخَمْسِينَ:  تكلم عن الإيمان بالكتب السماوية.

   يجب الإيمان بالكتب السماوية المنزلة على رسل الله وهى كثيرة أشهرها القرءان والتوراة والإنجيل والزبور وعدد الكتب السماوية مائة وأربعة كما نقل ذلك الشيخ شمس الدين الرملى فى كتاب نهاية المحتاج فى شرح المنهاج.

الشرح: يجب الإيمان بالكتب السماوية المنزلة على رسل الله وهى مائة وأربعة وأشهرها القرءان الذى أنزل على سيدنا محمد بالعربية والتوراة أى الأصلى الذى أنزل على سيدنا موسى بالعبرانية والإنجيل أى الأصلى الذى أنزل على سيدنا عيسى بالسريانية والزبور الذى أنزل على سيدنا داود بالعبرانية. فقد روى ابن حبان فى صحيحه من حديث أبى ذر أنه قال قلت يا رسول الله كم كتابا أنزل الله قال مائة كتاب وأربعة كتب أنزل على شيث خمسون صحيفة وأنزل على أخنوخ (أى إدريس) ثلاثون صحيفة وأنزل على إبراهيم عشر صحائف وأنزل على موسى قبل التوراة عشر صحائف وأنزل التوراة والإنجيل والزبور والقرءان.

   والتوراة والإنجيل مزقا وحرفا ولا يقال رفعا ويوجد كتب رفعت فقد جاء عن سيدنا على رضى الله عنه أنه قال إن المجوس كان لهم كتاب وعلم يدرسونه، رواه أبو داود من حديث ابن عمر، أى كانوا على الإسلام وكان لهم كتاب سماوى وعلم يدرسونه ثم ملكهم شرب الخمر فسكر فوقع على أخته ثم لما صحا تسامع الناس بأمره فجمع رؤساء من رعيته فقال لهم ءادم أيضا كان يزوج بنيه من بناته فلا يجوز لنا أن نقبح ما فعله ءادم فقالوا له لكن أنت ما فعلته حرام أما ما فعله ءادم فهو حلال فبعضهم خالفوه وأنكروا عليه وبعضهم وافقوه فرضى عنهم وعذب الآخرين فقتل من قتل منهم حتى مشى رأيه. قال سيدنا على فلما فعلوا ذلك أسرى بكتابهم أى رفع من بينهم وفقدوه وأخذ من قلوبهم ذلك العلم الذى كان فيهم وهو علم الإسلام فعبدوا النار. أما القرءان الكريم فقد حفظه الله من التحريف لقوله تعالى ﴿إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون﴾ وفى ءاخر الزمان يرفع القرءان إلى السماء ولا تبقى ءاية منه فى الأرض.

 

(55) السُّؤَالُ الْخَامِسُ وَالخَمْسِينَ: تكلم عن الإيمان بالقدر خيره وشره.

   يجب الإيمان بالقدر خيره وشره أى أن كل ما دخل فى الوجود من خير وشر فهو بتقدير الله الأزلى فالخير من أعمال العباد بتقدير الله ومحبته ورضاه والشر من أعمال العباد بتقدير الله لا بمحبته ورضاه قال ﷺ «الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره» رواه مسلم.

الشرح: يجب الإيمان بالقدر خيره وشره أى أن كل ما دخل فى الوجود من خير وشر فهو بتقدير الله الأزلى أى أن الله أوجده على حسب علمه الأزلى ومشيئته الأزلية. قال رسول الله ﷺ الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره، رواه مسلم. والقدر يطلق ويراد به صفة الله أى التقدير ويطلق ويراد به المقدور أى ما قدره الله تعالى من المخلوقات وهذا هو المقصود بقوله ﷺ وتؤمن بالقدر خيره وشره. ذكر القدر أولا بمعنى تقدير الله ثم أعيد الضمير إليه بمعنى المقدور لأن تقدير الله حسن ليس شرا قال الإمام أبو حنيفة فى الفقه الأكبر والطاعة كلها ما كانت واجبة بأمر الله تعالى ومحبته وبرضائه وعلمه ومشيئته وقضائه وتقديره والمعاصى كلها بعلمه وقضائه وتقديره ومشيئته لا بمحبته ولا برضائه ولا بأمره.

   فيجب اعتقاد أن كل شىء يحصل بقضاء الله وقدره أى بخلق الله ومشيئته قال الله تعالى ﴿إنا كل شىء خلقناه بقدر﴾ وقال تعالى ﴿وخلق كل شىء فقدره تقديرا﴾ وقال رسول الله ﷺ كل شىء بقدر، رواه مسلم. وخالف فى ذلك محمد راتب النابلسى فقال ولكن هذه الأعمال التى تقترفونها ليست من قضاء الله وقدره بل هى من اختياركم أنتم. وكلامه هذا تكذيب للقرءان والحديث وإجماع الأمة.

(56) السُّؤَالُ السَّادِسُ وَالخَمْسِينَ: تكلم عن بعض ما يتعلق بالإيمان برسالة نبينا .

   يجب الإيمان برسالة النبى محمد ﷺ وبأنه خاتم النبيين أى ءاخرهم قال تعالى ﴿وخاتم النبيين﴾ وقال ﷺ «وختم بى النبيون» رواه مسلم. ويجب الإيمان بأن سيدنا محمدا ﷺ سيد ولد ءادم أجمعين وهذا متفق عليه عند العلماء وهو مأخوذ من حديث رواه الترمذى «أنا سيد ولد ءادم يوم القيامة ولا فخر» أى لا أقول ذلك افتخارا إنما تحدثا بنعمة الله.

الشرح: يجب الإيمان أنه رسول الله وأنه خاتم النبيين أى ءاخرهم قال تعالى فى سورة الأحزاب ﴿وخاتم النبيين﴾ وقال ﷺ وختم بى النبيون، رواه مسلم.

   وخالف فى ذلك جماعة يقال لها الأحمدية ويقال لها القاديانية وهم أتباع غلام أحمد القاديانى الذى كان فى الهند وتوفى منذ نحو قرن ونصف ادعى أنه نبى يوحى إليه فقام عليه المسلمون ليقتلوه فاحتمى بالانكليز ثم قال فيما ادعى أنه وحى من الله يجب علينا شكر الدولة البريطانية لأنهم أحسنوا إلينا بأنواع الإحسان وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان وحرام علينا وعلى جميع المسلمين قتال الانكليز. أتباعه يعتقدون أنه نبى مجدد وأحيانا يقولون نبوته نبوة ظلية أى تحت ظل محمد أى ليس مستقلا إنما هو منتسب إلى سيدنا محمد وكل هذا كفر فإنه لا يجوز أن ينبأ أى أن ينزل الوحى على شخص بعد محمد استقلالا ولا تجديدا لنبوة محمد فهؤلاء القاديانية يموهون على الناس بقولهم إن معنى قوله تعالى ﴿وخاتم النبيين﴾ زينة النبيين وينكرون أن معناه ءاخر الأنبياء. ومما يدل على أن المراد بقوله تعالى ﴿وخاتم النبيين﴾ أنه ءاخرهم قراءة الآية بالكسر ﴿وخاتم النبيين﴾ وقوله ﷺ وختم بى النبيون رواه مسلم. فيقال ختم به الحضور أى كان ءاخر من حضر ولا يقال لغة ختم بالخاتم إنما يقال تختم بالخاتم فبطل تفسيرهم للآية بأنه زينة النبيين. فيجب اعتقاد أن النبى ﷺ هو خاتم الأنبياء والمرسلين أى ءاخرهم وأنه سيد البشر لقوله ﷺ أنا سيد ولد ءادم يوم القيامة ولا فخر، أى لا أقول ذلك افتخارا إنما تحدثا بنعمة الله. والحديث رواه الترمذى.

 

(57) السُّؤَالُ السَّابِعُ وَالخَمْسِينَ: تكلم عن بعض الصفات الواجبة لأنبياء الله تعالى.

   الله تعالى أرسل أنبياءه ليبلغوا الناس مصالح دينهم ودنياهم فهم قدوة للناس ولذلك فإن الله تعالى جملهم بصفات حميدة وأخلاق حسنة منها الصدق والأمانة والفطانة والشجاعة والعفة قال الله تعالى بعد ذكر عدد منهم ﴿وكلا فضلنا على العالمين﴾. فالأنبياء هم صفوة الخلق صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين وقد قال ﷺ «ما بعث الله نبيا إلا حسن الوجه حسن الصوت وإن نبيكم أحسنهم وجها وأحسنهم صوتا» رواه الترمذى.

الشرح: يجب اعتقاد أن كل نبى من أنبياء الله يجب أن يكون متصفا بالصدق والأمانة والشجاعة والفصاحة والفطانة أى الذكاء. يجب للأنبياء الصدق ويستحيل عليهم الكذب لأن الكذب نقص لا يليق بمنصب النبوة فقد كان سيدنا محمد ﷺ معروفا بين أهل مكة بالأمين لما عرف به من الصدق والأمانة والنزاهة فلم تحصل منه كذبة قط.

   أما قول إبراهيم عليه السلام عن زوجته سارة إنها أختى وهى ليست أخته فى النسب فكان لأنها أخته فى الدين بغرض صيانتها من أذى الملك الجبار الظالم فليس هذا كذبا من حيث الباطن والحقيقة إنما هو صدق هو قصد أنها أخته فى الدين فليس كذبا أليس الله يقول ﴿إنما المؤمنون إخوة﴾ فلا يجوز اعتقاد أن إبراهيم عليه السلام كذب لأن الأنبياء منزهون عن الكذب.

   إبراهيم عليه السلام قال عن زوجته سارة إنها أختى لما جاء إلى أرض جبار من جبابرة الكفار فكان من عادة هذا الملك أى امرأة جميلة تدخل أرضه تحمل إليه ليزنى بها وسارة كانت من أجمل النساء. هذا الملك كان من عادته أنه إذا كانت المرأة أخت الرجل يتركها وإلا يأخذها. بعض سماسرته قال له اليوم جاءت امرأة من أحسن البشر إلى أرضك فقال ايتوا بها فلما رءاها ما تمالك نفسه مد يده إليها فيبست يده أى ما كان يستطيع أن يحركها فقال لها ادعى لى فدعت الله فصحت يده ثم لم يتمالك نفسه مد يده إليها ثانية فيبست يده فقطع الأمل جزم أن لا يحاول بعد هذا. قال لها ادعى لى لا أعود إليك فصحت يده.

   ويجب اعتقاد أن الأنبياء هم أشجع خلق الله فليس فيهم من هو جبان ضعيف القلب وقد قال بعض الصحابة كنا إذا حمى الوطيس فى المعركة نحتمى برسول الله ﷺ أى كنا نحتمى به إذا اشتدت المعركة فقد أعطى الله نبينا محمدا ﷺ قوة أربعين رجلا من الأشداء. أما الخوف الطبيعى فلا يستحيل على النبى كالتخوف من تكالب الكفار عليه حتى يقتلوه كما جاء فى القرءان عن سيدنا موسى عليه السلام أنه قال ﴿ففررت منكم لما خفتكم﴾ والفرار لا يشعر بالجبن وهو غير الهرب المشعر بالجبن. والأنبياء يخافون الله خوف الإجلال والتعظيم لكنهم يوم القيامة لا يخافون أن يصيبهم أذى.

   ويجب اعتقاد أن الأنبياء كلهم فصحاء يتكلمون بكلام واضح مفهوم وليس فيهم من لا يحسن النطق أو من يعجل فى كلامه فلا يطاوعه لسانه وليس فى ألسنتهم علة تجعل كلامهم غير مفهوم للسامعين. وقد كان ءادم عليه السلام فصيح اللسان ويتكلم كل اللغات وكان يتفاهم مع أولاده بالكلام الواضح وليس بالإشارة بدليل قوله تعالى فى سورة البقرة ﴿وعلم ءادم الأسماء كلها﴾ وقوله تعالى فى سورة إبراهيم ﴿وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم﴾ وقوله ﷺ إن الله علم ءادم أسماء كل شىء رواه الحاكم فى المستدرك. وكان عليه السلام حسن الصوت قال رسول الله ﷺ ما بعث الله نبيا إلا حسن الوجه حسن الصوت وإن نبيكم أحسنهم وجها وأحسنهم صوتا، رواه الإمام أحمد. وروى مسلم عن جبير بن مطعم رضى الله عنه أنه قال سمعت رسول الله ﷺ يقرأ ﴿والطور فكاد قلبى يطير، أى من حسن صوته عليه الصلاة والسلام.

   أما سيدنا موسى عليه السلام فقد تأثر لسانه بالجمرة التى تناولها ووضعها فى فمه حين كان طفلا أمام فرعون أى أثرت تلك الجمرة شيئا قليلا فى اللحم ولم تؤثر على فصاحته ولا على بلاغته ولا على حسن نطقه ولا على مخارج حروفه بل كان يتكلم على الصواب وكان كلامه واضحا مفهما لا يبدل حرفا بحرف ولم يكن فيه شىء بحيث يكون معيبا عند الناس فدعا الله تعالى لما نزل عليه الوحى فقال ﴿واحلل عقدة من لسانى﴾ فذهب ذلك الأثر من لسانه.

   ويجب للأنبياء الفطانة أى الذكاء ويستحيل عليهم البلادة أى الغباوة فلا يليق بهم أن يكونوا أغبياء لأن الله أرسلهم ليبلغوا الرسالة ويبينوا الحق ويقيموا الحجة على الكفار المعاندين فلو كانوا أغبياء لنفر الناس منهم لغباوتهم والله حكيم لا يجعل النبوة والرسالة فى الأغبياء.

   ويجب اعتقاد أن الله تعالى حفظ الأنبياء من الكذب والخيانة والرذالة والسفاهة والجبن والبلادة أى الغباوة وحفظهم من الكفر والكبائر وصغائر الخسة أى الذنوب الصغيرة التى فيها خسة ودناءة نفس كسرقة حبة عنب قبل النبوة وبعدها خلافا لقول حزب التحرير بجواز ذلك على الأنبياء قبل النبوة فإن من جملة كفرهم وضلالهم ما ذكره زعيمهم تقى الدين النبهانى فى كتابه المسمى الشخصية الإسلامية ونص كلامه إلا أن هذه العصمة للأنبياء والرسل وإنما تكون بعد أن يصبح نبيا أو رسولا بالوحى إليه أما قبل النبوة والرسالة فإنه يجوز عليهم ما يجوز على سائر البشر لأن العصمة هى للنبوة والرسالة. فعلى قوله تصح النبوة لمن كان لصا سراقا أو لائطا. فمن كانت له سوابق من هذا القبيل لا يصلح للنبوة ولو تخلى عنها فيما بعد فيعلم من ذلك أن الله تعالى لا يختار لهذا المنصب إلا من هو سالم من الرذالة والسفاهة والخيانة لأن الله عز وجل لا يرسل إنسانا مطعونا فيه بسفاهة أو خيانة أو رذالة أو كذب لهداية عباده بل يرسل إنسانا نشأ على الصدق والعفة والنزاهة فى العرض والخلق وحسن معاملة الناس.

 

(58) السُّؤَالُ الثَّامِنُ وَالخَمْسِينَ: تكلم عن بعض ما لا يجوز على أنبياء الله من الصفات.

   لما كان الأنبياء قدوة للناس وقد جملهم الله بالصفات الحميدة فإنه كذلك عصمهم ونزههم عن الصفات الذميمة فلا يجوز على أنبياء الله الكذب والخيانة والرذالة والسفاهة والبلادة كما أنهم معصومون من الكفر والكبائر وصغائر الخسة قبل النبوة وبعدها ويمكن أن يرتكب الواحد منهم معصية صغيرة ليس فيها خسة ودنائة لكن ينبهون فورا للتوبة قبل أن يقتدى بهم فيها غيرهم.

الشرح: مما يستحيل على الأنبياء الخيانة والرذالة والسفاهة والجبن. الخيانة هي ضد النصيحة وقد تكون بالفعل كأكل الأمانة أو بالقول كجحد الأمانة أى إنكارها أو بالحال كمن يوهم الناس أنه من أهل الأمانة وهو ليس كذلك. والرذالة هى صفات الأسافل الدون من الناس كاختلاس النظر إلى المرأة الأجنبية بشهوة. أما السفاهة فهى التصرف بخلاف الحكمة أو التلفظ بألفاظ شنيعة تستقبحها النفس. وأما الجبن فهو ضعف القلب. ويستحيل على الأنبياء الجنون والخرف وتأثير السحر فى عقولهم وتصرفاتهم ولا تحصل فى أبدانهم ولا فى أفواههم ولا فى ثيابهم الروائح الكريهة ولم يكن فيهم ذو عاهة فى خلقته فلم يكن فيهم أعرج ولا أعمى خلقة.

   فيجب اعتقاد أن الأنبياء يستحيل عليهم كل ما ينفر الناس عن قبول الدعوة منهم كالأمراض المنفرة ومنها الجرب والجذام والبرص وخروج الدود من الجسم فالله تعالى جعل الأنبياء قدوة للناس وأرسلهم للدعوة إلى دين الإسلام فلا يجوز عليهم المرض الذى ينفر الناس منهم فلو كانت تصيبهم الأمراض المنفرة لنفر الناس منهم والله حكيم لا يسلط عليهم هذه الأمراض أما المرض المؤلم الشديد حتى لو كان يحصل منه إغماء فيجوز عليهم فيعلم من ذلك أن ما يقوله بعض الجهال عن نبى الله أيوب عليه السلام بأن الدود أكل جسمه فكان الدود يتساقط ثم يأخذ الدودة ويعيدها إلى مكانها من جسمه ويقول يا مخلوقة ربى كلى من رزقك الذى رزقك فهو كذب وافتراء وفيه نسبة المعصية الكبيرة إلى نبى من أنبياء الله لأن الإضرار بالنفس حرام وتحريم ذلك يفهم من قوله تعالى فى سورة النساء ﴿ولا تقتلوا أنفسكم﴾ فأيوب عليه السلام لم يخرج منه الدود إنما ابتلاه الله بلاء شديدا استمر ثمانية عشر عاما وفقد ماله وأولاده ثم عافاه الله وأغناه ورزقه الكثير من الأولاد.

   ويجب اعتقاد أن الأنبياء تجب لهم العصمة أى الحفظ من الكفر قبل النبوة وبعدها أما ما ورد فى القرءان من قول إبراهيم عن الكوكب حين رءاه ﴿هذا ربى﴾ فهو على تقدير الاستفهام الإنكارى فكأنه قال أهذا ربى كما تزعمون أما إبراهيم عليه السلام فكان يعلم قبل ذلك أن الربوبية لا تكون إلا لله قال تعالى ﴿ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين﴾. وخالف فى ذلك سيد قطب فنسب الشرك إلى سيدنا إبراهيم عليه السلام فقد قال فى كتابه المسمى التصوير الفنى فى القرءان وإبراهيم تبدأ قصته فتى ينظر فى السماء فيرى نجما فيظنه إلهه. وكلامه هذا مناقض لعقيدة الإسلام التى تنص على أن الأنبياء تجب لهم العصمة من الكفر والكبائر وصغائر الخسة قبل النبوة وبعدها.

   وتجب للأنبياء العصمة من الكبائر أى كبائر الذنوب كشرب الخمر والزنا والانتحار فلا يجوز اعتقاد أن سيدنا لوطا شرب الخمر وزنى بابنتيه ولا يجوز اعتقاد أن سيدنا يونس ألقى بنفسه فى البحر لينتحر أو أن نبينا محمدا ﷺ هم أن يلقى بنفسه من رأس الجبل ليقتل نفسه فمن اعتقد ذلك فهو كافر لأن الانتحار ذنب كبير وهو أكبر الذنوب بعد الكفر فلا يتصور حصوله من الأنبياء وتحريم ذلك يفهم من قوله تعالى فى سورة النساء ﴿ولا تقتلوا أنفسكم﴾.

   وأما حصول المعصية الصغيرة التى ليس فيها خسة ولا دناءة من الأنبياء فليس مستحيلا شرعيا ومما يدل على جواز حصول ذلك منهم قوله تعالى فى سورة طه ﴿وعصى ءادم ربه﴾ أى أخطأ بأكله من الشجرة التى نهاه الله عن الأكل منها لما كان فى الجنة وكان ذلك قبل أن يوحى إليه بالنبوة. ولم تكن معصية ءادم ذنبا كبيرا كما تدعى النصارى بل هى معصية صغيرة ليس فيها خسة ودناءة. وسوس له الشيطان بالأكل من الشجرة من غير أن يدخل فى جسده كما قال تعالى ﴿فوسوس إليه الشيطان قال يا ءادم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى فوقع فى معصية صغيرة ليس فيها خسة أو دناءة ثم تاب منها.

   وهنا فائدة مهمة: يجب اعتقاد أن الله حفظ الأنبياء من أن تكون أسماؤهم خبيثة أو مشتقة من خبيث أو يشتق منها خبيث فمن نسب إليهم اسما شنيعا بشعا فقد انتقصهم فيعلم من هذا أنه لا يجوز أن يقال إن لوطا الذى هو اسم نبى مشتق من اللواط أو إن اللواط مشتق من لوط فاللواط لفظ عربى ولوط اسم أعجمى أى ليس عربيا فكيف يدعى مدع أنه مشتق من اللواط أو أن اللواط مشتق من لوط. والاشتقاق فى اللغة العربية من المصدر وليس من الفعل قال الحريرى والمصدر الأصل وأى أصل ومنه يا صاح اشتقاق الفعل.

 

(59) السُّؤَالُ التَّاسِعُ وَالخَمْسِينَ: قال تعالى حكاية عن نبى الله إبراهيم ﴿بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون﴾ فما معنى ذلك.

   لا شك أن الأنبياء منزهون عن الكذب والوارد فى هذه الآية من أمر إبراهيم ليس كذبا حقيقيا بل هو صدق من حيث الباطن والحقيقة لأن كبيرهم هو الذى حمله على الفتك بالأصنام الأخرى من شدة اغتياظه منه لمبالغتهم فى تعظيمه بتجميل صورته وهيئته فيكون إسناد الفعل إلى الكبير إسنادا مجازيا فلا كذب فى ذلك.

الشرح: يجب اعتقاد أن الأنبياء منزهون عن الكذب أما ما ورد فى أمر إبراهيم فى هذه الآية فليس كذبا بل هو صدق من حيث الباطن والحقيقة فقومه كانوا يعبدون الأصنام فأراد إبراهيم عليه السلام أن يفعل بأصنامهم شيئا يقيم به الحجة عليهم لعلهم يفيقون من غفلتهم وكان من عادة قومه أن يقيموا لهم عيدا خارج بلدهم فلما حل عيدهم خرجوا فذهب إبراهيم عليه السلام إلى بيت الأصنام فوجد صنما كبيرا وأصناما أخرى صغيرة فأمسك بيده فأسا وأخذ يهوى على الأصنام الصغيرة يكسرها ويحطمها حتى جعلها حطاما وعلق الفأس على عنق الصنم الكبير حتى إذا رجع قومه يظهر لهم أن الأصنام لا تدفع عن نفسها ضررا وبذلك يقيم سيدنا إبراهيم عليه السلام الحجة على قومه الكافرين.

   قال تعالى فى سورة الأنبياء ﴿قالوا﴾ أى قومه الكفار ﴿ءأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم قال بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون﴾ فقالوا ﴿لقد علمت ما هؤلاء ينطقون قال أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئا ولا يضركم﴾. أقام الحجة عليهم لأنهم يعلمون أن الأصنام لا ينطقون ولا يستطيعون أن يدفعوا عن أنفسهم ضررا فهم عاجزون والعاجز لا يكون إلها فلا يستحق العبادة. وهو عليه السلام أراد بقوله ﴿بل فعله كبيرهم﴾ المعنى المجازى أى أن قومه كانوا يبالغون فى تعظيم الصنم الكبير فحمله ذلك على أن يكسر الأصنام الصغيرة ويهين الكبير أى من شدة اغتياظه منه كما لو قلت قتل الملك فلانا مع أن الملك لم يقتله بنفسه وهذا ليس كذبا فقد أسند الفعل إليه إسنادا مجازيا أى قتل بأمره ولم يرد سيدنا إبراهيم عليه السلام أن الصنم الكبير هو حقيقة كسر الأصنام الصغيرة لأنه يعلم أن الصنم الكبير ليس له القدرة على فعل شىء. فلما غلبهم بالحجة قرروا أن يحرقوه بالنار لكن الله تعالى نجاه فلم تحرقه النار ولا ثيابه إنما أحرقت القيد الذى قيدوه به.

 

 (60) السُّؤَالُ السِّتُّونَ: ما معنى قول إبراهيم عن الكوكب حين رءاه ﴿هذا ربى﴾.

   الأنبياء معصومون من الكفر قبل النبوة وبعدها فقول إبراهيم عن الكوكب حين رءاه ﴿هذا ربى﴾ هو على تقدير الاستفهام الإنكارى فكأنه قال أهذا ربى كما تزعمون أما إبراهيم فكان يعلم قبل ذلك أن الربوبية لا تكون إلا لله قال تعالى ﴿ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين﴾.

الشرح: أراد إبراهيم عليه السلام أن يبين لقومه أن عبادة الكواكب باطلة وأنها لا تصلح للعبادة أبدا لأنها مخلوقة مسخرة متغيرة تطلع تارة وتغيب تارة أخرى، وأنها تتغير من حال إلى حال، وما كان كذلك لا يكون إلها، لأنها بحاجة إلى من يغيرها وهو الله تبارك وتعالى، الدائم والباقي الذي لا يتغير ولا يزول ولا يفنى ولا يموت، لا إله إلا هو ولا رب سواه.

   فبين إبراهيم عليه السلام لقومه أولا أن الكوكب لا يصلح للعبادة، فقال لهم: “هذا ربي؟!!” أي على تقدير الاستفهام الإنكاري، فكأنه قال: “أهذا ربي كما تزعمون؟! هذا لا يستحق العبادة!!”، لذلك لما غاب الكوكب قال لا أحب الآفلين، أي لا يصلح أن يكون هذا الكوكب ربا لأنه يأفل ويتغير، ومن كان كذلك لا يستحق العبادة. ولما لم يفهموا مقصوده وظلوا على ما كانوا عليه، قال حين رأى القمر مثل ذلك، فلما لم يجد منهم بغيته، أظهر لهم أنه بريء من عبادة القمر لأنه لا يصلح للعبادة ولا يصلح للربوبية. ثم لما أشرقت الشمس وظهرت قال لهم مثل ذلك، فلما لم ير منهم بغيته أيضا، وأنهم أصحاب عقول سقيمة، وقلوب مظلمة مستكبرة، أيس منهم وأظهر براءته من هذا الإشراك الذي وقعوا به، وهو عبادة غير الله تعالى.

   وأما إبراهيم عليه السلام، فهو رسول الله ونبيه، فقد كان مؤمنا وعارفا بربه كجميع الأنبياء، لا يشك بوجود الله طرفة عين، وكان يعلم أن الربوبية لا تكون إلا لله، وأنه لا خالق إلا الله، ولا معبود بحق إلا الله. ولم يكن كما يفتري عليه بعض أهل الجهل والضلال من قولهم: إنه مر بفترات وأوقات شك فيها بوجود الله، لأن الأنبياء والرسل جميعهم يستحيل عليهم الكفر والضلال قبل النبوة وبعدها، لأنهم بعثوا هداة مهتدين ليعلموا الناس الخير وما أمرهم الله بتبليغه. فقد كان إبراهيم عليه الصلاة والسلام قبل مناظرته لقومه وإقامة الحجة عليهم، وقبل دعوتهم إلى الإسلام والإيمان، يعلم علما يقينا لا شك فيه أن له ربا، وهو الله تبارك وتعالى، الذي لا يشبه شيئا، وخالق كل شيء، وأن الألوهية والربوبية لا تكون إلا لله، الموجود بلا مكان، خالق السماوات والأرض وما فيهما، وهو مالك كل شيء، وقادر على كل شيء، ولا يشبه شيئا، وعالم بكل شيء، ونافذ المشيئة في كل شيء. والدليل على ذلك من القرآن قوله تعالى ﴿ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل وكنا به عالمين﴾ وقوله تعالى ﴿ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين﴾.

(61) السُّؤَالُ الأَوَّلُ وَالسِّتِّينَ: قال تعالى إخبارا عن يوسف ﴿ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه﴾، ما معنى ﴿وهم بها﴾.

   أحسن ما قيل فى تفسير ﴿وهم بها لولا أن رأى برهان ربه﴾ أن جواب لولا محذوف يدل عليه ما قبله أى لولا أن رأى برهان ربه لهم بها فلم يحصل منه هم للزنى لأن الله أراه برهانه. وقال بعض المفسرين من أهل الحق إن معنى وهم بها أى هم بدفعها. ومعنى ﴿لولا أن رأى برهان ربه﴾ أن الله أعلمه البرهان أنك يا يوسف لو دفعتها لقالت لزوجها دفعنى ليجبرنى على الفاحشة فلم يدفعها بل أدار لها ظهره ذاهبا فشقت قميصه من خلف فكان الدليل عليها. أما ما يروى من أن يوسف هم بالزنى وأنه حل إزاره وجلس منها مجلس الرجل من زوجته فإن هذا باطل لا يليق بنبى من أنبياء الله تعالى قال الله تعالى فى براءة يوسف ﴿قالت امرأة العزيز الآن حصحص الحق أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين﴾.

الشرح: قال بعض المفسرين من أهل الحق ﴿ولقد همت به﴾ أى همت امرأة العزيز بدفعه ليزنى بها ﴿وهم بها﴾ أى هم يوسف بدفعها ليخلص منها ﴿لولا أن رأى برهان ربه﴾ أى أن الله أعلمه أنك يا يوسف لو دفعتها لقالت لزوجها دفعنى ليجبرنى على الفاحشة فلم يدفعها بل أدار لها ظهره ذاهبا فشقت قميصه من خلف فكان الدليل عليها.

   فيجب اعتقاد أن الأنبياء معصومون من الكبائر ومن الهم بها فليس فيهم من يقع فى الزنى أو يهم به أى يقصده أما ما يروى كذبا من أن يوسف هم بالزنى وأنه حل إزاره وجلس من امرأة العزيز مجلس الرجل من زوجته أى كما يجلس الرجل مع زوجته وكذلك ما قاله سيد قطب فى كتابه المسمى التصوير الفنى فى القرءان بأن يوسف كاد يضعف أمام امرأة العزيز فإن هذا باطل لا يليق بنبى من أنبياء الله.

   ويجب اعتقاد أن يوسف عليه السلام كسائر الأنبياء عصمه الله تعالى أى حفظه من الفواحش والرذائل وهو عليه السلام أقام فى بيت العزيز وزير مصر وكان فائق الحسن والجمال فلما شب وكبر أحبته امرأة العزيز زليخة حبا جما وعشقته. وذات يوم وقيل كان عمره سبعة عشر عاما أرادت امرأة العزيز أن تحمله على مواقعتها وهى فى غاية الحسن والجمال والشباب فتهيأت له وتصنعت ولبست أحسن ثيابها ودعته صراحة إلى نفسها من غير حياء وطلبت منه ما لا يليق بحاله ومقامه فأبى وامتنع وقال معاذ الله أى أعوذ بالله أن أفعل ذلك فأمسكت به تريد أن تجبره على مواقعتها وارتكاب الفاحشة معها فصار يحاول أن يتخلص منها فأفلت من يدها فأمسكت ثوبه من خلف فتمزق قميصه وظلت تلاحقه وهما يتراكضان إلى الباب هو يريد الوصول إليه ليفتحه ليتخلص منها وهى تريد أن تحول بينه وبين الباب وفى تلك اللحظات وصل زوجها العزيز فوجدهما فى هذه الحالة فبادرته بالكلام وحرضته عليه واتهمته بأنه حاول الاعتداء عليها بالفاحشة فرد يوسف عليه السلام هذه التهمة عن نفسه وفى هذا الموقف أنطق الله القادر على كل شىء شاهدا من أهلها وهو طفل صغير فى المهد لتندفع التهمة عن يوسف وتكون الحجة عليها ولتظهر براءة يوسف واضحة أمام العزيز فقال هذا الشاهد من أهلها ﴿إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين﴾ أى لأنه يدل على أنه راودها فدفعته حتى شقت مقدم قميصه، ثم قال ﴿وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين﴾ أى لأنه يدل على أنه تركها وذهب فتبعته وتعلقت به من خلف فشقت قميصه، فلما وجد العزيز أن قميص يوسف قد انشق من خلف قال ﴿يوسف أعرض عن هذا﴾ أى لا تذكره لأحد وأمر زوجته بالاستغفار والتوبة إلى الله قائلا ﴿واستغفرى لذنبك إنك كنت من الخاطئين﴾.

   

(62) السُّؤَالُ الثَّانِي وَالسِّتِّينَ: قال تعالى حكاية عن أحد الخصمين اللذين اختصما إلى داود ﴿إن هذا أخى له تسع وتسعون نعجة ولى نعجة واحدة فقال أكفلنيها وعزنى فى الخطاب﴾، ما المراد بالنعاج فى هذه الآية.

   قد تكنى العرب بالنعاج عن النساء لكن لا يجوز تفسير النعاج فى هذه الآية بالنساء كما فعل بعض المفسرين فقد أساءوا بتفسيرهم لهذه الآية بما هو مشهور من أن داود كان له تسع وتسعون امرأة وأن قائدا كان له واحدة جميلة فأعجب بها داود فأرسل هذا القائد إلى المعركة ليموت فيها ويتزوجها هو من بعده فهذا فاسد لأنه لا يليق ما ذكر فيه بنبى من أنبياء الله قال الإمام ابن الجوزى فى تفسيره بعد ذكر هذه القصة المكذوبة عن سيدنا داود وهذا لا يصح من طريق النقل ولا يجوز من حيث المعنى، لأن الأنبياء منزهون عنه وأما استغفار داود ربه فهذا لأنه حكم بين الاثنين بسماعه من أحدهما قبل أن يسمع من الآخر.

باب الردة

(63) السُّؤَالُ الثَّالِثُ وَالسِّتِّينَ: ما هى الردة وإلى كم قسم تقسم.

   الردة هى قطع الإسلام وهى ثلاثة أقسام كما قسمها النووى وغيره من شافعية وحنفية وغيرهم اعتقادات وأفعال وأقوال.

الشرح: الردة هى قطع الإسلام وهى ثلاثة أقسام اعتقادات وأفعال وأقوال أى أن الكفر ثلاثة أنواع كفر اعتقادى كما يفهم من قوله تعالى فى سورة الحجرات ﴿إنما المؤمنون الذين ءامنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا﴾ أى لم يشكوا، وكفر فعلى كما يفهم من قوله تعالى فى سورة فصلت ﴿لا تسجدوا للشمس ولا للقمر﴾ وكفر لفظى كما يفهم من قوله تعالى فى سورة التوبة ﴿يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم﴾ وكل من الأنواع الثلاثة مخرج من الإسلام بمفرده من غير أن ينضم إليه نوع ءاخر.

 

(64) السُّؤَالُ الرَّابِعُ وَالسِّتِّينَ: اذكر دليلا من الحديث على أنه لا يشترط للوقوع فى الكفر معرفة الحكم.

   قال رسول الله ﷺ «إن العبد ليتكلم بالكلمة لا يرى بها بأسا يهوى بها فى النار سبعين خريفا» أى مسافة سبعين عاما فى النزول وذلك منتهى جهنم وهو خاص بالكفار والحديث رواه الترمذى وحسنه وفى معناه حديث رواه البخارى ومسلم وهو «إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها يهوى بها فى النار أبعد مما بين المشرق والمغرب»، قال الحافظ ابن حجر فى شرحه على البخارى فى تفسيره الحديث المذكور «وذلك ما كان فيه استخفاف بالله أو بشريعته» وهذان الحديثان دليل على أنه لا يشترط للوقوع فى الكفر معرفة الحكم ولا انشراح الصدر ولا اعتقاد معنى اللفظ كما يقول صاحب كتاب فقه السنة فإنه اشترط ذلك وهو شرط فاسد.

الشرح: قال الله تعالى فى سورة التوبة ﴿ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وءاياته ورسوله كنتم تستهزؤون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيـمانكم﴾ وقال رسول الله ﷺ إن العبد ليتكلم بالكلمة لا يرى بها بأسا يهوى بها فى النار سبعين خريفا رواه الترمذى، أى أن الإنسان قد يتكلم بكلمة لا يرى فيها ضررا ولا يعتبرها معصية ينزل بسببها فى النار سبعين عاما حتى يصل إلى قعرها ولا يصل إلى قعر النار إلا الكافر. وهذا الحديث دليل على أنه لا يشترط فى الوقوع فى الكفر معرفة الحكم أى معرفة أن ما قاله كفر لأن النبى ﷺ حكم على قائل الكلمة الكفرية بالعذاب فى قعر النار مع كونه غير عالم بالحكم لأنه لا يظن فيها ضررا كما جاء فى الحديث ولا يشترط فى الوقوع فى الكفر انشراح الصدر فمن قال كلاما كفريا كفر ولو كان غير راض بالكفر ولا قاصدا الكفر ولا يشترط اعتقاد معنى اللفظ فمن تلفظ بالكفر بإرادته أى بغير سبق لسان وهو يفهم المعنى كفر ولو كان لا يعتقد معنى الكلام الذى قاله وليس كما يقول سيد سابق المصرى فى كتاب له سماه فقه السنة إن المسلم لا يعتبر خارجا عن الإسلام ولا يحكم عليه بالردة إلا إذا انشرح صدره بالكفر واطمأن قلبه به ودخل فى دين غير الإسلام بالفعل. فإن كلامه هذا باطل مردود مخالف للقرءان والحديث وإجماع الأمة ولا عبرة بكلامه.

 

(65) السُّؤَالُ الْخَامِسُ وَالسِّتِّينَ: اذكر دليلا من القرءان على أن الاستخفاف بالله ورسوله كفر.

   قال تعالى ﴿ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وءاياته ورسوله كنتم تستهزؤون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيـمانكم﴾.

(66) السُّؤَالُ السَّادِسُ وَالسِّتِّينَ: اذكر واحدا من العلماء ممن نقلوا الإجماع على تكفير ساب الله.

   قال الإمام القاضى عياض اليحصبى فى كتاب الشفا «لا خلاف أن ساب الله من المسلمين كافر».

الشرح: قال القاضى عياض اليحصبى فى كتاب الشفا لا خلاف أن ساب الله من المسلمين كافر، أى أن من سب الله تعالى فهو كافر بالإجماع كمن يقول والعياذ بالله من الكفر ابن الله ويقع الكفر هنا ولو لم يعتقد أن لله ابنا ولو ادعى أنه أراد بقوله ابن الله المحبوب عند الله فإن هذا لا ينجيه من الكفر لأنه كذب القرءان قال الله تعالى فى سورة الإخلاص ﴿لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد﴾ وقال تعالى فى سورة المائدة ﴿وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق﴾ وقد ثبت فى الحديث القدسى أن نسبة الولد إلى الله شتم لله قال رسول الله ﷺ قال الله تعالى شتمنى ابن ءادم ولم يكن له ذلك، أى لا يجوز له ذلك وفسر ذلك بقوله وأما شتمه إياى فقوله اتخذ الله ولدا، رواه البخارى.

واعلم أن الغضب ليس عذرا. كثير من الناس يكفرون عند الغضب يسبون خالقهم أو يسبون دين الإسلام. الإنسان يجب عليه أن يعظم الله فى كل أحواله إن كان فى حال الغضب أو فى حال الرضى فهنيئا لمن عمل بوصية رسول الله ﷺ للرجل الذى سأله ما ينجينى من غضب الله قال له لا تغضب معناه أن الغضب يؤدى إلى سخط الله فإن كنت تريد النجاة من غضب الله فلا تغضب أى اترك الغضب فإن الغضب مهلكة كبيرة قد يوصل الإنسان إلى الكفر وقد يوصله إلى قتل شخص ظلما أو إلى قطيعة رحمه وقد يوصله إلى غير ذلك من المفاسد.

   قال الإمام النووى رحمه الله لو غضب رجل على ولده أو غلامه (أى عبده) فضربه ضربا شديدا فقال له رجل ألست مسلما (أى كيف تضرب ولدك أو غلامك هذا الضرب الشديد ألست مسلما) فقال لا متعمدا كفر (لأنه تلفظ به بإرادته).

 

(67) السُّؤَالُ السَّابِعُ وَالسِّتِّينَ: اذكر واحدا من العلماء ممن نقلوا الإجماع على تكفير من تلفظ بلفظ كفرى أو فعل فعلا كفريا.

   قال تاج الدين السبكى فى مقدمة الطبقات «لا خلاف عند الأشعرى وأصحابه بل وسائر المسلمين أن من تلفظ بالكفر أو فعل أفعال الكفار أنه كافر بالله العظيم مخلد فى النار وإن عرف قلبه وأنه لا تنفعه المعرفة مع العناد ولا تغنى عنه شيئا لا يختلف مسلمان فى ذلك».

(68) السُّؤَالُ الثَّامِنُ وَالسِّتِّينَ: ما حكم من أنكر ما علم من الدين بالضرورة.

   من أنكر ما علم علما ظاهرا يشترك فى معرفته العلماء والعامة من المسلمين كفر إلا أن يكون نحو حديث عهد بإسلام أو نشأ فى بادية بعيدة عن العلماء شرط أن يكون غير عالم بأن هذا من دين الإسلام وشرط أن يكون هذا الأمر غير نحو تنزيه الله عن الشبيه والمكان.

الشرح: من أنكر بقلبه أو بلسانه حكما من أحكام الشرع بعد علمه به كفر كأن أنكر أن النار باقية أو أنكر وجوب الصلوات الخمس أو استحل شرب الخمر أو حرم النكاح على الإطلاق أو أنكر أن يكون الشرع حث على فعل شىء كصلاة الوتر. وأما من كان قريب عهد بإسلام أى أسلم من وقت قريب ونحوه أى شبيهه كمن نشأ بعيدا عن أهل العلم فإنه لا يكفر بإنكار حكم من الأحكام التى لا تعرف إلا بالنقل كإنكار فرضية الصلاة وتحريم الخمر ونحو ذلك إن لم يكن سمع أن هذا من دين الإسلام بل يعلم ثم إن أنكر بعد ذلك يحكم عليه بالردة فيطالب بالعودة إلى الإسلام بالنطق بالشهادتين.  

 

(69) السُّؤَالُ التَّاسِعُ وَالسِّتِّينَ: إلى كم قسم قسم العلماء اللفظ وبين معنى ذلك.

   قسم العلماء اللفظ إلى ظاهر وصريح فالظاهر ما كان له بحسب وضع اللغة وجهان فأكثر ولكنه إلى بعض الوجوه أقرب فمن تكلم بلفظ ظاهر فى الكفر لا يحكم بكفره حتى يتبين مراده. وأما الصريح فهو الذى لا يقبل التأويل فمن تكلم بلفظ صريح فى الكفر كفر ولا يسأل عن مراده ولا يقبل له تأويل إلا أن يكون لا يعرف ذلك المعنى الصريح بل يظن أن معناه غير ذلك فإن هذا اللفظ بالنسبة إليه ليس له حكم الصريح.

الشرح: قسم العلماء اللفظ إلى صريح وظاهر أما الصريح فهو الذى ليس له إلا معنى واحد يقتضى التكفير فيحكم على قائله بالكفر كقول إنسان “أنا الله” وأما من قال كلمة كفرية لا تحتمل إلا معنى واحدا بحسب وضع اللغة لكنه ظن أن لها معنى ءاخر غير كفرى فقالها على هذا الوجه الذى ظنه معنى لها فلا يكفر.

   وأما الظاهر فيحتمل معنيين فأكثر بعضها كفر وبعضها ليس كفرا ولكن المعنى المتبادر للفظ الأكثر استعمالا فيه كفر فلا يكفر قائله أى لا يجوز تكفيره حتى يعرف منه المعنى الذى أراد فإن قال أردت المعنى الكفرى حكم عليه بالكفر أما إن لم يرد المعنى الكفرى فلا يحكم عليه بالكفر فعن محمد ابن الحسن رضى الله عنه أن الرجل لو قيل له صل فقال لا أصلى فإن أراد لا أصلى لأنى صليت لا يكفر وإن أراد لا أصلى لقولك لا يكفر وكذا إن أراد لا أصلى أنا متكاسل وأما إن أراد أنه لا يصلى لأنه مستخف بالصلاة فإنه يكفر.

   وكقول الشخص الصلاة على النبى مكروهة فإن أراد أن الصلاة على النبى محمد مكروهة فهو كفر لأنه تكذيب للشريعة قال تعالى فى سورة الأحزاب ﴿إن الله وملائكته يصلون على النبى يا أيها الذين ءامنوا صلوا عليه وسلموا تسليما﴾ وأما إن أراد أن الصلاة على الأرض المحدودبة مكروهة لأن الشخص لا يخشع فى صلاته عليها فلا يكفر لأن كلمة النبى تأتى فى اللغة بمعنى الأرض المحدودبة وتأتى بمعنى من أوحى إليه بالنبوة.

 

(70) السُّؤَالُ السَّبْعُونَ: ماذا يجب على من وقعت منه ردة.

   يجب على من وقعت منه الردة العود فورا إلى الإسلام بالنطق بالشهادتين والإقلاع عما وقعت به الردة ويجب عليه الندم والعزم على أن لا يعود لمثله.

الشرح: يجب على من وقعت منه ردة أى كفر العود فورا إلى الإسلام بالنطق بالشهادتين باللسان بحيث يسمع نفسه ولا يكفى أن يجرى اللفظ بقلبه ويجب عليه أن يعتقد أن ما صدر منه هو كفر. ولا يرجع إلى الإسلام بقول أستغفر الله كما نقل الإجماع على ذلك أبو بكر بن المنذر فى كتابيه الإشراف والإجماع بل يزيده ذلك إثما وكفرا لأنه يطلب المغفرة وهو على الكفر والله تعالى لا يغفر كفر الكافر وذنوبه وهو على كفره بدليل قوله تعالى فى سورة النساء ﴿إن الذين كفروا وظلموا لم يكن الله ليغفر لهم﴾.

 

 (71) السُّؤَالُ الأَوَّلُ وَالسَّبْعِينَ: المرتد إذا لم يرجع عن كفره ماذا يفعل به الخليفة.

   إن لم يرجع عن كفره بالشهادة وجبت استتابته أى يطلب منه الرجوع إلى الإسلام لمدة ثلاثة أيام ويجب ذلك على الخليفة أو من يقوم مقامه ثم لا يقبل منه الإمام إلا الإسلام وإلا قتله وجوبا إن لم يسلم لقول النبى ﷺ من بدل دينه فاقتلوه رواه البخارى.

والله تعالى أعلم وأحكم، والحمد لله رب العالمين

لمشاهدة الدرس: https://youtu.be/q58x4bnaVJU

 

للاستماع إلى الدرس:  https://soundcloud.com/shaykh-gilles-sadek/bahja-6

 

الموقع الرسمي للشيخ جيل صادق: https://shaykhgillessadek.com