شرح حديث الشهادة الخاصة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونشكره ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له. والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى ءاله وصحبه الطيبين الطاهرين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدًا عبده ورسوله وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه والجنة حق والنار حق.
أما بعد عباد الله، فإني أوصيكم ونفسي بتقوى الله العلي القدير وبالثبات على نهج نبيه محمد الصادق الوعد الأمين القائل في حديثه الشريف “من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدًا عبده ورسوله وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه والجنة حق والنار حق أدخله الله الجنة على ما كان من العمل” .
إخوة الإيمان، إن هذا الحديث حديث صحيح اتفق على إخراجه البخاري ومسلم في كتابيهما المعروفين بين الأمة الإسلامية وإن الشهادة التي فيه هي الشهادة الخاصة التي من داوم عليها كل يوم يوَفّق إلى العمل الصالح بإذن الله ويُدخلُهُ الجنّة علىما كان من العمل.
ومعنى هذا الحديث يتضمن أنْ يشهد أن لا إله إلا الله ويجتنبَ عبادة غير الله، أي اعترف وءامن وصدق بأن الألوهية لله وحده.
اعترف وءامن وصدق بلا شك ولا ريب بأن المعبود بحق هو الله تعالى وحده الذي لا يشبه شيئا ولا يحتاج إلى شىء ولا يحل في شىء ولا ينحل منه شىء.
واعترف وصدق برسالة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم اي اعتقد بقلبه أن سيدنا محمدًا مرسل من عند الله إلى كافة العالمين من إنس وجن وهو صلى الله عليه وسلم صادق في كل ما جاء به سواء كان مما أخبر به عن الأمور التي ستحدث في المستقبل كأمور الآخرة أو أمور الأمم السابقة أو تحليل شىء أو تحريمه.
فالإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم لا بد منه لصحة الإيمان يقول الله تعالى: )وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيرًا( (الفتح/ 13).
“من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدًا عبده ورسوله وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه والجنة حق والنار حق أدخله الله الجنة على ما كان من العمل“.
فعيسى عليه السلام نبي مرسل من عند الله جاء بالإسلام ككل الأنبياء ومعنى قول رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم وكلمته ألقاها إلى مريم أن المسيح بشارة الله لمريم التي بشرتها بها الملائكة بأمر الله قبل أن تحمل مريم بعيسى عليه الصلاة والسلام فإن الملك جبريل بشرها به فقال لها أنا رسول من الله لأعطيك غلامًا زكيا أي طيبا.
فقد جاء في القرءان العظيم )قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لاهَبَ لَكِ غُلامًا زَكِيًّا( )قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا( (20) )قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آَيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا( (سورة مريم) .
وأما معنى قوله صلى الله عليه وسلم “وروح منه” أن روح المسيح عليه السلام روح صادرة من الله تعالى خلقا وتكوينا أي أنّ الله خلق روح سيدنا عيسى، فروحه روح مشرف كريم على الله، فهذه الاضافة أي في قوله وروح منه إضافة تشريف وتعظيم وإلا فجميع الأرواح صادرة من الله تعالى خلقا ونكوينا. قال الله تعالى ) وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ( (سورة الجاثية/13) .
أي إن الله تعالى سخّر لبني ءادم ما في السموات وما في الأرض جميعا منه أي أن جميع ما في السموات وما في الأرض من الله خلقا وتكوينا وليس المعنى أنها أجزاء منه تعالى تنزه الله عن ذلك فالله لا يحل في شىء ولا ينحل منه شىء فالله ليس جسما ولا يوصف بصفات الجسم ) لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ (.
وأما معنى قوله عليه الصلاة والسلام “والجنة حق والنار حق” أن الجنة والنار موجودتان، فالجنة موجودة الآن وباقية إلى ما لا نهاية له وهي فوق السماء السابعة ليست متصلة بها وسقفها العرش كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه البخاري “اذا سألتم الله الجنة فسلوه الفردوس فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة وفوقه عرش الرحمن“.
والنار موجودة أي مخلوقة الآن كما يفهم ذلك من النصوص الواردة كحديث “أوقد على النار الف سنة حتى احمرت وألف سنة حتى ابيضت وألف سنة حتى اسودت فهي سوداء مظلمة” (رواه الترمذي) .
وجهنم ليست متصلة بالأرض السابعة بل تحتها منفصلة عنها لها أرضها وسقفها المستقلان.
“من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدًا عبده ورسوله وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه والجنة حق والنار حق أدخله الله الجنة على ما كان من العمل” أي وإن كان من أهل الكبائر.
اللهم وفقنا للعمل الصالح وأمتنا على شهادة أن لا إله إلا الله وان محمدًا رسول الله إنك على كل شىء قدير.
هذا واستغفر الله لي ولكم
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَسْتَهْدِيهِ وَنَشْكُرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ الصَّادِقِ الْوَعْدِ الأَمِينِ وَعَلَى إِخْوَانِهِ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ. وَرَضِيَ اللَّهُ عَنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَءَالِ الْبَيْتِ الطَّاهِرِينَ وَعَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَعَنِ الأَئِمَّةِ الْمُهْتَدِينَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَعَنِ الأَوْلِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ أَمَّا بَعْدُ عِبَادَ اللَّهِ فَإِنِّي أُوصِيكُمْ وَنَفْسِيَ بِتَقْوَى اللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ فَاتَّقُوهُ.
وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ أَمَرَكُمْ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ أَمَرَكُمْ بِالصَّلاةِ وَالسَّلامِ عَلَى نَبِيِّهِ الْكَرِيْمِ فَقَالَ ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى ءَالِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ علَى سَيّدِنَا إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى ءَالِ سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى ءَالِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى ءَالِ سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَىْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ﴾ اللَّهُمَّ إِنَّا دَعَوْنَاكَ فَاسْتَجِبْ لَنَا دُعَاءَنَا فَاغْفِرِ اللَّهُمَّ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ رَبَّنَا ءَاتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ اللَّهُمَّ اجْعَلْنا هُدَاةً مُهْتَدِينَ غَيْرَ ضَالِّينَ وَلاَ مُضِلِّينَ اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِنَا وَءَامِنْ رَوْعَاتِنَا وَاكْفِنَا مَا أَهَمَّنَا وَقِنَا شَرَّ مَا نَتَخَوَّف. عِبادَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغِي، يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ. اذْكُرُوا اللَّهَ الْعَظِيمَ يُثِبْكُمْ وَاشْكُرُوهُ يَزِدْكُمْ، وَاسْتَغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ وَاتَّقُوهُ يَجْعَلْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مَخْرَجًا، وَأَقِمِ الصَّلاةَ.