س50: ما معنى قوله تعالى: {ءأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض} [الملك: 16]؟
المراد بمن في السماء الملائكة، وليس المراد أن الله ساكن في السماء، كما قال المفسرون المحققون([1]).
[1])) على تفسير: المراد بهم الملائكة، جبريل u بريشة واحدة اقتلع المدن الأربعة التي كانت لقوم لوط ورفعها إلى السماء حتى سمع أهل السماء نباح الكلاب، ونهيق الحمير، ثم قلبها، أي: جعل أعاليها أسافلها، ثم ردها إلى الأرض.
وتفسير ءاخر: أأمنتم من له الألوهية والسلطان في السماء. كقوله: {وهو الذي في السماء إلـٰـه وفي الأرض إلـٰه} [الزخرف: 84]، معناه: إله من في السماء وإله من في الأرض أو له السلطان في السماء، وله السلطان في الأرض. أو المعبود من قبل أهل السماء الذين هم الملائكة، والمؤمنين من أهل الأرض. وكقوله تعالى: {ولله ما في السمـٰـوات وما في الأرض} [ءال عمران: 109]، وكقوله: {ولله ملك السمـٰـوات والأرض} [ءال عمران: 189]. الفخر الرازي، تفسير الفخر الرازي، 30 / 69.
* تنزيه الله عن المكان وتصحيح وجوده بلا مكان عقلا:
الله تعالى غني عن العالمين، أي: مستغن عن كل ما سواه أزلا وأبدا، فلا يحتاج إلى مكان يتحيز فيه أو شيء يحل به أو إلى جهة، لأنه ليس كشيء من الأشياء، ليس حجما كثيفا ولا حجما لطيفا، والتحيز من صفات الجسم الكثيف واللطيف، فالجسم الكثيف والجسم اللطيف متحيز في جهة ومكان، قال الله تعالى: {وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون} [الأنبياء: 33] فأثبت الله تعالى لكل من الأربعة التحيز في فلكه، وهو الـمدار.
ويكفي في تنزيه الله عن المكان والحيز والجهة قوله تعالى: {ليس كمثله شيء} [الشورى: 11] لأنه لو كان له مكان لكان له أمثال وأبعاد طول وعرض وعمق، ومن كان كذلك كان محدثا محتاجا لمن حده بهذا الطول وبهذا العرض وبهذا العمق؛ هذا الدليل من القرءان. أما من الحديث فما رواه البخاري في الصحيح (كتاب بدء الخلق، باب ما جاء في قول الله تعالى: {وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه} [الروم: ٢٧]، 3/ 789) بالإسناد الصحيح أن رسول الله ﷺ قال: «كان الله ولم يكن شيء غيره». ومعناه: أن الله لم يزل موجودا في الأزل ليس معه غيره، لا ماء ولا هواء ولا أرض ولا سماء ولا كرسي ولا عرش ولا إنس ولا جن ولا ملائكة ولا زمان ولا مكان ولا جهات، فهو الله تعالى موجود قبل المكان بلا مكان، وهو الذي خلق المكان فليس بحاجة إليه، وهذا ما يستفاد من الحديث المذكور. وليس محور الاعتقاد على الوهم؛ بل على ما يقتضيه العقل الصحيح السليم الذي هو شاهد للشرع، وذلك أن المحدود محتاج إلى من حده بذلك الحد فلا يكون إلـها. فكما صح وجود الله تعالى بلا مكان وجهة قبل خلق الأماكن والجهات، فكذلك يصح وجوده بعد خلق الأماكن بلا مكان وجهة، وهذا لا يكون نفيا لوجوده تعالى كما زعمت المشبهة والوهابية، وهم الدعاة إلى التجسيم في هذا العصر. وحكم من يقول: «إن الله تعالى في كل مكان أو في جميع الأماكن» التكفير إذا كان يفهم من هذه العبارة أن الله بذاته منبث أو حال في الأماكن، أما إذا كان يفهم من هذه العبارة أنه تعالى مسيطر على كل شيء، وعالم بكل شيء فلا يكفر، وهذا قصد كثير ممن يلهج بهاتين الكلمتين، ويجب النهي عنهما على كل حال، لأنهما ليستا صادرتين عن السلف؛ بل عن المعتزلة، ثم استعملهما جهلة العوام.
* ونرفع الأيدي في الدعاء للسماء لأنها مهبط الرحمات والبركات، وليس لأن الله موجود بذاته في السماء، كما أننا نستقبل الكعبة الشريفة في الصلاة لأن الله تعالى أمرنا بذلك، وليس لأن لها ميزة وخصوصية بسكنى الله فيها. ويكفر من يعتقد التحيز لله تعالى، أو يعتقد أن الله شيء كالهواء أو كالنور يملأ مكانا أو غرفة أو مسجدا. ويرد على المعتقدين أن الله متحيز في جهة العلو لأن الأيدي ترفع عند الدعاء إلى السماء، بما ثبت عن الرسول ﷺ أنه استسقى أي طلب المطر، وجعل بطن كفيه إلى الأرض وظاهرهما إلى السماء، (مسلم، صحيح مسلم، كتاب صلاة الاستسقاء، باب الدعاء في الاستسقاء، 2/612) وبأنه ﷺ نهى المصلي أن يرفع رأسه إلى السماء، (مسلم، صحيح مسلم، كتاب الصلاة، باب النهي عن رفع البصر إلى السماء في الصلاة، 1/ 321) ولو كان الله متحيزا في جهة العلو كما تظن المشبهة ما نهانا عن رفع أبصارنا في الصلاة إلى السماء، وبأنه ﷺ كان يرفع إصبعه الـمسبحة عند قول: «إلا الله» في التحيات ويحنيها قليلا، فلو كان الأمر كما تقول المشبهة ما كان يحنيها؛ بل يرفعها إلى السماء، وكل هذا ثابت في الحديث عند المحدثين. فماذا تفعل المشبهة والوهابية؟
* ونسمي المساجد «بيوت الله» لا لأن الله يسكنها؛ بل لأنها أماكن معدة لذكر الله وعبادته، ويقال في العرش إنه جرم أعده الله ليطوف به الملائكة كما يطوف المؤمنون في الأرض بالكعبة.
* الحمد لله أن بصرنا معاشر أهل السنة والجماعة بهذا التنزيه الموافق لـما كان عليه الصحابة y، فمن أدل دليل على موافقتنا للصحابة في عدم اعتقادنا لـما توهمه ظواهر بعض النصوص ما جاء عن ابن عباس 5 بإسناد صحيح موقوف عليه: «تفكروا في كل شيء، ولا تفكروا في ذات الله ». البيهقي، الأسماء والصفات، ص 271. فإنه لو كان فهمه لتلك النصوص على حسب الظواهر لم يكن للنهي عن التفكر في الذات معنى، ولو كان الصواب ما تفهمه الوهابية من تلك النصوص لم يكن لقول السلف: «أمروها كما جاءت بلا كيف» معنى، ولم يكن لانزعاج مالك t حين سئل عن كيفية الاستواء حتى أخذته الرحضاء وإطراقه معنى.