الأحد ديسمبر 7, 2025

س40: ما هي الردة؟ وإلى كم قسم تنقسم؟

الردة([1]) هي قطع الإسلام بالكفر، وتنقسم إلى ثلاثة أقسام:

  • الردة القولية([2]) كمسبة الله أو الأنبياء أو الإسلام، ولو في حالة الغضب.

……………………………………………………………………………………………..

 

 

 

  • الردة الفعلية([3]) كإلقاء المصحف في القاذورات وكالدوس على المصحف.
  • الردة القلبية([4]) كاعتقاد أن الله جسم أو روح أو أنه جالس على العرش أو أنه يسكن السماء أو في كل مكان بذاته أو أنه في جهة.

قال تعالى: {ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم} [التوبة: 74]، وقال تعالى: {لا تسجدوا للشمس ولا للقمر} [فصلت: 37].

الحديث: «إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها يزل بها في النار أبعد مما بين الـمشرق». البخاري، صحيح البخاري، (كتاب الرقاق، باب حفظ اللسان، 5/2377)([5]).

[1])) في لغة العرب: ارتد، أي: رجع، فالمرتد هو الراجع، والردة هي الرجوع. أما من حيث الشرع فهي: قطع الإسلام بالكفر.

* قال الفقيه ابن عابدين الحنفي في «رد المحتار على الدر المختار»، (13/5): «قوله: وركنها إجراء كلمة الكفر على اللسان، هذا بالنسبة إلى الظاهر الذي يحكم به الحاكم، وإلا فقد تكون بدونه، كما لو عرض له اعتقاد باطل أو نوى أن يكفر بعد حين».اهـ.

* قال تاج الدين السبكي في طبقاته (1/91): «ولا خلاف عند الأشعري وأصحابه؛ بل وسائر المسلمين أن من تلفظ بالكفر أو فعل أفعال الكفر أنه كافر بالله العظيم مخلد في النار وإن عرف بقلبه».اهـ.

* قال الشيخ عبد الباسط الفاخوري في «الكفاية لذوي العناية»، الفصل الأول، (ص122): «وهي قطع مكلف مختار الإسلام ولو امرأة بنية كفر أو فعل مكفر أو قول مكفر، سواء قاله استهزاء أو اعتقادا أو عنادا».اهـ.

[2])) القولية ومحلها اللسان، فالغاضب لا يعذر.

والألفاظ قسمان: صريح ليس له إلا وجه واحد، وظاهر يحتمل معنيين: أحدهما أقرب من الآخر، فمن نطلق بالكفر الصريح وهو عامد، أي: بغير سبق اللسان، وغير مكره، وعالم بمعنى اللفظ، فهذا يكفر سواء كان نطقه من باب السب لله أو للرسول أو لغيره من الأنبياء أو الملائكة أو سب شريعة الإسلام أو من باب إنكار ما علم من الدين بالضرورة، ولا يدخله التأويل، لأنه لو كان يدخله التأويل لتعطل تطبيق أحكام الردة، وتلفظ من يشاء بما يشاء من الصريح، ثم قال: كلامي له تأويل؛ وهذا باب من الفوضى كبير، فلا ينظر بعد كون اللفظ صريحا إلى قصد الشخص ولا إلى معرفته بحكم تلك الكلمة أنها تخرج من الإسلام. أما أن الصريح لا يؤول فقد ذكر ذلك غير واحد من الأصوليين، كإمام الحرمين الجويي، وأقرهم الرملي على ذلك في كتابه «نهاية المحتاج»، كتاب الردة، (7/414 ، 415): « ونقل الإمام عن الأصوليين أن إضمار التورية، أي: فيما لا يحتملها كما هو واضح لا يفيد، فيكفر باطنا أيضا لحصول التهاون منه».اهـ.

* وفي الفتاوى الهندية (2/309): «رجل كفر بلسانه طائعا وقلبه مطمئن بالإيمان يكون كافرا، ولا يكون عند الله مؤمنا، كذا في فتاوى قاضيخان».اهـ.

* فمن تكلم بلفظ صريح في الكفر كفر، ولا يسأل عن مراده ولا يقبل له تأويل إلا أن يكون لا يعرف ذلك المعنى الصريح؛ بل يظن أن معناه غير ذلك، فإن هذا اللفظ بالنسبة إليه ليس له حكم الصريح.

* وأما من نطق بكلام له معنيان: أحدهما كفري، والآخر ليس بكفري، فهذا إذا لم يرد المعنى الكفري فلا يكفر، مثال ذلك أن يقول شخص: «هذا خير من الله»، إذا رأى نعمة، كأن رأى عالـما جليلا تقيا ناصحا للناس شفوقا عليهم، فإنه إن أراد أنه خير من عند الله فلا يكفر، ولا بأس بذلك، وهذا فهم من ينطق بها غالبا، وإن أراد به أن ذلك العالم هو أفضل من الله فيكفر. ثم إن الكفر الصريح يخرج قائله من الإسلام، سواء كان الشخص عالـما بالحكم أم لا. ولا يشرط للوقوع في الكفر انشراح الصدر بالإجماع، قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: «قلت: وممن جنح إلى بعض هذا البحث الطبري في تهذيبه، فقال بعد أن سرد أحاديث الباب [يعني: أحاديث الخوارج] فيه الرد على قول من قال: لا يخرج أحد من الإسلام من أهل القبلة بعد استحقاقه حكمه إلا بقصد الخروج منه عالـما، فإنه مبطل لقوله ﷺ في الحديث: «يقولون الحق ويقرؤون القرءان، ويمرقون من الإسلام ولا يتعلقون منه بشيء ». ثم قال: «وفيه أن من المسلمين من يخرج من الدين من غير أن يقصد الخروج منه، ومن غير أن يختار دينا على دين الإسلام».اهـ. ابن حجر العسقلاني، فتح الباري، 22/252 – 256.

* قال الشيخ تقي الدين السبكي في فتاويه المشهورة: «ولا ينجيهم [أي الخوارج] اعتقاد الإسلام إجمالا والعمل بالواجبات عن الحكم بكفرهم، كما لا ينجي الساجد للصنم ذلك».اهـ. وفي ذلك أوضح بيان أن ما ينسب إلى السبكي مما يخالف هذا المعنى فاسد، وأن السبكي بريء منه.

* قال الطحاوي في عقيدته (ص21): «ولا نكفر أحدا من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله».اهـ. وقد اختلط على بعض الناس فهم هذه الكلمة، ولذلك أنقل هنا شرحا لها.

قال المحدث الشيخ محمد أنور شاه الكشميري المتوفى سنة 1352هـ في كتابه «إكفار الملحدين» (ص42): «أهل القبلة في اصطلاح المتكلمين من يصدق بضروريات الدين، أي: الأمور التي علم ثبوتها في الشرع واشتهر، فمن أنكر شيئا من الضروريات؛ كحدوث العالم وحشر الأجساد وعلم الله سبحانه بالجزئيات وفرضية الصلاة والصوم لم يكن من أهل القبلة، ولو كان مجاهدا بالطاعات، وكذلك من باشر شيئا من أمارات التكذيب كسجود للصنم والإهانة بأمر شرعي والاستهزاء عليه، فليس من أهل القبلة؛ ومعنى عدم تكفير أهل القبلة أن لا يكفر بارتكاب المعاصي ولا بإنكار الأمور الخفية غير المشهورة، هذا ما حققه المحققون فاحفظه».اهـ.

* قال الحافظ الفقيه الحنفي اللغوي خاتمة اللغويين محمد مرتضى الزبيدي (الإتحاف، 5/333): «وقد ألف فيها غير واحد ومن الأئمة من المذاهب الأربعة رسائل [في بيان الكلمات الكفرية]».اهـ.

* الاستثناءات من الكفر اللفظي: يستثنى من الكفر اللفظي:

حالة سبق اللسان: أي أن يتكلم بشيء من ذلك من غير إرادة؛ بل جرى على لسانه ولم يقصد قوله بالمرة، بأن أراد أن يتكلم بكلام غير كفري فأخطأ لسانه فخرجت منه كلمة كفرية من دون قصد منه للنطق بها، لا يكفر. كمن أراد أن يقول: «اللهم أنت ربي وأنا عبدك»، فقال من شدة فرحه: «اللهم أنت عبدي وأنا ربك». كما ذكر سيدنا محمد ﷺ. مسلم، صحيح مسلم، (كتاب التوبة، باب الحض على التوبة والفرح بها، 4/ 2104).

حالة غيبوبة العقل: أي عدم صحو العقل، لارتفاع التكليف حينذاك، ويشمل هذا النائم والمجنون ونحوهما.

حالة الإكراه: فمن نطق بالكفر بلسانه مكرها بالقتل ونحوه وقلبه مطمئن بالإيمان فلا يكفر، قال الله تعالى: {ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله} [النحل: 106].

والعجب أن بعض الناس يوردون حديث: «إنما الأعمال بالنيات»، (البخاري، صحيح البخاري، بدء الوحي، كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله، 1/ 3) في غير محله، فيضلون ويضلون غيرهم، فإنهم يوردونه لدفع تكفير من يتكلم بالكفر عمدا على وجه المزاح أو حال الغضب، ومن فرط الجهل المؤدي إلى الكفر احتجاج بعض هؤلاء بقول الله تعالى: {لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم} [البقرة: 225] فظنوا أن هذه الآية معناها أن الإنسان لا يكفر إذا لم يقصد بكلام الكفر الكفر، ومعنى هذه الآية أن من حلف بلا إرادة كقول: «لا والله» و«بلى والله» بدون إرادة، لا يكتب عليه ذلك، وفرق بين الأيمان التي هي جمع يمين وهو القسم، وبين التلفظ بكلام الكفر، فلا مناسبة بين هذه الآية وبين مسألة من تلفظ بالكفر وهو لا يقصد الكفر.

حالة الحكاية لكفر الغير: فلا يكفر الحاكي كفر غيره على غير وجه الرضى والاستحسان؛ ومستندنا في استثناء مسألة الحكاية قول الله تعالى: {وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله} [التوبة: 30] {وقالت اليهود يد الله مغلولة} [المائدة: 64].

ثم الحكاية المانعة لكفر حاكي الكفر إما أن تكون في أول الكلمة التي يحكيها عمن كفر، وإما بعد ذكره الكلمة عقبها وقد كان ناويا أن يأتي بأداة الحكاية قبل أن يقول كلمة الكفر، فلو قال: المسيح ابن الله قول النصارى أو قالته النصارى، فهي حكاية مانعة للكفر عن الحاكي.

حالة كون الشخص متأولا: باجتهاده في فهم الشرع، فإنه لا يكفر المتأول، إلا إذا كان تأوله في القطعيات فأخطأ فإنه لا يعذر، كتأول الذين قالوا بقدم العالم وأزليته، كابن تيمية.

وأما مثال من لا يكفر ممن تأول، فهو كتأول الذين منعوا الزكاة في عهد أبي بكر t، بأن الزكاة وجبت في عهد الرسول ﷺ، لأن صلاته كانت عليهم سكنا لهم وطهرة، أي رحمة وطمأنينة، وأن ذلك انقطع بموته، فإن الصحابة لم يكفروهم لذلك لأن هؤلاء فهموا من قوله تعالى: {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم} [التوبة: 103] أن المراد من قوله: {خذ} [التوبة: 103]، أي: يا محمد الزكاة، لتكون إذا دفعوها إليك سكنا لهم، وأن هذا لا يحصل بعد وفاته، فلا يجب عليهم دفعها، لأنه قد مات، وهو المأمور بأخذها منهم، ولم يفهموا أن الحكم عام في حال حياته وبعد موته؛ ومن هنا يعلم أنه ليس كل متأول يمنع عنه تأويله التكفير، لأن التأول مع قيام الدليل القاطع لا يمنع التكفير عن صاحبه.

[3])) تكون بالفعل، ومحلها الجوارح. ومن الردة الفعلية الجلوس على موضع فيه آية أو اسم الله وهو يعلم، والسجود لصنم، وكذا كتابة الفاتحة بالبول أو الدم ولو كان لغرض الاستشفاء، فليحذر مما وجد منسوبا إلى ابن عابدين في حاشيته، فهو مردود بدليل ما ذكره في ثبته أنه لا يجوز ذلك. ابن عابدين، ثبت خاتمة المحققين، ص187.

[4])) محلها القلب، ومنها: إنكار ما علم علما ظاهرا، يشترك في معرفته العلماء والعامة من المسلمين، إلا أن يكون نحو حديث عهد بإسلام، أو نشأ في بادية بعيدة عن العلماء، شرط أن يكون غير عالم بأن هذا من دين الإسلام، وشرط أن يكون هذا الأمر غير نحو تنزيه الله عن الشبيه وعن المكان. قال تعالى: {إنما المؤمنون الذين آمنوا باللـه ورسوله ثم لم يرتابوا} [الحجرات: 15] لأن الارتياب (الشك) يكون بالقلب.

[5])) عد الكثير من الفقهاء الألفاظ المخرجة من الإسلام، كالفقيه الحنفي بدر الرشيد، وهو قريب من القرن الثامن الهجري في رسالته، وأبي علي عمر السكوني المالكي المتوفى 717هـ في كتابه «لحن العامة والخاصة في المعتقدات». وكذا الفتاوى الهندية، الجزء الثاني، في نحو مائة صحيفة. وكذا كتاب تعليم الواجبات الدينية الصادر من مكتب التوجيه والإرشاد باليمن، ألفه واطلع عليها مائة شيخ من الأزهر واليمن. فينبغي الاطلاع على ذلك، فإن من لم يعرف الشر يقع فيه، فليحذر.

* يجب على من وقعت منه ردة أن يعود فورا إلى الإسلام بالنطق بالشهادتين، والإقلاع عما وقعت به الردة، ولا يكفي للدخول في الإسلام قول: أستغفر الله بدل الشهادتين، فهذه المسألة من المهمات، لأن كثيرا من الناس يقعون في الردة بسب الله أو غير ذلك، ثم يقولون: أستغفر الله أستغفر الله، من دون أن يقولوا الشهادتين، وهؤلاء لا ينفعهم قول: أستغفر الله؛ بل يزيدهم كفرا، وهذا كثير في بعض البلاد، فلينبهوا وليعلموا الصواب. كما يجب عليه الندم والعزم على أن لا يعود لمثله، وهما شرطان واجبان للتوبة، لكن ليسا شرطا لصحة الرجوع إلى الإسلام.