الأحد ديسمبر 7, 2025

س29: ما معنى قوله تعالى: {الرحمن على العرش استوى} [طه: 5]؟

قال الإمام مالك t: «استوى كما وصفه نفسه([1])، ولا يقال عنه: كيف، كيف عنه مرفوع»([2]).اهـ. والكيف صفة المخلوق، ومن صفة المخلوق: الجلوس([3]) والاستقرار والمكان([4]) والجهة([5])، وقال القشيري: «{على العرش استوى} قهر وحفظ وأبقى»([6]).اهـ. ولا يجوز اعتقاد أنه جالس على العرش، لأن هذه عقيدة اليهود، وفيها تكذيب لقوله تعالى: {فلا تضربوا لله الأمثال} [النحل: 74]، وقال الإمام علي t: «إن الله خلق العرش إظهارا لقدرته، ولم يتخذه مكانا لذاته».اهـ. أبو منصور البغدادي، الفرق بين الفرق([7]).

[1])) أي: كما ورد في القرءان، استوى استواء يليق به.

[2])) البيهقي، الأسماء والصفات، ص379.

[3])) الجلوس ليس له معنى في لغة العرب إلا هذا المعروف ممن له جزء أعلى وجزء أسفل، والجزء الأسفل ملاصق لما تحته.

[4])) المكان: الفراغ الذي يشغله الحجم.

[5])) الجهة: الناحية.

[6])) محمد مرتضى الزبيدي، إتحاف السادة المتقين، 2/108.

[7])) أبو منصور البغدادي، الفرق بين الفرق، ص287.

* القاعدة: أن القرءان لا يتعارض، والحديث لا يتعارض، والقرءان لا يعارض الحديث، وكذلك الحديث لا يعارض القرءان، فلا بد أن تكون هذه الآية: {الرحمن على العرش استوى} [طه: 5] منسجمة مع الآيات المحكمات، ومنها: {ليس كمثله شيء} [الشورى: 11].

* قال الإمام جعفر الصادق t: «من زعم أن الله في شيء أو من شيء أو على شيء فقد أشرك».اهـ. أحمد الرفاعي، البرهان المؤيد، ص19.

* قال الإمام أبو حنيفة t: ««نقر بأن الله على العرش استوى، من غير أن يكون له حاجة إليه واستقرار عليه، وهو الحافظ للعرش وغير العرش من غير احتياج، ولو كان محتاجا إلى الجلوس والقرار فقبل خلق العرش أين كان الله تعالى، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا».اهـ. القاري، منح الروض الأزهر في شرح الفقه الأكبر، ص126، 127.

* قال مالك t لرجل سأله عن {الرحمن على العرش استوى} [طه: 5]: «الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وما أراك إلا مبتدعا».اهـ. البيهقي، الأسماء والصفات، ص379.

* قال الشافعي t عندما سئل عن قوله تعالى: {الرحمن على العرش استوى} [طه: 5] «ءامنت بلا تشبيه، وصدقت بلا تمثيل، واتهمت نفسي عن الإدراك وأمسكت عن الخوض فيه كل الإمساك».اهـ. الحصني دفع شبه من شبه وتمرد، ص31.

* قال الشافعي t: «وكذا [يكفر] من يعتقد أن الله جالس على العرش».اهـ. ابن المعلم، نجم المهتدي، 2/430.

* قال أحمد بن حنبل t: «استوى كما أخبر لا كما يخطر للبشر».اهـ. أحمد الرفاعي، البرهان المؤيد، ص18.

* قال الغزالي رحمه الله: ««وأنه مستو على العرش على الوجه الذي قاله، وبالمعنى الذي أراده، استواء منزها عن المماسة والاستقرار والتمكن والحلول والانتقال، لا يحمله العرش؛ بل العرش وحملته محمولون بلطف قدرته، ومقهورون في قبضته، وهو فوق العرش والسماء وفوق كل شيء إلى تخوم الثرى (فوقية القهر) فوقية لا تزيده قربا إلى العرش والسماء كما لا تزيده بعدا عن الأرض والثرى؛ بل هو رفيع الدرجات عن العرش والسماء، كما أنه رفيع الدرجات عن الأرض والثرى، وهو مع ذلك قريب من كل موجود، (القرب المعنوي لا الحسي) وهو أقرب إلى العبد من حبل الوريد، وهو على كل شيء شهيد، إذ لا يماثل قربه قرب الأجسام، كما لا يماثل ذاته ذات الأجسام، وأنه لا يحل في شيء، ولا يحل فيه شيء».اهـ. الغزالي قواعد العقائد، ص52، 53.

* قال الغزالي رحمه الله: «العلم بأنه تعالى مستو على عرشه بالمعنى الذي أراد الله تعالى بالاستواء، وهو الذي لا ينافي وصف الكبرياء، ولا يتطرق إليه سمات الحدوث والفناء، وهو الذي أريد بالاستواء في السماء […] وليس ذلك إلا بطريق القهر والاستيلاء، كما قال الشاعر: [الرجز]

قد استوى بشر على العراق

 

من غير سيف ودم مهراق».اهـ.

الغزالي، قواعد العقائد، ص165 – 167.

* قال أحمد الرفاعي رحمه الله: ««نزهوا الله عن سمات المحدثين وصفات المخلوقين، وطهروا عقائدكم من تفسير معنى الاستواء في حقه تعالى بالاستقرار، كاستواء الأجسام على الأجسام المستلزم للحلول، تعالى الله عن ذلك».اهـ. أحمد الرفاعي، البرهان المؤيد، ص16.

* قال أبو القاسم الأصبهاني رحمه الله: «ومتى عدي [الاستواء] بـ«على» اقتضى معنى الاستيلاء».اهـ. الأصبهاني، مفردات القرءان، 1/331.

* ولا صحة لما روي عن ابن عباس 5 أنه فسر الاستواء بالاستقرار، فهو من رواية السدي الصغير عن الكلبي عن أبي صالح، قال الحافظ البيهقي: «الرواية منكرة».اهـ. البيهقي، الأسماء والصفات، ص383، 384. وهذا السند يسمى «سلسلة الكذب»، فوجب الحذر من كتاب «تنوير المقباس من تفسير ابن عباس»، فإنه كذب عليه.

* قال تقي الدين الحصني: «وفي مواضع أغراضهم [أي: ابن تيمية وأتباعه] الفاسدة يجرون الأحاديث على مقتضى العرف والحس، ويقولون: ينزل بذاته وينتقل ويتحرك ويجلس على العرش بذاته، ثم يقولون: لا كما يعقل. يغالطون بذلك من يسمع من عامي وسيء الفهم، وذلك عن التناقض، ومكابرة للحس والعقل، لأنه كلام متهافت يدفع آخره أوله، وأوله آخره».اهـ. الحصني، دفع شبه من شبه وتمرد، ص15.