الأحد ديسمبر 7, 2025

س28: تكلم على صفة الكلام لله تعالى.

الله يتكلم لا ككلامنا، كلامه ليس حرفا ولا صوتا ولا لغة.

قال تعالى: {وكلم الله موسى تكليما}([1]) [النساء: 164].

قال الإمام أبو حنيفة في «الفقه الأكبر»([2]): «ويتكلم لا ككلامنا، ويسمع لا كسمعنا، ونحن نتكلم بالآلات([3]) والحروف، والله تعالى يتكلم بلا آلة ولا حروف».اهـ.

[1])) في هذه الآية: التأكيد بالمصدر، وفيه رفع احتمال المجاز، فلا يحتمل أن الذي تكلم غير الله.

[2])) أبو حنيفة، الفقه الأكبر، ص2.

[3])) الآلات هي التي جعلها الله لنا من أضراس وأسنان ولسان وشفتين ونحوها، أما الله تعالى فيتكلم بلا آلة ولا حرف.

كلام الله الذي هو صفة ذاته قديم أزلي لا ابتداء له، وما كان كذلك فلا يكون حرفا وصوتا، القرءان والتوراة والإنجيل والزبور وسائر كتب الله إن قصد بها الكلام الذاتي فهي أزلية ليست بحرف ولا صوت، وإن قصد بها اللفظ المنزل الذي بعضه بلغه العرب وبعضه بالعبرانية وبعضه بالسريانية فهو حادث مخلوق لله، لكنها ليست من تصنيف ملك ولا بشر، فهي عبارات عن الكلام الذاتي الذي لا يوصف بأنه عربي ولا بأنه عبراني ولا بأنه سرياني، وكل يطلق عليه كلام الله، أي: أن صفة الكلام القائمة بذات الله يقال له: كلام الله، واللفظ المنزل هو عبارة عنه، يقال له: كلام الله، فتبين أن القرءان له إطلاقان:

الأول: إطلاقه على الكلام الذاتي الذي ليس هو بحرف ولا صوت ولا لغة عربية ولا غيرها.

الثاني: إطلاقه على اللفظ المنزل الذي يقرؤه المؤمنون.

وتقريب ذلك أن لفظ الجلالة «الله» عبارة عن ذات أزلي قديم أبدي، فإذا قلنا: نعبد الله، فذلك الذات هو المقصود، وإذا كتب هذا اللفظ فقيل: ما هذا؟ يقال: «الله»، بمعنى: أن هذه الحروف تدل على ذلك الذات الأزلي الأبدي، لا بمعنى أن هذه الحروف هي الذات الذي نعبده، فصفة الكلام أزلية أبدية لا يجوز أن تكون حرفا أو صوتا، لأن الحرف والصوت مخلوقان بالمشاهدة، فكما أن صفاته من العلم والقدرة والإرادة وغير ذلك أزلية قديمة، كذلك كلامه الذاتي أزلي قديم ليس حرفا ولا صوتا، وذلك لأنه سبحانه مباين (أي: غير مشابه) لجميع المخلوقات في الذات، أي: ذاته لا يشبه ذوات المخلوقات، والصفات، فصفاته لا تشبه صفات المخلوقات.

* من كلام أهل العلم:

  • قال الشيباني في شرح الطحاوية (ص 17، 18): «والحرف والصوت مخلوق، خلقه الله تعالى ليحصل به التفاهم والتخاطب لحاجة العباد إلى ذلك [أي: الحروف والأصوات] والبارئ I وكلامه مستغن عن ذلك، [أي: عن الحروف والأصوات] وهو معنى قوله: «ومن وصف الله بمعنى من معاني البشر فقد كفر».اهـ.
  • قال ابن هبة الله المكي الحموي في حدائق الفصول وجواهر العقول (ص12): [الرجز]

«وقل لمن قد كيف الكلاما
فإنهم قد كابروا العيانا

 

بالحرف والصوت معا سلاما
وخالفوا الدليل والبرهانا».اهـ.

* من الدليل على أن اللفظ المنزل المتألف من الحروف لا يجوز أن يكون كلام الله الأزلي القائم بذاته، ما ثبت أن الله تعالى يكلم كل فرد من أفراد العباد يوم القيامة، فلو كان الله تبارك وتعالى يكلمهم بصوت وحرف لم يكن حسابه لعباده سريعا، والله تبارك وتعالى وصف نفسه بأنه سريع الحساب. ولو كان كلام الله تعالى بحرف وأصوات لكان أبطأ الحاسبين، وهذا ضد الآية التي فيها أن الله أسرع الحاسبين قال الله تعالى: {ثم ردوا إلى اللـه مولاهم الحق ألا له الحكم وهو أسرع الحاسبين} [الأنعام: 62] فلا يتحقق معنى أسرع الحاسبين إلا على مذهب أهل السنة أن الله متكلم بكلام أزلي بغير حرف وصوت.

* قال ملا علي القاري في «شرح الفقه الأكبر» (ص95): «وقد ذكر المشايخ رحمهم الله تعالى أنه يقال: القرءان كلام الله غير مخلوق، ولا يقال: القرءان غير مخلوق، لئلا يسبق إلى الفهم أن المؤلف من الأصوات والحروف قديم، كما ذهب إليه بعض جهلة الحنابلة».اهـ.