الإثنين ديسمبر 8, 2025

س17: حكم ساب الله أنه كافر، بين ذلك مع الدليل.

نقل القاضي عياض الإجماع على أن ساب الله كافر، ولو كان غاضبا([1]) أو مازحا أو غير منشرح الصدر.

قال تعالى: {ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزءون (65) لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم} [التوبة: 65، 66]([2]).

الحديث: «إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يرى بها بأسا يهوي بها سبعين خريفا في النار»([3]). الترمذي، سنن الترمذي، (كتاب الزهد، باب فيمن تكلم بكلمة يضحك بها الناس، 4/557).

[1])) القاضي عياض، الشفا بتعريف حقوق المصطفى، ص832. إذا قيل: إن كان غاضبا لا يكفر. نقول: أنت تستدرك على الله، والقاعدة: كل شرط ليس في كتاب الله ولا في سنة رسول الله فهو باطل ولو كان مائة شرط، كما ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام. البخاري، صحيح البخاري، (كتاب البيوع، باب البيع والشراء من النساء، 2/756).

* الحديث: قال رجل للنبي ﷺ: يا رسول الله، أوصني، قال: «لا تغضب»، فردد مرارا، قال: «لا تغضب». البخاري، صحيح البخاري، (كتاب الأدب، باب الحذر من الغضب، 5/2267). فترك الغضب وصية رسول الله ﷺ، وليس عذرا للكفر وسائر الحرام.

[2])) قال القرطبي: «قال القاضي أبو بكر بن العربي: لا يخلو أن يكون ما قالوه من ذلك جدا أو هزلا، وهو كيفما كان كفر، فإن الهزل بالكفر كفر، لا خلاف فيه بين الأمة».اهـ. القرطبي، تفسير القرطبي، 10/290. وقال النووي: «ولو غضب على ولده أو غلامه، فضربه ضربا شديدا، فقال رجل: ألست بمسلم؟ فقال: لا، متعمدا، كفر». النووي، روضة الطالبين، 10/68.

[3])) إذا قيل: ليس معناه أنه كفر، فالجواب: ما جاء في صحيح مسلم (كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب في شدة حر نار جهنم […]، 4/2184) عن أبي هريرة t قال: كنا مع رسول الله ﷺ إذ سمعنا وجبة (الوجبة بفتح الواو والموحدة بينهما جيم ساكنة: الهدة، وهي شدة صوت وقع الشيء الثقيل)، فقال النبي ﷺ: «أتدرون ما هذا؟»، قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: «هذا حجر رمي به في النار منذ سبعين خريفا، فهو يهوي في النار الآن، حتى انتهى إلى قعرها».

فإذا قيل: هل بمجرد وصوله إلى قعرها يكون من الكفار؟

نقول: الويل واد في جهنم قعره أربعون عاما، لا يصله عصاة المسلمين، كما رواه الحاكم في المستدرك، (كتاب التفسير، تفسير سورة المدثر، 2/551). فإذا كان لا يصل إلى أربعين سنة، فكيف إلى سبعين، وهي نهاية قعر جهنم، كما في حدث مسلم في صحيحه الآنف الذكر. وكذلك الله يقول في المنافقين: {إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار} [النساء: 145] أي هناك مستقرهم، وهو خاص بالكفار، فلا يصله عصاة المسلمين. وهذا معناه أن العبد قد يتكلم بالكلمة الخبيثة المخرجة من الإسلام، وهو لا يعرف أنها تخرج من الإسلام؛ بل ولا يرى ذلك معصية.

* روى البخاري في الصحيح (كتاب الأدب، باب من أكفر أخاه بغير تأويل فهو كمال قال، 5/2263) أن رسول الله ﷺ قال: «إذا قال الرجل لأخيه: يا كافر، فقد باء به أحدهما». فالتكفير قد يكون بسبب شرعي، فلا حرج فيه، أي لا معصية فيه، أو يكون بنوع تأويل فلا يكفر. والتأويل معناه اعتمد على سبب في ذلك الشخص ظنه مخرجا من الإسلام، وهو في الحقيقة ليس مخرجا من الإسلام وكان له نوع شبهة أي التباس، فإن الـمكفر هنا لم يكفر، كما أن المكفر لم يكفر (مثاله الجاهل بحكم المنتحر). أما إن كفر المسلم أخاه بلا تأويل فإنه يعود عليه وبال ذلك فيكفر هو أي المكفر.