سُوَرَةُ المُطَفِّفِينَ
مَكِيَّةٌ وَهِيَ سِتٌ وَثَلَاثُونَ آيَة وَقِيلَ هِيَ مَدَنِيَّة.
بِسمِ اللهِ الرَحمَنِ الرَحِيمِ
وَيْلٌ لِلمُطَفِّفِينَ: الوَيلُ العَذَابُ الشَدِيدُ أَو وَادٍ فِي جَهَنَّمَ وَالمُطَفِّفُونَ هُم الَّذِينَ يَنْقُصُونَ فِي الكَيلِ أَو الوَزنِ. قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ : لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ المَدِينَةَ كَانُوا مِنْ أَخبَثِ النَّاسِ كَيلًا فَأَنزَلَ اللهُ تَعَالَى : { وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ } فَأَحسَنُوا الكَيلَ بَعدَ ذَلِكَ.
الَّذِيْنَ إِذَا اكْتَالُوْا عَلَى النَّاسِ: أَي مِنَ النَّاسِ.
يَستَوْفُوْنَ: أَي استَوفَوا عَلَيهِمُ الكَيلَ.
وَإِذَا كَالُوْهُمْ أًوْ وَزَنُوْهُمْ يُخْسِرُونَ: أَي إِذَا كَالُوا لَهُم أَو وَزَنُوا لَهُم يُخِسِرُونَ أَي يَنقُصُونَ فِي الكَيلِ وَالوَزنِ.
أَلا: استِفهَامُ تَوبِيخٍ.
يَظُّنُ: يَتَيَقَّنُ.
أُوْلَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوْثُوْنَ: لَو ظَنُّوا أَنْهُم يُبْعَثُونَ لَمَا نَقَصُوا فِي الكَيلِ وَالَوَزنِ.
لِيَوْمٍ عَظِيمٍ: يَعنِي بِهِ يَومَ القِيَامَةِ.
يَوْمَ يَقُوْمُ النَّاسُ: أَي مِنْ قُبُورِهِمْ.
لِرَبِّ العَالَمِيْنَ: أَي لِأَمرِهِ أَو لِجَزَائِهِ وَحِسَابِهِ وَقِيلَ يَقُومُونَ بِينَ يَدَيهِ لِفَصلِ القَضَاءِ.
كَلَّا: حَقًا.
إِنَّ كِتَابَ الفُجَّارِ: أَي كَتَابَ أَعمَالِ الكُفَارِ.
لَفِي سِجِّيْنَ: قِيلَ هُوَ كِتَابٌ جًامِعٌ لِأَعمَالَ الشَيَاطِينِ وَالكَفَرَةِ وَقِيلَ هُوَ مَكَانٌ أَسفَلَ الأَرضِ السَابِعَةِ.
كِتَابٌ مَرْقُوْمٌ: أَي ذَلِكَ الكَتَابُ الَّذِي فِي سِجِّينَ هُوَ كِتَابٌ مَكتُوبٌ وَقِيلَ مَختُومٌ.
وَيلٌ يَوْمَئِذٍ لِلمُكَذِبِينَ: شِدَّةُ عَذَابٍ يَومَئِذٍ أَي يَومَ القِيَامَةِ لِلمُكَذِّبِينَ بِيَومِ الجَزَاءِ.
الَّذِينَ يُكَذِبُونَ بِيَومِ الَّدِينِ: صِفَةُ ذَمٍّ لَهُم.
وَمَا يُكَذِّبً بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ: مُتَجَاوِزٍ لِلحَدِّ.
أَثِيمٍ: صِيغَةُ مُبَالَغَةِ كَثِيرُ الإِثمِ هَذَا مَعنَى المُبَالَغَةِ
إِذَا تُتْلَى عَلَيهِ ءَايَاتُنَا: القُرءَانُ.
قَالَ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ: الأَسَاطِيرُ الحِكَايَاتِ الَّتِي سُطِرَتْ قَدِيمًا.
كَلَّا: رَدْعٌ وَزَجرٌ لِقَولِهِم ذَلِكَ.
بَلْ رَانَ: غَلَبَ وَغَطَّى.
عَلَى قُلُوبِهِمْ: فَغَشِيَهَا.
مَا كَانُوْا يَكْسِبُونَ: مِنَ المَعَاصِي.
كَلَّا: حَقًا.
إِنَّهُمْ: أَي الكُفَّارُ.
عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ: يَومَ القِيَامَةِ.
لَمَحْجُوْبُوْنَ: قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ إِنَّهُم عَنِ النَّظَرِ إِلَى رَبِّهِم يَومَئِذٍ لَمَحجُوبُونَ وَالمُؤمِنُ لَا يُحجَبُ عَن رُؤيَتِهِ. وَقَالَ مَالكُ بنُ أَنَسٍ لَمَّا حَجَبَ أَعدَاءَهُ فَلَمْ يَرَوْهُ تَجَلَّى لِأَولِيَائِهِ حَتَّى رَأَوهُ وَقَالَ الشَافِعِيُّ لَمَّا حَجَبَ قَومًا بِالسَّخطِ دَلَّ عَلَى أَنَّ قَومًا يَرَونَهُ بِالرِضَى وَفِي هَذِهِ الآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ المُؤمِنِينَ يَرَونَهُ عَزَّ وَجَلَّ يَؤمَئِذٍ. وَقَالَ الزَجَّاجُ فِي هَذِهِ الآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يُرَى فِي القِيَامَةِ وَلَولَا ذَلِكَ مَا كَانَ فِي هَذِهِ الآيَةِ فَائِدَةٌ وَلَا خُسَّتْ مَنزِلَةُ الكُفَارِ بِأِنَّهُم يُحجَبُونَ عَنْ رَبِّهِم ثُمَّ مِنْ بَعدِ حَجْبِهِم يَدخُلُونَ النَّارَ فَذَلِكَ قَولُهُ تَعَالَى { ثُمَّ إِنَّهُم لَصَالُوا الجَحِيم } أَي لَدَاخِلُو النَّارِ المُحرِقَةِ.
ثَمَّ يُقَالُ: أَي يَقُولُ لَهُم خَزَنَةُ النَّارِ.
هَذَا: أَي العَذَابُ.
الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُوْنَ: حَقًا لَا يُؤمِنُ بِالعَذَابِ الَّذِي يَصلَاهُ. ثُمَّ أَعْلَمَ أَينَ مَحلُّ كِتَابُ الأَبرَارِ فَقَالَ ..
إِنَّ كِتَابَ الأَبرَارِ: أَي كِتَابَ أَعمَالَ المُؤمِنِينَ الصَادِقِينَ فِي إِيمَانِهِم .
لَفِي عِلِيِّينَ: قِيلَ هُوَ كِتَابٌ جَامِعٌ لِأَعمَالِ الخَيرِ مِنَ المَلَائِكَةِ وِمُؤمِنِي الثَقَلَينِ وَقِيلَ هُوَ مَكَانٌ فِي السَمَاءِ السَابِعَةِ تَحتَ العَرشِ.
وَمَا أَدرَاكَ: أَعلَمَكَ.
مَا عِلِّيُونَ: مَا كِتَابُ عِلِيِّينَ هُوَ.
كِتَابٌ مَرْقُوْمٌ: مَختٌومٌ.
يَشْهَدُهُ المُقَرَّبُوْنَ: مِنَ المَلَائِكَةِ .
إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ: جَنَّةٌ.
عَلَى الأَرَائِكِ: سُرُرٍ.
يَنْظُرُوْنَ: مَا أُعطُوا مِنَ النَّعِيمِ.
تَعْرِفُ فِي وُجُوْهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيم: بَهجَةَ التَنَعُّمِ إِذَا رَأَيتَهُم عَرَفْتَ أَنَّهُم مِن أَهلِ النَّعِيمِ لِمَا تَرَى مِن الحُسنِ وَالنُّورِ.
يُسْقَوْنَ مِن رَحِيقٍ: خَمرٍ خَالِصَةٍ مِنَ الدَّنَسِ وَقِيلَ عَينٍ فِي الجَنَّةِ.
مَختُومٍ: عَلَى إِنَائِهِ.
خِتَامُهُ مِسْكٌ: آخِرُ شُرْبِهِ تَفُوحُ مِنهُ رَائِحَةُ مِسْكٍ.
وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ المُتَنَافِسُوْنَ: أَي فَلْيَجِدُّوْا فِي طَلَبِهِ وَلْيَحرِصُوا عَلَيهِ بِطَاعَةِ اللهِ.
وَمِزَاجُهُ: أَي مَا يُمزَجُ بِهِ.
مِنْ تَسْنِيمٍ: فُسِّرَ بِقَولِهِ تَعَالَى {عَيْنًا} قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ تَسْنِيْمٍ هُوَ أَشرَفُ شَرَابِ الجَنَّةِ وَهُوَ اسمُ مُذَكَّرٍ لِمَاءِ عَينٍ فِي الجَنَّةِ.
يَشْرَبُ بِهَا المُقَرَّبُوْنَ: أَي يَشرَبُهَا أَو يُشرَبُ مِنهَا وَقِيلَ يَشرَبُ أَي يَلتَذُّ.
إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوْا: كَأَبِي جَهلٍ وَنَحوِهِ.
كَانُوْا مِنَ الَّذِيْنَ آمَنُوْا: كَعَمَّارٍ وَبِلَالٍ.
يَضْحَكُوْنَ: عَلَى وَجهِ الاِستِهزَاءِ بِهِم.
وَإِذَا مَرُّوْا بِهِمْ: أَي بِالمُؤمِنِينَ.
يَتَغَامَزُوْنَ: يُشِيرُ المُجرِمُونَ إِلَى المُؤمِنِينَ بِالجَفنِ وَالحَاجِبِ استِهزَاءً بِهِم. الجَفنُ هُوَ هَذَا الجِلدُ الَّذِي يُغَطِي العَينَ.
وَإِذَا انْقَلَبُوْا: يَعنِي الكُفَّارَ رَجَعُوا.
إِلَى أَهْلِهِمْ انْقَلَبُوْا فَكِهِيْنَ: أَي مُتَعَجِّبِينَ لِمَا هُم فِيهِ يَتَفَكَّهُونَ بِذِكرِ المُؤمِنِينَ .
وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوْا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّوْنَ: لِإِيمَانِهِم بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. وَقِيلَ إِذَا رَأَوا المُؤمِنِينَ يَنسِبُونَهُم إِلَى الضَلَالِ.
وَمَا أُرْسِلُوْا: يَعنِي الكُفَّارَ.
عَلَيْهِمْ: أَي عَلَى المُؤمِنِينَ.
حَافِظِيْنَ: يَحفَظُونَ عَلَيهِم أَعمَالَهُم أَي لَمْ يُوَكَّلُوا بِحِفظِ أَعمَالِهِم.
فَاليَوْمَ: يَعنِي فِي الآخِرَةِ.
الَّذِيْنَ آمَنُوْا مِنَ الكُفَّارِ يَضْحَكُونَ: إِذَا رَأَوْهُمْ يُعَذَّبُونَ فِي النَّارِ.
عَلَى الأَرَائِكِ: فِي الجَنَّةِ.
يَنْظُرُوْنَ: إِلَيهِمْ وَإِلَى مَا هُم فَيهِ مِنَ الهَوَانِ وَالعَذَابِ بَعدَ العِزَّةِ وَالنَّعِيمِ وَقَالَ مُقَاتِلٌ[1] لِكُلِّ رَجُلٍ مِن أَهلِ الجَنَّةِ ثُلْمَةٌ يَنظُرُونَ إِلَى أَعدَاءِ اللهِ كَيفَ يُعَذَّبُونَ، فَيَحمَدُوْنَ اللهَ عَلَى مَا أَكرَمَهُم بِهَ فَهُم يُكَلِمُونَ أَهلَ النَّارِ وَيُكَلِّمُونَهُم إِلَى أَنْ تُطْبَقَ النَّارُ عَلَى أَهلِهَا فَتُسَدُّ حِينَئِذٍ الكُوَى
هَلْ ثُوِّبَ الكُفَّارُ مَا كَانُوْا يَفعَلُوْنَ: هَل جُوزُوا وَأُثِيبُوا عَلَى استِهزَائِهِم بِالمُؤمِنِينَ فِي الدُنيَا ؟ وَهَذَا الاستِفهَامُ بِمَعنَى التَقرِير.
وَاللهُ أَعلَمُ وَأَحكَمُ…
[1] – قالَ: لهُ تفسيرٌ وله شُهرةٌ , تفسِرُهُ عندَ أكثَرِ المُفَسِرِينَ ينقُلُونَ مِنهُ كَانَ في القَرنِ الثَالِثِ هُوَ .