سُورَةُ عَبَسَ
مَكِيَّةٌ وَهِيَ اثنَتَانِ وَأَربَعُونَ آيَةً
بِسمِ اللهِ الرَحمَنِ الرَحِيمِ
عَبَسَ وَتَوَلَّى: قالَ الـمُفَسّـِرُونَ: كانَ الرَسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يومًا يُناجِي عُتبَةَ بنَ ربيعةَ وأبَا جَهلِ بنِ هِشامِ وأُمَيَّةَ وأُبـَيَّ بنَ خلفٍ ويَدعُوهُم إلى اللهِ تعالى ويرجُو إسلامَهُم فجاءَ ابنُ أُمّ مكتومٍ فقَطَعَهُ عما هو مشغولٌ بهِ فنادَاهُ عَلِّـِمْنِـي مِـمَّا عَلَّمَكَ اللهُ فانصرفَ النبـيُّ إلى بيتِهِ فعُوتِبَ في ذلكَ عِتَابًا لَطيفًا فكانَ بعدَ ذلكَ يقولُ لَهُ إذَا جَاءَ: “مرحبًا بمَنْ عاتَبَنِي فيهِ رَبّـِي[1]” ويَبْسُطُ له رداءَهُ.
أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى: أي لِأَن جاءَهُ الأعمَى وهو عمرُو بنُ قيسٍ وقيل: اسـمُهُ عبدُ اللهِ بنُ عمرٍو.
وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى: أي يتطهرُ من الذنوبِ بالعملِ الصالِحِ وما يتعلمُهُ منكَ.
أَوْ يَذَّكَّرُ: أي يَتَّعِظُ بِـمَا يَتَعَلَّمُهُ من مواعظِ القرءانِ.
فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى: العِظةُ الـمسموعةُ منكَ.
أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى: قالَ ابنُ عباسٍ: استغنى عن اللهِ وعن الإيمانِ. ظاهرُهُ مَنْ كانَ ذا ثروةٍ وغنًـى وهم الذينَ كانَ الرسولُ يُناجِيهِم في شأنِ الإسلامِ عتبةُ وربيعةُ وأبو جهلٍ وأُبَـيٌّ وأُمَيَّةُ ويَدعُوهُم إليهِ.
فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى: قالَ ابنُ عباسٍ: تَصَدَّى تُقبِلُ عليهِ بوجهِكَ.
وَمَا عَلَيْكَ: أيْ أيُّ شىءٍ عليكَ في أنْ لا يُسْلِمَ.
أَلَّا يَزَّكَّى: من تدعُوهُ إلى الإسلامِ يعني أنهُ ليسَ عليهِ إلا البلاغُ. الـمعنَى أنَّ ما على الرسولِ إلاَّ البلاغُ.
وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى: فيه قولانِ أحدهُـمَا يَـمشِي بسرعةٍ في أمرِ دينِهِ والثانِي يعمَلُ في الخيرِ وهو ابنُ أمّ مكتومٍ.
(8) وَهُوَ يَخْشَى: اللهَ.
فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى: تتشاغلُ عنهُ.
كَلاَّ: أي لا تفعلُ ذلكَ.
إِنَّـهَا: أي سورُ القرءانِ أو الآياتُ.
تَذْكِرَةٌ: عظةٌ لِمن ينتفعُ بها.
فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ: فمَنْ شاءَ حَفِظَ ذلك واتَّعَظَ بهِ.
فِي صُحُفٍ: قيلَ: اللوحُ الـمحفوظُ. وقيل: صحفُ الأنبياءِ الـمنزلةُ.
مُكَرَّمَةٍ: عندَ اللهِ تعالى.
مَرْفُوعَةٍ: في السماءِ أو مرفوعةِ الـمقدارِ.
مُطَهَّرَةٍ: منزهةٍ من مَسّ الشياطينِ. وقيل: مطهرةٍ من أنْ تَنَزَّلَ على الـمشركينَ. وقيل: مطهرةٍ من الشركِ والكفرِ. وقيل: مطهرةٍ من الدَنَسِ.
بِأَيْدِي سَفَرَةٍ بأيدي سفرة: إنَّـهُم ملائكةٌ قالَهُ الجمهورُ.
كِرَامٍ: أي على ربّـِهِم.
بَرَرَةٍ: أي مُطِيعِينَ.
قُتِلَ الْإِنْسَانُ: أي لُعِنَ والـمرادُ بالإنسانِ هَهُنَا الكافرُ.
مَا أَكْفَرَهُ: ما أشدَّ كفرَهُ.
مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ: استفهامُ تقريرٍ ثم بيّنَهُ فقال ..
مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ: علقةٍ ثم مضغةٍ إلى آخر خلقِهِ.
ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ: سَهَّلَ لهُ العلمَ بطريقِ الحقّ والباطلِ والـمعنَـى ثم يَسَّرَهُ للسبيلِ وقيلَ: يَسَّرَ لَهُ السبيلَ في خروجِهِ من بطنِ أمّـِهِ.
ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ: جعلَهُ في قبرٍ يسترُهُ.
ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ: أي بعثَهُ.
كَلَّا: ردعٌ للإنسانِ.
لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ: به رَبُّهُ ولِمَا يُؤَدّي ما فُرِضَ عليهِ.
فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ: نظرَ اعتبارٍ إلى طعامِهِ كيفَ قُدّرَ ودُبّـِرَ لهُ.
أَنَّا صَبَبْنَا الـماءَ صَبًّا: أي مِنَ السحابِ.
ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا: بالنباتِ.
فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا: يعني بهِ جميعَ الحبوبِ التي يُتغذَى بِـها كالحنطةِ والشعيرِ.
وَعِنَبًا وَقَضْبًا: قيل: العَلَفُ. وقيل: غيرُ ذلكَ.
العنبُ الـمعروفُ
وَزَيْتُونًا وَنَخْلاً: والزيتونُ والنخلُ الـمعروفُ.
وَحَدَائِقَ غُلْبًا: بساتِينَ كثيرةَ الأشجارِ. كلُّ بستانٍ عليهِ حائطٌ فهو حديقةٌ.
قالَ ابنُ عباسٍ: غلْبًا: غِلاَظًا.
وَفَاكِهَةً وَأَبًّا: أي ألوانَ الفاكهةِ وأبًا أي ما ترعَاهُ البهائمُ أي الـمَرعى. وقيل: التِبْنُ.
مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ: أنتم تَتَمَتَّعُونَ بهِ وأنعامُكُم تتمتعُ بهِ.
فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ: وهِي الصيحةُ الثانيةُ.
يَوْمَ يَفِرُّ الـمرْءُ: الـمعنَـى لا يَلْتَفِتُ الإنسانُ لأحدٍ.
مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ: من أقاربِهِ لعِظَمِ ما هو فيهِ.
وَأَبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ: قال الحسنُ أولُ من يَفِرُّ من أخيهِ هابيلُ ومن أمِهِ وأبيهِ إبراهيمُ ومن صاحبتِهِ نوحٌ ولوطٌ ومِن ابنِهِ نوحٌ. قال الشيخ: لا بأسَ بهِ ومعناهُ أنَّـهم لا يشفعون لَـهُم ويَنفِرُونَ منهم لخبثِ جرائِمِهِم.
لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ: أي يشغلُهُ عن قرابتِهِ فكلُّ واحدٍ منهُم مشغولٌ بنفسِهِ.
وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ: أي مضيئةٌ.
ضَاحِكَةٌ: لسرورِهَا.
مُسْتَبْشِرَةٌ: فرحةٌ لِما نالَـها من كرامةِ اللهِ عز وجل.
وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ: عليها غبارٌ وقالَ مقاتلٌ أي سوادٌ وكآبةٌ.
تَرْهَقُهَا: أي تغشاهَا.
قَتَرَةٌ: أي ظلمةٌ وقال الزجاجُ يعلوهَا سوادٌ كالدخانِ. ثم بيّنَ من أهلِ هذهِ الحالِ فقال تعالى:
أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ: وهو جمعُ كافرٍ وفاجرٍ.
وَاللهُ أَعلَمُ وَأَحكَمُ.
[1] – قَالَ قَألَ: لا يُقَال أَنَّبَهُ أَمَّا العِتَابُ اللَّطِيفُ فّقّد يَكُونُ أَحيَانًا لِغَيرِ الشَىءِ المُحَرَّمِ. إه. القرَضاوي على زعمه احتج بهذه الاية على أن النبي يخطئ في التشريع وهذا كذب وكفر والاية ليس فيها ذلك ولا تعطي هذا المعنى . فهنا لم يحصل اجتهاد من النبي في الدين ولا خطأ إنما الذي حصل انه صلى الله عليه وسلم كان منشغلا بدعوة هؤلاء إلى الاسلام هؤلاء كانوا من صناديد قريش وكان الرسول يطمع في اسلامهم فلما جاء الاعمى ابن ام مكتوم قطعه عن ما كان منشغلا به فعبس الرسول ودخل إلى بيته, لماذا؟ لأن أولائك بهذه الحال أعرضوا عن الاستماع الى النبي فعبس النبي ودخل الى بيته. والنبي عندما عبس لم يعصِ ربهُ لم يقع في ذنب لأنَّ الاعمى لم يرَهُ, معناه ما انكسر قلبه ما تأذَّ فالرسول ما عصَ الله فالذي يقول الرسول وقع هنا في الكبيرة هذا كافر والذي يقول اجتهد في التشريع فأخطأ هذا كافر. فالاية ليس فيها ذلك لا تصريحا ولا تلميحا