الإثنين ديسمبر 23, 2024

سُورَةُ الْمُلْكِ

مَكِّيَّةٌ فِى قَوْلِ الْجَمِيعِ وَتُسَمَّى الْوَاقِيَةَ وَالْمُنْجِيَةَ

وَهِىَ ثَلاثُونَ ءَايَةً

 

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

 

تَبَارَكَ الَّذِى بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ (1) الَّذِى خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2) الَّذِى خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَّا تَرَى فِى خَلْقِ الرَّحْمٰنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (3) ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ (4) وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِّلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ (5) وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (6) إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِىَ تَفُورُ (7) تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِىَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8) قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَىْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِى ضَلالٍ كَبِيرٍ (9) وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِى أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10) فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ (11) إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (12) وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (13) أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14) هُوَ الَّذِى جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِى مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (15) ءَأَمِنْتُمْ مَّنْ فِى السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِىَ تَمُورُ (16) أَمْ أَمِنْتُمْ مَّنْ فِى السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ (17) وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (18) أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمٰنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَىْءٍ بَصِيرٌ (19) أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَّكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِّنْ دُونِ الرَّحْمٰنِ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِى غُرُورٍ (20) أَمَّنْ هَذَا الَّذِى يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَّجُّوا فِى عُتُوٍّ وَنُفُورٍ (21) أَفَمَنْ يَمْشِى مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِى سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (22) قُلْ هُوَ الَّذِى أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ (23) قُلْ هُوَ الَّذِى ذَرَأَكُمْ فِى الأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24) وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (25) قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ (26) فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هَذَا الَّذِى كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ (27) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِىَ اللَّهُ وَمَنْ مَّعِىَ أَوْ رَحِمَنَا فَمَنْ يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (28) قُلْ هُوَ الرَّحْمٰنُ ءَامَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِى ضَلالٍ مُّبِينٍ (29) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَّعِينٍ (30)

 

   رَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِىُّ وَغَيْرُهُمَا عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ »سُورَةٌ فِى الْقُرْءَانِ ثَلاثُونَ ءَايَةً شَفَعَتْ لِصَاحِبِهَا حَتَّى غُفِرَ لَهُ ﴿تَبَارَكَ الَّذِى بِيَدِهِ الْمُلْكُ﴾«.

   وَرَوَى التِّرْمِذِىُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَرَبَ خِبَاءَهُ عَلَى قَبْرٍ وَهُوَ لا يَحْسِبُ أَنَّهُ قَبْرٌ فَسَمِعَ مِنَ الْقَبْرِ قِرَاءَةَ ﴿تَبَارَكَ الَّذِى بِيَدِهِ الْمُلْكُ﴾ فَأَتَى النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ »هِىَ الْمَانِعَةُ هِىَ الْمُنْجِيَةُ تُنْجِيهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ« وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِىُّ وَالسُّيُوطِىُّ.

   ﴿تَبَارَكَ﴾ أَىْ تَبَارَكَ اللَّهُ أَىْ دَامَ فَضْلُهُ وَبِرُّهُ وَتَعَالَى وَتَعَاظَمَ عَنْ صِفَاتِ الْمَخْلُوقِينَ ﴿الَّذِى بِيَدِهِ﴾ أَىْ بِتَصَرُّفِهِ فَالْيَدُ هُنَا كِنَايَةٌ عَنِ الإِحَاطَةِ وَالْقَهْرِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَعْنِى السُّلْطَانَ يُعِزُّ وَيُذِلُّ ﴿الْمُلْكُ﴾ أَىْ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا فِيهِمَا وَمَا بَيْنَهُمَا جَمِيعُ الْخَلائِقِ مَقْهُورُونَ بِقُدْرَتِهِ يَفْعَلُ فِى مُلْكِهِ مَا يُرِيدُ وَيَحْكُمُ فِى خَلْقِهِ بِمَا يَشَاءُ يُعِزُّ مَنْ يَشَاءُ وَيُذِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَكُلُّ شَىْءٍ إِلَيْهِ فَقِيرٌ وَكُلُّ أَمْرٍ عَلَيْهِ يَسِيرٌ ﴿وَهُوَ﴾ أَىِ اللَّهُ ﴿عَلَى كُلِّ شَىْءٍ﴾ مُمْكِنٌ يَقْبَلُ الْوُجُودَ وَالْعَدَمَ ﴿قَدِيرٌ﴾ فَلا يَمْنَعُهُ مِنْ فِعْلِهِ مَانِعٌ وَلا يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ عَجْزٌ وَلا دَافِع لِمَا قَضَى وَلا مَانِعَ لِمَا أَعْطَى.

   ﴿الَّذِى خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ﴾ أَىِ اللَّهُ الَّذِى خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ فَأَمَاتَ مَنْ شَاءَ وَأَحْيَا مَنْ شَاءَ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ وَجَعَلَ الدُّنْيَا دَارَ حَيَاةٍ وَدَارَ فَنَاءٍ وَجَعَلَ الآخِرَةَ دَارَ جَزَاءٍ وَبَقَاءٍ ﴿لِيَبْلُوَكُمْ﴾ أَىْ لِيَمْتَحِنَكُمْ بِأَمْرِهِ وَنَهْيِهِ فَيُظْهِرَ مِنْكُمْ مَا عَلِمَ أَنَّهُ يَكُونُ مِنْكُمْ فَيُجَازِيَكُمْ عَلَى عَمَلِكُمْ ﴿أَيُّكُمْ﴾ أَيُّهَا النَّاسُ﴿أَحْسَنُ عَمَلًا﴾ أَىْ أَطْوَعُ وَإِلَى طَلَبِ رِضَاهُ أَسْرَعُ أَوْ أَيُّكُمْ أَخْلَصُهُ وَأَصْوَبُهُ فَالْخَالِصُ أَنْ يَكُونَ لِوَجْهِ اللَّهِ وَالصَّوَابُ أَنْ يَكُونَ عَلَى السُّنَّةِ. وَالْمُرَادُ أَنَّهُ أَعْطَاكُمُ الْحَيَاةَ الَّتِى تَقْدِرُونَ بِهَا عَلَى الْعَمَلِ وَسَلَّطَ عَلَيْكُمُ الْمَوْتَ الَّذِى هُوَ دَاعِيكُمْ إِلَى اخْتِيَارِ الْعَمَلِ الْحَسَنِ عَلَى الْقَبِيحِ مِنْ حَيْثُ إِنَّ وَرَاءَهُ الْبَعْثَ وَالْجَزَاءَ الَّذِى لا بُدَّ مِنْهُ ﴿وَهُوَ الْعَزِيزُ﴾ الْغَالِبُ الْقَوِىُّ الشَّدِيدُ انْتِقَامُهُ مِمَّنْ عَصَاهُ وَخَالَفَ أَمْرَهُ ﴿الْغَفُورُ﴾ لِمَنْ تَابَ مِنْ ذُنُوبِهِ.

   ﴿الَّذِى خَلَقَ﴾ أَىْ أَوْجَدَ وَأَبْرَزَ مِنَ الْعَدَمِ إِلَى الْوُجُودِ ﴿سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا﴾ أَىْ سَبْعَ سَمَوَاتٍ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ كَمَا ثَبَتَ فِى حَدِيثِ الإِسْرَاءِ الَّذِى أَخْرَجَهُ الْبُخَارِىُّ وَمُسْلِمٌ ﴿مَّا تَرَى﴾ يَا ابْنَ ءَادَمَ ﴿فِى خَلْقِ الرَّحْمٰنِ﴾ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ﴿مِنْ تَفَاوِتٍ﴾ قَالَ الْبُخَارِىُّ »التَّفَاوُتُ الِاخْتِلافُ، وَالتَّفَاوُتُ وَالتَّفَوُّتُ وَاحِدٌ« وَحَقِيقَةُ التَّفَاوُتِ عَدَمُ التَّنَاسُبِ كَأَنَّ بَعْضَ الشَّىْءِ يَفُوتُ بَعْضًا وَلا يُلائِمُهُ وَالْمَعْنَى مَّا تَرَى يَا ابْنَ ءَادَمَ فِى شَىْءٍ مِمَّا خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنِ اعْوِجَاجٍ وَلا تَنَاقُضٍ وَلا عَيْبٍ وَلا خَطَإٍ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ الْمَخْلُوقَاتِ لا يَخْتَلِفُ بَعْضُهَا عَنْ بَعْضٍ مِنْ حَيْثُ الشَّكْلُ وَالصِّفَةُ فَالِاخْتِلافُ هُنَا الْمُرَادُ بِهِ مَا يُنَاقِضُ الْحِكْمَةَ بِالنِّسْبَةِ لِلْخَالِقِ وَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ حَكِيمٌ لا يَجُوزُ عَلَيْهِ الْعَبَثُ وَالسَّفَهُ.

   وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِىُّ »مِنْ تَفَوُّتٍ« بِتَشْدِيدِ الْوَاوِ مِنْ غَيْرِ أَلِفٍ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِأَلِفٍ.

   ثُمَّ أَمَرَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِأَنْ يَنْظُرُوا فِى خَلْقِهِ لِيَعْتَبِرُوا بِهِ فَيَتَفَكَّرُوا فِى قُدْرَتِهِ فَقَالَ ﴿فَارْجِعِ الْبَصَرَ﴾ أَىْ كَرِّرِ النَّظَرَ إِلَى السَّمَاءِ وَتَأَمَّلْهَا ﴿هَلْ تَرَى﴾ فِيهَا يَا ابْنَ ءَادَمَ ﴿مِنْ فُطُورٍ﴾ أَىْ مِنْ شُقُوقٍ وَصُدُوعٍ أَوْ عَيْبٍ أَوْ خَلَلٍ، وَالْفُطُورُ الشُّقُوقُ. وَقَرَأَ أَبُو عَمْرٍو وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِىُّ وَهِشَامٌ »هَلْ تَرَى« بِإِدْغَامِ اللَّامِ فِى التَّاءِ.

   ﴿ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ﴾ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ وَإِنَّمَا أَمَرَ بِالنَّظَرِ مَرَّتَيْنِ لِأَنَّ الإِنْسَانَ إِذَا نَظَرَ فِى الشَّىْءِ مَرَّةً قَدْ لا يَرَى عَيْبَهُ مَا لَمْ يَنْظُرْ إِلَيْهِ مَرَّةً أُخْرَى فَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُ وَإِنْ نَظَرَ فِى السَّمَاءِ مَرَّتَيْنِ لا يَرَى فِيهَا عَيْبًا وَلا خَلَلًا وَجَوَابُ الأَمْرِ ﴿يَنْقَلِبْ﴾ أَىْ يَرْجِعْ ﴿إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا﴾ أَىْ صَاغِرًا ذَلِيلًا مُتَبَاعِدًا عَنْ أَنْ يَرَى عَيْبًا أَوْ خَلَلًا وَأَبْدَلَ أَبُو جَعْفَرٍ ﴿خَاسِئًا﴾ بِيَاءٍ مَفْتُوحَةٍ، ﴿وَهُوَ حَسِيرٌ﴾ أَىْ كَلِيلٌ مُنْقَطِعٌ قَدْ بَلَغَ الْغَايَةَ فِى الإِعْيَاءِ لَمْ يَرَ خَلَلًا وَلا تَفَاوُتًا.

   ﴿وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا﴾ وَهِىَ السَّمَاءُ الْقَرِيبَةُ مِنَ الأَرْضِ وَالَّتِى نُشَاهِدُهَا وَيَرَاهَا النَّاسُ ﴿بِمَصَابِيحَ﴾ أَىْ بِنُجُومٍ لَهَا نُورٌ ﴿وَجَعَلْنَاهَا﴾ أَىْ جَعَلْنَا مِنْهَا ﴿رُجُومًا لِّلشَّيَاطِينِ﴾ أَىْ يُرْجَمُ الشَّيَاطِينُ الْمُسْتَرِقُونَ لِلسَّمْعِ بِشُهُبٍ تَنْفَصِلُ عَنْ هَذِهِ النُّجُومِ ﴿وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ﴾ أَىْ هَيَّأْنَا لِلشَّيَاطِينِ فِى الآخِرَةِ ﴿عَذَابَ السَّعِيرِ﴾ أَىِ النَّارَ الْمُوقَدَةَ بَعْدَ الإِحْرَاقِ بِالشُّهُبِ فِى الدُّنْيَا.

   ﴿وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ﴾ وَأَعْتَدْنَا لِلَّذِينَ كَفَرُوا بِاللَّهِ مِنْ إِنْسٍ وَجِنٍّ ﴿عَذَابُ جَهَنَّمَ﴾ وَهِىَ نَارٌ عَظِيمَةٌ جِدًّا وَقَدْ جَاءَ فِى الْحَدِيثِ الَّذِى رَوَاهُ التِّرْمِذِىُّ أَنَّهَا أُوقِدَ عَلَيْهَا أَلْفُ سَنَةٍ حَتَّى احْمَرَّتْ وَأَلْفُ سَنَةٍ حَتَّى ابْيَضَّتْ وَأَلْفُ سَنَةٍ حَتَّى اسْوَدَّتْ فَهِىَ سَوْدَاءُ مُظْلِمَةٌ ﴿وَبِئْسَ﴾ وَهِىَ كَلِمَةُ ذَمٍّ ﴿الْمَصِيرُ﴾ أَىِ الْمَرْجِعُ أَىْ بِئْسَ الْمَآلُ وَالْمُنْقَلَبُ الَّذِى يَنْتَظِرُهُمْ وَهُوَ عَذَابُ جَهَنَّمَ أَجَارَنَا اللَّهُ مِنْهَا.

 

   ﴿إِذَا أُلْقُوا فِيهَا﴾ يَعْنِى إِذَا أُلْقِىَ الْكُفَّارُ فِى جَهَنَّمَ وَطُرِحُوا فِيهَا كَمَا يُطْرَحُ الْحَطَبُ فِى النَّارِ الْعَظِيمَةِ ﴿سَمِعُوا لَهَا﴾ يَعْنِى لِجَهَنَّمَ ﴿شَهِيقًا﴾ وَالشَّهِيقُ الصَّوْتُ الَّذِى يَخْرُجُ مِنَ الْجَوْفِ بِشِدَّةٍ وَالْمُرَادُ أَنَّهُمْ سَمِعُوا صَوْتًا مُنْكَرًا كَصَوْتِ الْحِمَارِ، تُصَوِّتُ مِثْلَ ذَلِكَ لِشِدَّةِ تَوَقُّدِهَا وَغَلَيَانِهَا ﴿وَهِىَ تَفُورُ﴾ أَىْ تَغْلِى بِهِمْ كَغَلْىِّ الْمِرْجَلِ.

   ﴿تَكَادُ﴾ جَهَنَّمُ ﴿تَمَيَّزُ﴾ يَعْنِى تَتَقَطَّعُ وَتَتَفَرَّقُ وَقَرَأَ الْبِزِّيُّ »تَمَيَّزُ« بِتَشْدِيدِ التَّاءِ وَصْلًا وَالْبَاقُونَ بِالتَّخْفِيفِ ﴿مِنَ الْغَيْظِ﴾ عَلَى الْكُفَّارِ فَجُعِلَتْ كَالْمُغْتَاظَةِ عَلَيْهِم اسْتِعَارَةً لِشِدَّةِ غَلَيَانِهَا بِهِمْ ﴿كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ﴾ أَىْ فَرِيقٌ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْكُفَّارِ ﴿سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا﴾ وَهُمْ مَالِكٌ وَأَعْوَانُهُ وَسُؤَالُهُمْ عَلَى جِهَةِ التَّوْبِيخِ وَالتَّقْرِيعِ وَهُوَ مِمَّا يَزِيدُهُمْ عَذَابًا إِلَى عَذَابِهِمْ ﴿أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ﴾ أَىْ رَسُولٌ فِى الدُّنْيَا يُنْذِرُكُمْ هَذَا الْعَذَابَ الَّذِى أَنْتُمْ فِيهِ.

   ﴿قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ﴾ أَنْذَرَنَا وَخَوَّفَنَا كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ ءَايَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ [سُورَةَ الزُّمَرِ] فَاعْتَرَفَ الْكُفَّارُ بِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ رُسَلًا يُنْذِرُونَهُمْ لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَاعْتَرَفُوا أَيْضًا بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوهُمْ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى إِخْبَارًا عَنْهُمْ ﴿فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا﴾ أَىْ قَالُوا لِلرَّسُولِ الْمُرْسَلِ إِلَيْهِمْ ﴿مَا نَزَّلَ اللَّهُ﴾ عَلَيْكَ ﴿مِنْ شَىْءٍ﴾ مِمَّا تَقُولُ مِنْ وَعْدٍ وَوَعِيدٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ ﴿إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ﴾ وَفِيهِ وَجْهَانِ، قَالَ أَبُو حَيَّانَ فِي تَفْسِيرِهِ الْبَحْرُ الْمُحِيطُ مَا نَصُّهُ »الظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ ﴿إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِى ضَلالٍ كَبِيرٍ﴾ مِنْ قَوْلِ الْكُفَّارِ لِلرُّسُلِ الَّذِينَ جَاءُوا نُذُرًا إِلَيْهِمْ، أَنْكَرُوا أَوَّلًا أَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ شَيْئًا وَاسْتَجْهَلُوا ثَانِيًا مَنْ أَخْبَرَ بِأَنَّهُ تَعَالَى أَرْسَلَ إِلَيْهِمُ الرُّسُلَ وَأَنَّ قَائِلَ ذَلِكَ فِى حَيْرَةٍ عَظِيمَةٍ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ قَوْلِ الْخَزَنَةِ لِلْكُفَّارِ إِخْبَارًا لَهُمْ وَتَقْرِيعًا بِمَا كَانُوا عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَأَرَادُوا بِالضَّلالِ الْهَلاكَ الَّذِي هُمْ فِيهِ أَوْ سَمَّوْا عِقَابَ الضَّلالِ ضَلالًا لِمَا كَانَ نَاشِئًا عَنِ الضَّلالِ« اهـ.

   ﴿وَقَالُوا﴾ أَىْ وَقَالَ الْكُفَّارُ أَيْضًا وَهُمْ فِى النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ﴿لَوْ كُنَّا﴾ فِى الدُّنْيَا ﴿نَسْمَعُ﴾ مِنَ النُّذُرِ أَىِ الرُّسُلِ مَا جَاءُوا بِهِ مِنَ الْحَقِّ سَمَاعَ طَالِبٍ لِلْحَقِّ ﴿أَوْ نَعْقِلُ﴾ عَقْلَ مُتَأَمِّلٍ وَمُفَكِّرٍ بِمَا جَاءَ بِهِ الرُّسُلُ ﴿مَا كُنَّا فِى أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾ يَعْنِى مَا كُنَّا مِنْ أَهْلِ النَّارِ وَلَمْ نَسْتَوْجِبِ الْخُلُودَ فِيهَا.

   ﴿فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ﴾ أَىْ بِكُفْرِهِمْ فِى تَكْذِيبِهِمُ الرُّسُلَ وَهَذَا الِاعْتِرَافُ لا يَنْفَعُهُمْ وَلا يُخَلِّصُهُمْ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ ﴿فَسُحْقًا﴾ أَىْ فَبُعْدًا ﴿لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾ وَهُمْ أَهْلُ النَّارِ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ وَهُوَ دُعَاءٌ عَلَيْهِمْ. وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ إِلَّا النَّهْرَوَانِىّ وَالْكِسَائِىّ بِضَمِّ الْحَاءِ.

 

   وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ وَعِيدَ الْكُفَّارِ أَتْبَعَهُ بِوَعْدِ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ﴾ أَىْ يَخَافُونَهُ ﴿بِالْغَيْبِ﴾ أَىِ الَّذِى أُخْبِرُوا بِهِ مِنْ أَمْرِ الْمَعَادِ وَأَحْوَالِهِ أَوْ يَخَافُونَهُ وَهُمْ فِى غَيْبَتِهِمْ عَنْ أَعْيُنِ النَّاسِ فِى خَلَوَاتِهِمْ فَآمَنُوا بِهِ وَأَطَاعُوهُ سِرًّا كَمَا أَطَاعُوهُ عَلانِيَّةً ﴿لَهُمْ مَّغْفِرَةٌ﴾ أَىْ عَفْوٌ مِنَ اللَّهِ عَنْ ذُنُوبِهِمْ ﴿وَأَجْرٌ كَبِيرٌ﴾ وَهُوَ الْجَنَّةُ.

   ﴿وَأَسِرُّوا﴾ أَىْ أَخْفُوا أَيُّهَا النَّاسُ ﴿قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ﴾ أَىْ أَعْلِنُوهُ وَأَظْهِرُوهُ وَاللَّفْظُ لَفْظُ الأَمْرِ وَالْمُرَادُ بِهِ الْخَبَرُ يَعْنِى إِنْ أَخْفَيْتُمْ كَلامَكُمْ أَوْ جَهَرْتُمْ بِهِ فَـ﴿إِنَّهُ﴾ تَعَالَى ﴿عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ يَعْنِى بِمَا فِى الْقُلُوبِ مِنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ فَكَيْفَ بِمَا نَطَقْتُمْ بِهِ، وَالآيَةُ فِيهَا بَيَانُ اسْتِوَاءِ الأَمْرَيْنِ أَىِ الإِسْرَارِ وَالْجَهْرِ فِى عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى.

   قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيُّ »قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ نَزَلَتْ فِى الْمُشْرِكِينَ كَانُوا يَنَالُونَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُخْبِرُهُ جِبْرِيلُ بِمَا قَالُوا، فَيَقُولُ بَعْضُهُمْ أَسِرُّوا قَوْلَكُمْ حَتَّى لا يَسْمَعَ إِلَهُ مُحَمَّدٍ« اهـ.

   ﴿أَلا يَعْلَمُ﴾ الْخَالِقُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ﴿مَنْ خَلَقَ﴾ وَهُوَ الَّذِي أَحَاطَ بِخَفِيَّاتِ الأُمُورِ وَجَلِيَّاتِهَا وَعَلِمَ مَا ظَهَرَ مِنْ خَلْقِهِ وَمَا بَطَنَ، أَوْ أَلا يَعْلَمُ الْخَالِقُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَهُوَ اسْتِفْهَامٌ مَعْنَاهُ الإِنْكَارُ أَيْ كَيْفَ لا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ الأَشْيَاءَ وَأَوْجَدَهَا مِنَ الْعَدَمِ الصِّرْفِ ﴿وَهُوَ اللَّطِيفُ﴾ الْمُحْسِنُ إِلَى عِبَادِهِ فِي خَفَاءٍ وَسِتْرٍ وَمِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُونَ ﴿الْخَبِيرُ﴾ أَيِ الْمُطَّلِعُ عَلَى حَقِيقَةِ الأَشْيَاءِ فَلا تَخْفَى عَلَى اللَّهِ خَافِيَةٌ.

   ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولًا﴾ أَيِ اللَّهُ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ الأَرْضَ سَهْلَةً تَسْتَقِرُّونَ عَلَيْهَا وَيُمْكِنُ الْمَشْيُّ فِيهَا وَالْحَفْرُ لِلآبَارِ وَشَقُّ الْعُيُونِ وَالأَنْهَارِ فِيهَا وَبِنَاءُ الأَبْنِيَةِ وَزَرْعُ الْحُبُوبِ وَغَرْسُ الأَشْجَارِ فِيهَا وَنَحْوُ ذَلِكَ وَلَوْ كَانَتْ صَخْرَةً صُلْبَةً لَمَا تَيَسَّرَ شَىْءٌ مِنْهَا ﴿فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا﴾ أَيْ طُرُقَاتِهَا، وَقِيلَ جِبَالِهَا، وَقِيلَ جَوَانِبِهَا، قَالَ الْبُخَارِيُّ: »مَنَاكِبُهَا: جَوَانِبُهَا«، وَالْمَعْنَى: هُوَ الَّذِي سَهَّلَ لَكُمُ السُّلُوكَ فِي جِبَالِهَا وَهُوَ أَبْلَغُ فِي التَّذْلِيلِ ﴿وَكُلُوا مِنْ رِّزْقِهِ﴾ مِمَّا أَحَلَّهُ اللَّهُ لَكُمْ ﴿وَإِلَيْهِ النُّشُورُ﴾ أَيِ الْمَرْجِعُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَتُبْعَثُونَ مِنْ قُبُورِكُمْ لِلْحِسَابِ وَالْجَزَاءِ. ثُمَّ خَوَّفَ كُفَّارَ مَكَّةَ فَقَالَ:

   ﴿ءَأَمِنْتُمْ﴾ أَىْ أَتَأْمَنُونَ وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ »وَإِلَيْهِ النُّشُورُ وَأَمَنْتُمْ« وَقَرَأَ نَافِعٌ وَأَبُو عَمْرٍو »النُّشُورُ ءَامَنْتُمْ« بِهَمْزَةٍ مَمْدُودَةٍ وَقَرَأَ عَاصِمٌ وَابْنُ عَامِرٍ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِىُّ ﴿ءَأَمِنْتُمْ﴾ بِتَحْقِيقِ الْهَمْزَتَيْنِ.

   ﴿مَّنْ فِى السَّمَاءِ﴾ أَىِ الْمَلَكَ الْمُوَكَّلَ بِالْعَذَابِ وَهُوَ جِبْرِيلُ ﴿أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ﴾ وَهُوَ ذَهَابُهَا سُفْلًا كَمَا خُسِفَتْ بِقَارُونَ وَكَمَا خَسَفَ جِبْرِيلُ بِمُدُنِ قَوْمِ لُوطٍ ﴿فَإِذَا هِىَ تَمُورُ﴾ تَتَحَرَّكُ بِأَهْلِهَا وَالْمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحَرِّكُ الأَرْضَ بِقُدْرَتِهِ عَنْدَ الْخَسْفِ بِهِمْ حَتَّى يَقْلِبَهُمْ إِلَى أَسْفَلَ وَتَعْلُو الأَرْضُ عَلَيْهِمْ وَتَمُورَ فَوْقَهُمْ أَىْ تَذْهَبَ وَتَجِىءَ.

 

   فَائِدَةٌ مُهِمَّةٌ. ذَكَرَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ عِنْدَ بَيَانِ مَعْنَى هَذِهِ الآيَةِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لا يُوصَفُ بِالْمَكَانِ وَلا يَتَحَيَّزُ فِى جِهَةٍ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ صِفَاتِ الأَجْسَامِ وَاللَّهُ لَيْسَ جِسْمًا كَبِيرًا وَلا جِسْمًا صَغِيرًا فَلا يَسْكُنُ السَّمَاءَ وَلا يَسْكُنُ الْعَرْشَ وَلا يَجْلِسُ عَلَيْهِ فَرَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَوْجُودٌ بِلا جِهَةٍ وَلا مَكَانٍ وَقَدْ قَالَ الْحَافِظُ الْعِرَاقِىُّ فِى أَمَالِيِّهِ فِى تَفْسِيرِ حَدِيثِ »ارْحَمُوا مَنْ فِى الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِى السَّمَاءِ« وَاسْتُدِلَّ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ »أَهْلُ السَّمَاءِ« عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ »مَنْ فِى السَّمَاءِ« الْمَلائِكَةُ اهـ.

   ﴿أَمْ أَمِنْتُم مَّنْ فِى السَّمَاء أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا﴾ أَىْ رِيحًا ذَاتَ حِجَارَةٍ مِنَ السَّمَاءِ كَمَا أَرْسَلَهَا عَلَى قَوْمِ لُوطٍ وَأَصْحَابِ الْفِيلِ ﴿فَسَتَعْلَمُونَ﴾ أَيُّهَا الْكَفَرَةُ ﴿كَيْفَ نَذِيرِ﴾ أَىْ كَيْفَ عَاقِبَةُ نَذِيرِى لَكُمْ إِذْ كَذَّبْتُمْ بِهِ وَرَدَدْتُمُوهُ عَلَى رَسُولِى وَالْمَعْنَى وَإِذَا عَايَنْتُمُ الْعَذَابَ فَسَتَعْلَمُونَ أَنَّ إِنْذَارِى بِالْعَذَابِ حَقٌّ حِينَ لا يَنْفَعُكُمُ الْعِلْمُ.

﴿وَلَقَدْ كَذَّبَ﴾ أَىِ الْمُشْرِكُونَ ﴿الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ أَىْ مِنْ قَبْلِ كُفَّارِ مَكَّةَ وَهُمُ الأُمَمُ الْخَالِيَةُ كَقَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ لُوطٍ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَقَوْمِ فِرْعَوْنَ فَإِنَّهُمْ كَذَّبُوا مَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ ﴿فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ﴾ أَىْ إِنْكَارِى عَلَيْهِمْ أَلَيْسَ وَجَدُوا الْعَذَابَ حَقًّا، بَلَى.

   وَلَمَّا حَذَّرَهُمْ مَا يُمْكِنُ إِحْلالُهُ بِهِمْ مِنَ الْخَسْفِ وَإِرْسَالِ الْحَاصِبِ نَبَّهَهُمْ عَلَى الِاعْتِبَارِ بِالطَّيْرِ وَمَا أَحْكَمَ مِنْ خَلْقِهَا فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا﴾ الْمُشْرِكُونَ ﴿إِلَى الطَّيْرِ﴾ جَمْعُ طَائِرٍ تَطِيرُ ﴿فَوْقَهُمْ﴾ فِى الْهَوَاءِ ﴿صَافَّاتٍ﴾ أَىْ بَاسِطَاتٍ أَجْنِحَتِهِنَّ فِى الْجَوِّ عِنْدَ طَيَرَانِهَا ﴿ويَقْبِضْنَ﴾ أَىْ يَضْمُمْنَ الأَجْنِحَةَ إِلَى جَوَانِبِهِنَّ، قَالَ الْبُخَارِيُّ »يَضْرِبْنَ بِأَجْنِحَتِهِنَّ وَقَالَ مُجَاهِدٌ صَافَّاتٍ بَسْطُ أَجْنِحَتِهِنَّ« ﴿مَا يُمْسِكُهُنَّ﴾ عَنِ الْوُقُوعِ مَعَ ثِقَلِهَا وَضَخَامَةِ أَجْسَامِهَا ﴿إِلَّا الرَّحْمٰنُ﴾ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَالْمَعْنَى لَمْ يَكُنْ بَقَاؤُهَا فِى جَوِّ الْهَوَاءِ إِلَّا بِقُدْرَةِ اللَّهِ وَحِفْظِهِ ﴿إِنَّهُ﴾ تَعَالَى ﴿بِكُلِّ شَىْءٍ بَصِيرٌ﴾ أَىْ عَالِمٌ بِالأَشْيَاءِ وَلا تَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ.

   ﴿أَمَّنْ﴾ أَيْ مَنْ ﴿هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ﴾ أَىْ أَعْوَانٌ ﴿لَّكُمْ﴾ أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ﴿يَنْصُرُكُمْ﴾ يَمْنَعُ وَيَدْفَعُ عَنْكُمْ الْعَذَابَ إِذَا نَزَلَ بِكُمْ وَالْمَعْنَى لا نَاصِرَ لَكُمْ وَقَرَأَ الْبِصْرِيُّ »يَنْصُرْكُمْ« بِسُكُونِ الرَّاءِ، ﴿مِّنْ دُونِ ٱلرَّحْمٰنِ﴾ أَىْ سِوَى الرَّحْمـٰنِ فَقَوْلُهُ تَعَالَى ﴿أَمَّنْ هَذَا الَّذِي﴾ هُوَ اسْتِفْهَامٌ إِنْكَارِىٌّ أَيْ لا جُنْدَ لَكُمْ يَدْفَعُ عَنْكُمْ عَذَابَ اللَّهِ.

﴿إِنِ الْكَافِرُونَ﴾ أَىْ مَا الْكَافِرُونَ بِاللَّهِ ﴿إِلَّا فِى غُرُورٍ﴾ مِنَ الشَّيَاطِينَ تَغُرُّهُمْ بِأَنَّ لا عَذَابَ وَلا حِسَابَ أَوِ الْمَعْنَى مَا الْكَافِرُونَ بِاللَّهِ إِلَّا فِى غُرُورٍ مِنْ ظَنِّهِمْ أَنَّ مَا يَعْبُدُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ يُقَرِّبُهُمْ إِلَى اللَّهِ زُلْفَى وَأَنَّهَا تَنْفَعُ أَوْ تَضُرُّ.

   ﴿أَمَّنْ﴾ أَىْ مَنْ ﴿هَذَا الَّذِى يَرْزُقُكُمْ﴾ أَىْ يُطْعِمُكُمْ وَيَسْقِيكُمْ وَيَأْتِى بِأَقْوَاتِكُمْ وَيُنْزِلُ عَلَيْكُمُ الْمَطَرَ ﴿إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ﴾ أَىْ قَطَعَ عَنْكُمْ رِزْقَهُ وَالْمَعْنَى لا أَحَدَ يَرْزُقُكُمْ إِنْ حَبَسَ اللَّهُ عَنْكُمْ أَسْبَابَ الرِّزْقِ كَالْمَطَرِ وَالنَّبَاتِ وَغَيْرِهِمَا ﴿بَلْ لَّجُّوا﴾ أَىْ تَمَادَوْا وَأَصَرُّوا مَعَ وُضُوحِ الْحَقِّ ﴿فِي عُتُوٍّ﴾ أَىْ تَكَبُّرٍ وَعِنَادٍ ﴿وَنُفُورٍ﴾ أَىْ تَبَاعُدٍ عَنِ الْحَقِّ وَإِعْرَاضٍ عَنْهُ.

   ثُمَّ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ فَقَالَ ﴿أَفَمَنْ يَمْشِى مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ﴾ أَىْ مُنَكِّسًا رَأْسَهُ لا يَنْظُرْ أَمَامَهُ وَلا يَمِينَهُ وَلا شِمَالَهُ فَهُوَ لا يَأْمَنُ مِنَ الْعِثَارِ وَالِانْكِبَابِ عَلَى وَجْهِهِ وَلا يَدْرِى أَيْنَ يَذْهَبُ وَهَذَا هُوَ الْكَافِرُ أَكَبَّ عَلَى الْكُفْرِ وَالْمَعَاصِى فِى الدُّنْيَا فَحَشَرَهُ اللَّهُ عَلَى وَجْهِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، أَهَذَا ﴿أَهْدَى﴾ أَىْ أَشَدُّ وَأَرْشَدُ اسْتِقَامَةً عَلَى الطَّرِيقِ وَأَهْدَى لَهُ ﴿أَمَّنْ﴾ أَىْ أَمْ مَنْ ﴿يَمْشِى سَوِيًّا﴾ مُعْتَدِلًا نَاظِرًا مَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَعَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ يُبْصِرُ الطَّرِيقَ ﴿عَلَى صِرَاطٍ﴾ أَىْ طَرِيقٍ ﴿مُّسْتَقِيمٍ﴾ أَىْ مُسْتَوٍ لا اعْوِجَاجَ فِيهِ. وَقَدْ شَبَّهَ اللَّهُ تَعَالَى الْمُؤْمِنَ فِى تَمَسُّكِهِ بِالدِّينِ الْحَقِّ وَمَشْيِهِ عَلَى مِنْهَاجِهِ بِمَنْ يَمْشِى فِى الطَّرِيقِ الْمُعْتَدِلِ الَّذِى لَيْسَ فِيهِ مَا يَتَعَثَّرُ بِهِ وَشَبَّهَ الْكَافِرَ فِى رُكُوبِهِ وَمَشْيِهِ عَلَى الدِّينِ الْبَاطِلِ بِمَنْ يَمْشِى فِى الطَّرِيقِ الَّذِى فِيهِ حُفَرٌ وَارْتِفَاعٌ وَانْخِفَاضٌ فَيَتَعَثَّرُ وَيَسْقُطُ عَلَى وَجْهِهِ كُلَّمَا تَخَلَّصَ مِنْ عَثْرَةٍ وَقَعَ فِى أُخْرَى وَقَرَأَ قُنْبُل «صِرَاطٍ« بِالسِّينِ.

   ﴿قُلْ﴾ يَا مُحَمَّدُ لِلْمُشْرِكِينَ ﴿هُوَ الَّذِى أَنْشَأَكُمْ﴾ أَىِ اللَّهُ الَّذِى خَلَقَكُمْ ﴿وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ﴾ تَسْمَعُونَ بِهِ ﴿وَالأَبْصَارَ﴾ تُبْصِرُونَ بِهَا ﴿وَالأَفْئِدَةَ﴾ أَىِ الْقُلُوبَ تَعْقِلُونَ بِهَا ﴿قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ﴾ أَىْ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ اللَّهَ عَلَى هَذِهِ النِّعَمِ الَّتِى أَنْعَمَهَا عَلَيْكُمْ، وَشُكْرُ نِعْمَةِ اللَّهِ هُوَ أَنْ يَصْرِفَ تِلْكَ النِّعْمَةَ إِلَى وَجْهِ رِضَاهُ وَأَنْتُمْ لَمَّا صَرَفْتُمُ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْعَقْلَ لا إِلَى طَلَبِ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَأَنْتُمْ مَا شَكَرْتُمْ نِعْمَتَهُ الْبَتَّةَ.

   ﴿قُلْ﴾ يَا مُحَمَّدُ اللَّهُ ﴿هُوَ الَّذِى ذَرَأَكُمْ﴾ أَىْ بَثَّكُمْ وَفَرَّقَكُمْ ﴿فِى الأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾ أَىْ تُبْعَثُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَتُجْمَعُونَ مِنْ قُبُورِكُمْ لِلْحِسَابِ وَالْجَزَاءِ وَالْمَعْنَى أَنَّ الْقَادِرَ عَلَى خَلْقِكُمْ مِنَ الْعَدَمِ قَادِرٌ عَلَى إِعَادَتِكُمْ وَفِي ذَلِكَ رَدٌّ عَلَى مُنْكِرِى الْبَعْثِ وَالْحَشْرِ.

   ﴿وَيَقُولُونَ﴾ أَىِ الْمُشْرِكُونَ الْمُنْكِرُونَ لِلْبَعْثِ ﴿مَتَى هَذَا الْوَعْدُ﴾ أَىْ مَتَى يَوْمُ الْقِيَامَةِ وَمَتَى هَذَا الْعَذَابُ الَّذِى تَعِدُونَنَا بِهِ ﴿إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ فِى وَعْدِكُمْ إِيَّانَا مَا تَعِدُونَنَا وَهَذَا اسْتِهْزَاءٌ مِنْهُمْ فَأَجَابَهُمُ اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ

 

   ﴿قُلْ﴾ أَىْ يَا مُحَمَّدُ ﴿إِنَّمَا الْعِلْمُ﴾ بِوَقْتِ قِيَامِ السَّاعَةِ ﴿عِنْدَ اللَّهِ﴾ لا يَعْلَمُ ذَلِكَ غَيْرُهُ ﴿وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ﴾ لَكُمْ أُنْذِرُكُمْ عَذَابَ اللَّهِ عَلَى كُفْرِكُمْ بِهِ ﴿مُّبِينٌ﴾ أَىْ أُبَيِّنُ لَكُمُ الشَّرَائِعَ.

   ﴿فَلَمَّا رَأَوْهُ﴾ أَىْ فَلَمَّا رَأَى هَؤُلاءِ الْمُشْرِكُونَ الْعَذَابَ الْمَوْعُودَ بِهِ فِى الآخِرَةِ ﴿زُلْفَةً﴾ أَىْ قَرِيبًا مِنْهُمْ ﴿سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ ظَهَرَ فِيهَا السُّوءُ وَالْكَآبَةُ وَغَشِيَهَا السَّوَادُ كَمَنْ يُسَاقُ إِلَى الْقَتْلِ ﴿وَقِيلَ﴾ أَىْ تَقُولُ لَهُمُ الزَّبَانِيَةُ وَمَنْ يُوَبِّخُهُمْ ﴿هَذَا﴾ الْعَذَابَ ﴿الَّذِى كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ﴾ أَىْ تَفْتَعِلُونَ مِنَ الدُّعَاءِ أَىْ تَمَنَّوْن وَتَسْأَلُونَ تَعْجِيلَهُ وَتَقُولُونَ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا، أَوْ هُوَ مِنَ الدَّعْوَى أَىْ كُنْتُمْ بِسَبَبِهِ تَدَّعُونَ أَنَّكُمْ لا تَبْعَثُونَ إِذَا مِتُّمْ.

   فَائِدَةٌ. قَرَأَ يَعْقُوبُ »بِهِ تَدْعُونَ« بِتَخْفِيفِ الدَّالِ وَسُكُونِهَا وَالْبَاقُونَ بِتَشْدِيدِ الدَّالِ وَفَتْحِهَا وَالأَوَّلُ عَلَى مَعْنَى تَطْلُبُونَ وَتَسْتَعْجِلُونَ وَالثَّانِى مِنَ الدَّعْوَى أَىْ تَدَّعُونَ الأَبَاطِيلَ وَالأَكَاذِيبَ وَأَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ لا تُبْعَثُونَ قَالَ الْبُخَارِيُّ »تَدَّعُونَ وَتَدْعُونَ وَاحِدٌ مِثْلُ تَذَّكَّرُونَ وَتَذْكُرُونَ«.

   ﴿قُلْ﴾ أَىْ قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِلْمُشْرِكِينَ مِنْ قَوْمِكَ الَّذِينَ كَانُوا يَتَمَنَّوْنَ مَوْتَكَ ﴿أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ﴾ أَىْ أَمَاتَنِى كَمَا تُرِيدُونَ، قَرَأَ حَمْزَةُ »أَهْلَكَنِى« بِإِسْكَانِ الْيَاءِ فَتُحْذَفُ لَفْظًا فِى الْوَصْلِ وَتُرَقَّقُ لامُ الْجَلالَةِ لِكَسْرِ النُّونِ وَالْبَاقُونَ بِفَتْحِهَا فَتُفَخَّمُ لامُ الْجَلالَةِ لِلْفَتْحِ.

   ﴿وَمَنْ مَّعِىَ﴾ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَنَافِعٌ وَأَبُو عَمْرٍو وَابْنُ عَامِرٍ وَحَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ »مَعِىَ« بِفَتْحِ الْيَاءِ وَقَرَأَ أَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِىُّ »مَعِى« بِالإِسْكَانِ، ﴿أَوْ رَحِمَنَا﴾ فَأَبْقَانَا وَأَخَّرَ فِى ءَاجَالِنَا فَلَمْ يُعَذِّبْنَا بِعَذَابِهِ ﴿فَمَنْ يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ أَىْ مَنْ يَحْمِيكُمْ وَيَمْنَعُ عَنْكُمُ الْعَذَابَ الْمُوجِعَ الْمُؤْلِمَ الَّذِى سَبَبُهُ كُفْرُكُمْ وَالْمَعْنَى لا لَيْسَ يُنْجِى الْكُفَّارَ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مَوْتُنَا وَحَيَاتُنَا فَلا حَاجَةَ بِكُمْ إِلَى أَنْ تَسْتَعْجِلُوا قِيَامَ السَّاعَةِ وَنُزُولَ الْعَذَابِ فَإِنَّ ذَلِكَ غَيْرُ نَافِعُكُمْ بَلْ ذَلِكَ بَلاءٌ عَلَيْكُمْ عَظِيمٌ.

   ﴿قُلْ﴾ يَا مُحَمَّدُ ﴿هُوَ ٱلرَّحْمٰنُ﴾ أَىِ الَّذِى نَعْبُدُهُ وَنُوَحِّدُهُ وَأَدْعُوكُمْ إِلَى عِبَادَتِهِ ﴿ءَامَنَّا بهِ﴾ أَىْ صَدَّقْنَا بِهِ وَلَمْ نُشْرِكْ بِهِ شَيْئًا ﴿وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا﴾ أَىْ وَعَلَيْهِ اعْتَمَدْنَا فِى أُمُورِنَا وَأَنَّ الضَّارَّ وَالنَّافِعَ عَلَى الْحَقِيقَةِ هُوَ اللَّهُ.

   ﴿فَسَتَعْلَمُونَ﴾ أَيُّهَا الْمُشْرِكُونَ بِاللَّهِ إِذَا نَزَلَ بِكُمُ الْعَذَابُ وَعَايَنْتُمُوهُ وَقَرَأَ الْكِسَائِىُّ بِالْيَاءِ مِنْ تَحْتُ وَالْبَاقُونَ بِالتَّاءِ مِنْ فَوْقُ.

   ﴿مَنْ هُوَ فِى ضَلالٍ﴾ أَىْ مَنْ هُوَ بَعِيدٌ عَنِ الْحَقِّ وَعَلَى غَيْرِ طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ نَحْنُ أَمْ أَنْتُمْ ﴿مُّبِينٍ﴾ أَىْ بَيِّنٍ.

 

   ﴿قُلْ﴾ يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلاءِ الْمُشْرِكِينَ ﴿أَرَأَيْتُمْ﴾ أَيُّهَا الْقَوْمُ أَىْ أَخْبِرُونِى يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ ﴿إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا﴾ أَىْ غَائِرًا ذَاهِبًا فِى الأَرْضِ إِلَى أَسْفَلَ لا تَنَالُهُ الأَيْدِى وَلا الدِّلاءُ وَهُوَ جَمْعُ دَلْوٍ ﴿فَمَنْ﴾ أَىِ الَّذِى ﴿يَأْتِيكُم بِمَاءٍ مَّعِينٍ﴾ أَىْ بِمَاءٍ طَاهِرٍ تَرَاهُ الْعُيُونُ أَوْ جَارٍ يَصِلُ إِلَيْهِ مَنْ أَرَادَهُ أَىْ لا يَأْتِيكُمْ بِهِ إِلَّا اللَّهُ فَكَيْفَ تُنْكِرُونَ أَنْ يَبْعَثَكُمْ.

   وَيُرْوَى أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ تُلِيَتْ عِنْدَ مُلْحِدٍ فَقَالَ يَأْتِى بِهِ الْفُئُوسُ وَالْمَعَاوِلُ فَذَهَبَ مَاءُ عَيْنِهِ فِى تِلْكَ اللَّيْلَةِ وَعَمِىَ، نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الْجُرْأَةِ عَلَى اللَّهِ وَعَلَى ءَايَاتِهِ وَنَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَحْفَظَ عَلَيْنَا إِيمَانَنَا وَيُحْسِنَ خِتَامَنَا وَيُدْخِلَنَا الْجَنَّةَ مَعَ الأَبْرَارِ ءَامِين.