سُورَةُ التَكوِيرِ
مَكِيَّةٌ وَهِيَ تِسْعٌ وَعِشرُونَ آيَة
بِسمِ اللهِ الرَحمنِ الرَحِيمِ
رَوَى الحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ عَبدِ اللهِ بْنِ عُمرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى يَومِ القِيَامَةِ فَليَقَرَأ قَوله تَعَالَى: إِذَا الشَمْسُ كُوِّرَتْ.
إِذَا الشَمْسُ كُوِّرَتْ: لُفَّتْ وَذُهِبَ بِنُورِهَا وَقِيلَ أَظْلَمَتْ.
وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ: أَي تَنَاثَرَتْ وَسَقَطَتْ عَلَى الأَرْضِ.
وَإِذَا الجِبَالُ سُيِّرَتْ: ذُهِبَ بِهَا عَنْ وَجهِ الأَرْضِ فَصَارَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا.
وَإِذَا العِشَارُ عُطِّلَتْ: قَالَ المُفَسِّرُونَ وَأَهْلُ اللُّغَةِ : العِشَارُ النُوقُ الحَوَامِلُ عُطِّلَتْ تُرِكَتْ بِلَا رَاعٍ أَوْ بِلَا حَالِبٍ لِمَا دَهَاهُمْ مِنَ الأُمُورِ وَلَمْ يَكُنْ مَالٌ أَعْجَبَ إِلَيهِمْ مِنْهَا.
وَإِذَا الوُحُوشُ حَشِرَتْ: جُمِعَتْ بَعدَ البَعْثِ لِيُقْتَصَّ مِنْ بَعضٍ لِبَعضٍ ثُمَّ تَصِيرَ تُرَابًا.
وَإِذَا البِحَارُ سُجِّرَتْ: أُوقِدَتْ فَاشتَعَلَتْ نَارًا قَالَهُ عَلِيٌ وَابنُ عَبَاس ٍرَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.
وَإِذَا النُفُوسُ زُوِّجَتْ: قَالَ عُمَرُ: الصَالِحُ مَعَ الصَالِحِ فِي الجَنَّةِ وَالفَاجِرُ مَعَ الفَاجِرِ فِي النَّارِ وَقِيلَ زَوِّجَتْ أَنْفُسُ المُؤمِنِينَ بِالحُورِ العِينِ.
وَإِذَا المَوؤُدَةِ: الجَارِيَةِ تُدفَنُ حَيَّةً خَوفَ العَارِ وَالحَاجَةِ.
سُئِلَتْ: هَذَا السُؤَالُ لِتَوبِيخِ الفَاعِلِينَ لِلوَأدِ لِأَنَّ سُؤَالَهَا يُؤَدِّي إِلَى سُؤَالِ الفَاعِلِينَ.
بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ: حِكَايَةٌ لِمَا تُخَاطَبُ بِهِ وَجَوَابُهَا أَنْ تَقُولَ قُتِلتُ بِلَا ذَنْبٍ.
وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ: أَي صُحُفُ الأَعمَالِ كَانَتْ مَطوِيَّةً عَلَى الأَعمَالِ فَنُشِرَتْ يَومَ القِيَامَةِ لِيَقْرَأَ كُلُّ إِنْسَانٍ كِتَابَهُ.
وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ: نُزِعَتْ عَنْ مَكَانِهَا فَطُوِيَتْ.
وَإِذَا الجَحِيمُ: النَّارُ.
سُعِّرَتْ: أُجِّجَتْ.
وَإِذَا الجَنَّةُ أُزْلِفَتْ: قُرِّبَتْ لِأَهلِهَا لِيَدْخُلُوهَا.
عَلِمَتْ نَفْسٌ: كُلُّ نَفْسٍ وَقتَ هَذِهِ المَذكُورَاتِ وَهُوَ يَومُ القِيَامَةِ.
مَا أَحْضَرَتْ: مِنْ خَيرٍ تَدخُلُ بِهِ الجَنَّة وَمِنْ شَرٍّ تَدخُلُ بِهِ النَّار.
فَلَا أُقْسِمُ: لَا زَائِدَةٌ وَالمَعنَى أُقْسِمُ.
بِالخُنَّسِ: وَالخُنَّسُ قَالَ الجُمهُورُ الدَرَارِيُ السَبْعَةُ الشَمْسُ وَالقَمَرُ وَزُحَلُ وَعُطَارِدُ وَالمُشتَرِي وَالمَرِّيخُ وَالزُّهرَةُ.
الجَوَارِ الكُنَّسِ: تَجرِي الخَمْسُ مَعَ الشَمْسِ وَالقَمَرِ وَتَرجِعُ حَتَّى تُخْفَى مَعَ ضَوءِ الشَمسِ فَخُنُوسُهَا رُجُوعُهَا وَكُنُوسُهَا اختِفَاؤُهَا تَحتَ ضَوءِ الشَمسِ.
وَاللَّيلِ إِذَا عَسْعَسَ: أَقسَمَ بِإِقبَالِهِ وَإِدبَارِهِ.
وَالصُبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ: فِيهِ قَولَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ طُلُوعُ الفَجرِ وَالثَانِي طُلُوعُ الشَمسِ حَتَّى يَصِيرَ نَهَارًا بَيِّنًا.
إِنَّه: أَي القُرءَان.
لَقَولِ رَسُولٍ كَرِيمٍ: أَي كَرِيمٍ عَلَى اللهِ وَهُوَ جِبرِيلُ أُضِيفَ إِليهِ لِنُزُولِهِ بِهِ.
ذِيْ قُوَّةٍ: أَي شَدِيدِ القُوَى.
عِنْدَ ذِي العَرْشِ: اللهُ تَعَالَى.
مَكِينٍ: ذَا مَكَانَةٍ.
مُطَاعٍ: تُطِيعُهُ المَلَائِكَةُ فِي السَمَاواتِ.
ثَمَّ أَمِينٍ: أَمِينٌ عَلَى الوَحيِ.
وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ: يَعنِي مُحَمَّدًا وَالخِطَابُ لِأَهلِ مَكَّةَ وَهَذَا أَيضًا مِنْ جَوَابِ القَسَمِ وَذَلِكَ أَنَّهُ أَقسَمَ أَنَّ القُرءَانَ نَزَلَ بِهِ جِبرِيلُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا لَيسَ بِمَجنُونٍ كَمَا يَقُولُ أَهلُ مَكَّةَ.
وَلَقَدْ رَآهُ بِالأُفُقِ المُبِينِ: رَأَى مُحَمَّدٌ جِبرِيلَ عَلَى صُورَتِهِ بِالأُفُقِ المُبِينِ وَهُوَ الأَعلَى بِنَاحِيَةِ المَشرِقِ.
وَمَا هُوَ: يَعنِي مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ.
عَلَى الغَيْبِ: أَي عَلَى خَبَرِ السَمَاءِ الغَائِبِ عَنْ أَهلِ الأَرضِ.
بِضَنِينٍ: فَالمَعنَى مَا هُوَ بِمُتَّهَمٍ عَلَى مَا يُخبِرُ بِهِ عَنِ اللهِ تَعَالَى .
وَمَا هُوَ: يَعنِي القُرءَانُ.
بِقَوْلِ شَيطَانٍ: أَي الَّذِي يَستَرِقُ.
رَجِيْمٍ: مَرجُومٌ. قَالَ مُقَاتِلٌ[1] وَذَلِكَ أَنَّ كُفَّارَ مَكَّةَ قَالُوا إِنَّمَا يَجِيءُ بِهِ الشَيطَانُ فَيُلقِيهِ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ.
فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ: مَعنَاهُ فَأَيُّ طَرِيقٍ تَسلُكُونَ أَبْيَنُ مِنْ هَذِهِ الطَرِيقَةِ الَّتِي قَدْ بُيِّنَتْ لَكُم.
إِنْ هُوَ: أَي القُرءَانُ.
إِلَّا ذِكْرٌ لِلعَالَمِينَ: أَي مَوعِظَةٌ لِلخَلقِ أَجمَعِينَ.
لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَستَقِيمَ: عَلَى الحَقِّ وَالإِيمَانِ وَالمَعنَى أَنَّ القُرءَانَ إِنَّمَا يَتَّعِظُ بِهِ مَنِ استَقَامَ عَلَى الحَقِّ وَقَدْ بَيَّنَا سَبِيلَ الاستِقَامَةِ فَمَنْ شَاءَ أَخَذَ فِي تِلكَ السَبِيلَ.
وَمَا تَشَاؤُوْنَ: الاستِقَامَةَ عَلَى الحَقِّ يَا مَنْ يَشَاؤُهَا[2].
إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ رَبُّ العَالَمِينَ: إِلَّا بِتَوفِيقِ اللهِ وَلُطفِهِ.
وَاللهُ أَعلَمُ وَأَحكَمُ.
[1] – قَالَ: مُقَاتِل مُجَسِمٌ خَبِيثٌ اسمُهُ مُقَاتِلُ بنُ سُلَيمَان لَكِن لَهُ شُهرةٌ كَبيرة فِي التفسير
[2] – قَالَ: يعني الاستِقَامة