سُورَةُ البُرُوجِ
مِكِيَّةٌ كُلُّهَا بِإِجمَاعِهِم وَآيَاتُهَا اثنَتَانِ وَعشرُونَ آيَةً.
بِسْمِ اللهِ الرَحْمَنِ الرَحِيْمِ
وَالسَّمَاءِ ذَاتِ البُرُوْجِ: هِيَ البُرُوجُ الاِثنَا عَشَرَ : الحَمَلُ وَالثَورُ وَالجُوزَاءُ وَالسَرَطَانُ وَالأَسَدُ وَالسُنبُلَةُ وَالمِيزَانُ وَالعَقرَبُ وَالقَوسُ وَالجَديُ وَالدَلو وَالحُوتُ وَهِيَ مَنَازِلُ الكَوَاكِبِ السَبعَةِ السَيَّارَةِ.
وَاليَوْمِ المَوْعُوْدُ: هُوَ يَومُ القِيَامَةِ بِإِجمَاعِهِم.
وَشَاهِدٍ وَمَشْهُوْدٍ: قِيلَ شَاهِدٍ يَومُ الجُمُعَةِ وَمَشهُودٍ يَومُ عَرَفَةَ وَبِهِ قَالَ عَلِيٌّ وَابنُ عَبَّاسٍ وَقِيلَ المَشهُودُ يَومُ القِيَامَةِ.
قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُوْدِ: أَي لُعِنُوا. وَالأُخدُودُ شِقٌّ يُشَقُّ فِي الأَرضِ وَالجَمعُ أَخَادِيدٌ وَهَؤُلَاءِ قَومٌ مِنَ الكُفَّارِ خَدُّوا أُخدُودًا فِي الأَرضِ وَسَجَّرُوهُ نَارًا وَعَرَضُوا المُؤمِنِينَ عَلَيهَا فَمَنْ رَجَعَ عَن دِينِهِ تَرَكُوهُ وَمَنْ أَصَرَّ عَلَى الإِيمَانِ أَحرَقُوهُ، وَأَصحَابُ الأُخدُودِ هُم المَحْرِقُونَ لِلمُؤمِنِينَ. وَقَالَ الرَبِيعُ وَأَبُو العَالِيَة : بَعَثَ اللهُ عَلَى المُؤمِنِينَ رِيحًا فَقَبَضَتْ أَروَاحَهُم وَخَرَجَتِ النَّارُ فَأَحرَقَتِ الكَافِرِينَ الَّذِينَ كَانُوا عَلَى حَافَتَيِ الأُخدُود. وَذَكَرَ بَعضُهُم عِندَ تَفسِيرِ هَذِهِ الآيَةِ قِصَةَ الغُلَامِ مَعَ السَاحِرِ وَقَد ذُكِرَت بِتِفَصِيلِهَا فِي مُسنَدِ أَحَمدَ وَصَحِيحِ مُسلِمٍ وَسُنَنِ التِرمِذِيِّ.
النَّارِ ذَاتِ الوَقُوْدِ: هَذَا بَدَلٌ مِنَ الأُخدُودِ كَأَنَّهُ قَالَ قُتِلَ أَصحَابُ النَّارِ
” ذَاتِ الوَقُوْدِ ” مَا تُوقَدُ بِهِ.
إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ: عِندَ النَّارِ وَكَانَ المَلِكُ وَأَصحَابُهُ جُلُوسًا عَلَى الكُرسِي عِندَ الأُخدُودِ يَعرُضُونَ لِلمُؤمِنِينَ عَلَى الكُفرِ فَمَن أَبَى القَوْهُ.
وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُوْنَ بِالمُؤْمِنِيْنَ: بِاللهِ مِنْ تَعذِيبِهِم بِالإِلقَاءِ فِي النَّارِ إِنْ لَمْ يَرجِعُوا عَن إِيمَانِهِم.
شُهُوْدٌ: حُضُورٌ.
وَمَا نَقَمُوْا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوْا بِاللهِ: مَا أَنكَرُوا عَلَيهِم إِلَّا إِيمَانُهُم المَعَنَى مَا كَانَ إِنكَارَهُم عَلَيهِم إِلَّا لِإِيمَانِهِم بِاللهِ.
العَزَيْزِ: الغَالِبِ .
الحَمِيدِ: المَحمُودِ عَلَى كُلِّ حَالٍ.
الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَىءٍ شَهِيْدٍ: أَي أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَمَاوَاتِ وَالأَرضَ وَهُوَ المَالِكُ لَهُمَا لَمْ يَخْفَ عَلَيهِ مَا صَنَعُوا فَهُو شَهِيدٌ عَلَى مَا فَعَلُوا.
إِنَّ الَّذِيْنَ فَتَنُوْا المُؤْمِنِيْنَ وَالمُؤْمِنَاتِ: أَي أَحرَقُوهُم وَعَذَّبُوهُم.
ثُمَّ لَمْ يَتُوْبُوْا: مِن شِركِهِم وَفِعلِهِم ذَلِكَ بِالمُؤمِنِينَ.
فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ: بِكُفرِهِم.
وَلَهُمْ عَذَابُ الحَرِيْقِ: بِمَا أَحرَقُوا المُؤمِنِينَ وَكِلَا العَذَابِينِ فِي جَهَنَّمَ عِندَ الأَكثَرِينَ. وَقَالَ بَعضُهُم عَذَابُ الحَرِيقِ فِي الدُنيَا بَأَنْ خَرَجَتِ النَّارُ فَأَحرَقَتهُم كَمَا تَقَدَّمَ.
إِنَّ الَّذِيْنَ آمَنُوْا وَعَمِلُوْا الصَالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ذَلِكَ الفَوْزُ الكَبِيرُ: {الَّذِيْنَ آمَنُوْا} المُرَادُ بِهِ العُمُومُ لَا المَطرُوحُونَ فِي النَّارِ لَهُم الفُوزُ الكَبِيرُ لِأَنَّهُم فَازُوا بِالجَنَّةِ وَقَالَ بَعضُ المُفَسِّرِينَ مِن عَذَابِ الكُفَّارِ وَعَذَابِ الآخِرَةِ.
إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيْدٌ: قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ : إِنَّ أَخذَهُ بِالعَذَابِ إِذ أَخْذُ الظَلَمَةِ وَالجَبَابِرَةِ لَشَدِيد.
إِنَّهُ هُوَ يُبْدِىءُ وَيُعِيْدُ: فِيهِ قَولَانِ أَحَدَهُمَا يُبدِأُ الخَلَقَ وَيُعِيدُهُم قَالَهُ الجُمهُورُ وَالثَانِي يُبدِىءُ العَذَابَ فِي الدُنيَا عَلَى الكُفَّارِ ثُمَّ يُعِيدُهُ عَلَيهِم فِي الآخِرَةِ.
وَهُوَ الغَفُوْرُ الوَدُوْدُ: وَلَمَّا ذَكَرَ شِدَّةَ بَطشِهِ ذَكَرَ كَونَهُ غَفُورًا سَاتِرًا لِذُنُوبِ عِبَادِهِ وَدُودًا لَطِيفًا لَهُم مُحسِنًا إِلَيهِم وَقِيلَ الغَفُورُ لِلمُذنِبِينَ المُؤمِنِينَ الوَدُودُ المُتَوَدِّدُ إِلَى أَولِيَائِهِ بِالكَرَامَةِ.
ذُوْ العَرْشِ: خَصَّصَ العَرشَ بِإِضَافَتِهِ إِلَى نَفسِهِ تَشرِيفًا لِلعَرشِ وَتَنبِيهًا عَلَى أَنَّهُ أَعظَمُ المَخلُوقَاتِ.
المَجِيْدُ: قَرَأَ حَمزَةَ وَالكِسَائِي {المجيد} بِالخَفضِ وَقَرَأَ غَيرَهُم بِالرَّفعِ فَمَن قَرَأَ بِالخَفضِ جَعَلَهُ مِن صِفَةِ العَرشِ وَمَن قَرَأَهُ بِالرَّفعِ جَعَلَهُ مِن صِفَاتِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ.
فَعَّالٌ لِمَا يُرِيْدُ: لَا يُعجِزُهُ شَىءٌ. وَقَالَ الإِمَامُ العَبدَرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَمَعنَى الفَعَّالُ لِمَا يُرِيدُ أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى تَكوِينِ مَا سَبَقَتْ بِهِ إِرَادَتُهُ لَا يُعجِزُهُ عَنْ ذَلِكَ شَىءٌ وَلَا يُمَانِعُهُ أَحَدٌ وَلَا يَحتَاجُ إِلَى استِعَانَةٍ بِغَيرِهِ.
هَلْ أَتَاكَ: يَا مُحَمَّدُ.
حَدَيْثُ الجُنُوْدِ: تَقرِيرٌ لِحَالِ الكَفَرَةِ أَي قَد أَتَاكَ حَدِيثُهُم وَمَا جَرَى لَهُم مَعَ أَنبِيائِهِم وَمَا حَلَّ بِهِم مَنَ العُقُوبَاتِ بِسَبَبِ تَكذِيبِهِم فَكَذَلِكَ يَحلُّ بِقُرَيشٍ مِنَ العَذَابِ مَثلَ مَا حَلَّ بِهِم وَالجُنُودُ الجُمُوعُ المُعَدَّةُ لِلقِتَالِ وَهُم الَّذِينَ تَجَنَّدُوا عَلَى أَولِيَاءِ اللهِ ثُمَّ بَيَّنَ مَن هُم فَقَالَ..
فِرْعَوْنَ وَثَمُوْدَ: بَدَل مِنَ الجُنُودِ.
بَلْ الَّذِيْنَ كَفَرُوْا: يَعنِي مُشرِكِي مَكَّةَ.
فِي تَكَذِيْبٍ: لَكَ وَالقُرءَان أَي لَم يَعتَبِرُوا بِمَا كَانَ قَبلَهُم .
وَاللهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ: لَا يَخفَى عَلَيهِ شَىءٌ مِنْ أَعمَالِهِمْ.
بَلْ هُوَ قُرْءَانٌ مَجِيْدٌ: أَي كَرِيمٌ لِأَنَّهُ كَلَامَ اللهِ وَلَيسَ كَمَا يَقُولُونَ بِشِعرٍ وَلَا كَهَانَةٍ وَلَا سِحرٍ.وَقِيلَ مَجِيدٌ عَظِيمٌ.
فِي لَوْحٍ مَحْفُوْظٍ: وَهُوَ اللَّوحُ المَحفُوظُ، مِنهُ نُسِخَ القُرءَانُ وَسَائِرُ الكُتُبِ فَهُوَ مَحفُوظٌ مِنَ التَحرِيفِ وَالزِيَادَةِ فِيهِ وَالنُقصَانُ مِنهُ وَمِنَ الشَيَاطِينِ وَرُوِيَ عَنْ ابنِ عَبَّاسٍ أَنْ طُولَهُ مَا بِينَ السَمَاءِ وَالأَرضِ وَعَرضُهُ مَا بَينَ المَشرِقِ وَالمَغرِبِ وَهُوَ مِن دُرَّةٍ بَيضَاءِ وَهُوَ جِرمٌ كَبِيرٌ قِيلَ إِنَّهُ فَوقَ العَرشِ وَقِيلَ إِنَّهُ تَحتَهُ وَقَد وَرَدَ عَنهُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ للهِ تَعَالَى لَوحًا مَحفُوظًا مِن دُرَّةٍ بِيضَاءَ حَافَتَاهُ يَاقُوتَةً حَمرَاءَ ” رَوَاهُ الحَافِظُ أَبُو بِكرِ ابنُ أَبِي الشَيخِ فِي كَتَابِ العَظَمَةِ. وَهُوَ غَيرُ ثَابِتٍ.
وَاللهُ أَعلَمُ وَأَحكَمُ.