(سَبَبُ نُزُولِ الإِخْلاصِ)
(قَالَتِ الْيَهُودُ لِلرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) يَا مُحَمَّدُ (صِفْ لَنَا رَبَّكَ) الَّذِى تَعْبُدُهُ وَ(قَدْ كَانَ سُؤَالُهُمْ تَعَنُّتًا أَىْ عِنَادًا لا حُبًّا لِلْعِلْمِ وَاسْتِرْشَادًا بِهِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سُورَةَ الإِخْلاصِ ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ أَىِ الَّذِى لا يَقْبَلُ التَّعَدُّدَ وَالْكَثْرَةَ وَلَيْسَ لَهُ شَرِيكٌ فِى الذَّاتِ أَوِ الصِّفَاتِ أَوِ الأَفْعَالِ) أَىْ لا يُوجَدُ ذَاتٌ يُشْبِهُ ذَاتَهُ (وَلَيْسَ لِأَحَدٍ صِفَةٌ كَصِفَاتِه) وَلا يُشْبِهُ فِعْلٌ فِعْلَهُ (بَلْ قُدْرَتُهُ تَعَالَى) مَثَلًا (قُدْرَةٌ وَاحِدَةٌ) لَيْسَتْ مُرَكَّبَةً وَلا مُتَتَالِيَةً وَلا مُتَبَعِّضَةً (يَقْدِرُ بِهَا عَلَى كُلِّ شَىْءٍ وَعِلْمُهُ) مَثَلًا (وَاحِدٌ) لَيْسَ كَعِلْمِ غَيْرِهِ وَلَيْسَ حَادِثًا دَفْعَةً بَعْدَ دَفْعَةٍ (يَعْلَمُ بِهِ كُلَّ شَىْءٍ) وَ(قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿اللَّهُ الصَّمَدُ﴾ أَىْ) هُوَ السَّيِّدُ الْمَقْصُودُ (الَّذِى تَفْتَقِرُ إِلَيْهِ جَمِيعُ الْمَخْلُوقَاتِ مَعَ اسْتِغْنَائِهِ عَنْ كُلِّ مَوْجُودٍ وَ)هُوَ (الَّذِى يُقْصَدُ عِنْدَ الشِّدَّةِ بِجَمِيعِ أَنْوَاعِهَا وَلا يَجْتَلِبُ بِخَلْقِهِ نَفْعًا لِنَفْسِهِ وَلا يَدْفَعُ بِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ضُرًّا) كَمَا قَالَ تَعَالَى فِى سُورَةِ الذَّارِيَاتِ ﴿مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِّنْ رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونَ﴾. وَ(قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ﴾ نَفْىٌ لِلْمَادِّيَّةِ وَالِانْحِلالِ) فَلَيْسَ هُوَ سُبْحَانَهُ مَادَّةً لِغَيْرِهِ وَلا أَصْلًا أَوْ أَبًا (وَهُوَ) لَيْسَ فَرْعًا لِغَيْرِهِ أَوْ وَلَدًا أَىْ إِنَّهُ سُبْحَانَهُ مُنَزَّهٌ عَنْ (أَنْ يَنْحَلَّ مِنْهُ شَىْءٌ) كَمَا يَنْفَصِلُ الْوَلَدُ عَنْ وَالِدِهِ (أَوْ أَنْ يَحُلَّ هُوَ فِى شَىْءٍ) كَمَا يَحُلُّ الْوَلَدُ فِى رَحِمِ مَنْ يَلِدُهُ (وَمَا وَرَدَ فِى كِتَابِ مَوْلِدِ الْعَرُوسِ مِنْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَبَضَ قَبْضَةً مِنْ نُورِ وَجْهِهِ فَقَالَ لَهَا كُونِى مُحمَّدًا فَكَانَتْ مُحمَّدًا فَهَذِهِ مِنَ الأَبَاطِيلِ الْمَدْسُوسَةِ وَ)إِذَا حُمِلَ قَوْلُهُ قَبْضَةً مِنْ نُورِ وَجْهِهِ عَلَى أَنَّ اللَّهَ حَجْمٌ وَأَنَّهُ جَعَلَ جُزْءًا مِنْهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ هَذَا ضَلالًا مُبِينًا وَخُرُوجًا عَنْ عَقِيدَةِ الإِسْلامِ فَإِنَّ (حُكْمَ مَنْ يَعْتَقِدُ أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جُزْءٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى التَّكْفِيرُ قَطْعًا وَكَذَلِكَ الَّذِى يَعْتَقِدُ فِى الْمَسِيحِ أَنَّهُ جُزْءٌ مِنَ اللَّهِ) إِذْ لا فَرْقَ بَيْنَ الِاعْتِقَادَيْنِ فِى نِسْبَةِ الأَجْزَاءِ إِلَى الرَّبِّ تَعَالَى وَمَنِ اعْتَقَدَ أَيًّا مِنْهُمَا فَهُوَ دَاخِلٌ تَحْتَ الذَّمِّ الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى فِى سُورَةِ الزُّخْرُفِ ﴿وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا﴾. وَكَمْ قَدْ ضَلَّ أُنَاسٌ بِسَبَبِ كِتَابِ مَوْلِدِ الْعَرُوسِ هَذَا (وَلَيْسَ هَذَا الْكِتَابُ لِابْنِ الْجَوْزِىِّ) الْمُحَدِّثِ الْحَافِظِ الْفَقِيهِ الْمُفَسِّرِ الْوَاعِظِ (رَحِمَهُ اللَّهُ) تَعَالَى كَمَا يَزْعُمُ مَنْ طَبَعَ هَذَا الْكِتَابَ فَإِنَّ مُؤَلَّفَاتِ ابْنِ الْجَوْزِىِّ كَثِيرَةٌ ذَكَرَهَا مَنْ تَرْجَمُوهُ مِنْ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَلَمْ يَذْكُرُوا مِنْ بَيْنِهَا هَذَا الْكِتَابَ (وَلَمْ يَنْسُبْهُ إِلَيْهِ إِلَّا الْمُسْتَشْرِقُ) الأَلْمَانِىُّ (بُروكلمَان) مِنْ غَيْرِ تَحْقِيقٍ. وَ(قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾ أَىْ) أَنَّهُ (لا نَظِيرَ لَهُ) وَلا شَبِيهَ (بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ) وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبَيْهَقِىُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَفِى ءَاخِرِهِ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ هَذِهِ صِفَةُ رَبِّى عَزَّ وَجَلَّ اﻫ