سَبَبُ خُرُوجِ ءَادَمَ مِنَ الْجَنَّةِ
السَّبَبُ فِي ذَلِكَ أَنَّ ءَادَمَ خَالَفَ النَّهْيَ الَّذِي نَهَاهُ اللَّهُ لِأَنَّهُ أَعْلَمَهُ بِالْمَنْعِ مِنْ أَكْلِ شَجَرَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ أَشْجَارِ الْجَنَّةِ وَأَبَاحَ لَهُ مَا سِوَاهَا فَوَسْوَسَ الشَّيْطَانُ لَهُ وَلِحَوَّاءَ أَنْ يَأْكُلا مِنْهَا فَقَالَ لَهُمَا مَا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقُرْءَانِ: ﴿فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ﴾ [سُورَةَ الأَعْرَاف/20] فَأَكَلا مِنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الْجَنَّةِ، وَكَانَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ عَلَيْهِ النُّبُوَّةُ وَالرِّسَالَةُ لِأَنَّهُ إِنَّمَا نُبِّئَ بَعْدَ أَنْ خَرَجَ مِنَ الْجَنَّةِ فَتَابَا مِنْ تِلْكَ الْمَعْصِيَةِ، وَلا تُعَدُّ تِلْكَ الْمَعْصِيَةُ مَعْصِيَةً كَبِيرَةً قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى﴾ [سُورَةَ طَه/122].
ثُمَّ بَعْدَ خُرُوجِهِمَا مِنَ الْجَنَّةِ تَنَاسَلا فَعَلَّمَ ءَادَمُ أَوْلادَهُ أُمُورَ الإِسْلامِ فَكُلُّ ذُرِّيَّتِهِ كَانُوا عَلَى الإِسْلامِ، ثُمَّ نُبِّئَ بَعْدَ ءَادَمَ ابْنُهُ شِيثٌ، ثُمَّ بَعْدَ وَفَاةِ شِيثٍ نُبِّئَ إِدْرِيسُ ثُمَّ كَفَرَ بَعْضُ الْبَشَرِ بِعِبَادَةِ الأَصْنَامِ فَبَعَثَ اللَّهُ الأَنْبِيَاءَ بِالتَّبْشِيرِ لِمَنْ أَطَاعَهُمْ بِالْجَنَّةِ وَالإِنْذَارِ بِالنَّارِ لِمَنْ خَالَفَهُمْ بِعِبَادَةِ غَيْرِ اللَّهِ وَتَكْذِيبِهِمْ.
مِمَّا ابْتُلِيَ بِهِ ءَادَمُ وَحَوَّاءُ بَعْدَ أَكْلِ الشَّجَرَةِ أَنَّهُ نُزِعَ عَنْهُمَا لِبَاسُهُمَا وَانْكَشَفَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا فَطَفِقَا يَلْصُقَانِ عَلَيْهِمَا مِنَ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَكَانَ لِبَاسُهُمَا الَّذِي كَانَ عَلَيْهِمَا مِنْ نُورٍ، وَقَدْ دَلَّ الْقُرْءَانُ الْعَظِيمُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ عَلَيْهِمَا لِبَاسٌ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَا بَنِي ءَادَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِّنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا﴾ [سُورَةَ الأَعْرَاف/27]. ثُمَّ بَعْدَ أَنْ نَزَلا إِلَى الأَرْضِ عَلَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَسْبَابَ الْمَعِيشَةِ فَأَنْزَلَ لَهُ الْقَمْحَ وَعَلَّمَهُ كَيْفَ يَبْذُرُ وَكَيْفَ يَحْصُدُ وَكَيْفَ يَعْمَلُ لِلأَكْلِ، وَعَلَّمَهُ النَّقْدَيْنِ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ فَعَمِلَ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ.
فَآدَمُ عَلَيْهِ السَّلامُ لَهُ فَضْلٌ كَبِيرٌ عَلَى الْبَشَرِ لِمَا لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ حَقِّ الأُبُوَّةِ وَتَعْلِيمِ أُصُولِ الْمَعِيشَةِ فَلا يَجُوزُ تَنْقِيصُهُ، فَمَنْ نَقَصَهُ أَوْ أَنْكَرَ رِسَالَتَهُ فَهُوَ كَافِرٌ. فَلَوْ كَانَ الأَمْرُ كَمَا ظَنَّ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ ءَادَمَ لَمْ يَكْنْ رَسُولًا لَسَاوَى الْبَشَرُ الْبَهَائِمَ وَلَكَانَتْ ذُرِّيَّتُهُ كَذُرِّيَّةِ الْبَهَائِمِ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَقُلْنَا يَا ءَادَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ﴾ [سُورَةَ الْبَقَرَة].
وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا ءَادَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى فَأَكَلا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى ءادَمُ رَبَّهُ فَغَوَى ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى﴾ [سُورَةَ طَه].
فَائِدَةٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿فَتَلَقَّى ءَادَمُ مِنْ رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾ [سُورَةَ الْبَقَرَة/37]، وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: «الْكَلِمَاتُ: اللَّهُمَّ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِكَ، رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي إِنَّكَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ، لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِكَ، رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَتُبْ عَلَيَّ إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ»، وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عُمَرَ بنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَمَّا اقْتَرَفَ سَيِّدُنَا ءَادَمُ الْخَطِيئَةَ قَالَ: «يَا رَبِّ أَسْأَلُكَ بِحَقِّ مُحَمَّدٍ إِلَّا مَا غَفَرْتَ لِي، فَقَالَ اللَّهُ: كَيْفَ عَرَفْتَ مُحَمَّدًا وَلَمْ أَخْلُقْهُ بَعْدُ؟ فَقَالَ: يَا رَبِّ لِأَنَّكَ لَمَّا خَلَقْتَنِي بِيَدِكَ وَنَفَخْتَ فِيَّ مِنْ رُوحِكَ [أَيِ الرُّوحِ الْمُشَرَّفَةِ عِنْدَكَ] رَفَعْتُ رَأْسِيَ فَرَأَيْتُ عَلَى قَوَائِمِ الْعَرْشِ مَكْتُوبًا لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، فَعَلِمْتُ أَنَّكَ لَمْ تُضِفْ إِلَى اسْمِكَ إِلَّا أَحَبَّ الْخَلْقِ إِلَيْكَ».
تَنْبِيهٌ لا يُقَالُ طَرَدَ اللَّهُ ءَادَمَ مِنَ الْجَنَّةِ لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ فِيهِ تَحْقِيرٌ لِسَيِّدِنَا ءَادَمَ بَلْ يُقَالُ أُهْبِطَ كَمَا يُفِيدُ نَصُّ الْقُرْءَانِ.