الأحد ديسمبر 22, 2024

سورة نوح

وهي مكية كلها بإجماعهم وهي ثمان وعشرون ءاية

بسم الله الرحمن الرحيم

  • {إنَّا أرسَلْنا نُوحًا إلى قومِهِ أنْ أنْذِرْ قَوْمَكَ}: أي بأنْ خَوِّفْ قومَكَ وحذِّرهُم.
  • {مِنْ قبْلِ أن يأتيَهُمْ عذابٌ أليمٌ}: يعني الغرقَ بالطوفانِ أو عذابَ الآخرة. والمعنى إنا أرسلناه لينذرهم بالعذابِ إن لم يؤمنوا.
  • {قالَ يا قومِ}: أضافهم إلى نفسِهِ إظهارًا للشفقةِ.
  • {إنِّي لَكُم نذيرٌ}: مُخَوِّفٌ.
  • {مُبينٌ}: أبَيّنُ لكم رسالةَ اللهِ بلُغةٍ تعرفُونها.
  • {أنِ اعْبُدُوا اللهَ}: أي وَحِّدُوهُ ولا تشرِكوا بهِ شيئًا.
  • {واتَّقُوهُ}: أي وخافُوهُ بأنْ تحفَظُوا أنفسَكُم مما يُؤثِمُكُم.
  • {وأطِيعُونِ}: أي فيما ءامُرُكم بهِ وأنهاكم عنهُ وإنما أضافَهُ إلى نفسِهِ لأنّ الطاعةَ قد تكون لغيرِ الله بخلافِ العبادة.
  • {يغفرْ لكُم من ذُنُوبِكُمْ}: أي يغفرْ لكم ذنوبكم وقيل يغفرْ لكم ما سلفَ من ذنوبكم قال الزجاج: “إنما دخلَتْ من ههنا (1) لِتَخصَّ الذنوبَ من سائرِ الأشياءِ ولم تدخل لتبعيض الذنوب ومثله: {فاجْتَنِبُوا الرِّجسَ منَ الأوثانِ} (2).
  • {وَيُؤَخِّرْكُمْ إلى أجَلٍ مُسمَّى}: أي ويؤخركم عن العذاب إلى أجلٍ مُسمَّى وهو منتهى ءاجالهم والمعنى فتموتوا عند منتهى ءاجالِكم غيرَ ميتةِ المعَذَّبين.
  • {إنَّ أجلَ اللهِ إذا جاءَ لا يُؤَخَّرُ}: أي أجلُ الموتِ فيكون المعنى أن أجلَ الله الذي أجَّلَكم إليه لا يُؤخَّرُ إذا جاءَ فلا يُمكنُكم حينئذٍ الإيمانُ.
  • {لو كُنتُمْ تعلَمُون}: أي لو كنتم تعلمون ما يحلُّ بكم من الندامةِ عند انقضاءِ أجلكم لآمنتم.

_________________

  • قال الشيخ العبدري رضي الله عنه: “يقال لها من البيانية”.
  • سورة الحج/30.
  • {قال}: يعني نوحًا عليه السلام.
  • {ربِّ إنّي دَعَوتُ قَوْمي ليلاً ونهارًا}: دائبًا بلا فُتُور.
  • {فلَمْ يَزِدْهُمْ دُعاءي إلا فِرارًا}: تباعدًا من الإيمان ونسب ذلك إلى دعائهِ وإن لم يكن الدعاءُ سببًا للفرارِ في الحقيقةِ وهو كقوله: {وأمَّا الذينَ في قُلُوبهم مَرضٌ فزادَتْهُمْ رِجْسًا} (1) والقرءان لا يكون سببًا لزيادةِ الرّجس وكان الرجلُ يذهبُ بابنه إلى نوح فيقول احذرْ هذا فلا يغرنَّك فإن أبي قد وصاني به.
  • {وإنَّي كُلَّما دَعَوتُهُم}: إلى الإيمان والطاعةِ.
  • {لِتَغْفِرَ لَهُم}: أي ليؤمنوا فتغفرَ لهم.
  • {جَعَلوا أصابِعَهُم في ءاذانِهِم}: سَدّوا مسامِعهم لِئَلا يسمعوا كلامي.
  • {واسْتَغْشَوا ثيابَهُم}: أي غطّوا وجوههم بثيابهم لئلا يَرَوني.
  • {وأصَرُّوا}: على كفرهم.
  • {واسْتَكْبَروا اسْتِكبارًا}: عن الإيمانِ بكَ واتّباعي.
  • {ثمَّ إني دَعَوتُهُمْ جِهارًا}: أي مُعْلِنًا لهم بالدعاء.
  • {ثُمَّ إني أعْلَنتُ لهُمْ}: أي كرَّرتُ الدعاءَ مُعْلنًا.
  • {وأسْرَرْتُ لهم إسرارًا}: قال ابن عباس رضي الله عنهما: “يريد أكلمُ الرجلَ بعد الرجلِ في السر وأدعوه إلى توحيدكَ وعبادتك”.
  • {فقُلتُ اسْتَغفرُوا ربَّكُم}: من الشركِ لأنّ الاستغفارَ طلبُ المغفرة فإن كان المستغفرُ كافرًا فهو من الكفر وإن كانَ عاصيًا مؤمنًا فهو من الذنوب.

قال علامة الدنيا الحافظ المجتهد العبدري: “أي اطلبوا من الله أن يغفر لكم بدخولكم في الإسلام” (1).

______________________

  • سورة التوبة/125.
  • شرح الآية: {فقُلتُ اسْتَغفروا ربَّكُم}

معنى الآية اطلبوا من الله المغفرة بترك الكفر والدخول في الإسلام، فإنه يجب على مَن وقعت منه ردة أن يعود فورًا إلى الإسلام بالنطق بالشهادتين والإقلاع عما وقعت به الردة، ولا يكفي للدخول في الإسلام قول “أستغفر الله” بدل الشهادتين، ويدل على ذلك ما رواه ابن حبان عن عمران بن حصين قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلٌ فقال: يا محمد، عبد المطلب خير لقومه منك كان يُطعمهم الكبد والسنام وأنت تنحرهم (وهذا كفر)، فقال له ما شاء الله (له أن يقوله من الرد عليه)، فلما أراد أن ينصرف قال: ما أقول قال: “قل اللهم قني شر نفسي واعزم لي على أرشد أمري”، فانطلق الرجل ولم يكن أسلم، وبعد أن دخل في دين الإسلام جاء للنبي صلى الله عليه وسلم وقال لرسول الله: إني أتيتك فقلت: علمني فقلتَ: قل اللهم قني شر نفسي واعزم لي على أرشد أمري، فما أقول الآن حين أسلمتُ قال: “قل اللهم قني شر نفسي واعزل لي على أرشد أمري، اللهم اغفر لي ما أسررت وما أعلنت وما أخطأت وما عمدت وما جهلت“. والدليل فيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما جاءه هذا الرجل كافرًا لم يأمره بالاستغفار باللسان لأنه لا ينفعه وهو على كفره، ثم لما جاءه وقد أسلم بالاستغفار. وروى هذا

__________________________

الحديث أيضًا النسائي في عمل اليوم والليلة وأحمد في مسنده، وعند النسائي ذكر اسم الرجل وهو حصين.

فالمرتد إذا قال “أستغفر الله” قبل أن يتشهد لا يزداد إلى ذنبًا وكفرًا، لأن معناه “اللهم اغفر لي وأنا كافر بك”، وذلك مراغمة للدين فيكون ذلك منه زيادة كفر.

وليس معنى الآية أن نوحًا عليه السلام أمر قومه بقول “أستغفر الله” مع عبادتهم للأصنام، بل المعنى اطلبوا من الله أن يغفر لكم بدخولكم في الإسلام، بتشهدكم، فيغفر لكم.

قال القرطبي في تفسيره “الجامع لأحكام القرءان” دار الفكر (18/300) ما نصه: “{وإنَّي كُلَّما دُعَوتُهُم} أي إلى سبب المغفرة وهي الإيمان بك والطاعة لك”. وفي (ص301) قال: “قوله تعالى {فقُلتُ استغفروا ربَّكُم} أي سلوه المغفرة من ذنوبكم السالفة بإخلاص الإيمان” اهـ. أي بأن تتركوا الكفر وتسلموا.

وقد نقل الإجماع على أن الرجوع للإسلام يكون بالشهادتين، الحافظ محمد بن إبراهيم بن المنذر المتوفى سنة 318هـ في كتابه “الإجماع” طبع دار الجنان، الطبعة الأولى 1406هـ (ص144)، والحافظ أبو الحسن علي بن القطان الفاسي المتوفى سنة 628هـ في كتابه “الإقناع في مسائل الإجماع” طبع دار القلم-دمشق، (4/1927).

قال الله تعالى: {وما كانَ استِغفارُ إبراهيمَ لأبيهِ إلا عن موْعِدَةٍ وعَدَها إيَّاهُ فلمَّا تبيَّنَ لهُ أنهُ عدُوٌّ للهِ تبرَّأَ منهُ إنَّ إبراهيمَ لَأَوَّاهٌ حليمٌ} [سورة التوبة/114].

ومعنى استغفار إبراهيم لأبيه الذي كان كافرًا وهو على كفره، معناه أن يطلب من الله المغفرة بالدخول في الإسلام لأن الإسلام كفارة الكفر، قال الله تعالى: {قُل للذينَ كفَرُوا إن يَنتَهُوا يُغفَرْ لهُم ما قدْ سَلَفَ} [سورة الأنفال/38]، وانتهاؤهم يكون بالدخول في الإسلام، والدخول في الإسلام يكون بالشهادتين، وعلى ذلك يُحمَلُ قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في حق أبي طالب حين عرض عليه الإسلام فأبى: “لأستغفرنَّ لك ما لم أُنهَ عنكَ” أي أطلب لك من الله الهداية للإسلام فيُغفر لك بالإسلام، أي ما لم يوحِ الله إليَّ أنك تموت كافرًا.

قال الفخر الرازي في “التفسير الكبير” دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1411هـ (8/16/166) ما نصه: “{إنَّ اللهَ لا يغفرُ أن يُشرَكَ بهِ ويغفرُ ما دونَ ذلكَ لمَن يشاءُ} [سورة النساء/48]، والمعنى أنه تعالى لما أخبر عنهم أنه يدخلهم النار، فطلبُ الغفران لهم جار مجرى طلب أن يخلف الله وعده ووعيده وأنه لا يجوز”. ثم قال (ص167): “المراد من استغفار إبراهيم لأبيه دعاؤه له إلى الإيمان والإسلام، وكان يقول له: ءامِن حتى تتخلص من العقاب وتفوز بالغفران، وكان يتضرع إلى الله –يدعو لوالده- في أن يزرقه الإيمان الذي يوجب (أي يثبت له) المغفرة، فهذا هو الاستغفار، فلما أخبره الله تعالى بأنه يكون مصرًا على الكفر، ترك تلك الدعوة” اهـ.

قال المحدث العبدري: “وإذا قال أستغفر الله قبل أن يجدد إيمانه بقوله أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله وهو على حالته هذه فلا يزيده ذلك إلا إثمًا وكفرًا لأنه يكذب قول الله تعالى: {لم يكُنِ اللهُ ليغفرَ لهُم}.

ثم قال: “هذا بالنسبة لمن كان مسلمًا ثم كفر، أما من لم يكن مسلمًا ثم دخل في الإسلام فإنّ الله يغفر كل ذنوبه التي عمِلها قبل ذلك، كل ما كان عمله من الذنوب قبل الإسلام عندما ينطق بالشهادتين تُمحى عنه كلها لأنّ النبي عليه الصلاة والسلام قال: “الإسلام يمحو ما قبله” (هذا بالنسبة للكافر الأصلي أما المرتد فإذا تشهد ورجع إلى الإسلام يمحى عنه كفره فقط وأما بقية الذنوب فيتوب منها بعد إسلامه ولا تمحى عنه بمجرد الإسلام) وهذا حديث صحيح رواه البخاري، الدخول بالإسلام يكون بأن يعتقد بقلبه معنى الشهادتين وينطق بلسانه، فإذا حصل من شخص أنه كان مسلمًا وحصل منه كفر حتى يرجع إلى الإسلام لا بد له من النطق بالشهادتين، ولا يكفي أن يقول مثلاً: استغفر الله، إذا قال أستغفر الله قبل أن يرجع إلى الإسلام بقوله أشهد ألا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله وهو بعد على حالته هذه لا يزيده قوله أستغفر الله إلا إثمًا، لأنه يكذّب قول الله عز وجل: {لم يَكُنِ اللهُ ليغفرَ لهُمْ}.

  • {إنَّهُ كانَ غَفَّارًا}: أي لم يزَلْ غفارًا لذنوبِ من يُنيبُ إليه.

__________________

ثم قال: “تنبيه: إذا إنسان قال لكم أريد أن أدخل الإسلام ماذا أفعل؟ لا يجوز أن يقال له: انتظر حتى أنهي ما بيدي ثم أدلّك، ولا يجوز أن يقال له: قل أستغفر الله، ولا يجوز أن يقال له: اذهب واغتسل ثم ارجع وأعلمك بل يكون صار كافرًا، لأنه رضي له أن يبقى على الكفر هذه المدة، لأنه جاءه يطلب منه الدخول في الإسلام فلا يجوز أن يُؤخره عن ذلك، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة يخطب في الناس، فقام واحدٌ فسأله عن الإسلام فالنبي فورًا قطع كلامه وأجابه ولذلك قال ابن فرحون في تبصرة الحكّام: قال شهاب الدين القرافي إن الذي يخطب الجُمُعة إذا رأى كافرًا يريد النطق بالشهادتين فقال له اصبر حتى أفرغ من خطبتي فإنه يُحكم بكفر الخطيب، لأنه لم يقل له فورًا انطق بالشهادتين بل أخّره، معناه رضي له أن يبقى هذه المدة على الكفر، ومن رضي الكفر لإنسانٍ صار هو كافرًا ومن أمر إنسانًا بالكفر هو صار كافرًا، وقد ذكر ما يُشبه ذلك غير القرافي من العلماء مثل ابن حجر الهيتمي والحافظ النووي وغيرهم”.

ثم قال: “تنبيه مهم: في تحريم الدعاء للمؤمنين والمؤمنات بمغفرة جميع الذنوب: قال الشوبري في تجريده حاشية الرملي الكبير ما نصه: وجزم ابن عبد السلام في الأمالي والغزالي بتحريم الدعاء للمؤمنين والمؤمنات بمغفرة جميع الذنوب وبعدم دخولهم النار، لأنَّا نقطع بخبر الله تعالى وخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن فيهم من يدخل النار. وأما الدعاء بالمغفرة في قوله تعالى حكاية عن نوح {ربِّ اغفِرْ لي ولوالِدَيَّ ولِمَن دخلَ بيتي مؤمِنًا وللمؤمنينَ والمؤمِنات} [سورة نوح/28]، ونحو ذلك فإنه وردَ بصيغة الفعل في سياق الإثبات، وذلك لا يقتضي العموم لأن الأفعال نكراتٌ، ولجواز قصد معهود خاص وهو أهل زمانه مثلاً اهـ. وكذا الرملي في شرح المنهاج، فليس معنى الآية اغفر لجميع المؤمنين جميع ذنوبهم”.

وهذا الدعاءُ أي بعدم دخول أحدٍ من أهل الإسلام النارَ فيه ردٌّ للنصوص، وردُّ النصوصِ كفرٌ كما قال النسفي في عقيدتهِ المشهورة، وقد قال أبو جعفر الطحاوي: “والأمن والإياس ينقلان عن ملة الإسلام، وهذه عقيدة المرجئة، وهم من الكافرين من أهل الأهواء، وذلك لقولهم (لا يضر مع الإسلام ذنب كما لا تنفع مع الكفر حسنة)” اهـ.

وقد قال أبو العباس أحمد بن محمد بن علي بن حجر الهيتمي في كتابه “الإعلام بقواطع الإسلام” طبعة دار الكتب العلمية 1307هـ ما نصه: “واعلم أن الدعاء ينقسم إلى كفر وحرام وغيرهما، فما هو كفر أن يسأل نفي ما دل السمع القاطع على ثبوته كاللهم لا تعذب من كفر بك أو اغفر له أو لا تخلد فلانًا الكافر في النار لأن ذلك طلب لتكذيب الله تعالى في ما أخبر به وهو كفر”.

رسالة نافعة جدًا

في تحريم قول اللهمَّ أجرنا وأجر والدينا وجميع المسلمين من النار

فقد درج بين بعض العوام في بعض البلدان ممن ينتسبون للتصوف والطرق ولا سيما بين بعض من ينتسب للقادرية وبين بعض رواد المساجد أن يقولوا والعياذ بالله تعالى عقب صلاة الفجر وصلاة المغرب اللهم أجرنا وأجر والدينا وجميع المسلمين من النار وهذا الكلام ليس نصًّا قرءانيًا ولا ثبت عن رسول الله أو عن أحد من صحابته الكرام ولا كلام إمام من أئمة المسلمين أو العلماء المعتبرين أو الصوفية الصادقين بل هذا الكلام من نسج بعض من لا فهم له في الدين إذ هو معارض للقرءان والحديث والإجماع. فوجب علينا القيام بالتحذير من هذه العبارة الفاسدة عملاً بقوله تعالى: {كُنتُم خيرَ أمةٍ أُخرِجَت للناسِ تأمُرونَ بالمعروفِ وتَنْهَونَ عنِ المنكَرِ وتُؤمِنونَ بالله} [سورة ءال عمران/110] وعملاً بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الدين النصيحة” رواه مسلم، ولزيادة الفائدة نبين أن معتقد أهل الإسلام أهل السنة والجماعة أن الإيمان والإسلام متلازمان لا يفترقان وهما كالظهر مع البطن فلا يكون إيمان بدون إسلام ولا إسلام بدون إيمان فأصل الإيمان موجود عند كل أهل الإيمان وإنما يتفاوتون في كماله فمنهم الكامل في الإيمان وفيهم من ليس كاملاً في الإيمان فيقال عن الأول المؤمن التقي أو

  • {يُرسِلُ السماءَ عليكُم مِدرارًا}: أي المطرَ متتابعًا.

___________________________

المسلم التقي ويقال عن الثاني المسلم العاصي أو المؤمن العاصي، ولا يسلب اسم الإيمان عن المسلم إلا بوقوعه في الردة والكفر والعياذ بالله تعالى وأما ما دون الكفر من الكبائر والصغائر فلا يكون مجرد فعلها مخرجًا من الإسلام وموقعًا في الكفر.

ومن دين الله تعالى الاعتقاد بيوم القيامة حيث يحشر الناس وتزوج النفوس فالكافر مع الكافر والمؤمن مع المؤمن فمن الناس من ينجو ذلك اليوم وهم الأتقياء ومن الناس من يخلد في النار وهم الكفار، ومن الناس من يكون تحت خطر المشيئة فيعذب الله من شاء منهم بدخولهم النار ويعفو عمن يشاء وهم العصاة من المسلمين من أهل الكبائر الذين ماتوا بدون توبة وعلى هذا تدل النصوص القرءانية والحديثية وأقوال أئمة الإسلام وإجماع أهل الدين، كما ورد في القرءان: {إنَّ اللهَ لا يغفرُ أن يُشرَكَ بهِ ويغفرُ ما دونَ ذلكَ لمن يشاء} [سورة النساء/48]. دلت الآية على أن الله يغفر ما سوى الكفر لمن يشاء من المسلمين العصاة ويفهم من ذلك أن الله لا يغفر للبعض من المسلمين العصاة قال الله تعالى: {يُعذِّبُ من يشاءُ ويَرحَمُ من يشاءُ} [سورة العنكبوت/21]. فإذا لا بد من الجزم أن الله تعالى يدخل بعض المسلمين العصاة من أهل الكبائر النار بذنوبهم ولا يكون ظالمًا لهم بل استحقوا العقوبة لظلمهم أنفسهم. ويكفي في إثبات هذه الموضوع إيراد الآيات التي فيها وعيد شديد وإخبار عن وقوع العذاب لبعض أهل الكبائر الذين ماتوا بلا توبة كقوله تعالى: {إنَّ الذين يأكُلُونَ أموالَ اليتامى ظُلمًا إنَّما يأكُلونَ في بُطُونِهِم نارًا وسَيَصلَونَ سعيرًا} [سورة النساء/10]. فلا يجوز أن يقال اللهم أجرنا وأجر والدينا وجميع المسلمين من النار لأن هذا معارض لهذه الآية ولغيرها ومصادم للأحاديث الصحيحة. لا يجوز هذا الكلام لأن معناه يا رب لا تدخل أحدًا النار بالمرة. كيف يكون هذا!!! وكيف جاز عندهم أن يعتقدوا هذا المعتقد ورسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر أنه سيدخل بعض المذنبين النار، الرسول أوحي إليه أنه سيدخل قسم من المسلمين بذنوبهم النار فالرسول لا يكذب.

بعض أهل التوحيد يدخلون النار بذنوبهم فيراهم الكفار قد دخلوا النار فيقولون لهم ما نفعكم إيمانكم أنتم أيضًا تتعذبون معنا فينادي منادٍ أخرجوا من النار من قال لا إله إلا الله يعني بعد أن دخلوا النار يخرجهم الله تعالى منها وكذلك ورد في الحديث شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي. شفاعة الرسول قسمان: يشفع الرسول لبعض المسلمين العصاة فلا يدخلون النار بشفاعته والقسم الثاني يخرج الله تعالى من النار بعض المسلمين العصاة من أمة محمد بشفاعة محمد وقد ورد حديث: يخرج قوم من النار من أمة محمد بشفاعة محمد. فإذًا لا بدّ أن يدخل بعض المسلمين العصاة النار بذنوبهم حتمًا فالذي يقول يا رب لا تدخل أحدًا من المسلمين النار هذا فساد كبير هذا معناه كأنه يقول يا رب غيّر مشيئتك الأزلية أنت شئت في الأزل أن تدخل بعض المسلمين النار لكن غيّر مشيئتك الأزلية ولا تدخل أحدًا من المسلمين النار، هذا ضلال مبين، هذا مخالف لعقيدة المسلمين. قائل هذا الكلام أفسد عقيدته وكفر إلا إذا كان لا يفهم منه هذا المعنى. أما حين نقول اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات معناه اللهم اغفر لبعض المؤمنين كل ذنوبهم ولبعض المؤمنين بعض ذنوبهم، هذا معناه. ليس معناه يا رب لا تدخل أحدًا النار بالمرة لا شاربي الخمرة ولا الزناة ولا القتلة ولا ءاكلي الربا ولا تاركي الصلاة الذي ورد أنه سيدخل قسم من المسلمين العصاة النار حتمًا أما من؟ ومن؟ فنحن لا نعلم، هذا شئ يعلمه الله، الرسول أخبرنا بذلك. الرسول لا يكذب، الله لا يكذب، الله تعالى أصدق القائلين هو قال: {سَيَصْلَونَ سعيرًا} عن ءاكلي أموال اليتامى ظلمًا. السعير هو اسم من أسماء جهنم أي نار الآخرة فلا بد أن يتحقق معنى هذه الآية فيجب الاعتقاد أن بعض عصاة المسلمين الذين ماتوا من غير توبة لا بد أن يعذبوا حتمًا كما في قوله تعالى {وءاخَرونَ مُرْجَونَ لأمرِ اللهِ إمَّا يُعذِّبُهُمْ وإما يتوبُ عليهم واللهُ عليمٌ حكيمٌ} [سورة التوبة/106]. نحن نؤمن بأن القرءان حق وما ورد فيه من الوعيد فهو حق وكذلك ما ورد في أحاديث صحيحة والتي منها الحديث الذي فيه أن ءاخر من يخرج من النار اسمه جهينة. ففي صحيح البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “يدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار ثم يقول الله تعالى أخرجوا من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان فيخرجون قد اسودوا”. وروى البخاري من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: “إني لأعلم ءاخر أهل

_____________________________

النار خروجًا وءاخر أهل الجنة دخولاً رجل يخرج من الار حبوًا فيقول الله اذهب فادخل الجنة فيأتيها فيُخيل إليه أنها ملآى فيرجع فيقول يا رب وجدتها ملآى فيقول اذهب فادخل الجنة فيأتيها فيخيل إليه أنها ملآى فيرجع فيقول يا رب وجدتها ملآى فيقول اذهب فادخل الجنة فإن لك مثل الدنيا وعشرة أمثالها” بعد هذه الأحاديث لا يجوز لقائل أن يقول يا رب لا تدخل أحدًا من المسلمين النار بالمرة فهذا محالف للقرءان والسنة والإجماع وموافق لعقيدة المرجئة وهم من الكافرين من أهل الأهواء المردية فإنهم يقولون لا يضر مع الإيمان ذنب كما لا ينفع مع الكفر حسنة. اعتبروا أن المسلم مهما عمل من الذنوب والآثام لا يضره ذلك، ردوا النصوص وخالفوا ءايات القرءان التي فيها تهديد ووعيد للعصاة هذه الآيات عندهم معطلة بلا فائدة والعياذ بالله من شرهم فقول المرجئة لا يضر مع الإيمان معصية هذا الكفر، وأما قولهم الثاني ولا ينفع مع الكفر طاعة هذا صحيح فالكافر لو صلى صورة أو صام صورة أو حج صورة أو زكى صورة هذا لا ينفعه عند الله لأنه كافر. أما قولهم الأول وهو لا يضر مع الإيمان ذنب هذا الكفر معناه إذا شخص مسلم مهما فعل معاصي وذنوبًا لا يضره خلاف الشريعة. قياس فاسد قاسوا قياسًا فاسدًا. كيف يقولون لا يضر المؤمن فعل المعصية والله تعالى يقول: {وسَيَصلَونَ سعيرًا} العلم يؤخذ من أهله لا يؤخذ برأي فلان ولا فلان كيف يستقيم هذا الدعاء الفاسد والمخرم مع ما ورد في كتاب البعث والنشور للبيهقي حيث يقول عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إذا اجتمع أهل النار في النار ومعهم من أهل القبلة من شاء الله قالوا ما أغنى عنكم إسلامكم وقد صرتم معنا في النار قالوا كانت لنا ذنوب فأخذنا بها فأمر بمن كان في النار من أهل القبلة فخرجوا قال فقال الكفار يا ليتنا كنا مسلمين فنخرج كما خرجوا” رواه الحاكم في المستدرك وصححه ورواه ابن جرير الطبري والهيثمي. وذكر البيهقي عن ابن مسعود أنه قال يعذب الله قومًا من أهل الإيمان ثم يخرجهم بشفاعة محمد. ولننتقل إلى حديث ءاخر وهو قوله صلى الله عليه وسلم: إذا التقى المسلمان بسيفهما فالقاتل والمقتول في النار قيل: يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: كان حريصًا على قتل صاحبه. فما أبين هذا البيان حيث أخبر صلى الله عليه وسلم أنه إذا التقى المسلمان بسيفهما فاقتتلا لأجل الدنيا فالقاتل والمقتول في النار، أي كلاهما يستحق دخول النار عذابًا له مع كونهما من المسلمين.

ذكر ابن حجر الهيتمي المكي في كتابه “الفتاوى الحديثية” بقوله: “مطلب: هل يجوز الدعاء للمؤمنين والمؤمنات بمغفرة جميع الذنوب وبعدم دخولهم النار أم لا؟ فأجاب: لا يجوز، فقد ذكر الإمام ابن عبد السلام والإمام القرافي من الأئمة المالكية أنه لا يجوز، لأنَّا نقطع بخبر الله وبخبر رسوله أن منهم من يدخل النار”. وقال أيضًا: “إن الدعاء بعدم دخول أحد من المؤمنين النار حرام بل كفر، لما فيه من تكذيب النصوص الدالة على أن بعض العصاة من المؤمنين لا بد من دخوله النار” اهـ. ومثله عن ابن عبد السلام والغزالي، كما في كتاب “حاشية الجمل على شرح منهج الطلاب” للعجيلي الشافعي المتوفى سنة 1204هـ والشرح لزكريا الأنصاري الشافعي وهو مختصر منهاج الطالبين للحافظ النووي في كتاب الصلاة باب صلاة الجمعة (ص488)، وفي كتاب “حواشي الشرواني وابن القاسم العبادي على تحفة المحتاج بشرح المنهاج” (3/351)، وفي كتاب “حاشية رد المحتار” لابن عابدين الحنفي (1/522) مطلب في الدعاء المحرّم، وصرّح التفتازاني وغيره بأن المحققين على عدم جواز الدعاء لجميع المؤمنين بمغفرة جميع ذنوبهم، وصرّح النسفي بأنه الصحيح. ويقول في (ص423): “ما ثبت بالنصوص الصريحة لا يجوز عدمه شرعًا”. وقد نقل اللقاني عن الأبي والنووي انعقاد الإجماع على أنه لا بد من نفوذ الوعيد في طائفة من العصاة وإذا كان كذلك يكون الدعاء مثل قول من يقول “اللهم لا توجب علينا الصوم والصلاة”.

فتبين فساد قول من يقول “اللهم أجرنا وأجر جميع المسلمين من النار” وقوله من يقول “اللهم اغفر لجميع المؤمنين جميع ذنوبهم” وقول من يقول “يا رب أنت غفور رحيم أدخِل الكافرين الجنة” وقول من يقول كذبًا وافتراءً على أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال “يا ليت جسدي بقدر النار حتى لا يدخلها أحد من أمة محمد”. فهذا كله مخالف للقرءان والسنة والإجماع وهو ضلال مبين.

وفي كتاب “الجامع لأحكام القرءان” لأبي عبد الله القرطبي، المجلد الخامس عند تفسير قوله تعالى {إنَّ الذينَ يأكُلونَ أموالَ اليتامى ظُلمًا إنما يأكُلونَ في بُطونِهِم نارًا وسيصلَونَ سعيرًا} قال: “والذي يعتقده أهل السنة أن ذلك نافذ على بعض العصاة”.

  • {ويُمْدِدْكُم بأموالٍ وبَنينَ}: يَزِدكم أموالاً وبنين.
  • {ويَجعَل لكم جَنَّاتٍ}: بساتين.
  • {ويَجْعَل لكُم أنهارًا}: جاريةً لمزارِعكم وبساتينكم وكانوا يحبون الأموالَ والأولادَ فحُرِّكوا بهذا على الإيمان. وقيل إنهم لما كذّبوهُ بعدَ طولِ تكرير الدعوةِ حبسَ الله عنهم القطرَ وأعقمَ أرحامَ نسائِهم أربعينَ سنة فوعدهم أنهم إن ءامنوا رزقهم الله الخِصتَ ورفعَ عنهم ما كانوا فيه. ومعنى الكلام أنه أخبرهم أن الإيمان يجمع لهم خير الدنيا والآخرة. وقال ابن كثير: أي إذا تبتم إلى الله واستغفرتموه وأطعتموه كثّر الرزق عليكم، وأسقاكم من بركات السماء وأنبت لكم من بركان الأرض، وأنبت لكم الزرع، وأدرّ لكم الضرع، وأمدكم بأموالٍ وبنين، أي أعطاكم الأموال والأولاد وجعل لكم جناتٍ فيها أنواع الثمر، وخللها بالأنهار الجارية بينها، ثم قال هذا مقام الدعوة بالترغيب، ثم عدل بهم إلى دعوتهم بالترهيب فقال:
  • {مالَكُم لا تَرْجُونَ للهِ وقارًا}: لا ترونَ للهِ عظَمةً قاله الفراءُ وابنُ عباس وقيل لا ترونَ للهِ طاعةً.
  • {وقدْ خَلَقَكُم أطوارًا}: يعني تارةً بعد تارةٍ وحالاً بعد حالٍ نطفةً ثم علقةً ثم مضغةً إلى تمامِ الخلق وقيل معناهُ خلقكم أصنافًا مختلفين.
  • {ألَمْ ترَوا كيفَ خلقَ اللهُ سبعَ سمواتٍ طِباقًا}: بعضها فوقَ بعض.

 

 

____________________________

وفي حواشي نور الدين علي الشبراملسي على نهاية المحتاج يقول: “والذي منعه الغزالي إنما هو مغفرة جميع الذنوب لكل مؤمن بحيث لا تمس النار واحدًا منهم، وقد رد الشبراملسي على من أنكر هذا”. وقول القرافي المالكي في كتابه “الفروق” طبع المكتبة العصرية 1424هـ (4/203) في بيان قاعدة ما هو من الدعاء كفر، ما نصه: “القسم الأول: أن يطلب الداعي نفي ما دل السمع القاطع من الكتاب والسنة على ثبوته، وله أمثلة: الأول: أن يقول: اللهم لا تعذب من كفر بك، أو اغفر له، وقد دلت القواطع السمعية على تعذيب كل واحد ممن كات كافرًا بالله تعالى لقوله تعالى {إنَّ اللهَ لا يغفرُ أن يُشرَكَ بهِ} [سورة النساء/48]، وغير ذلك من النصوص، فيكون ذلك كفرًا، لأنه طلب لتكذيب الله تعالى في ما أخبر به، وطلب ذلك كفر، فهذا الدعاء كفر. الثاني: أن يقول: اللهم لا تخلّد فلانًا الكافر في النار، وقد دلت النصوص القاطعة على تخليد كل واحد من الكفار في النار، فيكون الداعي طالبًا لتكذيب خبر الله تعالى، فيكون دعاؤه كفرًا” اهـ.

وقول ابن حجر الهيتمي المكي الشافعي في كتابه “الإعلام بقواطع الإسلام” طبع دار الكتب العلمية 1407هـ (ص96) ما نصه: “واعلم أن الدعاء ينقسم إلى كفر وحرام وغيرهما، فمما هو كفر أن يسأل نفي ما دل السمع القاطع على ثبوته كاللهم لا تعذب من كفر بك أو اغفر له أو لا تخلد فلانًا الكافر في النار لأن ذلك طلب لتكذيب الله تعالى في ما أخبر به وهو كفر” اهـ.

 

  • {وجعلَ القمرَ فيهِنَّ نُورًا}: يعني في سماءِ الدنيا يضيءُ لأهلِ السماواتِ كما يُضيءُ لأهلِ الأرض. قال الشيخ المحدث الهرري رضي الله عنه: “قوله تعالى {فيهنَّ} متعلقة بنورًا، وليس الشمس والقمر في السموات، فما شاع عند الفلكيين القدماء أن الشمس في السماء الرابعة والقمر في السماء الأولى فلا أساس له، بل الشمس والقمر تحت السماء الأولى، لكن من نور القمر يدخل إلى السماء وهذا فيه إشارةً إلى أن السماء شفافة”.
  • {وجَعَلَ الشمسَ سِراجًا}: يعني مِصباحًا مضيئًا.
  • {واللهُ أنبَتَكُم منَ الأرضِ نباتًا}: أرادَ مبدأ خلقِ ءادمَ وأصلُ خلقِهِ في الأرضِ والناسُ كلهم من ولدِهِ.
  • {ثمَّ يُعيدُكُم فيها}: أي في الأرضِ بعدَ الموتِ.
  • {ويُخرِجُكُمْ}: أي منها يومَ البعثِ.
  • {إخراجًا}: يعني إخراجًا حقًّا لا محالةَ.
  • {واللهُ جعلَ لكُمُ الأرضَ بِساطًا}: أي فرَشَها لكم مبسوطةً تتقلبونَ عليها كما يتقلبُ الرجلُ على بِساطِهِ (1).
  • {لِتَسْلُكُوا منها سُبُلاً فِجاجًا}: أي طُرُقًا واسعة.
  • {قال نوحٌ ربِّ إنَّهُمْ عَصَوني}: فيما أمرتُهُم به من الإيمانِ والاستغفار.
  • {واتَّبَعُوا مَن لم يَزِدْهُ مالُهُ وولَدُهُ إلا خَسَارًا}: يعني اتبع السفلةُ والفقراءُ القادةَ والرؤساءَ الذين لم تزِدهُم كثرةُ المالِ والولدِ إلا ضلالاً في الدنيا وعقوبةً في الآخرةِ.
  • {ومَكَرُوا مكرًا كُبَّارًا}: يعني كبيرًا عظيمًا. والماكرون هم الرؤساءُ والقادةُ ومَكْرُهُم احتيالُهُم في الدينِ وكيدُهُم لنوحٍ عليه السلام وتحريشُ السفلةِ على أذاهُ وصدّ الناسِ عن الإيمانِ بهِ والميل إليه والاستماعِ منه. وقيلَ مكرهم هو قولُهُم لا تَذَرُنَّ ءالِهَتَكُم وتعبدوا إله نوح.
  • {وقالوا}: أي الرؤساء لسفلتهم.
  • {لا تَذَرُنَّ ءالِهَتَكُمْ}: أي لا تدَعُوا عبادَتها.
  • {ولا تَذَرُنَّ وَدًّا ولا سُواعًا ولا يَغُوثَ ويَعُوقَ ونَسْرًا}: هذه أسماءُ أصنامٍ كانت لهم وهي أعظمُ أصنامهم. قال محمدُ بن كعبٍ: هذه أسماءُ قومٍ صالحين كانوا بينَ ءادمَ ونوح فلما ماتوا كان أتباعُهم يقتدرونَ ويأخذونَ بعدهم بأخْذِهم في العبادةِ فجاءهم إبليس وقال لهم لو صورتُم صورَهم كان ذلك أنشطَ لكم وأشوقَ إلى العبادةِ ففعلوا ذلك ثم نشأ قومٌ بعدهم فقال لهم إبليس إن الذين من

__________________________

  • قال الحافظ الهرري: “ليس المعنى أنها كالبساط الممدود”.

قبلكم كانوا يعبدونهم فعبدوهم وكان ابتداءُ عبادةِ الأوثانِ من ذلكَ الوقت وسُميت تلك الصورُ بهذه الأسماءِ لأنهم صوروها على صورِ أولئكَ القومِ المسمّينَ بهذه الأسماء.

وقيل إنما هي أسماءٌ لأولادِ ءادمَ ثم طالَ الزمانُ وتركوا عبادةَ اللهِ فقال لهم الشيطانُ ما لكم لا تعبدونَ شيئًا فقالوا من نعبدُ قال هذه ءالهتكم وءالهةُ ءاباءِكم ألا ترونها مصوّرة في مُصلاكُم فعبدوها. وقال الزجاجُ: “هذه الأصنامُ كانت لقومِ نوحٍ ثم صارت للعربِ فكان “وَد” لكلب و”سُواع” لهَمَدان و”يغوثُ” لبني غطيفٍ وهم حيٌ من قبيلةٍ من مُراد و”يعوق” لمراد و”نسر” لحِمْيَر”. وقيل: لما جاء الطوفان غطّى هذه الأصنام وطمها الترابُ فلما ظهرتْ بعد الطوفان صارت لهؤلاء المذكورين.

  • {وقدْ أضَلُّوا كثيرًا}: أي ضلَّ بسببِ الأصنامِ كثيرٌ منَ الناسِ وقيل أضلَّ كُبَراءُ قومِ نوحٍ كثيرًا من الناس.
  • {ولا تَزِدِ الظالِمينَ}: يعني الكافرين.
  • {إلا ضَلالاً}: هلاكًا وهذا الدعاءُ من نوح عليهم لما أعلَمَهُ اللهُ أنهم لا يؤمنونَ.
  • {مِمَّا خَطيئاتِهِم}: من أجلِها وسببِها.
  • {أُغْرِقُوا فأُدْخِلوا نارًا}: قال ابنُ السائب: “المعنى سيُدْخَلون في الآخرةِ نارًا فجاءَ اللفظُ الماضي بمعنى الاستقبال لأنّ الوعد حقّ”. هذا قولُ الأكثرين.
  • {فلمْ يَجِدُوا لَهُم مِن دونِ اللهِ أنصارًا}: أي لم يجدوا أحدًا يمنعهم من عذاب الله.
  • {وقالَ نوحٌ ربِّ لا تَذَرْ على الأرضِ منَ الكافرينَ دَيَّارًا}: يعني أحدًا. يقال ما بالمنازل ديَّارٌ أي ما بها أحدٌ وهو من الدار أي ليس بها نازلٌ دارًا.
  • {إنَّكَ إن تَذَرُهُم يُضِلُّوا عِبادَكَ}: قال ابن عباس وغيرُهُ: “كانَ الرجلُ ينطلق بابنهِ إلى نوحٍ فيقول له احذر هذا فإنه كذابٌ وإن أبي حذّرنيهِ فيموتُ الكبير وينشأ الصغيرُ على ذلك”.
  • {ولا يَلِدُوا إلا فاجِرًا كفَّارًا}: أي إلا من إذا بلغَ كفرَ وفجرَ وإنما قال ذلك لأنَّ الله أخبرهُ أنهم لا يؤمنونَ ولا يلدونَ مؤمنًا فحينئذٍ دعا عليهم فأجابَ اللهُ دعوتهُ فأهلكهم جميعًا.
  • {ربِّ اغفر لي ولوالِدَيَّ}: قال الحسنُ: “وذلك أنهما كانا مؤمنين”. وقيل: كان اسمُ أبيه لَمْكٌ واسمُ أمهِ شمخاءُ. وقيل: لم يكن بين ءادم ونوح عليهما السلام من ءابائِهِ كافرٌ وكان بينهما عشرةُ ءاباءٍ.
  • {ولِمَن دخلَ بيتي مُؤمِنًا}: أي داريَ وقيل مسجدي وقيل سفينتي.
  • {وللمُؤمنينَ والمُؤمِناتِ}: وهذا عامٌ في كلّ من ءامنَ بالله وصدق الرسل. وإنما بدأ بنفسهِ لأنها أولى بالتخصيص والتقديمِ ثم ثنّى بالمتصلينَ به لأنهم أحقُّ بدعائهِ من غيرهم ثم عمَّمَ جميعَ المؤمنين والمؤمنات ليكونَ ذلك أبلغَ في الدعاء.
  • {ولا تَزِدِ الظالمينَ}: يعني الكافرين.
  • {إلا تَبارًا}: أي هلاكًا.