الأحد ديسمبر 22, 2024

سورة الناس

مدنية وقيل مكية وهي ست آيات

بسم الله الرحمن الرحيم

قل: يا محمد.

أعوذ: أستجير.

بربِّ النّاس: خالقهم ومالكهم فإن قيل لم خص الناس ها هنا بأنه ربهم وهو رب كل شىء ؟ فالجواب لأنه لما أمر بالاستعاذة من شرهم أعلم أنه ربهم ليعلِم أنه هو الذي يعيذ من شرهم. ولما كان في الناس ملوك قال تعالى { ملك النّاس } ولما كان فيهم من يعبد غيره قال تعالى :

إله النّاس: قال ابن كثير: هذه ثلاث صفات من صفات الرب عز وجل : الربوبية والملك والإلهية فهو رب كل شىء ومليكه وإلهه فجميع الأشياء مخلوقة له مملوكة (الأشياء التي لها أرواح وعقول كالجن والملائكة والإنس يقال لها عبيد أما الجمادات فلا يقال لها عبيد.) فأمرَ المستعيذ أن يتعوذ بالمتصف بهذه الصفات من شر الوسواس الخناس.

من شرِّ الوسواس: وهو الشيطان.

الخنّاس: الذي يوسوس في الصدور فإذا ذُكِرَ الله خَنَسَ أي كفًّ وأقصر. قال الزجاج: الوسواس هنا ذو الوسواس.

الذي يوسوس في صدور النّاس: الصدور ها هنا القلوب. وقال ابن عباس: الشيطان جاثم على قلب ابن آدم فإذا سها وغفل وسوس وإذا ذكر الله خنس.

الذكر الحقيقي الذي يستشعر به القلب بالإخلاص لله تعالى إذا فعله العبد يكف عنه الشيطان ليس مجرد أن يقول الله أكبر أو لا إله إلا الله وقلبه غافل لو ذكر الله باللسان بل يظل.

من الجِنَّة والنّاس: الجِنّة هم الجن وفي معنى الآية قولان أحدهما : يوسوس في صدور الناس جنتهم وناسهم وهذا قول الفراء فعلى هذا القول يكون الوسواس موسوسًا للجن كما يوسوس للإنس. قال الشيخ: الشياطين يوسوس بعضهم لبعض.

والثاني : أن الوسواس الذي يوسوس في صدور الناس هو من الجنة فيكون المعنى من شر الوسواس الذي هو من الجن ثم عطف قوله تعالى: {والناس} على {الوسواس} فيكون المعنى من شر الوسواس ومن شر الناس كأنه أمر أن يستعيذ من الجن والإنس وهذا قول الزجاج. وقال قتادة: إن من الإنس شياطين ومن الجن شياطين نعوذ بالله منهم. وقد روى مسلم في صحيحه عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما منكم من أحد إلا وقد وُكِّلَ به قرينه من الجن قالوا وإياك يا رسول الله قال وإياي إلا أن الله أعانني عليه فأسلم (هيبة الرسول غلبته فأسلم) فلا يأمرني إلا بخير.

وفي هذا الحديث إشارة إلى التحذير من فتنة القرين ووسوسته وإغوائه فأعلمنا بأنه معنا لنحترز منه بجسب الإمكان.

وورد في الصحيحين عن أنس في قصة زيارة صفية للنبي وهو معتكف وخروجه معها ليلا ليردها إلى منزلها فلقيه رجلان من الأنصار فلما رأيا النبي أسرعا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم على رِسلِكما إنها صفية بنت حيي فقالا سبحان الله يا رسول الله فقال إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئًا أو قال: شرًا.

وقال القاضي عياض رحمه الله: واعلم أن الأمة مجتمعة على عصمة النبي من الشيطان في جسمه وخاطره ولسانه.

والله أعلم وأحكم