سلمان الفارسي
سَلْمَانُ الفَارِسِيُّ
سَابِقُ الفُرْسِ
تَرْجَمَتُهُ:
هُوَ سَلْمَانُ الفَارِسِيُّ أَبُوْ عَبْدِ اللهِ يُعْرَفُ بِسَلْمَانَ الـخَيْرِ مَوْلَى رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْلُهُ مِنْ فَارِسَ وَقِيْلَ اسْمُهُ قَبْلَ الإِسْلَامِ مَابَهُ بْنُ بُوْذَخْشَانَ بْنِ مُوْرَسْلَانَ بْنِ بَهْبُوْذَانَ بْنِ فَيْرُوْزَ بْنِ سَهْرَكَ مِنْ وَلَدِ آبٍ الـمَلِكِ “ذَكَرَهُ فِي أُسْدِ الغَابَةِ” سَابِقُ الفَرَسِ، الكَادِحُ الَّذِي لَا يَبْرَحُ، وَالزَّاخِرُ الَّذِي لَا يَنْزَحُ، الـحَكِيْمُ، وَالعَابِدُ العَالِمُ، أَبُوْ عَبْدِ اللهِ سَلْمَانُ، رَافِعُ الأَلْوِيَةِ وَالأَعْلَامِ، أَحَدُ الرُّفَقَاءِ وَالنُّجَبَاءِ، وَمَنْ إِلَيْهِ تَشْتَاقُ الـجَنَّةُ مِنَ الغُرَبَاءِ، ثَبَتَ عَلَى القِلَّةِ وَالشَّدَائِدِ. يُكْنَى أَبَا عَبْدِ اللهِ، مِنْ أَصْبَهَانَ مِنْ قَرْيَةٍ يُقَالُ لَهَا جِيٌّ وَقِيْلَ رَامَهَرْمُزُ.
قِصَّتُهُ:
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ العَبَّاسِ (أَنَّهُ) قَالَ: حَدَّثَنِي سَلْمَانُ الفَارِسِيُّ قَالَ: كُنْتُ رَجُلًا فَارِسِيًّا مِنْ أَهْلِ أَصْبَهَانَ، مِنْ أَهْلِ قَرْيَةٍ يُقَالُ لَهَا جِيٌّ، وَكَانَ أَبِي دَهْقَانُ قَرْيَتِهِ [أَيْ زَعِيْمُ فَلَّاحِي العَجَمِ]. وَكُنْتُ أَحَبَّ الـخَلْقِ إِلَيْهِ. فَلَمْ يَزَلْ بِهِ حُبُّ إِيَّايْ حَتَّى حَبَسَنِي فِي بَيْتِهِ كَمَا تُحْبَسُ الـجَارِيَةُ، وَاجْتَهَدْتُ فِي الـمَجُوْسِيَّةِ حَتَّى كُنْتُ قُطُنَ النَّارِ الَّذِي يُوْقِدُهَا لَا يَتْرُكُهَا تَخْبُوْ سَاعَةً.
قَالَ: وَكَانَتْ لِأَبِي ضَيْعَةٌ عَظِيْمَةٌ. قَالَ: فَشَغَلَ فِي بُنْيَانٍ لَهُ يَوْمًا. قَالَ لِي: يَا بُنَيَّ إِنِّي قَدْ شَغَلْتُ فِي بُنْيَانِي هَذَا اليَوْمَ عَنْ ضَيْعَتِي فَاذْهَبْ فَاطَّلِعْهَا، وَأَمَرَنِي فِيْهَا بِبَعْضِ مَا يُرِيْدُ. فَخَرَجْتُ أُرِيْدُ ضَيْعَتَهُ فَمَرَرْتُ بِكَنِيْسَةٍ مِنْ كَنَائِسِ النَّصَارَى فَسَمِعْتُ أَصْوَاتَهُمْ فِيْهَا وَهُمْ يُصَلُّوْنَ، وَكُنْتُ لَا أَدْرِي مَا أَمْرُ النَّاسِ لِحَبْسِ أَبِي إِيَّايَ فِي بَيْتِهِ. فَلَمَّا مَرَرْتُ بِهِمْ وَسَمِعْتُ أَصْوَاتَهُمْ دَخَلْتُ عَلَيْهِمْ أَنْظُرُ مَا يَصْنَعُوْنَ، قَالَ: فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ أَعْجَبَتْنِي صَلَاتُهُمْ وَرَغِبْتُ فِي أَمْرِهِمْ وَقُلْتُ هَذَا وَاللهِ خَيْرٌ مِنَ الَّذِي نَحْنُ عَلَيْهِ، فَوَاللهِ مَا تَرَكْتُهُمْ حَتَّى غَرُبَتِ الشَّمْسُ وَتَرَكْتُ ضَيْعَةَ أَبِي وَلَمْ ءَاتِهَا فَقُلْتُ لَهُمْ أَيْنَ أَصْلُ هَذَا الدِّيْنِ؟، قَالُوْا: بِالشَّامِ. قَالَ: ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَى أَبِي وَقَدْ بَعَثَ فِي طَلَبِي وَشَغَلْتُهُ عَنْ عَمَلِهِ كُلِّهِ. فَلَمَّا جِئْتُهُ قَالَ: أَيْ بُنَيَّ أَيْنَ كُنْتَ أَلَمْ أَكُنْ عَهِدْتُ إِلَيْكَ مَا عَهِدْتُ؟، قَالَ: قُلْتُ: يَا أَبَتِ، مَرَرْتُ بِنَاسٍ يُصَلُّوْنَ فِي كَنِيْسَةٍ لَهُمْ فَأَعَجَبَنِي مَا رَأَيْتُ، فَوَاللهِ مَا زِلْتُ عِنْدَهُمْ حَتَّى غَرُبَتِ الشَّمْسُ، قَالَ: أَيْ بُنَيَّ لَيْسَ فِي ذَلِكَ الدِّيْنِ خَيْرٌ، دِيْنُكَ وَدِيْنُ ءَابَائِكَ خَيْرٌ مِنْهُ. قُلْتُ: كَلَا وَاللهِ إِنَّهُ لَخَيْرٌ مِنْ دِيْنِنَا، قَالَ: فَخَافَنِي فَجَعَلَ فِي رِجْلِي قَيْدًا ثُمَّ حَبَسَنِي فِي بَيْتِهِ، قَالَ: وَبَعَثْتُ إِلَى النَّصَارَى فَقُلْتُ لَهُمْ: إِذَا قَدِمَ عَلَيْكُمْ رَكْبٌ مِنَ الشَّامِ تُجَّارًا مِنَ النَّصَارَى فَأَخْبِرُوْنِي بِهِمْ، فَقَالَ: فَقَدِمَ عَلَيْهِمْ رَكْبٌ مِنْ تُجَّارِ النَّصَارَى، قَالَ: فَأَخْبِرُوْنِي بِقُدُوْمِ تُجَّارٍ فَقُلْتُ لَهُمْ إِذَا قَضُوْا حَوَائِجَهُمْ وَأَرَادُوْا الرَّجْعَةَ إِلَى بِلَادِهِمْ فَأْذَنُوْنِي بِهِمْ، قَالَ: فَلَمَّا أَرَادُوْا الرَّجْعَةَ إِلَى بِلَادِهِمْ أَلْقَيْتُ الـحَدِيْدَ مِنْ رِجْلِي ثُمَّ خَرَجْتُ مَعَهُمْ حَتَّى قَدِمْتُ الشَّامَ فَلَمَّا قَدِمْتُهَا قُلْتُ: مَنْ أَفْضَلُ أَهْلِ هَذَا الدِّيْنِ؟، قَالُوْا: الأَسْقُفُ فِي الكَنِيْسَةِ، قَالَ: فَجِئْتُهُ فَقُلْتُ: إِنِّي وَقَدْ رَغِبْتُ فِي هَذَا الدِّيْنِ وَأَحْبَبْتُ أَنْ أَكُوْنَ مَعَكَ أَخْدِمُكَ فِي كَنِيْسَتِكَ وَأَتَعَلَّمُ مِنْكَ وَأُصَلِّي مَعَكَ، قَالَ: فَادْخُلْ، فَدَخَلْتُ مَعَهُ، قَالَ: فَكَانَ رَجُلُ سُوْءٍ، يَأْمُرُهُمْ بِالصَّدَقَةِ وَيُرَغِّبُهُمْ فِيْهَا فَإِذَا جَمَعُوْا إِلَيْهِ مِنْهَا شَيْئًا اكْتَنَزَهُ لِنَفْسِهِ وَلَمْ يُعْطِهِ لِلْمَسَاكِيْنَ حَتَّى جَمَعَ سَبْعَ قِلَالٍ مِنْ ذَهَبٍ. قَالَ: وَأَبْغَضْتُهُ بُغْضًا شَدِيْدًا لَمَّا رَأَيْتُهُ يَصْنَعُ. قَالَ: ثُمَّ مَاتَ، فَاجْتَمَعَتْ إِلَيْهِ النَّصَارَى لِيَدْفِنُوْهُ فَقُلْتُ لَهُمْ: إِنَّ هَذَا كَانَ رَجُلَ سُوْءٍ يَأْمُرُكُمْ بِالصَّدَقَةِ وَيُرَغِّبُكُمْ فِيْهَا فَإِذَا جِئْتُمُوْهُ بِهَا اكْتَنَزَهَا لِنَفْسِهِ وَلَمْ يُعْطِ الـمَسَاكِيْنَ مِنْهَا شَيْئًا، قَالُوْا: وَمَا عِلْمُكَ بِذَلِكَ، قُلْتُ: أَنَا أَدُلُّكُمْ عَلَى كَنْزِهِ، قَالُوْا: فَدُلَّنَا عَلَيْهِ، قَالَ: فَأَرَيْتُهُمْ مَوْضِعَهُ، قَالَ: فَاسْتَخْرَجُوْا مِنْهُ سَبْعَ قِلَالٍ مَمْلُوْءَةً ذَهَبًا وَوَرِقًا، قَال: فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوْا: وَاللهِ لَا نَدْفِنُهُ أَبَدًا، قَالَ: فَصَلَبُوْهُ ثُمَّ رَجَمُوْهُ بِالـحِجَارَةِ.
ثُمَّ جَاؤُوْا بِرَجُلٍ ءَاخَرَ فَجَعَلُوْهُ مَكَانَهُ فَمَا رَأَيْتُ رَجُلًا يُصَلِّي الـخَمْسَ أَرَى أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْهُ وَأَزْهَدُ فِي الدُّنْيَا وَلَا أَرْغَبُ فِي الآخِرَةِ وَلَا أَدْأَبُ لَيْلًا وَنَهَارًا مِنْهُ. قَالَ: فَأَحْبَبْتُهُ حُبًّا لَمْ أُحِبَّهُ مِنْ قَبْلِهِ فَأَقَمْتُ مَعَهُ زَمَانًا ثُمَّ حَضَرَتْهُ الوَفَاةُ. قُلْتُ لَهُ: يَا فُلَانُ إِنِّي كُنْتُ مَعَكَ فَأَحْبَبْتُكَ حُبًّا لَمْ أُحِبَّهُ مِنْ قَبْلِكَ وَقَدْ حَضَرَتْكَ الوَفَاةُ فَإِلَى مَنْ تُوْصِي بِي، وَمَا تَأْمُرُنِي؟، قَالَ: أَيْ بُنَيَّ وَاللهِ مَا أَعْلَمُ أَحَدًا اليَوْمَ عَلَى مَا كُنْتُ عَلَيْهِ. لَقَدْ هَلَكَ النَّاسُ وَبَدَّلُوْا وَتَرَكُوْا أَكْثَرَ مَا كَانُوْا عَلَيْهِ إِلَّا رَجُلًا بِالـمُوْصِلِ وَهُوَ فُلَانٌ، وَهُوَ عَلَى مَا كُنْتُ عَلَيْهِ، فَالْـحَقْ بِهِ. قَالَ: فَلَمَّا مَاتَ وَغُيِّبَ لَـحِقْتُ بِصَاحِبِ الـمُوْصِلِ فَقُلْتُ لَهُ يَا فُلَانُ إِنَّ فُلَانًا عِنْدَ مَوْتِهِ أَوْصَانِي وَأَمَرَنِي وَنَصَحَنِي وَدَلَّنِي أَنْ أَلْـحَقَ بِكَ وَأَخْبَرَنِي أَنَّكَ عَلَى أَمْرِهِ. قَالَ: فَقَالَ لِي: أَقِمْ عِنْدِي. قَالَ: فَأَقَمْتُ عِنْدَهُ فَوَجَدْتُهُ خَيْرَ رَجُلٍ عَلَى أَمْرِ صَاحِبِهِ فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ مَاتَ، فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الوَفَاةُ قُلْتُ لَهُ: يَا فُلَانُ إِنَّ فُلَانًا أَوْصَى بِي إِلَيْكَ وَأَمَرَنِي بِاللُّحُوْقِ بِكَ وَقَدْ حَضَرَكَ مِنْ أَمْرِ اللهِ مَا تَرَى فَإِلَى مَنْ تُوْصِي بِي وَمَا تَأْمُرُنِي؟، قَالَ: أَيْ بُنَيَّ وَاللهِ مَا أَعْلَمُ رَجُلًا عَلَى مِثْلِ مَا كُنَّا عَلَيْهِ إِلَّا رَجُلًا بِنُصَيْبِيْنَ وَهُوَ فُلَانٌ فَالْـحَقْ بِهِ. قَالَ: فَلَمَّا مَاتَ وَغُيِّبَ لَـحِقْتُ بِصَاحِبِ نُصَيْبِيْنَ فَجِئْتُ فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا جَرَى وَمَا أَمَرَنِي بِهِ صَاحِبِي قَالَ: فَأَقِمْ عِنْدَي فَأَقَمْتُ عِنْدَهُ فَوَجَدْتُهُ عَلَى أَمْرِ صَاحِبَيْهِ. فَأَقَمْتُ مَعَ خَيْرِ رَجُلٍ، فَوَاللهِ مَا لَبِثَ أَنْ نَزَلَ بِهِ الـمَوْتُ فَلَمَّا حَضَرَ قُلْتُ لَهُ يَا فُلَانُ إِنَّ فُلَانًا كَانَ أَوْصَى بِي إِلَى فُلَانٍ ثُمَّ أَوْصَى بِي فُلَانٌ إِلَيْكَ فَإِلَى مَنْ تُوْصِي بِي، وَمَا تَأْمُرُنِي؟، قَالَ: أَيْ بُنَيَّ وَاللهِ مَا أَعْلَمُ أَحَدًا بَقِيَ عَلَى أَمْرِنَا ءَامُرُكَ أَنْ تَأْتِيَهُ إِلَّا رَجُلًا بَعَمُّوْرِيَّةَ فَإِنَّهُ عَلَى مِثْلِ أَمْرِنَا: قَالَ: فَلَمَّا مَاتَ وَغُيِّبَ لَـحِقْتُ بِصَاحِبِ عَمُّوْرِيَّةَ وَأَخْبَرْتُهُ خَبَرِي فَقَالَ: أَقِمْ عِنْدِي، فَأَقَمْتُ عِنْدَ رَجُلٍ عَلَى هَدْيِ أَصْحَابِهِ وَأَمْرِهِمْ، قَالَ: وَكُنْتُ اكْتَسَبْتُ حَتَّى كَانَتْ لِي بَقَرَاتٌ وَغُنَيْمَةٌ، قَالَ: ثُمَّ نَزَلَ وَحَلَّ بِهِ أَمْرُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فَلَمَّا حَضَرَ قُلْتُ لَهُ: يَا فُلَانُ إِنِّي كُنْتُ مَعَ فُلَانٍ فَأَوْصَى بِي إِلَى فُلَانٍ، وَأَوْصَى بِي فُلَانٌ إِلَى فُلَانٍ، وَأَوْصَى بِي فُلَانٌ إِلَى فُلَانٍ، وَأَوْصَى بِي فُلَانٌ إِلَى فُلَانٍ فَإِلَى مَنْ تُوْصِي بِي وَمَا تَأْمُرُنِي قَالَ: أَيْ بُنَيَّ وَاللهِ مَا أَعْلَمُ أَصْبَحَ عَلَى مَا كُنَّا عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ ءَامُرُكَ أَنْ تَأْتِيَهُ، وَلَكِنَّهُ قَدْ أَظَلَّكَ زَمَانُ نَبِيٍّ مَبْعُوْثٍ بِدِيْنِ إِبْرَاهِيْمَ يَخْرُجُ بِأَرْضِ العَرَبِ مُهَاجِرًا إِلَى أَرْضِ بَيْنَ حَرَّتَيْنِ بَيْنَهُمَا نَخْلٌ بِهِ عَلَامَاتٌ لَا تَخْفَى، يَأْكُلُ الـهَدِيَّةَ وَلَا يَأْكُلُ الصَّدَقَةَ، بَيْنَ كَتِفَيْهِ خَاتَمُ النُّبُوَّةِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَلْحَقَ بِتِلْكَ البِلَادِ فَافْعَلْ.
قَالَ: ثُمَّ مَاتَ وَغُيِّبَ، فَمَكَثْتُ بِعَمُّوْرِيَّةَ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ أَمْكُثَ، ثُمَّ مَرَّ بِي نَفَرٌ مِنْ كِلْبٍ تُجَّارًا فَقُلْتُ لَهُ: تَحْمِلُوْنِي إِلَى أَرْضِ العَرَبِ وَأُعْطِيْكُمْ بَقَرَاتِي هَذِهِ وغُنَيْمَتِي هَذِهِ؟ قَالُوْا: نَعَمْ، فَأَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا وَحَمَلُوْنِي حَتَّى إِذَا قَدِمُوْا بِي وَادِيَ القُرَى ظَلَمُوْنِي فَبَاعُوْنِي مِنْ رَجُلٍ مِنْ يَهُوْدٍ.
فَكُنْتُ عِنْدَهُ وَرَأَيْتُ النَّخْلَ وَرَجَوْتُ أَنْ يَكُوْنَ البَلَدَ الَّذِي وَصَفَ لِي صَاحِبِي، فَبَيْنَا أَنَا عِنْدَهُ قَدِمَ عَلَيْهِ ابْنُ عَمٍّ لَهُ مِنَ الـمَدِيْنَةِ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ فَابْتَاعَنِي مِنْهُ فَاحْتَمَلَنِي إِلَى الـمَدِيْنَةِ فَوَاللهِ مَا هُوَ إِلَّا أَنْ رَأَيْتُهَا بِصِفَةِ صَاحِبِي فَأَقَمْتُ بِهَا، وَبَعَثَ اللهُ رَسُوْلَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَقَامَ بِمَكَّةَ، أَقَامَ لَا أَسْمَعُ بِهِ بِذِكْرٍ مَعَ مَا أَنَا فِيْهِ مِنْ شُغْلِ الرِّقِّ، ثُمَّ هَاجَرَ إِلَى الـمَدِيْنَةِ فَوَاللهِ إِنِّي لَفِي رَأْسِ عَذْقٍ (أَيِ النَّخْلَةِ) لِسَيِّدِي أَعْمَلُ فِيْهِ بَعْضَ العَمَلِ وَسَيِّدِي جَالِسٌ إِذْ أَقْبَلَ ابْنُ عَمٍّ لَهُ حَتَّى وَقَفَ عَلَيْهِ فَقَالَ: فُلَانٌ، قَاتَلَ اللهُ بَنِي قيلة وَاللهِ إِنَّهُمُ الآنَ لَـمُجْتَمِعُوْنَ بِقُبَاءَ عَلَى رَجُلٍ قَدِمَ عَلَيْهِمْ مِنْ مَكَّةَ اليَوْمَ زَعَمَ أَنَّهُ نَبِيٌّ. قَالَ: فَلَمَّا سَمِعْتُهُ أَخَذَتْنِي العَرْوَاءُ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنِّي سَاقِطٌ عَلَى سَيِّدِي، قَالَ: وَنَزَلْتُ النَّخْلَةَ فَجَعَلْتُ أَقُوْلُ لِابْنِ عَمِّهِ مَاذَا تَقُوْلُ؟، قَالَ: فَغَضِبَ سَيِّدِي فَلَكَمَنِي لَكْمَةً شَدِيدَةً، وَقَالَ: مَا لَكَ وَلِهَذَا أَقْبِلْ عَلَى عَمَلِكَ. قَالَ: قُلْتُ لَا شَيْءَ، إِنَّمَا أَرَدْتُ أَنْ أَسْتَثْبِتُهُ عَمَّا قَالَ، وَقَدْ كَانَ شَيْءٌ عِنْدِي قَدْ جَمَعْتُهُ فَلَمَّا أَمْسَيْتُ أَخَذْتُهُ ثُمَّ ذَهَبْتُ بِهِ إِلَى رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِقُبَاءَ فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي أَنَّكَ رَجُلٌ صَالِحٌ مَعَكَ أَصْحَابٌ لَكَ غُرَبَاءُ ذَوُوْ حَاجَةٍ، وَهَذَا شَيْءٌ كَانَ عِنْدِي لِلْصَّدَقَةِ فَرَأَيْتُكُمْ أَحَقَّ بِهِ مِنْ غَيْرِكُمْ، قَالَ: فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِ فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ: “كُلُوْا” وَأَمْسَكَ يَدَهُ هُوَ فَلَمْ يَأْكُلْ. قَالَ: فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: هَذِهِ وَاحِدَةٌ. ثُمَّ انْصَرَفْتُ عَنْهُ فَجَمَعْتُ شَيْئًا وَتَحَوَّلَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الـمَدِيْنَةِ ثُمَّ جِئْتُهُ بِهِ فَقُلْتُ: إِنِّي رَأَيْتُكَ لَا تَأْكُلُ الصَّدَقَةَ وَهَذِهِ هَدِيَّةٌ أَكْرَمْتُكَ بِهَا فَأَكَلَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهَا وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ فَأَكَلُوْا مَعَهُ، قَالَ: فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: هَاتَانِ اثْنَتَانِ، قَالَ: ثُمَّ جِئْتُ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِبَقِيْعِ الغَرْقَدِ قَدْ تَبِعَ جِنَازَةً مِنْ أَصْحَابِهِ عَلَيْهِ شَمْلَتَانِ وَهُوَ جَالِسٌ فِي أَصْحَابِهِ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ ثُمَّ اسْتَدَرْتُ أَنْظُرُ إِلَى ظَهْرِهِ هَلْ أَرَى الـخَاتَمَ الَّذِي وَصَفَ لِي صَاحِبِي فَلَمَّا رَءَانِي رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَدْبَرْتُهُ عَرَفَ أَنِّي اسْتَثْبَتُّ فِي شَيْءٍ وُصِفَ لِي. قَالَ: فَأَلْقَى رِدَاءَهُ عَنْ ظَهْرِهِ فَنَظَرْتُ إِلَى الـخَاتَمِ فَعَرَفْتُهُ فَانْكَبَبْتُ عَلَيْهِ أُقَبِّلُهُ وَأَبْكِي فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “تَحَوَّلْ”. فَتَحَوَّلْتُ فَقَصَصْتُ عَلَيْهِ حَدِيْثِي، ثُمَّ شَغَلَ سُلْمَانَ الرِّقُّ حَتَّى فَاتَهُ مَعَ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَدْرٌ وَأُحُدٌ. قَالَ: ثُمَّ قَالَ لِي رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “كَاتِبْ يَا سَلْمَانُ”، فَكَاتَبْتُ صَاحِبِي عَلَى ثَلَاثِمِائَةِ نَخْلَةٍ أُحْيِيْهَا [أَيْ أَغْرِسُهَا] لَهُ بِالفَقِيْرِ وَبِأَرْبَعِيْنَ أُوْقِيَّةً. فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ: “أَعِيْنُوْا أَخَاكُمْ”، فَأَعَانُوْنِي بِالنَّخْلِ: الرَّجُلُ بِثَلَاثِيْنَ وِدْيَةً، وَالرَّجُلُ بِعِشْرِيْنَ، وَالرَّجُلُ بِخَمْسَةَ عَشَرَ، وَالرَّجُلُ بِعَشَرَةٍ يُعِيْنُ الرَّجُلُ بِقَدْرِ مَا عِنْدِهِ. حَتَّى اجْتَمَعَتْ لِي ثَلَاثُمِائَةِ وِدْيَةٍ فَقَالَ لِي رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “اذْهَبْ يَا سَلْمَانُ فَفَقِّرْ لَهَا فَإِذَا فَرَغْتَ أَكُنْ أَنَا أَضَعُهَا بِيَدِي”. قَالَ: فَفَقَّرْتُ لَهَا وَأَعَانَنِي أَصْحَابِي حَتَّى إِذَا فَرِغْتُ مِنْهَا جِئْتُهُ فَأَخْبَرْتُهُ فَخَرَجَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعِي إِلَيْهَا فَجَعَلْنَا نُقَرِّبُ لَهُ الوِدِيَّ وَيَضَعُهُ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ، فَوَالَّذِي نَفْسُ سَلْمَانَ بِيَدِهِ مَا مَاتَ مِنْهَا وِدْيَةٌ وَاحِدَةٌ. فَأَدَّيْتُ النَّخْلَ فَبَقِيَ عَلَيَّ الـمَالُ فَأَتَى رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِ بَيْضَةِ الدَّجَاجَةِ مِنْ ذَهَبٍ مِنْ بَعْضِ الـمَعَادِنِ فَقَالَ: “مَا فَعَلَ الفَارِسِيُّ الـمُكَاتَبُ؟” قَالَ: فَدُعِيْتُ لَهُ، قَالَ: “خُذْ هَذِهِ فَأَدِّ بِهَا مَا عَلَيْكَ يَا سَلْمَانُ”. قَالَ: قُلْتُ: وَأَيْنَ تَقَعُ هَذِهِ يَا رَسُوْلَ اللهِ مِمَّا عَلَيَّ؟، قَالَ: “خُذْهَا فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ سَيُؤَدِّي بِهَا عَنْكَ”، قَالَ: فَأَخَذْتُهَا فَوَزِنْتُ لَهُمْ مِنْهَا وَالَّذِي نَفْسُ سَلْمَانَ بِيَدِهِ أَرْبَعِيْنَ أُوْقِيَّةً فَأَوْفَيْتُهُمْ حَقَّهُمْ وَعُتِقْتُ، فَشَهِدْتُ مَعَ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الـخَنْدَقَ ثُمَّ لَمْ يَفُتْنِي مَعَهُ مَشْهَدٌ.
فَضَائِلُهُ وَعِلْمُهُ:
عَنْ أَنْسٍ (أَنَّهُ) قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “السَّبَّاقُ أَرْبَعَةٌ: أَنَا سَابِقُ العَرَبِ، وَصُهَيْبٌ سَابِقُ الرُّوْمِ، وَسَلْمَانُ سَابِقُ الفُرْسِ، وَبِلَالٌ سَابِقُ الـحَبَشَةِ”.
عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ (أَنَّهُ) قَالَ: ءَاخَى رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ سَلْمَانَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، فَزَارَ سَلْمَانُ أَبَا الدَّرْدَاءِ فَرَأَى أُمَّ الدَّرْدَاءِ مُبْتَذِلَةً. فَقَالَ لَهَا: مَا شَأْنُكِ؟ فَقَالَتْ: إِنَّ أَخَاكَ أَبَا الدَّرْدَاءِ لَيْسَتْ لَهُ حَاجَةٌ فِي الدُّنْيَا. فَقَالَ: فَلَمَّا جَاءَ أَبُوْ الدَّرْدَاءِ قَرَّبَ طَعَامًا فَقَالَ: كُلْ فَإِنِّي صَائِمٌ، قَالَ: مَا أَنَا بِآكِلٍ حَتَّى تَأْكُلَ، قَالَ: فَأَكَلَ، فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ ذَهَبَ أَبُوْ الدَّرْدَاءِ لِيَقُوْمَ، فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ: نَمْ، فَنَامَ، فَلَمَّا كَانَ مِنْ ءَاخِرِ اللَّيْلِ قَالَ لَهُ سَلْمَانُ: قُمِ الآنَ فَقَامَا فَصَلَّيَا فَقَالَ: إِنَّ لِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِضَيْفِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَإِنَّ لِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا فَاعْطِ كُلَّ ذِيْ حَقٍّ حَقَّهُ، فَأَتَيَا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَا ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ: “صَدَقَ سَلْمَانُ”.
زُهْدُهُ:
عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ أَنَّ سَلْمَانَ الفَارِسِيَّ كَانَ يَسْتَظِلُّ بِالفَيْءِ حَيْثُمَا دَارَ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ بَيْتٌ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: أَلَا نَبْنِي لَكَ بَيْتًا تَسْتَظِلُّ بِهِ مِنَ الـحَرِّ وَتَسْكُنُ فِيْهِ مِنَ البَرْدِ؟، فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ: نَعَمْ. فَلَمَّا أَدْبَرَ صَاحَ بِهِ فَسَأَلَهُ سَلْمَانُ: كَيْفَ تَبْنِيْهِ؟ قَالَ: أَبْنِيْهِ إِنْ قُمْتَ فِيْهِ أَصَابَ رَأْسَكَ وَإِنِ اضْطَجَعْتَ فِيْهِ أَصَابَ رِجْلَيْكَ فَقَالَ سَلْمَانُ: نَعَمْ.
وَعَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّلَمِيِّ عَنْ سَلْمَانَ: أَنَّهُ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنْ كِنْدَةَ فَلَمَّا كَانَ لَيْلَةُ البِنَاءِ مَشَى مَعَهُ أَصْحَابُهُ حَتَّى أَتَى بَيْتَ الـمَرْأَةِ، فَلَمَّا بَلَغَ البَيْتَ قَالَ: ارْجِعُوْا آجَرَكُمُ اللهُ، وَلَمْ يُدْخِلْهُمْ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَى البَيْتِ، وَالبَيْتُ مُنَجَّدٌ قَالَ: أَمَحْمُوْمٌ بَيْتُكُمْ أَمْ تَحَوَّلَتِ الكَعْبَةُ فِي كِنْدَةَ، فَلَمْ يَدْخُلْ حَتَّى نَزَعَ كُلَّ سِتْرٍ فِي البَيْتِ غَيْرَ سِتْرِ البَابِ فَلَمَّا دَخَلَ رَأَى مَتَاعًا كَثِيْرًا فَقَالَ: لِمَنْ هَذَا الـمَتَاعُ؟، قَالُوْا: مَتَاعُكَ وَمَتَاعُ امْرَأَتِكَ. فَقَالَ: مَا بِهَذَا أَوْصَانِي خَلِيْلِي رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْصَانِي خَلِيْلِي أَنْ لَا يَكُوْنَ مَتَاعِي مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا كَزَادِ الرَّاكِبِ، وَرَأَى خَدَمًا فَقَالَ: لِمَنْ هَذَا الخَدَمُ قَالُوْا: خَدَمُكَ وَخَدَمُ امْرَأَتِكَ فَقَالَ: مَا بِهَذَا أَوْصَانِي خَلِيْلِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ لِلْنِّسْوَةِ اللَّاتِي عِنْدَ امْرَأَتِهِ: هَلْ أَنْتُنَّ مُخْلِيَاتٍ بَيْنِي وَبَيْنَ امْرَأَتِي؟، قُلْنَ: نَعَمْ فَخَرَجْنَ، فَذَهَبَ إِلَى البَابِ فَأَجَافَهُ [أَيْ رَدَّهُ عَلَيْهِ] وَأَرْخَى السِّتْرَ ثُمَّ جَاءَ فَجَلَسَ عِنْدَ امْرَأَتِهِ فَمَسَحَ عِنْدَ نَاصِيَتِهَا وَدَعَا بِالبَرَكَةِ، فَقَالَ لَهَا: هَلْ أَنْتِ مُطِيْعَتِي فِي شَيْءٍ ءَامُرُكِ بِهِ؟، قَالَتْ: جَلَسْتُ مَجْلِسَ مَنْ يُطِيْعُ، قَالَ: فَإِنَّ خَلِيْلِي أَوْصَانِي إِذَا اجْتَمَعْتُ إِلَى أَهْلِي أَنْ أَجْتَمِعَ عَلَى طَاعَةِ اللهِ. فَقَامَ وَقَامَتْ إِلَى الـمَسْجِدِ فَصَلَّيَا مَا بَدَا لَهُمَا ثُمَّ خَرَجَا فَقَضَى مِنْهَا مَا يَقْضِي الرَّجُلُ مِنَ امْرَأَتِهِ. فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَا عَلَيْهِ أَصْحَابُهُ فَقَالُوْا: كَيْفَ وَجَدْتَ أَهْلَكَ فَأَعْرَضَ عَنْهُمْ، ثُمَّ أَعَادُوْا فَأَعْرَضَ عَنْهُمْ، ثُمَّ أَعَادُوْا فَأَعْرَضَ عَنْهُمْ. ثُمَّ قَالَ: إِنَّمَا جَعَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ السُّتُوْرَ وَالخِدَرَ وَالأَبْوَابَ لِتُوَارِيَ مَا فِيْهَا، حَسْبُ كُلِّ امْرِئٍ مِنْكُمْ أَنْ يَسْأَلَ عَمَّا ظَهَرَ لَهُ فَأَمَّا مَا غَابَ عَنْهُ فَلَا يَسْأَلَنَّ عَنْ ذَلِكَ، سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُوْلُ: “الـمُتَحَدِّثُ عَنْ ذَلِكَ كَالحِمَارَيْنِ يَتَسَافَدَانِ فِي الطَّرِيْقِ”.
عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ حُمَيْدٍ (أَنَّهُ) قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ خَالِي عَلَى سَلْمَانَ الفَارِسِيِّ بِالـمَدَائِنَ وَهُوَ يَعْمَلُ الخَوْصَ فَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: أَشْتَرِي خَوْصًا بِدِرْهِمٍ فَأَعْمَلُهُ فَأَبِيْعُهُ بِثَلَاثَةِ دَرَاهَمَ فَأُعِيْدُ دِرْهَمًا فِيْهِ وَأُنْفِقُ دِرْهَمًا عَلَى عِيَالِي وَأَتَصَدَّقُ بِدِرْهَمٍ.
نَبْذَةٌ مِنْ كَلَامِهِ وَمَوَاعِظِهِ:
عَنْ جَرِيْرٍ (أَنَّهُ) قَالَ: قَالَ سَلْمَانُ: يَا جَرِيْرُ تَوَاضَعْ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَإِنَّهُ مَنْ تَوَاضَعَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي الدُّنْيَا رَفَعَهُ اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ، يَا جَرِيْرُ هَلْ تَدْرِي مَا الظُّلُمَاتُ يَوْمَ القِيَامَةِ قُلْتَ: لَا، قَالَ: ظُلْمُ النَّاسِ بَيْنَهُمْ فِي الدُّنْيَا، قَالَ: ثُمَّ أَخَذَ عُوَيْدًا لَا أَكَادُ أَرَاهُ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ، قَالَ: يَا جَرِيْرُ لَوْ طَلَبْتَ فِي الـجَنَّةِ هَذَا العُوْدَ لَمْ تَجِدْهُ. قَالَ: قُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ فَأَيْنَ النَّخْلُ وَالشَّجَرُ قَالَ: أُصُوْلُهَا اللُّؤْلُؤُ وَالذَّهَبُ، وَأَعْلَاهَا الثَّمَرُ.
عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ عَنْ سَلْمَانَ الفَارِسِيِّ (أَنَّه) قَالَ: ثَلَاثٌ أَعْجَبَتْنِي حَتَّى أَضْحَكَتْنِي: مُؤَمِّلُ دُنْيَا وَالـمَوْتُ يَطْلُبُهُ، وَغَافِلٌ وَلَيْسَ بِمَغْفُوْلٍ عَنْهُ، وَضَاحِكٌ مِلْءَ فِيْهِ لَا يَدْرِي أَسَاخِطٌ رَبُّ العَالَمِيْنَ عَلَيْهِ أَمْ رَاضٍ عَنْهُ، وَثَلَاثٌ أَحْزَنَنِي حَتَّى أَبْكَيْنَنِي: فِرَاقُ مُحَمَّدٍ وَحزنه، وَهَوْلُ الـمَطْلَعِ وَالوُقُوْفِ بَيْنَ يَدَيْ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ وَلَا أَدْرِي إِلَى جَنَّةٍ أَوْ إِلَى نَارٍ.
وَعَنْ سَعِيْدِ بْنِ وَهْبٍ (أَنَّهُ) قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ سَلْمَانَ عَلَى صَدِيْقٍ لَهُ مِنْ كِنْدَةَ نَعُوْدُهُ، فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ: إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْتَلِي عَبْدَهُ الـمُؤْمِنَ بِالبَلَاءِ ثُمَّ يُعَافِيْهِ فَيَكُوْنُ كَفَّارَةً لِمَا مَضَى، فَيَسْتَعْتِبُ فِيْمَا بَقِيَ، وَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْتَلِي الفَاجِرَ بِالبَلَاءِ ثُمَّ يُعَافِيْهِ فَيَكُوْنُ كَالبَعِيْرِ عَقَلَهُ أَهْلُهُ ثُمَّ أَطْلَقُوْهُ فَلَا يَدْرِي فِيْمَ عَقَلُوْهُ وَلَا فِيْمَ أَطْلَقُوْهُ حَيْثُ أَطْلَقُوْهُ.
وَفَاتُهُ:
عَنْ حَبِيْبِ بْنِ الحَسَنِ وَحُمَيْدِ بْنِ مَوْرِقٍ العُجَلِيِّ أَنَّ سَلْمَانَ لَمَّا حَضَرَتْهُ الوَفَاةُ بَكَى فَقِيْلَ لَهُ: مَا يُبْكِيْكَ؟، قَالَ: عَهْدٌ عَهِدَهُ إِلَيْنَا رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: لِيَكُنْ بَلَاغُ أَحَدِكُمْ كَزَادِ الرَّاكِبِ”. قَالَ: فَلَمَّا مَاتَ نَظَرُوْا فِي بَيْتِهِ فَلَمْ يَجِدُوْا فِي بَيْتِهِ إِلَّا إِكَافًا وَوِطَاءً وَمَتَاعًا قُوِّمَ نَحْوًا مِنْ عِشْرِيْنَ دِرْهَمًا.
قَالَ أَهْلُ العِلْمِ بِالسِّيَرِ: كَانَ سَلْمَانُ مِنَ الـمُعَمِّرِيْنَ، أَدْرَكَ وَصِيَّ عِيْسَى بْنِ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامَ، وَعَاشَ مِائَتَيْنِ وَخَمْسِيْنَ سَنَةً، وَيُقَالُ أَكْثَرَ، وَتُوُفِّيَ بِالـمَدَائِنِ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ، وَقِيْلَ مَاتَ سَنَةَ ثِنْتَيْنِ وَثَلَاثِيْنَ.
فَهَذَا هُوَ سَلْمَانُ الفَارِسِيُّ الزَّاخِرُ وَالعَابِدُ وَالنَّجِيْبُ وَالرَّفِيْقُ.