سرد موجز من السّيَر
لما بُعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بالتبليغ والإنذار بلا قتال وكان مأمورًا بالعفو والصفح، لم يؤذن له في القتال إلا بعد مضي أربعة عشر عامًا واتبعه قوم بعد قومٍ وفرضت الصلاة ثم فرض الصوم في الثانية بعد الهجرة وفرضت الزكاة قبلًا وقيل بعد الصوم ثم فرض الحج سنة ست وقيل غير ذلك ثم أذن للنبي صلى الله عليه وسلم بالهجرة إلى المدينة فهاجر ففرضت الهجرة إلى المدينة على من استطاع إلى أن فُتحت مكة بعد ثمانية أعوامٍ من الهجرة فنسخت وجوب الهجرة من مكة إلى المدينة وبقي وجوب الهجرة من دار الحرب على من لا يأمن على دينه. ثم أذن الله في القتال إذا ابتدأهم الكفار بقتالٍ بقول الله تعالى ﴿ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا … *﴾ [سورة الحج] الآية، ثم أذن لهم في القتال ابتداء بنحو قوله تعالى ﴿ قَاتِلُوا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ … *﴾ [سورة التوبة] الآية.
ولم يعبد رسول الله صلى الله عليه وسلم قط صنمًا قبل أن يوحى إليه، ألهمه الله الإيمان بربه لكنه لم يكن يعرف أحكام الإيمان قال الله تعالى ﴿ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلاَ الإِيمَانُ … *﴾ [سورة الشورى] وليس قوله تعالى ﴿ وَوَجَدَكَ ضَآلاًّ فَهَدَى *﴾ [سورة الضحى] بمعنى أنه كان كافرًا قبل أن يُبعث بل عصمه الله تعالى من الكفر والكبائر ومن كل مخل بالتبليغ وما يُزري بالمروءة وكذلك جميع الأنبياء. وإنما معنى قوله ﴿ وَوَجَدَكَ ضَآلاًّ فَهَدَى *﴾ أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يعلم تفاصيل الأحكام فأعلمه الله بالوحي بذلك [(1260)].
ونبينا صلى الله عليه وسلم هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قُصي بن كِلاب بن مُرة بن كعب بن لُؤي بن غالب ابن فِهر بن مالك بن النضر بن كِنانة بن خُزيمة بن مُدْرِكة بن إلياس ابن مُضر بن نزار بن مَعَدّ بن عدنان، وأمُّ النبي صلى الله عليه وسلم هي ءامنة بنت وَهْب بن عبد مناف بن زهرة بن كِلاب بن مُرة بن كعب بن لؤي ابن غالب.
ولد صلى الله عليه وسلم عام الفيل على الصحيح المشهور [(1261)] يوم الاثنين من شهر ربيع الأول.
نشأ صلى الله عليه وسلم يتيمًا يكفله جده عبد المطلب وبعده عمه أبو طالب بن عبد المطلب وطهره الله عزَّ وجلَّ من دنس الجاهلية ومن كل عيب ومنحه كل خُلُق جميل [(1262)] حتى كان يُعرف بين قومه بالأمين لما شاهدوا من أمانته وصدق حديثه وطهارته.
وبعث رسول الله إلى الناس كافة وله أربعون سنة وأقام بمكة ثلاث عشرة سنة فلما هاجر إلى المدينة أقام بها عشر سنين بالإجماع، ودخلها ضحى يوم الاثنين، وتوفي صلى الله عليه وسلم ضحى يوم الاثنين لاثنتي عشرة خلت من شهر ربيع الأول سنة إحدى عشرة من الهجرة ودفن يوم الثلاثاء حين زالت الشمس وقيل ليلة الأربعاء، وغسله علي والعباس والفضل وقثم وأسامة وشُقران، وكفن في ثلاثة أثوابٍ بيضٍ ليس فيها قميص ولا عمامة كما ثبت في الصحيحين [(1263)]، وصلى عليه المسلمون أفرادًا بلا إمام ودُفن في الموضع الذي توفي فيه وهو حجرة عائشة. ثم دفن عنده أبو بكرٍ ثم عمر رضي الله عنهما.
وحج بعد الهجرة حجة واحدة وأنزل القرءان عليه نجومًا [(1264)] حتى تمَّ نزوله في نحو عشرين سنة. وكان القرءان أُنزل دفعة واحدة ليلة القدر في شهر رمضان إلى بيت العزة من السماء الدنيا وكانت تلك ليلة أربع وعشرين قال تعالى ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ *﴾ [سورة القدر] ثم أُنزل عليه في غد تلك الليلة خمس من الآيات من سورة [سورة العلق] وذلك إلى قوله ﴿ عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ *﴾ [سورة العلق].
ثم ليعلم أن ابتداء التأريخ الذي استعمله المسلمون شهر المحرم من تلك السنة التي هاجر فيها.
ـ[1260] ذكر الحافظ في فتح الباري (8/ 462) أن بعضهم قال «سنة ثلاث» وبعضهم «سنة أربع».
ـ[1261] رواه الترمذي في سننه: كتاب الصلاة: باب ما جاء في التسبيح في أدبار الصلاة، وابن حبان في صحيحه: كتاب الصلاة: فصل في القنوت انظر الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان (3/ 233).
ـ[1262] رواه ابن حبان في صحيحه: كتاب الرقائق: باب الأذكار، انظر الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان (2/ 113).
ـ[1263] و [(1304)] رواهما مسلم في صحيحه: كتاب الطهارة: باب خروج الخطايا مع ماء الوضوء.
ـ[1264] السنن الكبرى (1/ 81)، ورواه مسلم في صحيحه: كتاب صلاة المسافرين وقصرها: باب إسلام عمرو بن عبسة.