بسم الله الرحمن الرحيم
درس ألقاهُ المحدثُ الفقيهُ الشيخُ عبد الله بن محمّد الهرري الحبشي رحمه الله تعالى وهو في بيان زكاةِ الفطرةِ. قال رحمه الله تعالى رحمةً واسعةً:
الحمدُ لله رب العالمين وصلى الله وسلم على سيدنا محمّد وعلى ءاله وصحبه الطيبين الطاهرين.
أما بعدُ فإنَّ الزكاة موضعها في الدين عظيم وإن الله تبارك وتعالى فرض زكاة الفطر من رمضان قبل زكاة الأموال، وهيَ أي زكاة الفطر فرضٌ على مَن وجدَ ما يزيد عن حاجاته الأصلية وحاجات من عليه نفقتهم ويدفع صاعًا من قوت بلده من غالب قوت بلده فالبلدُ الذي غالبُ قوته من القمح فصاعٌ من القمح والبلدُ الذي غالبُ قوته التمرُ فصاعٌ من تمرٍ والصاعُ هو مكيالٌ معروفٌ يسع أربعة أمداد والمد هو الحفنة بالكفين بالنسبة للرجل المعتدل الخلقة فهذا القدرُ هو الواجب إخراجه في الأصل ثم مَن أراد أن يدفع قيمة هذا الصاع بدل أن يدفع الصاع كان ذلك جائزًا في بعض المذاهب ولعل قيمة الصاع اليوم في هذه البلاد ليرة ونصف([1]).
ثمّ إنما تجب زكاة الفطر عليه إن وجد ما يزيد عن حاجاته الأصلية من قوته وقوت عياله أي أولاده الصغار الذين لم يبلغوا أو مَنْ كان في حكم الصغار كالمعتوه والزَّمِن الذي لا يستطيع العمل وأبويه الفقيرين وزوجته فاضِلًا عن أجرةِ المسكن وكسوته وكسوة هؤلاء ونفقتِهم ودَينه ولو كان هذا الدين مؤجلاً فمن كان بهذه الصفة يجب عليه أداء زكاة الفطر، والشرطُ أن يكون حيًّا عند غروب شمس ءاخِرِ يومٍ من رمضان فمَنْ مات قبل ذلك فلا فطرة عليه ومَن وُلد بعد ذلك فليسَ عليه فطرة ومَن فضل له عما ذُكر أقلُّ من الصاع وجب عليه أن يدفعه ثم يجب أن يكون المدفوع إليه من أهل الزكاة أي مِنَ الذين جعل الله لهم حقًّا في الزكاة وهم الفقراء الذين لا يجدون نصف كفايتهم أو نصف حاجاتهم الأصلية والمساكينُ وهم الذين يجدون النصف ولا يجدون تمام الكفاية والغارمون جمع غارم أي مَنْ غلَبَهُ الدَّين وهؤلاء الثلاثة هم أكثر أهل الزكاة المستحقين وجودًا في هذا الزمن فإنَّ المؤلَّفة وهم صنف من أصناف المستحقين للزكاة كالمعدومين في هذا العصر وكذلك العاملون لا يوجدون بالنسبة لأكثر البلاد الإسلامية إنما يوجد العاملون في البلاد التي يحكمها سلطان مسلم يبعث جباة الزكاة في البلاد ليجمعوا الزكاة من أهل الأموال هناك يوجد الصنف الذي سماه الله تبارك وتعالى في القرءان الكريم العاملين عليها أي على الزكاة.
ثم إنه يجوز دفع زكاة واحد لواحد على خلاف ظاهر نص الشافعيّ رحمه الله تعالى فإنَّ الشافعيّ رحمه الله تعالى اشترط تعميم الأصناف لكن أصحابه أفتَوا بأنه يجوز دفع زكاة شخص واحد لمستحق واحد يجوز دفع واحد لواحد هكذا أفتى أصحاب الشافعيّ وقال بعضهم لو كان الشافعيّ حيًّا لما وَسِعَهُ الآن إلا أن يُفْتِيَ بذلك منهم الإمام الجليل العالم النبيل الوليّ الصالح موسى بن عجيل اليمنيّ فمن أداها على هذه الصفة فقد أسقط الواجب وسلم من الإثم وربح الثواب الجزيل من الله تعالى.
ثم الرجل الذي لا يستطيع أن يدفع عن زوجته فإن كان يستطيع أن يدفع عن نفسه دفع فإن كان لا يستطيع أن يدفع عن نفسه ولا عن زوجته فليس عليه شيء وكذا ليس على زوجته شيء ولو كانت هيَ أي الزوجة غنية ليس عليها أن تدفع لأن زكاتها على زوجتها لكنه بما أنه غير مستطيع سقط عنه وعنها وليست عليها ولا عليه.
ومَن علم بنفسه مِن مستحقين فدفع إليهم فقد صحّ أداؤه ومن لم يعلم انتظر حتى يجد مَن يعلم أنه مستحق فإنْ وكَّل شخصًا عارفًا بالمستحقين أمينًا جاز ذلك أيضًا.
أما أولاد الرجل البالغون فإن كانوا يجدون ما يدفعون عن أنفسهم بأن كانت كِفايتُهُمْ وجب عليهم أن يزكوا عن أنفسهم وإن كانوا لا يستطيعون أن يدفعوا عن أنفسهم فليس على ءابائهم أن يدفعوا عنهم مهما كان الأب غنيًّا فلا يجب عليه دفع الزكاة عن أبنائه البالغين إنما الوجوب على الأولاد فإنْ أرادَ الأب أن يدفعَ عن ابنه البالغ صحَّ أداء الزكاة عنه بإذنه يسأل هذا الأب ابنَهُ البالغ هل ترضى أن أدفعَ عنك زكاةَ الفطرة فإذا قال ادفع عنّي يدفع عنه وإلا فلا يدفع عنه لأنه إنْ كان هذا الولد البالغ فقيرًا فليس عليه وإن كان غنيًّا ففطرته على نفسه أما الأب فليس مكلفًا إلا عن أولاده الصغار غير البالغين أو الولد البالغ الذي هو مجنونٌ معتوهٌ فزكاته على الأب، الأبُ مكلفٌ أن يدفع لأنَّ المعتوه مثل الطفل. أما البالغ فلا يصح أن يدفع الأب عنه إلا أنْ يُوَكِّله لأنَّ البالغ هو ينوي عن نفسه. الزكاةُ تحتاج إلى نية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما الأعمال بالنيات([2]) اهـ فالبالغ هو ينوي أما الطفل فينوي عنه أبوه لأنه ليس مكلفًا، ما دخل في حد التكليف فينوي عنه أبوه ويدفع عنه أبوه من ماله أي مال الصبيّ إن كان له مال أما هذا البالغُ فهو مثل أبيه هذا مكلفٌ وهذا مكلفٌ فالزكاةُ عبادةٌ مفروضة لا تصح إلا بنية فإذا وكَّلَ أباه صحَّ ذلك.
ولا يجبُ إخبار ءاخِذِ الزكاة بأنها زكاةٌ بل إذا سكت فذلك أطيب لخاطر المستحق لذلك أحسنُ إذا سكت ولم يقل له هذا زكاتي لأنه إذا قال له هذا زكاتي قد يستحي.
والولدُ البالغ العاقل الصحيح الجسم هذا ليس عليه زكاة إن كان فقيرًا وليس على أبيه أيضًا أن يدفع زكاة الفطر عنه إنما إذا تبرع عنه أبوه بعد استئذانه كان في ذلك له ثواب ولابنه الذي يدفع عنه ثواب.
والأب الفقير لا يأخذ زكاة ابنه ولا زكاة غير ابنه لأنه مكفِي بنفقة ابنه. أليسَ ابنُهُ ملزمًا شرعًا بأن ينفق على أبيه. الابن هو مكلف بأن يتحمل نفقة أبيه فليس للأب أن يأخذ الزكاة من ابنه ولا من غير ابنه لأنه مكفي بنفقة ابنه والأم كذلك.
هذه الزكاة زكاةُ الفطرة تتبع النفقة والولد الطفل الذي لم يبلغ نفقته على أبيه.
ثم الأخ إذا أعطى زكاة الفطرة لأخيه الفقير يكون أحسنَ من أن يعطيَها لأجنبيّ وكذلك الأخت. إذا أعطاها القريبُ لقريبه الفقير غير أمه وأبيه وجده يكون أحسن.
من عُلم أنه هاشميّ أو مطلبيّ لا يجوز دفع الزكاة إليه لأن الزكاة حرمها رسول الله على أهل بيته.
سئل الشيخ هل اليتيم يستحق؟
قال الشيخ واليتيم الفقير الذي لم يترك له أبوه مالاً يكفيه يستحق الزكاة لكن لا تُسَلَّمُ ليد هذا اليتيم الذي هو دون البلوغ بل تسلم إلى يد قيّمه الذي يشرف على أمول معيشته.
دار الأيتام لو كان المشرف عليها مسلمًا فقيهًا يعرف أحكام الزكاة وأمينًا كان يجوز عند ذلك تسليم الزكاة للأيتام إلى يده أما إذا كان غير أمين أو كان جاهلًا بأحكام الشريعة فلا يجوز. وسبحان الله والحمد لله رب العالمين.
انتهى والله تعالى أعلم.
[1])) هذا في وقت إلقاء الدرس.
[2])) رواه البخاري في صحيحه باب كيف كان بدء الوحي.