الجمعة نوفمبر 22, 2024

     رَحْمَةُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ

     قَالَ الإِمَامُ الْهَرَرِىُّ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَهُ الْفَضْلُ وَلَهُ الثَّنَاءُ الْحَسَنُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى ءَالِهِ وَصَحْبِهِ الطَّاهِرِينَ.

     مَنْ أَرَادَ سَلامَةَ دِينِهِ فَلْيُقَلِّلِ الْكَلامَ، الْمَصَائِبُ لِلْمُؤْمِنِ فَائِدَةٌ كَبِيرَةٌ أَمَّا لِلْكَافِرِ فَلَيْسَ لَهُ فِيهَا فَائِدَةٌ، الْكَافِرُ مَهْمَا تَعَذَّبَ فِى الدُّنْيَا فَلا يُخَفَّفُ مِنْ ذُنُوبِهِ بِهَذِهِ الْمُصِيبَةِ مِنْ مَرَضٍ وَغَيْرِهِ وَلا فِى الآخِرَةِ، أَمَّا الْمُسْلِمُ عَلَى حَسَبِ مَا يَكْثُرُ بَلاؤُهُ يَعْظُمُ أَجْرُهُ عِنْدَ اللَّهِ، أَمَّا الْمُسْلِمُ الَّذِى إِذَا أَصَابَتْهُ مَصَائِبُ يَسْخَطُ عَلَى رَبِّهِ فَهَذَا خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ. بَعْضُ النَّاسِ لَمَّا تَنْزِلُ بِهِمْ ءَالامٌ شَدِيدَةٌ يَكْفُرُونَ، هَؤُلاءِ خَسِرُوا الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ، فِى الدُّنْيَا كُفْرُهُمْ هَذَا لا يَدْفَعُ عَنْهُمُ الْبَلاءَ وَالْمَصَائِبَ، لا يَدْفَعُ عَنْهُمْ. كَمَثَلِ رَجُلٍ كَانَ فِى الْعَرَبِ الْقُدَمَاءِ قَبْلَ الرَّسُولِ بِآلافٍ مِنَ السِّنِينَ، كَانَ مُسْلِمًا عَاشَ فِى الإِسْلامِ أَرْبَعِينَ سَنَةً ثُمَّ اللَّهُ تَعَالَى ابْتَلاهُ بِمُصِيبَةٍ كَبِيرَةٍ، أَوْلادُهُ ذَهَبُوا لِلصَّيْدِ فَنَزَلَتْ صَاعِقَةٌ قَتَلَتْهُمْ فَغَضِبَ عَلَى اللَّهِ قَالَ لا أَعْبُدُهُ إِنَّهُ قَتَلَ أَبْنَائِى، ثُمَّ اسْتَمَادَ عَلَى كُفْرِهِ وَصَارَ يَقُولُ لِلنَّاسِ الَّذِينَ يَأْتُونَ إِلَى بَلَدِهِ اكْفُرُوا بِاللَّهِ وَإِلَّا قَتَلْتُكُمْ. مَا مَضَتْ أَيَّامٌ طَوِيلَةٌ حَتَّى أَرْسَلَ اللَّهُ النَّارَ عَلَى نَاحِيَتِهِ فَأَكَلَتِ النَّارُ الأَشْيَاءَ وَالنَّاسَ وَالْبَهَائِمَ مَنْ كَانَ فِى ذَلِكَ الْوَادِى كُلَّهُمْ بِمَا فِيهِ هُوَ، تِلْكَ النَّاحِيَةُ وَالْبَهَائِمُ وَالأَشْيَاءُ كُلٌّ أَكَلَتْهُمُ النَّارُ، هَذَا خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ، كُفْرُهُ مَا نَفَعَهُ، مَاذَا نَفَعَهُ، هَذَا سَبَبُهُ أَنَّهُ مَا تَحَمَّلَ هَذِهِ الْمُصِيبَةَ أَنَّ أَوْلادَهُ كُلَّهُمْ مَاتُوا فَجْأَةً بِالصَّاعِقَةِ فَكَفَرَ كُفْرًا شَنِيعًا. بَعْضُ النَّاسِ إِمَّا أَنْ يَكْفُرُوا عِنْدَ الْمُصِيبَةِ أَوْ يَتْرُكُوا الْفَرَائِضَ، بَعْضُ النَّاسِ إِذَا مَرِضُوا يَتْرُكُونَ الصَّلَوَاتِ، هَذِهِ خَسَارَةٌ كَبِيرَةٌ وَمِنْهُمْ مَنْ يَكْفُرُ يَقُولُ لِمَ اللَّهُ تَعَالَى يَبْتَلِينِى بِهَذَا، يَسْخَطُ عَلَى اللَّهِ. هَذَا الرَّجُلُ مِنْ عَادٍ مِنْ قَوْمِ عَادٍ يُقَالُ لَهُ حِمَارُ بنُ مَالِكٍ، بَعْضُ الْعَرَبِ كَانُوا يُسَمُّونَ أَبْنَائَهُمْ بِـحِمَار وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، حَتَّى مِنَ الصَّحَابَةِ يُوجَدُ رَجُلٌ أَبُوهُ اسْمُهُ حِمَارٌ. امْرَأَةٌ كَانَتِ اسْمُهَا عَاصِيَةٌ لَمَّا كَانَتْ كَافِرَةً أَهْلُهَا سَمَّوْهَا عَاصِيَة، الرَّسُولُ سَمَّاهَا جَمِيلَة. الْعَرَبُ كَانُوا يُسَمُّونَ بِالْحِمَارِ وَالْجَحْشِ وَالْكَلْبِ، هَذَا الَّذِى كَفَرَ هَذِهِ الْكُفْرِيَّةَ اسْمُهُ حِمَارُ بنُ مَالِكٍ.

     عَلَيْكُمْ بِحِفْظِ اللِّسَانِ وَالصَّبْرِ عَلَى الْمَصَائِبِ. يَا صَاحِبَ الْحِجَا مَعْنَاهُ يَا عَاقِل يَا ذَا الْعَقْلِ يَا مَنْ لَهُ عَقْلٌ، احْفَظْ لِسَانَكَ أَطِلِ السُّكُوتَ، السُّكُوتُ تَقْلِيلُ الْكَلامِ فِيهِ حِفْظٌ لِلدِّينِ. الَّذِى يُكْثِرُ الْكَلامَ يَقَعُ فِى شَىْءٍ مُحَرَّمٍ أَوْ كُفْرٍ أَوْ مَكْرُوهٍ لا بُدَّ، كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ يَقَعُونَ فِى الْكُفْرِ بِسَبَبِ كَثْرَةِ الْكَلامِ. الْكَلامُ فِيهِ مَا هُوَ حَرَامٌ، وَالنَّظَرُ وَاللَّمْسُ، الرَّسُولُ عَلَيْهِ السَّلامُ قَالَ «زِنَى الْعَيْنِ النَّظَرُ وَزِنَى الْيَدِ اللَّمْسُ وَزِنَى الرِّجْلَيْنِ الْخُطَى وَزِنَى اللِّسَانِ الْمَنْطِقُ» الْكَلامُ الَّذِى يُكَلِّمُ بِهِ الأَجْنَبِيَّةَ لِلَّذَّةِ هَذَا زِنًى، زِنَى اللِّسَانِ مِنَ الصَّغَائِرِ لَيْسَ مِنَ الْكَبَائِرِ، وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلامُ «وَزِنَى الْفَمِ الْقُبَلُ» الْقُبْلَةُ زِنَى الْفَمِ، لَكِنْ كُلُّ هَذِهِ الأَشْيَاءِ مِنَ الصَّغَائِرِ، كَذَلِكَ وَزِنَى النَّفْسِ التَّمَنِّى «وَزِنَى النَّفْسِ أَنْ تَتَمَنَّى وَتَشْتَهِى» هَكَذَا قَالَ الرَّسُولُ، زِنَى الْقَلْبِ أَنْ يَتَصَوَّرَ أَنَّهُ يُعَانِقُ وَيَلْتَزِمُ، تَصَوَّرَ مَعَ التَّلَذُّذِ هَذَا حَرَامٌ هَذَا يُسَمَّى زِنَى النَّفْسِ، لَكِنْ أَكْثَرُهُمْ وُقُوعًا زِنَى الْعَيْنِ لِذَلِكَ الرَّسُولُ عَلَيْهِ السَّلامُ قَالَ «وَكُلُّ عَيْنٍ زَانِيَةٌ» مَعْنَاهُ أَكْثَرُ الْبَشَرِ يَنْظُرُونَ بِشَهْوَةٍ فَيَكُونُ عَلَيْهِمْ مَعْصِيَةٌ.

     لَكِنْ هَذِهِ الصَّغَائِرُ كُلُّهَا، هَذِهِ وَغَيْرُهَا الصَّغَائِرُ تَذْهَبُ بِأَيَّةِ حَسَنَةٍ، إِذَا وَاحِدٌ قَالَ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ذَهَبَتْ، بِنِيَّةٍ حَسَنَةٍ    وَإِذَا قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ ذَهَبَتْ، إِذَا قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ أَوْ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بِمَعْنَى عَلَى وَجْهِ الشُّكْرِ لِلَّهِ مِنْ أَجْلِ تَعْظِيمِ اللَّهِ تَذْهَبُ، وَإِنْ تَوَضَّأَ تَذْهَبُ لَمَّا يَتَوَضَّأُ وُضُوءًا شَرْعِيًّا بِنِيَّةٍ صَحِيحَةٍ تَقَرُّبًا إِلَى اللَّهِ، لَمَّا يَغْسِلُ وَجْهَهُ تَنْزِلُ صَغَائِرُ الذُّنُوبِ الَّتِى فَعَلَهَا بِفَمِهِ وَعَيْنِهِ مَعَ الْمَاءِ، وَإِذَا غَسَلَ يَدَيْهِ كَذَلِكَ تَذْهَبُ خَطَايَا يَدَيْهِ مَعَ الْمَاءِ وَإِذَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ. كَذَلِكَ تَذْهَبُ مَعَ الْمَاءِ الَّذِى يَنْزِلُ مِنَ الرِّجْلِ، رَحْمَةُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ.

     وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَصَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ الأَمِينِ وَءَالِهِ وَأَصْحَابِهِ الطَّيِّبِينَ.