رد في الضرع ما جرى في الحلاب
ومرادهم بهذا أن الإنسان إذا حلب البهيمة فهذا اللبن الذي حلبه لا يعود إلى الضرع كذلك نحن الآن خروجنا من الدنيا. ثم عبد الله وجد كوما من ذهب وكوما من فضة فأخذ من الذهب ما استطاع في ردائه ورجع إلى قومه صار يعطي هذا من هذا الذهب ويعطي هذا ويعطي هذا فأحبوه وجعلوه سيدا لهم. فصار يحسن إلى الناس ويقري الضيف ويصل أرحامه فكان مشهورا بهذا بين العرب. لكن بما أنه كان على عبادة الوثن ولم يكن يؤمن باليوم الآخر ومات على ذلك فلا ينفعه عمله هذا. فمن لم يؤمن بالله ورسوله فلا ثواب له أبدا في الآخرة قال الله تعالى ﴿مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف﴾.
الكفار هم أحقر خلق الله وإن كانت صورتهم صورة البشر وذلك لأنهم أضاعوا أعظم حقوق الله على عباده فكفروا بالله عز وجل قال الله تعالى ﴿إن شر الدواب عند الله الذين كفروا فهم لا يؤمنون﴾ والمعنى أن الكافر هو أحقر المخلوقات، والدواب جمع دابة وهي كل ما يمشي على وجه الأرض من إنسان وبهائم وحشرات. وقد ورد في الحديث الذي رواه ابن حبان في صحيحه وأحمد في مسنده والطبراني في المعجم الكبير »لا تفتخروا بآبائكم الذين ماتوا في الجاهلية فوالذي نفسي بيده إن ما يدهدهه الجعل بمنخريه خير من ءابائكم الذين ماتوا في الجاهلية« أي على الشرك. وهذا الحديث صريح في أن الكافر أخس ما خلق الله.
ومعنى »ما يدهدهه الجعل بمنخريه« أي القذر ليتقوت به، والجعل حشرة صغيرة سوداء تسوق القذر الذي يخرج من بني ءادم تجعله حبيبات تسوقه لتتقوت به، فهذا الذي يسوقه الجعل الرسول قال خير من هؤلاء الذين كان الناس في أيام الجاهلية يفتخرون بهم يقولون هذا جدي كان كذا أبي كان كذا فالمعنى كفوا عن الافتخار بهؤلاء الذين ما يسوقه الجعل بأنفه خير منهم لكفرهم وذلك لأن شكر الخالق المنعم لا يصح مع عبادة غيره أو تكذيب رسوله الذي أرسله ليتبعه الناس. ولو أنفق هذا الكافر مثل جبل ذهبا للمساكين والأرامل لا يكون شاكرا لخالقه الذي أنعم عليه بالوجود والعقل فلا يكون الكافر شاكرا لله مهما عمل من الخدمات للناس ومهما كان عنده عطف ورحمة وحنان على المنكوبين والملهوفين.
انظروا الفرق بين ذاك الرجل الصالح الصابر المحتسب وهذا الكافر المعترض على الله، ذاك صبر على المصائب والبلايا فكان من الفائزين وهذالم يصبر بل كفر بالله تعالى فكان من الخاسرين.