ردًا على سيد قطب في التشبيه هذا بيان تنزيه الله عن المكان وتصحيح وجوده بلا مكان عقلًا
ليعلم أن الله عز وجل مستغن عن كل ما سواه وكل ما سواه مُحتاج إليه قال تعالى: {يأيّها الناسُ أنتم الفقراءُ إلى اللهِ واللهُ هوَ الغني الحميدُ} [15، سورة فاطر]، ومن كان محتاجًا إلى مكان يستقر أو يتحيز فيه فإنه ليس إلهًا، وقد قال الإمام علي رضي الله عنه: “من زعم أن إلهنا محدود فقد جهل الخالق المعبود” رواه الحافظ أبو نعيم في كتاب حلية الأولياء. ومعنى كلامه أن الله ليس له حجم صغير ولا كبير ليس كأصغر حجم وهو الجزء الذي لا يتجزأ، ولا كأكبر حجم كالعرش وليس حجمًا أكبر من العرش قال تعالى: {وكل شيءٍ عندهُ بمقدار} [8، سورة الرعد] فالله منزهٌ عن المقدار أي الحد والكمية، فمن قال إنه حجمٌ كبير بقدر العرش أو كحجم الإنسان فقد كذَّب الآية، كما أنه كذب قوله تعالى: {ليسَ كمثلِهِ شيء} [11، سورة الشورى] لأنه لو كان له حجم لكان له أمثال لا تحصى، ولو كان متحيزًا في جهة فوق لكان له أمثال لا تُحصى، فالجهات كلها بالنسبة لذات الله على حد سواء ولذلك يُوصف الله بالقريب [أي القرب المعنوي وليس القرب الحسي الذي يكون بالسافة] فلو كان متحيزًا فوق العرش لكان بعيدًا ولم يكن قريبًا.
قال الإمام زين العابدين رضي الله عنه علي بن الحسين في الصحيفة السجادية: “سبحانك أنت الله لا إله إلا أنت لا يحويك مكان لا تُحس ولا تُمسّ ولا تُجسّ” رواه الحافظ محمد مرتضى الزبيدي في كتاب إتحاف السادة المتقين.
ويكفي في تنزيه الله عن المكان والحيّز والجهة قوله تعالى: {ليس كمثله شيء} [11، سورة الشورى].
فلو كان له مكان لكان له أمثال وأبعاد طولٌ وعرضٌ وعمقٌ، ومن كان كذلك كان محدثًا مُحتاجًا لمن حدَّهُ بهذا الطول وبهذا العرض وبهذا العمق، هذا الدليل من القرءان.
أما من الحديث فما رواه البخاري وابن الجارود والبيهقي بالإسناد الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “كان الله ولم يكن شيء غيره”، ومعناه أن الله لم يزل موجودًا في الأزل ليس معه غيره لا ماء ولا هواء ولا أرض ولا سماء ولا كرسي ولا عرش ولا إنس ولا جن ولا ملائكة ولا زمان ولا مكان ولا جهات، فهو تعالى موجود قبل المكان بلا مكان، وهو الذي خلق المكان فليس بحاجة إليه، وهذا ما يُستفاد من الحديث المذكور.