الإثنين ديسمبر 8, 2025

ذِكْرُ احْتِجَاجِ ءَادَمَ وَمُوسَى عَلَيْهِمَا السَّلامُ

 

   رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحَيْهِمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «حَاجَّ مُوسَى ءَادَمَ عَلَيْهِمَا السَّلامُ فَقَالَ لَهُ: أَنْتَ الَّذِي أَخْرَجْتَ النَّاسَ بِذَنْبِكَ مِنَ الْجَنَّةِ وَأَشْقَيْتَهُمْ [أَيْ أَوْقَعْتَهُمْ فِي الشِّدَّةِ وَالْمَشَقَّةِ]، قَالَ ءَادَمُ: يَا مُوسَى أَنْتَ الَّذِي اصْطَفَاكَ اللَّهُ بِرِسَالاتِهِ وَبِكَلامِهِ، أَتَلُومُنِي عَلَى أَمْرٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَنِي؟» قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَحَجَّ [أَيْ غَلَبَ، وَهَذَا لِلْمُبَاسَطَةِ وَالْمَحَبَّةِ لَيْسَ عَلَى وَجْهِ التَّوْبِيخِ وَالتَّعْيِيرِ] ءَادَمُ مُوسَى».

   وَأَخْرَجَاهُ أَيْضًا فِي الصَّحِيحِ مِنْ طَرِيقٍ ءَاخَرَ وَأَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «احْتَجَّ ءَادَمُ وَمُوسَى، فَقَالَ لَهُ مُوسَى: أَنْتَ ءَادَمُ الَّذِي أَخْرَجَتْكَ خَطِيئَتُكَ مِنَ الْجَنَّةِ؟ فَقَالَ لَهُ ءَادَمُ: أَنْتَ مُوسَى الَّذِي اصْطَفَاكَ اللَّهُ بِرِسَالَتِهِ وَبِكَلامِهِ ثُمَّ تَلُومُنِي عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِّرَ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ؟ [الْمُرَادُ كُتِبَ، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ التَّقْدِيرَ الَّذِي هُوَ صِفَةُ اللَّهِ]» قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَحَجَّ ءَادَمُ مُوسَى».

وَأَخْرَجَاهُ أَيْضًا فِي الصَّحِيحِ مِنْ طَرِيقٍ ءَاخَرَ وَأَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَغَيْرُهُمْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «احْتَجَّ ءَادَمُ وَمُوسَى فَقَالَ مُوسَى: يَا ءَادَمُ أَنْتَ أَبُونَا خَيَّبْتَنَا [أَيْ أَخْرَجْتَنَا مِنَ النَّعِيمِ، مَا أَرَادَ بِهِ الْعِتَابَ، لَكِنْ عَلَى وَجْهِ الْمُبَاسَطَةِ] وَأَخْرَجْتَنَا مِنَ الْجَنَّةِ، فَقَالَ لَهُ ءَادَمُ: أَنْتَ مُوسَى اصْطَفَاكَ اللَّهُ بِكَلامِهِ [أَيِ اخْتَارَكَ لِكَلامِهِ] وَخَطَّ لَكَ بِيَدِهِ [أَيْ كَتَبَ لَكَ بِعِنَايَةٍ] أَتَلُومُنِي عَلَى أَمْرٍ قَدَّرَهُ اللَّهُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَنِي بِأَرْبَعِينَ سَنَةً؟» فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَحَجَّ ءَادَمُ مُوسَى، فَحَجَّ ءَادَمُ مُوسَى».

   وَرَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «احْتَجَّ ءَادَمُ وَمُوسَى عَلَيْهِمَا السَّلامُ عِنْدَ رَبِّهِمَا فَحَجَّ ءَادَمُ مُوسَى، قَالَ مُوسَى: أَنْتَ ءَادَمُ الَّذِي خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ وَأَسْجَدَ لَكَ مَلائِكَتَهُ وَأَسْكَنَكَ فِي جَنَّتِهِ، ثُمَّ أَهْبَطْتَ النَّاسَ بِخَطِيئَتِكَ إِلَى الأَرْضِ؟، قَالَ ءَادَمُ: أَنْتَ مُوسَى الَّذِي اصْطَفَاكَ اللَّهُ بِرِسَالَتِهِ وَبِكَلامِهِ، وَأَعْطَاكَ الأَلْوَاحَ [أَيِ التَّوْرَاةَ] فِيهَا تِبْيَانُ كُلِّ شَىْءٍ [مِمَّا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ لِلدِّينِ مِنْ عَقَائِدَ وَأَحْكَامٍ]، وَقَرَّبَكَ نَجِيَّا [أَيْ قَرَّبَكَ لإِسْمَاعِ كَلامِهِ وَحْدَكَ] فَبِكَمْ وَجَدْتَ اللَّهَ كَتَبَ التَّوْرَاةَ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ؟ قَالَ مُوسَى: بِأَرْبَعِينَ عَامًا، فَقَالَ ءَادَمُ: فَهَلْ وَجَدْتَ فِيهَا ﴿وَعَصَى ءَادَمُ رَبَّهُ فَغَوَى﴾ [سُورَةَ طَه/121] قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: أَفَتَلُومُنِي عَلَى أَنْ عَمِلْتُ عَمَلًا كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيَّ أَنْ أَعْمَلَهُ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَنِي بِأَرْبَعِينَ سَنَةً؟» قَالَ رَسُولُ اللَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَحَجَّ ءَادَمُ مُوسَى»، وَرَوَاهُ بِنَحْوِهِ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ.

   وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ وَأَبُو يَعْلَى فِي مُسْنَدِهِ عَنْ عُمَرَ بنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مُوسَى قَالَ: يَا رَبِّ أَرِنَا ءَادَمَ الَّذِي أَخْرَجَنَا وَنَفْسَهُ مِنَ الْجَنَّةِ، فَأَرَاهُ اللَّهُ ءَادَمَ فَقَالَ: أَنْتَ أَبُونَا ءَادَمُ؟ فَقَالَ لَهُ ءَادَمُ: نَعَمْ، قَالَ: أَنْتَ الَّذِي نَفَخَ اللَّهُ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ وَعَلَّمَكَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا وَأَمَرَ الْمَلائِكَةَ فَسَجَدُوا لَكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَمَا حَمَلَكَ عَلَى أَنْ أَخْرَجْتَنَا وَنَفْسَكَ مِنَ الْجَنَّةِ؟ قَالَ لَهُ ءَادَمُ: وَمَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا مُوسَى قَالَ: أَنْتَ نَبِيُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّذِي كَلَّمَكَ اللَّهُ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ وَلَمْ يَجْعَلْ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ رَسُولًا مِنْ خَلْقِهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: أَفَمَا وَجَدْتَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي كِتَابِ اللَّهِ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَبِمَ تَلُومُنِي فِي شَىْءٍ سَبَقَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ الْقَضَاءُ قَبْلِي؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ ذَلِكَ: فَحَجَّ ءَادَمُ مُوسَى، فَحَجَّ ءَادَمُ مُوسَى».

   وَقَدْ رَدَّ هَذَا الْحَدِيثَ قَوْمٌ مِنَ الْقَدَرِيَّةِ لِمَا تَضَمَّنَ مِنْ إِثْبَاتِ الْقَدَرِ، وَمَنْ كَذَّبَ بِهَذَا الْحَدِيثِ فَمُعَانِدٌ، لِأَنَّهُ مُتَوَاتِرٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَنَاهِيكَ بِهِ عَدَالَةً وَحِفْظًا وَإِتْقَانًا، ثُمَّ هَوَ مَرْوِيٌّ عَنْ غَيْرِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ كَمَا قَدَّمْنَا ذَلِكَ.