الخميس نوفمبر 21, 2024
  • ذكر الموت واليقظة والاعتصام بحبل الله

     

    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونشكره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضلّ له ومن يضلل فلا هادي له، نحمده سبحانه وتعالى ، ونشهد أن لا إله إلا الله شهادة نكون بها يوم الحساب ممن ينقلب إلى أهله مسرورًا،  ونشهد أنّ سيّدنا محمّدًا رسوله ومصطفاه الذي انجلت محاسنه شموسًا وبدورًا ، صلّى الله عليه وسلّم وعلى الذين أظهر الله بهم دينه وجزاهم بما صبروا جزاءًا موقورًا.

    أما بعد فإني أوصيكم ونفسي بتقوى الله العليِّ القدير ، القائل في محكم كتابه: {كل نفس ذائقة الموت وإنما توّفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور} (ءال عمران/185) .

    لنقف عند كلام الله ونعتبر ، لنقف عند كلام الله ونتّعِظ ، ولنكن في كل أحوالنا ذاكرين الموت، فالموت حقّ ، والموت يأتي بغتة والقبر صندوق العمل . والحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم قال: “أكثروا ذكر هاذِم اللذات” أي أكثروا ذكر الموت .

    واعلم أخي المسلم أن مِمّا يعينك على ذكر الموت أن تذكر من مضى من أقاربك وإخوانك وأصحابك وأترابك الذين مضوا قبلك، كانوا يسعون سعيك، ويعملون في الدنيا عملك، فأصابهم الموت ففجع أحبابهم، فعدّ نفسك منهم، ولا تغفل عن زاد معادك ولا تهمل نفسك سدى .

    وقد قيل:

    يا فرقة الأحباب لا بد لي منك

     

    ويا دار دنيا إنني راحل عنك

    ويا قصر الأيام ما لي وللمنى

     

    ويا سكرات الموت ما لي وللضحك

    فمالي لا أبكي لنفسي بعبرة

     

    إذا كنت لا أبكي لنفسي فمن يبكي

    أيها الإخوة، تفكروا في الحشر والمعاد، وتذكروا حين تقوم الأشهاد، إن في القيامة لحسرات، وإن في الحشر لزفرات، وإن عند الصراط لعثرات.

    حاسب نفسك في خلوتك، وتفكّر في انقراض مدتك، واعمل في زمان فراغك لوقت شدتك، وتدبّر قبل الفعل ما يُملى في صحيفتك، وانظر هل نفسك معك أو عليك، لقد سعد من حاسبها، وفاز والله من حاربها. وقد قال سيد المرسلين وإمام المتقين صلى الله عليه وسلم: “الكيس من دان نفسه وعمل لِما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني “ .

    صدق رسول الله، صدق حبيب الله، الذي لا ينطق عن هوى إن هو إلا وحي يوحى من عند الله، ذلك أن الراحة لا تُنال بالراحة، ومعالي الأمور لا تُنال بالفتور، فشمّروا عن ساعد الجِدّ، وأعدوا العدة وهيأوا الزاد ليوم المعاد، وتزودوا من خير الزاد التقوى، وتهيأوا للجواب حين يأتي الملكان منكر ونكير، وتذكروا دومًا أن هذه الحياة الدنيا دار ممر، وأن الآخرة دار مستقر، وأن ما عند الله خير وأبقى .

    أيها الإخوة الأحباب، في هذا الزمن العصيب الذي يمر فيه لبنان والمنطقة وفي هذه الظروف الحرجة والدقيقة والعاصفة، تمتد يد الإرهاب منذ أيام في العاصمة بيروت لتهزها وتهز لبنان كله ولتغتال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه، وتضرب الأمن والاستقرار في لبنان، وتعيد إلى الأذهان ما كان يجري خلال الحرب الغابرة من إسالة للدماء ونشر للرعب والخراب من خلال المتفجرات العشوائية، متفجرات الإرهاب والدمار .

    إن ما جرى هو مخطط فتنة كبير ومحاولة لإدخال لبنان في دائرة الفوضى وإضعاف جبهته الداخلية.

    إن ما جرى ليس فقط اغتيالاً للرئيس الحريري، إنه عمل إرهابي دموي يستهدف اغتيال بيروت، واغتيال لبنان ، واغتيال الاستقرار الذي تنعم به في لبنان منذ سنوات طويلة، واغتيال الطمأنينة في النفوس ، ونشر الرعب والخوف والفوضى .

    إن هذا العمل الإرهابي يستهدف تشويه صورة لبنان وإضعافه ومحاصرته من اجل تعبيد الطريق أمام التدخل الأجنبي بشئونه واستجلاب الوصاية الدولية ، وإننا نطالب الدولة بأجهزتها المعنية بالإسراع بالكشف عن الفاعلين بالسرعة القصوى ، وندعو إلى الوعي واليقظة لإحباط الأهداف التي أرادها من يقف وراء هذا العمل الإرهابي الخطير، ولا يظنن أحد أن ما جرى هو مجرد عملية اغتيال ، فالقضية أوسع من ذلك ، والذين خططوا ونفذوا هذا العمل الإرهابي يريدون أكثر من اغتيال شخص كالرئيس رفيق الحريري. لذلك فإننا ندعو إلى التعقّل والحكمة والروية، وندعو إلى التدبر العميق في الأهداف والنتائج المحتملة . كما ندعو إلى عدم الانقياد وراء اتهامات متسرعة، وعدم الانقياد وراء محاولة البعض استغلال الدماء التي أريقت، وعدم الانقياد وراء التحريض ضد اصدقاء لبنان ومن وقف مع لبنان في السراء والضراء. إن من يقف وراء هذه النكبة ووراء هذه الفتنة هم أعداء لبنان ، هم الذين يتربصون بنا الدوائر، هم الذين لا يريدون الأمن والاستقرار في لبنان ، هم الذين يريدون أن يعود لبنان إلى حالة الحرب والضعف والانقسام. لذلك فإننا نشدّد على أهمية الوعي في هذه المرحلة الدقيقة والخطيرة وندعو إلى التماسك الداخلي والحوار الوطني البناء والابتعاد عن إثارة النعرات البغيضة والمهاترات التي لا تخدم مصلحة لبنان .

    ولا يسعنا إلا أن نتوجه على وجه الخصوص إلى المسلمين ، وخاصة في بيروت، بيروت عاصمة الصمود والمقاومة ، عاصمة الوطن ، عاصمة العروبة: كونوا متيقظين ، كونوا واعين ، كونوا متنبهين ، فمتفجرة الفينيسيا تستهدف إيقاع الفتنة في صفوفكم فوحّدوا كلمتكم وصفوفكم واحذروا من أصحاب الفتنة الذين يريدون أن تتشتت كلمة أهل السنة وأن تتبعثر صفوف أهل السنة.

    احذروا هؤلاء واعرفوا من هو الصديق ومن هو العدو وتذكروا قول الله تعالى: {واعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا} .

    اعتصموا بحبل الله ، وأبعدوا الفرقة عن صفوفكم، واجمعوا كلمتكم، واعملوا لِما فيه مصلحتكم ووحدتكم وقوتكم وما فيه مصلحة وطننا وأمتنا وليكن اتكالنا على الله رب العالمين .

     

    هذا وأستغفر الله لي ولكم

     

     

     

     

     

     

    الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

    إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَهْدِيهِ وَنَشْكُرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ الصَّادِقِ الْوَعْدِ الأَمِينِ وَعَلَى إِخْوَانِهِ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ. وَرَضِيَ اللَّهُ عَنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَءَالِ الْبَيْتِ الطَّاهِرِينَ وَعَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَعَنِ الأَئِمَّةِ الْمُهْتَدِينَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَعَنِ الأَوْلِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ أَمَّا بَعْدُ عِبَادَ اللَّهِ فَإِنِّي أُوصِيكُمْ وَنَفْسِيَ بِتَقْوَى اللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ فَاتَّقُوهُ.

    وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ أَمَرَكُمْ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ، أَمَرَكُمْ بِالصَّلاةِ وَالسَّلامِ عَلَى نَبِيِّهِ الْكَرِيْمِ فَقَالَ ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى ءَالِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى ءَالِ سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى ءَالِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى ءَالِ سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَىْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ﴾، اللَّهُمَّ إِنَّا دَعَوْنَاكَ فَاسْتَجِبْ لَنَا دُعَاءَنَا فَاغْفِرِ اللَّهُمَّ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ رَبَّنَا ءَاتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ غَيْرَ ضَالِّينَ وَلا مُضِلِّينَ اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِنَا وَءَامِنْ رَوْعَاتِنَا وَاكْفِنَا مَا أَهَمَّنَا وَقِنَا شَرَّ مَا نَتَخَوَّفُ. عِبَادَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغِي، يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ. اذْكُرُوا اللَّهَ الْعَظِيمَ يُثِبْكُمْ وَاشْكُرُوهُ يَزِدْكُمْ، وَاسْتَغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ وَاتَّقُوهُ يَجْعَلْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مَخْرَجًا، وَأَقِمِ الصَّلاةَ.