دعاء زكريا عليه السلام ربه وسؤاله الولد في حال كبره
كان نبي الله زكريا عليه السلام قد تقدمت به السن وانتشر الشيب في رأسه وبلغ من الكبر عتيًا، وكانت امرأته عاقرًا لا تلد، فلما رأى من ءايات الله الباهرات عاين هذه الآية والكرامة العجيبة من رزق الله تعالى لمريم أم عيسى عليهما السلام الفاكهة في غير حينها، هنالك رغب في الولد على الكِبر، فطلب من ربه أن يرزقه غلامًا تقيًا يرثه في العلم والنبوة ويعلم الناس الخير، يقول الله تبارك وتعالى: {هُنالِكَ دَعَا زكريَّا ربَّهُ قالَ ربِّ هَبْ لي مِن لدُنْكَ ذُرِّيَّةً طيِّبةً إنَّكَ سميعُ الدُّعاء} [سورة ءال عمران/٣٨].
وقال تعالى إخبارًا عنه أيضًا: {وإنِّي خِفتُ المواليَ مِنْ ورائي وكانتِ امرأتي عاقرًا} [سورة مريم/٥] وقيل: المراد بـ”الموالي” العصبة، وكأنه خاف من تصرفهم بعده في بني إسرائيل بما لا يوافق شرع الله تعالى وطاعته.
وقال تعالى إخبارًا عنه أيضًا: {فَهَبْ لي مِنْ لدُنكَ وليًا* يَرِثُني ويرثُ مِنْ ءال يعقوبَ واجعلهُ ربِّ رَضِيًّا} [سورة مريم/٥-٦]، قيل: أي يرثني في العلم والنبوة والحكم في بني إسرائيل، يعني كما كان ءاباؤه وأسلافه من ذرية يعقوب، وليس المراد هاهنا وراثة المال.
وبعدما دعا زكريا عليه السلام ربه أن يرزقه ولدًا صالحًا تقيًا بشره الله تبارك وتعالى بواسطة الملائكة وهو قائم في محراب المسجد يصلي لله تعالى “بيحيى” نبيًا من الصالحين، قال الله عز وجل: {فنادَتْهُ الملائكةُ وهُوَ قائمٌ يُصَلِّي في المِحرابِ أنَّ اللهَ يُبَشِّرُكَ بيَحيى مُصَدِّقًا بكلمةٍ مِنَ اللهِ وسيِّدًا وحصورًا ونبيًّا مِنَ الصالحين} [سورة ءال عمران/٣٩]، وقال تعالى: {يا زكريَّا إنَّا نُبَشِّرُكَ بِغلامٍ اسمُهُ يحيى لم نجعلْ لهُ مِنْ قبلُ سَمِيًّا} [سورة مريم/٧] قيل: أي لم يكن قبله من تَسمى بهذا الاسم.
ولما بُشِّر نبي الله زكريا عليه السلام بالغلام وبتحقيق البشارة شرع يستعلم على وجه التعجب وجود الولد له وليس على وجه الشك في قدرة الله تعالى على ذلك، فالأنبياء كلهم عارفون بالله تعالى ويعلمون يقينًا أن الله عز وجل على كل شيء قدير، قال الله تبارك وتعالى إخبارًا عن نبيه زكريا: {قالَ ربِّ أنَّى يكونُ لي غُلامٌ وكانَتْ امرأتي عاقِرًا وقدْ بلغتُ مِنَ الكِبَرِ عِتِيًّا} [سورة مريم/٨] يعني نحول العظم، والمعنى أنه قد كبر وعتا أي عسا عظمه ونحل، وقد قيل: إن زكريا عليه السلام كان عمره ءانذاك تسعًا وتسعين سنة وكان عمر زوجته ثمانيًا وتسعين سنة وكانت عاقرًا لا تلد، وهكذا أجيب زكريا عليه الصلاة والسلام وقال له الملك الذي يوحي إليه بأمر الله ما أخبر الله به في قوله: {قالَ كذلِكَ قالَ ربُّكَ هُوَ علَيَّ هَيِّنٌ وقدْ خلقتُكَ من قبلُ ولمْ تَكُ شيئًا} [سورة مريم/٩].
أي أن إيجاد الولد منك ومن زوجتك هذه لا من غيرها هيّن يسير وسهل على الله تعالى الذي هو على كل شيء قدير. ثم ذكر له ما هو أعجب مما سأل عنه قال تعالى: {وقدْ خلقتُكَ مِنْ قبلُ ولمْ تكُ شيئًا}[سورة مريم/٩] أي خلقتك ولم تكن شيئًا مذكورًا أفلا يوجد منك ولد وقد كنت شيئًا مذكورًا، جلّ الله الخالق الذي هو على كل شيء قدير. ولما بشَّر الملكُ زكريا عليه السلام “بيحيى” عليه السلام نبيًا من الصالحين طلب من الله جل جلاله أن يجعل له علامة على وجود الحمل من امرأته بهذا الولد المُبشر به، قال الله تعالى إخبارًا عن نبيه زكريا عليه السلام: {قالَ ربِّ اجعَلْ لي ءايةً قالَ ءايتُكَ ألا تُكَلِّمَ الناسَ ثلاثَ ليالٍ سويًّا} [سورة مريم/١٠].
فاستجاب الله تبارك وتعالى سؤاله وجعل علامة وجود الحمل أن لا يكلم الناس ثلاث ليال إلا رمزًا من غير علة ولا خرس، فقد كان يكلم الناس بيده وبالإشارة من غير علة ولا خرس ولا مرض ولا ءافة، فإذا أراد عليه السلام أن يذكر الله انطلق لسانه بمشيئة الله وقدرته الذي ينطق من يشاء.
وخرج نبي الله زكريا وخرج نبي الله زكريا عليه السلام على قومه من محرابه مسرورًا بالبشارة التي بشّره الله تبارك وتعالى بها بواسطة الملك جبريل عليه السلام، قال تعالى: {فأوحى إليهم أنْ سَبِّحوا بُكرةً وعشِيًّا} [سورة مريم/١١]، وقيل: الوحي ههنا هو الأمر الخفي إما بكتابة أو بإشارة، وقيل: إن سيدنا زكريا عليه السلام خرج إلى قومه ورمز إليهم وأشار إليهم ءامرًا بالصلاة بكرة وعشيًا. وقد أخبرنا الله تبارك وتعالى عن عبده زكريا عليه السلام حين طلب منه أن يهبه ولدًا صالحًا وليًا نبيًا يحكم في بني إسرائيل أنه استجاب له قال الله تبارك وتعالى: {وزَكريَّا إذْ نادى ربَّهُ ربِّ لا تَذَرني فردًا وأنتَ خيرُ الوارثينَ* فاستَجَبْنا لهُ ووهبنا لهُ يحيى وأصلَحْنا لهُ زوجَهُ} [سورة الأنبياء/٨٩-٩٠].