الأحد ديسمبر 7, 2025

خاتمة الخاتمة

 

   (ليفكر العاقل فى قول الله تعالى ﴿ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد﴾) معناه أن الملائكة الموكلين بكتابة عمل العبد يكتبون ما يلفظ به هذا الإنسان من حسنات أو سيئات من القول وما كان من المباحات أيضا. وفى هذه الآية التحذير من أن يتكلم الإنسان بما لا خير فيه فيعلم من هذا أن الإنسان لا يعفى من كتابة أقواله كلها ما كان منها حسنة من الحسنات كأمر بمعروف ونهى عن منكر وذكر الله تعالى وغير ذلك وما كان منها من السيئات من كفر وما دونه ويكتبون أيضا المباحات أى الكلام الذى ليس بحسنة ولا سيئة (فإن من فكر فى ذلك علم أن كل ما يتكلم به فى الجد أو الهزل أو فى حال الرضى أو الغضب يسجله الملكان) وقد روى أبو داود فى سننه من حديث عبد الله بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال »ثلاث جدهن جد وهزلهن جد الطلاق والنكاح والرجعة« فإذا كان الطلاق والنكاح والرجعة جدهن جدا وهزلهن جدا فبالأولى أن يكون قول الكفر جدا إن كان فى حال المزح وإن كان فى حال الغضب وإن كان فى حال الرضا (فهل يسر العاقل أن يرى فى كتابه) الذى يتناوله من أيدى الملائكة (حين يعرض عليه فى القيامة هذه الكلمات الخبيثة) من كفر أو من معاص (بل يسوؤه ذلك ويحزنه حين لا ينفع الندم) ولا يوجد يوم القيامة استغفار تمحى به المعصية إنما الاستغفار ينفع فى الدنيا ثم أيضا إذا تاب الإنسان من كلام هو من السيئات يمحى ذلك الكلام من صحيفته أى يمحوه الملك الموكل بذلك (فليعتن) الإنسان (بحفظ لسانه من الكلام بما يسوؤه إذا عرض عليه فى الآخرة) وليستعمله فيما ينفعه ولا يضره فمن استعمل هذا اللسان فيما ينفعه ولا يضره فليس عليه حرج وليس عليه مؤاخذة فى الآخرة وأما من استعمله فيما نهاه الله عنه فقد أهلك نفسه ولم يشكر ربه على هذه النعمة العظيمة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم »خصلتان ما إن تجمل الخلائق بمثلهما حسن الخلق وطول الصمت« رواه عبد الله بن محمد أبو بكر بن أبى الدنيا القرشى فى كتاب الصمت) وأما حسن الخلق فهو عبارة عن ثلاثة أمور كف الأذى عن الناس وتحمل أذى الناس وأن يعمل المعروف مع الذى يعرف له إحسانه ومع الذى لا يعرف له. ومن نال حسن الخلق فقد نال مقاما عاليا فقد يبلغ الرجل بحسن خلقه درجة القائم الصائم أى الذى لا يترك القيام فى جوف الليل ولا يترك صيام النفل. وطول الصمت معناه تقليل الكلام فإن طول الصمت من غير ذكر الله وسائر الحسنات يكون مطلوبا محبوبا عند الله تعالى أما من ذكره وسائر الحسنات فإكثار استعمال اللسان مطلوب ولا سيما التهليل فالمعنى أن الإنسان ينبغى له أن لا يتكلم إلا بكلام ليس عليه فيه مؤاخذة عند الله نسأل الله السلامة وأن يحفظ لنا ألسنتنا من المهالك.