الأحد ديسمبر 22, 2024

الوهابية تخلط بين معنى العبادة والتوسل، وتكفّر من يتوسل إلى الله تعالى بالأنبياء والأولياء والصالحين، وتخلط الضلال بمعسول الكلام، وتسمّي المتوسلين قبوريّين قد انتقض إسلامهم([1]).

أما أهل السُّنَّة والجماعة فيرون التوسل إلى الله تعالى بالأنبياء والأولياء والصالحين شيئًا حسنًا، علَّمه رسول الله ﷺ للصحابة، فقد ثبت في الحديث الصحيح الذي رواه الطبراني في معجميه الكبير والصغير([2]) وصححه، أن رجلًا مسلمًا أعمى جاء إلى الرسول الكريم ﷺ فشكا إليه ذهاب بصره، فقال له النبي ﷺ: «إِنْ شِئْتَ صَبَرْتَ، وإن شئتَ دَعوْتُ لكَ»، فقال الرجل: إنه شق علي ذلك، وليس لي من قائد، فقال له النبي ﷺ: «ائْتِ المِيْضَأَةَ فَتَوضَّأْ ثُمَّ صَلِّ ركعَتَيْنِ، ثُمَّ قُل اللَّهُمَّ إِنِّي أسألُكَ وَأَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ نَبِيِّ الرَحْمَةِ، يَا مُحَمَّدُ، إني أَتَوَجَّهُ بِكَ إِلَى رَبِّي في حَاجَتِي لِتُقْضَى لِي». فذهب الرجل، ففعل ما قال له النبي ﷺ، يقول عثمان بن حنيف راوي الحديث: «فوالله، ما تفرقنا ولا طال بنا المجلس حتى عاد إلينا الرجل وقد أبصر، كأنه لم يكن به ضرّ قط».

وجاء في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري أن النبي ﷺ قال: «إِنَّ الشَّمْسَ تَدْنُو يَوْمَ القيامةِ حَتَّى يَبْلغَ العَرَقُ نِصْفَ الأُذُنِ، فبيناهمْ كذلكَ استغاثُوا بِآدم ثمَّ بموسى ثم بمحمدٍ ﷺ» الحديث([3]).

وكلام الوهابية فيه تكفير لعمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي ثبت عنه في صحيح البخاري([4]) أنه استغاث بالعباس([5]) رضي الله عنه لإنزال المطر، وفي كلام الوهابية هذا تكفير لأحمد بن حنبل رحمه الله، فإنه ثبت([6]) أنه قال في صفوان بن سليم([7]): «يُسْتَشْفَى بحديثه، ويَنزل القطرُ من السماء بذكره». وكان صفوان من التابعين المعروفين بالزهد وشدة العبادة والعلم، فلم يسلم السلف والخلف من تكفير الوهابية.

[1])) أحمد ابن تيمية، مجموع فتاوى أحمد ابن تيمية، مج17، ص471. ناصر الألباني، التوسل أنواعه وأحكامه، ص25، 70.

[2])) الطبراني، المعجم الكبير، ج9، ص17. الطبراني، المعجم الصغير، ص201.

[3])) البخاري، صحيح البخاري، كتاب الزكاة، باب: من سأل الناس تكثرًا، ج2، ص536.

[4])) البخاري، صحيح البخاري، كتاب الاستسقاء، باب: سؤال الناس الإمام الاستسقاء إذا قحطوا، ج3، ص8.

[5])) العباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب ابن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة، أبو الفضل القرشي الهاشمي المكي عم رسول الله r، قيل: إنه أسلم قبل الهجرة وكتم إلاسمه إلى أن أُسِر ببدر فأظهر إسلامه. توفي سنة ثنتين وثلاثين، ويقال: إنه كان يوم توفي ابن ثمان وثمانين، وصلى عليه عثمان بن عفان t. ابن عساكر، تاريخ دمشق، ج26، ص273، رقم الترجمة: 3106.

[6])) السيوطي، طبقات الحفاظ، ص61.

[7])) صفوان بن سُلَيْم، الإمام الثقة الحافظ الفقيه، أبو عبد الله، وقيل: أبو الحارث، القرشيّ الزهريّ المدنيّ، مولى حُمَيْد بن عبد الرحمٰن بن عوف، حدّث عن: ابن عمر وأنس وأم سعد بنت عمرو الجُمَحِيّة، وجابر بن عبد الله، وخلق كثير سواهم، وعنه: يزيد بن أبي حبيب، وموسى بن عقبة، وابن جُرَيْج وآخرون، وعن أحمد بن حنبل قال: «من الثقات، يُسْتَشفى بحديثه، وينزل القَطْر من السماء بذكره». توفي سنة 132هـ. الذهبيّ، أعلام النبلاء، ج5، ص230 – 233، رقم الترجمة: 915.