خاتمة وعِظَة
قال الحافظ ابن الجوزي رحمه الله: يا عجَبًا كيف أنِسَ بالدُّنيا مُفارِقُها، وأمِنَ النارَ وارِدُها، كيفَ يغفلُ مَن لا يُغفَل عنه، كيفَ يفرحُ بالدنيا مَن يومُه يَهدِمُ شهرَه، وشَهرُه يهدِمُ سَنَتَه، وسَنَتُه تهدِمُ عُمُرَه، كيف يلهُو مَن يقودُهُ عمُرُه إلى أجلِهِ وحياتُه إلى موتِه.
إخواني الدنيا في إدبارٍ وأهلها منها في استكثارٍ والزارعُ فيها غيرَ التُّقَى لا يحصُدُ إلا النَّدَم.
قال لُقمان لابنِهِ: يا بُنيَّ لكلّ إنسانٍ بيتان، بيتٌ شاهِدٌ وبيتٌ غائبٌ، فلا يُلهِينَّكَ بيتُكَ الحاضِرُ الذي فيه عُمُرُك قليلٌ عن بيتِكَ الغائبِ الذي عُمُرُكَ فيه طويلٌ.
وذكر الحافظ ابن أبي الدنيا أنَّ محمودَ بنُ الحسن الورّاقَ أنشده قولَه:
مضَى أمْسُكَ الماضي شَهِيدًا مُعَدَّلاً وأعقَبَهُ يومٌ عليكَ جديـــــــــــــدُ
فإن كُنتَ اقْتَرَفْتَ بالأمسِ إســاءةً فثَنِّ بإحسانٍ وأنتَ حميــــــــــدُ
فيَومُكَ إنْ أعْتَبْتَـــــــــهُ عادَ نفْعُهُ عليكَ وماضي الأمسِ ليسَ يعُودُ
ولا تُرجِ فِعْلَ الخيرِ يومًا إلى غدٍ لعلَّ غدًا يأتي وأنتَ فقيــــــــــــدُ
فمَن عرفَ قيمةَ العُمر لَم يُفرِّط فيه، فلْيَنظُرِ الشابُّ في حِراسةِ بِضاعتِهِ، وليَتحفَّظِ الكَهلُ بقدرِ استِطاعتِهِ، وليتزوَّدِ الشيخُ للَّحاقِ بجماعتِهِ، ولينظُر الهَرِمُ أن يُؤخَذ من ساعَتِه.