الخميس مارس 28, 2024

خاتمةُ وتعقيب

لقد أسفرت وتكشفت لنا الصفحات المشرقة السابقة ونحن نتحدث في موضوع “الحب الأسمى في محبة الله ورسوله المجتبى” عن حقيقة ساطعة مشرقة كالشمس وضحاها بدا لنا فيها واضحاً جلياً ان هذا الحب الأسمى الذي تحدثنا عن فصوله وحلقاته الذهبية في هذه الصفحات المضيئة هو الحب الأطهر والأنقى والأصلح في حياة البشر… هذا الحب النقي الصافي المجرد عن المنافع الشخصية والمآرب والأغراض الدنيوية.

… هذا الحب الطاهر البريء من اي غرض دنيوي، النقي من كل شائبة المستمد صفاؤه ونقاؤه وشفافيته من مشكاة الوحي والنبوة وهدي القرآن ونبراس السنة النبوية المطهرة.

… لقد أظهرت لنا الفصول والصفحات المضيئة السابقة من فصول وحلقات “الحب الأسمى في محبة الله ورسوله المجبتى” عظمة وطهارة ونقاوة هذا الحب الذي لا علاقة له بزخارف الدنيا الفانية ولا بمتاعها الزائل الرخيص ولذاتها الفانية.. بل هو حب أسمى وأطهر وأجل من كل هذا… قال الله تعالى: { وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُباًّ لِّلَّهِ } [سورة البقرة /165].

… ولقد أظهرت لنا هذه المعاني السامية في الصفحات السابقة المشرقة ونحن نتحدث إليكم عن معاني حلقات “الحبّ الأسمى” أن هذا الحبّ هو حبّ طاهر نقي صافٍ يقوم أساسه المتين على معاني عظيمة سامية وراقية من حبّ الله تعالى ورسوله المصطفى ﷺ… وحب الطاعات والخيرات والمسارعة إليها… وحبّ القرآن الكريم وحبّ قراءته وسماع آياته الطّاهرات والعمل بها… وحبّ وعشق النبيّ الأعظم ﷺ ، وحبّ الاقتداء به والتخلق بأخلاقه وخصاله… وحبّ اتباعه والاقتداء به ﷺ في أفعاله وأقواله وسننه المباركة وكذلك تتبعها والمواظبة عليها ليلاً ونهاراً.. وكذلك حبّ المسارعة إلى فعل الطاعات والعبادات والتلذذ بأدائها كما هي عادة أولياء الله وعباد الله المتّقين… وكذلك حبّ من أحبّه النبيّ المصطفى ﷺ ومن هو بسببه من حبّ آل بيته الأطهار الشرفاء وحبّ صحابته الطيّبين الطّأهرين وخاصة المهاجرين والأنصار أنصار دين الله.

وكذلك حُبّ الصالحين والعلماء العاملين الذين ينشرون أمور الدين ويُعلمون الناس الخير… وحبّ المتحابين لله ولأجل الله… وحبّ الدعوة إلى دين الله… وحبّ الدعاة إلى دين الله.

لقد بدا جلياً لا غبش فيه من خلال الفصول السابقة المشرقة ومن سلسلة وحلقات مواضيع “الحبّ الأسمى” أن هذا الحب في الحقيقة هو الحبّ الأسمى والأنقى والأطهر في حياة البشر وذلك لأنه يستمد صفاءه ونقاءه وشفافيته من هدي القرآن الكريم والسُّنة النبوية المطهرة وتقوم أركانه وقواعده على أسس نقية صافية طاهرة يرضاها الله تعالى: { وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } [سورة الأنعام/153].

لقد أوضحت لنا الصّفحات المُشرقة من كتاب “الحبّ الأسمى” أن من القواعد والأركان التي يقوم عليها “الحبّ الأسمى” هو محبة الله تبارك وتعالى وأن من علامات ومظاهر هذه المحبة الطاهرة المباركة الاقتداء برسوله الأعظم ﷺ باتباع شرعه المبارك بأداء الواجبات واجتناب المحرمات والتأدب بآدابه ﷺ، فالمؤمن الكامل المحبّ الصادق في محبّة الله تعالى يتبع رسوله المصطفى ﷺ فيما جاء به، ويكون هواه أي ميل قلبه تابعاً للشرع الحنيف الذي جاء به الرسول الأعظم ﷺ.

ومن مظاهر وعلامات المُحبّ لله تعالى إيثار طاعة الله تعالى في كل الحالات على طاعة الناس وإسخاط العباد في رضا ومحبة الله ورسوله، فالمُحبّ الصّادق في محبّته لله تبارك وتعالى وفي حبّه لرسوله المصطفى ﷺ يطلب أولاً وآخراً رضا الله تعالى ورضا رسوله الأعظم ﷺ ولا يبالي بعد ذلك إن غضب الناس عليه أم سخطوا.

ومن علامات المُحبّ لله عزّ وجل محبة ذكره تعالى وملازمته والدوام عليه في كل الحالات، فهذه عادة خير فيها نفع كبير للمؤمن في الدنيا والآخرة. فذكر الله تعالى نور وضياء للقلوب وطمأنينة للنفوس وهو عادة ومنهاج العابدين ولذة وسبيل المتقين وأولياء الله الصالحين.

ومن علامات ومظاهر المُحبّ لله تعالى محبة القرآن الكريم ومحبة قراءته وتلاوته حق تلاوته والعمل به وتدبر آياته والوقوف عند حدود هذه الآيات المباركة.

ومن علامات محبة الله تعالى محبة وعشق الدعوة إلى دين الله الإسلام الذي رضيه الله تعالى لعباده وهو دين جميع الأنبياء، وكذلك محبة الدعاة المخلصين الصادقين في الدعوة إلى دين الله تعالى، فالدعوة إلى دين الله تعالى وتعليم الناس الخير وأمور الدين هو عادة وطريق أنبياء الله تعالى وهو طريق وسبيل العلماء العاملين وأولياء الله الصالحين الذين يعلمون الناس الخير.

والمُحبُّ الصّادق في حبّ الله تعالى ورسوله المصطفى ﷺ تظهر فيه هذه العلاقة واضحة جلية، فهو يعشق ويحبُّ الدعوة إلى دين الله وكذلك يعشق العاملين في الدعوة إلى دين الله تعالى لأن الله تبارك وتعالى يحب هؤلاء الدعاة ويرضى عن فعلهم وصنيعهم. قال الله عزّ وجل: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ المُسْلِمِينَ (33)} [سورة فُصّلت].

ومن مظاهر وعلامات المحبة لله تعالى التحابُّ في الله عزّ وجل وهو أن يتعاون المسلم مع أخيه المسلم على ما يحب الله تعالى ورسوله المصطفى من فعل الطاعات وترك المحرّمات، فهذا التحابّ والتحابب بين المسلمين يثمر فيما بينهم ثمرات طيبة مباركة ذات منافع كثيرة، ومن المعلوم عند أهل العلم أن التحابب لله درجة عظيمة ومرتبة عالية عند الله تعالى وهي من إشراقات وأنوار “الحبّ الأسمى” الذي ينتفع به المؤمنون والمتحابون في الله عز وجل في حياتهم الدنيا وفي الآخرة.

والمتحابون في الله ولأجل مرضاة الله يحبهم الله الرحمن ويرضى عنهم ويجلسهم يوم القيامة تحت العرش على كراسي من ياقوت إكراماً لهم على ما كانوا يفعلون في الدنيا ابتغاء مرضاة الله، حيث كانوا يتحابون فيما بينهم ابتغاء مرضاة الله، وكذلك كانوا فيما بينهم يتراحمون ويتزاورون ويتناصحون ويتباذلون المال والعطايا لأجل الله تعالى وابتغاء مرضاته عز وجل ولذلك كان لهم هذا الإكرام العظيم من الله تعالى يوم القيامة، فالتحابُّ في الله من صفات المؤمن الكامل.

وتجد يا عزيزي القارئ من مطالعتك للحبّ الأسمى أن من أركان ودعائم “الحبّ الأسمى” محبّ’ الرسول الأعظم مُحمّد ﷺ، فمحبة النبيُّ الأعظم ﷺ لازمة واجبة على المؤمنين وكذلك تعظيمه وتبجيله وتوقيره ﷺ، وكمال هذه المحبة يكون بالانقياد لشرعه الحنيف الذي جاء به ﷺ وذلك بأداء الواجبات واجتناب المحرّمات.

ومن علامات ومظاهر هذه المحبة للنبيّ الأعظم ﷺ الاقتداء به عليه الصلاة والسلام باتباع أقواله وأعاله وامتثال أوامره واجتناب نواهيه والتأدّب بآدابه والتخلق بأخلاقه في جميع الحالات.

ومن هذه العلامات الظاهرة الفارقة في محبته ﷺ إيثار ما شرعه ﷺ وحضّ عليه أمته على هوى النفس، وكذلك إسخاط العباد في رضا ومحبة الله تعالى ورسوله ﷺ لأن لسان حال المحبّ العاشق للرسول الأعظم ﷺ في جميع حالاته وأحواله يقول:

 

إنْ صَحَّ منك الرّضا يا مَنْ هو الطَلَبُ

 

فَلا أُبالي بكلِ النّاس إن غَضِبُوا

ومن مظاهر وعلامات محبة الرسول الأعظم ﷺ كثرة ذكر المُحبّ العاشق للنبي المصطفى ﷺ وكثرة الصلاة عليه ليلاً ونهاراً لأنّ من أحبّ شيئاً أكثر من ذكره في كثير أحواله.

ومن علامات المحبّ العاشق للرسول الأعظم ﷺ مع كثرة ذكره والصلاة عليه ﷺ أنه يكثر من تعظيمه وتوقيره عند ذكره وإظهار الخشوع والانكسار عند سماع اسمه ﷺ وكذلك كثرة الشوق إلى لقائه وزيارته ورؤيته المباركة.

ومن العلامات الظاهرة للمحبّ العاشق للنبيّ الأعظم ﷺ أنّ هذا المحبّ العاشق يُحبُّ من أحبّه النبيُّ المصطفى ﷺ ويُحبُّ من هو بسببه من آل بيت النبيّ ﷺ وهم أزواجه الطّاهرات أمهات المؤمنين وأقرباؤه المؤمنون، وذلك لما خصوا به من الفضل، وكذلك محبة صحابته الكرام وذلك لأنهم أنصار دين الله لا سيما السابقون الأوّلون منهم من المهاجرين والأنصار.

إنَّ صفة وحالَ المؤمن العاشق المُحبُّ للنبيّ الأعظم ﷺ في حياته وجميع أحواله أنه يحبُّ ويعشق نبيه المصطفى ﷺ ويحبُّ أيضاً من أحبَّهُ نبيّه الأعظم ﷺ، وبالتالي فهو يُبغضُ ويُعادي من أبغضه نبيّه المصطفى ﷺ، لأنَ عادة من أحبّ أحداً أحبّ من يُحبُّه، قال النبيُّ الأعظم ﷺ: “لا يُؤمنُ أحدُكم حتّى يكونَ هواهُ تَبَعاً لما جئتُ به”.

وتجد يا عزيزي القارئ وأنت تقرأ في فصول وحلقات “الحُبُّ الأسمى” أنه تضمّن بين طيّاته الزاهرة أيضاً مواضيع وفصولاً نافعة ومفيدة وقبسات مشرقة ينبغي لطالب الآخرة ومريد الحبّ الأسمى الطّاهر في حياته ودنياه أن يكون مطلعاً عليها وعالماً بها حتّى يكون على هدى في أموره كلها فيسلك الطريق الحقّ والصراط المستقيم ويحبُّ الله ورسوله المحبة الكاملة ويعشق ما يحبّه لله ورسوله فيتبع نبيّه وحبيبه الأعظم ﷺ اتباعاً كاملاً ويقتدي به في أفعاله وأقواله وأخلاقه ويسير على هداه وطريقته وسنته في العقيدة والأحكام، ويسلك ويسير على هدى سيرته وقبسات هديه وأنواره.

ومن فصول ومواضيع “الحبّ الأسمى” ذكر وبيان الحبّ الواجب الذي يحبّه الله تعالى، والحبّ المحرّم الذي لا يحبّه الله ولا يرضى عنه.

ومن فصول “الحبّ الأسمى” فصل وموضوع هام يتعلق بأصل من أصول العقيدة الإسلامية وهيا لعقيدة التي جاء بها جميع الأنبياء، وهي عقيدة أهل السُّنة والجماعة، وتتضمن هذه العقيدة أن الله تبارك وتعالى هو المنفرد وحده بخلق الأشياء كلها التي دخلت في الوجود أي أبرزها الله تعالى من العدم إلى الوجود، سواء في ذلك الأشياء التي لها أحجام صلبة كالأرض والسماء والنبات أو الأشياء التي ليست أجساماً صلبة كالنور والظلام والهواء، فالله تبارك وتعالى هو خالق لأجسامنا وهو أيضاً خالق لأعمالنا أي حركاتنا وسكناتنا، فالله عزّ وجلّ هو الخالق وحده لحركات الإنسان وسكناته، وهو كذلك خالق لتفكيراته ونواياه القلبية أي أعماله القلبية التي هي سريعة التقلبات، فيما يحدث في قلب الإنسان من خير أو شرّ، محبّة أو كراهية، اهتداء وإيمان أو كفر وضلال، وكذلك كل أفعال العباد حركاتهم وسكناتهم التي يفعلونها إن كان ذلك بإرادة والتي تحصل منهم من غير إرادة، كل ذلك بخلق الله تعالى لا خالق لها إلا الله تبارك وتعالى.

وتضمّنت أيضاً الصّفحات السّابقة لمواضيع “الحبّ الأسمى” ذكر وبيان المال الممدوح الذي يحبّه الله تعالى، والمال المذموم الذي يبغضه الله تعالى ولا يحبّه ولا يرضاه. وقد ذكر وبُيّن في هذا الفصل أن المال الممدوح هو المال الذي لا يجمعه الشخص ويكتسبه من طريق حلال غير محرم ويصرفه في طريق حلال لا يسخط الله عزّ وجلّ، وهذا المال كما بيّن النبيّ المصطفى ﷺ يُعين ويساعد المؤمن على فعل الطاعات والخيرات والمسارعة إليها، وأما عن تبيان المال المذموم فهو المال الذي يجمعه الشخص ويكتسبه من طريق محرّم أو ليفخر به على الناس أو ليتكبر به عليهم.

فهذا المال المذموم غير مُبارك فيه ولا يحبُّه الله عزّ وجل ويستحق من وقع فيه العذاب الأليم في الآخرة، فبئس هذا المال المذموم لمن التزمه واتّصف به.

وتضمّنت فصول “الحبّ الأسمى” بيان حال هذه الحياة الدنيا الفانية وأنها متاع الغرور، وأنها تزول ولا تدوم لأحد، وأنها دار ممرّ وليست دار مقر، وأنها تغُرُّ وتضُرّ وتمُرّ، وأن حُبّها رأس كل خطيئة كما ورد ذلك  عن بعض السلف، وهي لا تدوم ولا تصفو لأحد، وأن العاقل الفطن فيها هو الذي لا ينغر ولا ينخدع بها وإنما يبني ما دام فيها لآخرته ويتزود من ممره في هذه الدنيا إلى مقره في الآخرة بالتقوى والأعمال الصالحة، وأن العاقل الفطن هو من يترك الدنيا قبل أن تتركه، ويبني لقبره قبل أن يدخله، ويعمل في دنياه لرضى خالقه قبل أن يلقاه فيحاسبه على ما قدّم في دنياه. فهذه الدنيا كما أخبر حبيبنا ونبيّنا المصطفى ﷺ هي دار مَنْ لا دار له ومال مَنْ لا مال له ولها يجمع من لا عقل له.

وكذلك تضمنت فصول “الحبّ الأسمى” فصل في قهر النفس على طاعة الناس تعالى ومخالفة الهوى، وتبيّن لنا في هذا الفصل أن الوصول إلى الدرجات العلى والمقامات العالية عند الله عز وجل يحتاج إلى مجاهدة للنفس عظيمة، وإلى قهرها ومخالفة هواها، وهذا يتطلب ويحتاج إلى صبر جميل وعزيمة قوية وإرادة ثابتة وتوطيد النفس على ترك المعاصي والشهوات وعلى ملازمة الواجبات والطاعات، فإن أحباب الله وأولياءه الأكابر ما صاروا أولياء لله أصحاب درجات عالية عند خالقهم  إلا بمخالفة هوى أنفسهم وقهرها على طاعة الله تعالى بفعل الواجبات والطاعات والإكثار من نوافل الطاعات والابتعاد عن المعاصي والمحرّمات وترك التنعم الذي هو الاسترسال والتمادي في الشهوات المباحة.

وفي طيّات وصفحات “الحبّ الأسمى” المشرقة نجد فصلاً يتحدث عن طول الأمل ونسيان الموت، فطول الأمل ونسيان الموت وشغل القلب بحب الدنيا يجلب الغفلة عن طاعة الله تعالى ويجلب أيضاً التعلق والانشغال بالدنيا عن المسارعة إلى الخيرات والطاعات. فالعاقل الفطن في هذه الحياة الدنيا هو الذي لا تغره هذه الدنيا بزينتها ومتاعها الزائل، ولكن يجعل قلبه متعلقاً بالاستعداد للآخرة بالأعمال الصالحة، ويجعل الموت نصف عينيه فينتظره في كل وقت وأوان، ويترك غفلة القلب ويسارع إلى طاعة ربه خوف أن يبغته ويفاجأه هاذم اللذات الموت.

فالله تبارك وتعالى قهر عباده بالموت وجعل سيف الموت على رقبة كل واحد من عباده ولا يدري الواحد منا متى ينزل عليه هذا السيف ويقطع. لذا فإن أكيس الناس وأعقلهم في هذه الحياة الدنيا أكثرهم ذكراً للموت وأكثرهم له ذكراً أكثرهم له استعداداً كما أخبر بذلك حبيبنا الرسول الأعظم ﷺ.

ومن أنوار وقبسات “الحبّ الأسمى” فصل في التزود بالأعمال الصالحة للآخرة الباقية دار القرار. إن حبّ الطاعات فقط من غير فعلها لا يكفي للنجاة في الآخرة، بل لا بد من السعي للآخرة والاستعداد لها بالتزود بالتقوى والأعمال الصالحة امتثالاً لأمر الله تعالى وطاعة لرسوله المصطفى عليه الصلاة والسلام.

إنَّ فلاح النفس وتزكيتها وفوزها في الآخرة لا يكون إلا بطاعة الله تعالى وطاعة رسوله المصطفى ﷺ والأعمال الصالحة. إن الوصول إلى محبة الله تعالى يكون كما أخبر الله تعالى في القرآن الكريم باتباع رسوله المصطفى ﷺ اتباعاً كاملاً وطاعته فيما جاء به من عند الله تعالى. إنّ أولى الناس برسولنا الأعظم محمد ﷺ يوم القيامة وأقربهم إليه القرب المعنوي هم المتقون من كانوا وفي أي بقاع الأرض  كانوا كما خبر بذلك الرسول المجبتى ﷺ ، والمتقون هم الذين أطاعوا الله تعالى ورسوله ﷺ بأن أدوا الواجبات واجتنبوا المحرّمات.

لقد بيّن الرسول الأعظم ﷺ لأمّته وفي أحاديث كثيرة أبواب الخير الكثيرة التي فيها فلاحهم في الدنيا والآخرة، وأرشدهم ودلّهم في هذه الأحاديث المباركة على الطاعات والخيرات المختلفة التي تعمل أو تقال في الصباح والمساء أو في الليل والنهار. لقد حضّ وحثّ النبيّ الأعظم ﷺ أمّته على المبادرة والمسارعة إلى هذه الطاعات والخيرات المختلفة في أحاديث كثيرة ليرغبهم بها وليكون لهم الخير العميم والثواب العظيم في الآخرة دار القرار. فهنيئاً لمن اغتنم عمره وحياته وشبابه في الطاعات والأعمال الصالحة وبادر وسارع إليها في الوقت والحال قبل فواتها بالموت أو غيره من شواغل الدنيا الكثيرة، فهذا هو المؤمن العاقل الفطن المنور القلب الذي يبني لقبره وآخرته.

ومن أنوار وإشراقات “الحبّ الأسمى” السامية الزهراء فصل مُهمّ جداً في العقيدة الإسلاميّة وهو بعنوان: “الإيمان شرط لقبول الأعمال الصالحة” ويتناول هذا الفصل بيان أن الإيمان هو أعظم نعم الله تعالى على عباده وكذلك نعمة الإسلام، فنعمة الإيمان ونعمة الإسلام هما أفضل وأجل نعم الله تعالى على عباده على الإطلاق، فمن أُعطي الدنيا ولم يُعط الإيمان والإسلام فكأنما لم يعط شيئاً، ومن أُعطي الإيمان والإسلام ولم يُعط الدنيا فكأنما ما مُنع شيئاً. وأفضل الأعمال على الإطلاق كما أخبر الحبيب المصطفى سيدنا مُحمّد ﷺ هو الإيمان بالله ورسوله محمد ﷺ، والإسلام هو دين جميع الأنبياء وهو الدين الحقّ الصحيح الذي رضيه الله تعالى لعباده وأمر عباده باتباعه ولم يرض لهم ديناً سواه كما أخبر الله تعالى في كتابه الكريم. ومما يدل على عظيم نعمة الإيمان أن الله تبارك وتعالى جعل الإيمان شرطاً لقبول الأعمال الصالحة كما نصّ على ذلك القرآن الكريم في آيات كثيرة، فمن لم يؤمن بالله ورسوله محمّد ﷺ ويتخذ غير الإسلام ديناً فهذا يكون كافراً ولا يكون مؤمناً عند الله تعالى، والكافر لا ثواب له أبداً في الآخرة على حسناته وأعماله الصالحة التي عملها في الدنيا، وإنما الكافر كما ورد في الحديث الشريف يُطعم بحسناته التي عملها في الدنيا فإذا أفضى إلى الآخرة لم يكن له فيها نصيب.

فمن لم يؤمن بالله ورسوله محمد ﷺ ويكذب نبينا وحبيبنا محمداً ﷺ ولا يؤمن به فهذا يكون كافراً ولا يحبه الله عز وجل لكفره وقد أعدّ الله تعالى له في الآخرة نار جهنم خالداً فيها أبداً كما نص القرآن الكريم على ذلك.

فهؤلاء الذين يتولون ويُعرضون عن الإيمان بالله ورسوله محمد ﷺ ويكذبون النبيّ محمّداً ﷺ فيما جاء به ولا يؤمنون به هؤلاء كفار لا يحبهم الله تعالى لكفرهم ولو أحبهم وأراد لهم خيراً لرزقهم الإيمان والإسلام، فالحمد لله على نعمة الإسلام وكفى بها نعمة.

وكذلك تضمنت فصول “الحبّ الأسمى” الزاهرة فصل في بيان وتبيان أنّ المسلم في حكم شريعة الإسلام ينتفع من إحسان غيره إليه بفضل الله تعالى وكرمه وإحسانه، فالمسلم إذا عمل عملاً صالحاً موافقاً لشرع الله تعالى وكان يبتغي به الثواب من الله تعالى فإن الله تبارك وتعالى يعطيه ثواب عمله هذا في الآخرة فضلاً منه وكرماً من غير وجوب عليه، وكذلك ينتفع المسلم سواء كان حياً أو ميتاً من إحسان غيره إليه بالأعمال الصالحة (إذا وهبها له) ولو لم تكن من فعله وهذا أيضاً فضلاً وكرماً من الله تبارك وتعالى، ومن هذا نعلم أنه يجوز قراءة القرآن وإهداء ثواب هذه القراءة للميت المسلم وليس في هذا مخالفة للشرع بل إن هذا موافق لشريعة نبينا وحبيبنا محمد ﷺ. وختمت فصول وحلقات “الحبّ الأسمى” الناضرة الزاهرة بخاتمة المسك وهي المعاملة الحسنى والقدوة المثلى في معاشرة وتعامل النبيّ الأعظم ﷺ مع زوجاته الطاهرات امهات المؤمنين ليكون هذا الفصل خير أنموذج ومثال وقدوة للمؤمنين في حسن معاشرتهم وتعاملهم مع أزواجهم كما قال الله تعالى: { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ  (21)} [سورة الأحزاب].

لقد أوصى النبيّ المصطفى ﷺ أمته في حياته بحسن معاشرة زوجاتهم فقال عليه الصلاة والسلام “استوصوا بالنساء خيراً” الحديث متفق عليه. وحضَّ الله تبارك وتعالى في محكم كتابه الكريم عباده المؤمنين على حسن معاشرة الزوجات فقال سبحانه وتعالى: { وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ  (19)} [سورة النساء].

إنَّ معاشرة الزوجة وحسن توجيهها تتطلب سياسة حكيمة من جانب الزوج تتناسب مع طبيعة المرأة والفطرة التي خلقها الله تبارك وتعالى عليها، فالزوجة تحتاج  إلى السياسة الحكيمة وحسن التصرف من جانب الزوج لتستقيم الحياة الزوجية معهما، ولتستقر بالسعادة والهناء، ولتتوطد بينهما أواصر المحبة والرحمة والسكينة، وبذلك تدوم الألفة والمحبة بين الزوجين وتؤتي ثمارها على مر الأيام والسنين.

لقد كان من سيرة حياة نبيّنا المصطفى ﷺ أنه تزوج بأكثر من امرأة وذلك لحكمٍ جليلة وسامية تعود لمصلحة الدعوة الإسلاميّة.

لقد أحسن النبي الأعظم ﷺ معاملة ومعاشرة زوجاته أمهات المؤمنين جميعاً، ومع فارق السن بين زوجاته الطاهرات ومع اختلاف أحوالهن لم تشكُ واحدة منهن من النبي المصطفى ﷺ  سوء العِشرة والخُلُق في الحياة الزوجية، حاشاه ﷺ من ذلك وهو صاحب الخلق العظيم والأدب الرفيع كما وصفه ربه في القرآن الكريم بقوله: { وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)} [سورة القلم].

ولقد ذكرت زوجاته الطاهرات أمهات المؤمنين في كثير من المواضع والمناسبات أشياء من خصاله وصفاته الحميدة في حياته الزوجية التي يُعَلم فيها النبي الأعظم ﷺ أمته كيف ينبغي أن تكون صحبة ومعاملة ومعاشرة الرجل لزوجته.

لقد ضرب لنا حبيبنا النبيُّ الأعظم ﷺ أروع الأمثال وأسمى المعاني في تعامله ومعاشرته وسيرته ﷺ مع زوجات الطاهرات العفيفات أمهات المؤمنين رضي الله عنهن في الحياة الزوجية، وذلك من نواح كثيرة متعددة سواء في ذلك النواحي الخُلُقية أو النواحي الإنسانية والاجتماعية أو النواحي العاطفية، وتضمن ذلك أيضاً مراعاته ﷺ في معاشرته الزوجية النواحي العاطفية والمشاعر والأحاسيس الإنسانية والأنثوية كما أوضحنا وعرضنا ذلك في طيات حلقات هذا الفصل من موضوع “الحبّ الأسمى” مما أكسبه ﷺ بسبب حسن شرعته ومعاملته لهنّ مودة ومحبة زوجاته الطاهرات له ﷺ.

وأتبعت فصول وحلقات “الحبّ الأسمى” الزاهرة بخاتمة الخاتمة المسكية العنبرية التي تناولت صفات النبيّ الأعظم ﷺ الخِلْقية والخُلُقية التي تُبيّن عظيم أخلاقَ النبيّ المصطفى ﷺ وعظيم السّجايا والشمائل التي حلاّه الله تعالى بها، وكمال وجمال الصُّورة والخِلقة التي جَعَلَ الله عزّ وجلّ حبيبه المُصطفى عليها فكان بذلك أجمل النّاس وسيّد الأوّلين والآخرين.

وَصَلّى الله وَسلَّم على سيِّدنا ومَوْلانا مُحمِّدٍ العَالي القَدْرِ العظيم الجاه، صَاحِب الخُلُقِ العظيمِ والأخلاقِ العُليا وخَيرِ مولودٍ وزوجٍ وقائدٍ عرَفه هذا العالم… يا سيّدَ الأوّلين والآخرين، يا أكرمَ السّابقينَ واللاحقين، ويا حبيبَ ربِّ العالمين، ويا أشرفَ الأنبياءِ والمُرسلين.