حُكْم الإجهاض
حُكْم الإجهاض قبل الشهر الرابع مِنَ الحمْل أي قبْل أنْ تُــنْـفـخَ الروحُ في الجنين اختلفَ فيه العلماءُ، قال بعضُهم حرام وقال بعضهم ليس حراما بشرط عدم الضرر وعدم كشف العورة، و يجوز العمل بالقول الثاني، وأمّا الإجهاض بعد الشهر الرابع فحرامٌ بإجماع علماء الإسلام المجتهدين لأنّ الروح تكون قد نُفِخت في الجنين، فالإجهاض في هذه المرحلة يعتبرُ عملية قــتْــل حتّى و إن خافت المرأة على نفسها فلا يجوز لها أن تُسقطه، فالمرأةُ المسلمة إذا صَبرتْ فماتت بسبب الجنين الذي في بطنها فإنها تموت شهيدة.
قال الحافظ أبو بكر بن العربي المالكي مُتحدّثا عن إسقاط الجنين بعد نفخ الروح فيه (وأمّا إذا نفخ فيه الروح فهو قتل نفس بلا خلاف) القبس في شرح موطأ مالك بن أنس جزء 15.
أحكام الإجهاض بعد نفخ الروح:
نفخ الروح يكون بعد مائة وعشرين يومًا كما ثبت في الحديث الصحيح الذي رواه ابن مسعود مرفوعًا (إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يومًا نطفة، ثم يكون علقه مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح) ولا خلاف بين الفقهاء في تحريم الإجهاض بعد نفخ الروح أي بعد الشهر الرابع، فقد نصوا على أنه إذا نفخت في الجنين الروح حرم الإجهاض إجماعًا وقالوا إنه قتل له بلا خلاف، والذي يؤخذ من إطلاق الفقهاء تحريم الإجهاض بعد نفخ الروح أنه يشمل ما لو كان سيطلع الولد مشوها أو لا، أو ما لو كان في بقائه خطر على حياة الأم وما لو لم يكن كذلك وصرح الفقيه ابن عابدين الحنفي بذلك في حاشيته فقال (أنه لو كان الجنين حيا ويخشى على حياة الأم في بقائه، فإنه لا يجوز تقطيعه، لأن موت الأم به موهوم، فلا يجوز قتل آدمي لأمر موهوم) انتهى، وإن كانت هي التي قتلت جنينها عليها معصية من الكبائر وكفارة القتل والدية، وإن كان الطبيب الذي قتل الجنين بإذنها عليها معصية من الكبائر وعلى الطبيب المعصية الكبيرة والدية والكفارة، والكفارة هي كما قال الله تعالى (وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةً فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ) والدية كما في صحيح مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ امْرَأَتَيْنِ مِنْ هُذَيْلٍ، رَمَتْ إحْدَاهُمَا الأُخْرَىَ، فَطَرَحَتْ جَنِينَهَا، فَقَضَىَ فِيهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِغُرَّةٍ، عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ (وانظر في الفقه الحنفى حاشية رد المحتار لابن عابدين على الدر المختار ج – 5 ص 410 و 413، وفتح القدير للكمال بن الهمام على الهداية ج – 4 ص 153.
وفى الفقه المالكى حاشية الدسوقي على الشرح الكبير ج – 4 ص 268، وبداية المجتهد ونهاية المقتصد ج – 2 ص 347، وفى الفقه الشافعى نهاية المحتاج ج – 7 ص 360 و 364، وفى الفقه الحنبلى المغنى لابن قدامة فى كتاب الديات ج – 8.
حكم الإجهاض قبل نفخ الروح:
في حكم الإجهاض قبل نفخ الروح أقوال متعددة، فمنهم من قال بالإباحة مطلقًا وهو ما ذكره بعض الحنفية، فقد ذكروا أنه يباح إسقاط الحمل ولو بلا إذن الزوج قبل مضى أربعة أشهر، والمراد قبل نفخ الروح وهذا لا يكون إلا بعد هذه المدة بشرط عدم كشف العورة المغلظة وعدم لحوق الضرر بها (حاشية رد المحتار لابن عابدين ج – 2 ص 411 وفتح القدير للكمال بن الهمام ج – 2 ص 495).
ومنهم من قال بالحرمة كالمالكية والشافعية كما في فقه مذهب الإمام مالك، حاشية الإمام الرهوني على شرح الزرقاني لمختصر خليل والمعيار المعرب والجامع المغرب عن فتاوى أهل إفريقية والأندلس والمغرب وبداية المجتهد ونهاية المقتصد ومذهب الإمام الشافعى حاشية البجيرمى على الاقناع ج – 4 ص 40 وحاشية الشبراملسى على نهاية المحتاج ج – 6 ص 179 وكتاب أمهات الأولاد فى نهاية المحتاج ج – 8 ص 416.
فقد مال المالكية فى الإسقاط والإجهاض قبل نفخ الروح إلى التشدد فمنعوا ذلك ولو قبل الأربعين يوما على ما هو المعتمد فى المذهب عندهم فقد جاء في كتاب الشرح الكبير للشيخ العلامة أحمد الدردير العدوي المالكي (وَلَا يَجُوزُ إخْرَاجُ الْمَنِيِّ الْمُتَكَوِّنِ فِي الرَّحِمِ وَلَوْ قَبْلَ الْأَرْبَعِينَ يَوْمًا وَإِذَا نُفِخَتْ فِيهِ الرُّوحُ حَرُمَ إجْمَاعًا) وعلق الدسوقي في حاشيته على ذلك فقال (قَوْلُهُ وَلَوْ قَبْلَ الْأَرْبَعِينَ) هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَقِيلَ يُكْرَهُ إخْرَاجُهُ قَبْلَ الْأَرْبَعِينَ. انتهى، وهذا يفيد أن المقصود من قولهم هو الحرمة وعدم الجواز.
وفي المسالِك في شرح مُوَطَّأ مالك المؤلف للقاضي محمد بن عبد الله أبي بكر بن العربي المعافري الاشبيلي المالكي (المتوفى 543هـ) كتاب الطلاق وشرح أبوابه ومقدماته، باب ما جاء في العزل، قال ابنُ العربي رحمه الله (وللوَلَدِ ثلاثةُ أحوالٍ) (فبعد ذكر الأولى والثانية) الثّالثةُ (بعدَ خَلْقِهِ قبل أنْ تُنفَخَ فيه الرُّوحُ وهو أشدُّ من الأَوَّلَين في المنع والتّحريم……فأمّا إذا نُفِخَ فيه الرُّوحُ فهو قَتْلُ نَفْسٍ بلا خلافٍ).