الثلاثاء أكتوبر 22, 2024

(حُكْمُ مَنْ يَدَّعِى الإِسْلامَ لَفْظًا وَهُوَ مُنَاقِضٌ لِلإِسْلامِ مَعْنًى)

   (هُنَاكَ طَوَائِفُ عَدِيدَةٌ كَذَّبَتِ الإِسْلامَ مَعْنًى) أَىْ مِنْ حَيْثُ الْحَقِيقَةُ وَالْوَاقِعُ (وَلَوِ انْتَمَوْا لِلإِسْلامِ) أَىِ ادَّعَوْا أَنَّهُمْ مُسْلِمُونَ (بِقَوْلِهِمُ الشَّهَادَتَيْنِ أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَصَلَّوْا وَصَامُوا) ظَاهِرًا وَصُورَةً كَالْحُلُولِيَّةِ وَأَهْلِ الْوَحْدَةِ الْمُطْلَقَةِ وَالإِسْمَاعِيلِيَّةِ وَالْقَادِيَانِيَّةِ وَالْمُجَسِّمَةِ وَالْقَدَرِيَّةِ (لِأَنّهُمْ نَاقَضُوا الشَّهَادَتَيْنِ بِاعْتِقَادِ مَا يُنَافِيهِمَا فَإِنَّهُمْ) يَتَلَفَّظُونَ بِالشَّهَادَتَيْنِ وَهُمْ مُكَذِّبُونَ لِمَعْنَاهُمَا لَيْسُوا مُسْلِمِينَ وَلا فَرْقَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ صَرَّحُوا بِالشِّرْكِ بِاللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّ الْحُلُولِيَّةَ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ اللَّهَ يَحُلُّ فِى الْعِبَادِ وَأَهْلَ الْوَحْدَةِ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَالَمُ وَالإِسْمَاعِيلِيَّةَ يَرُدُّونَ الشَّرْعَ الَّذِى أَوْحَاهُ اللَّهُ تَعَالَى إِلَى نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُنْكِرُونَ وُجُوبَ الصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَالْقَادِيَانِيَّةَ مِثْلُهُمْ يَرُدُّونَ أَحْكَامًا وَيَزْعُمُونَ عَدَمَ خَتْمِ الأَنْبِيَاءِ بِسَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ وَالْمُجَسِّمَةَ يَعْبُدُونَ جِسْمًا كَبِيرًا مُتَخَيَّلًا يَزْعُمُونَ أَنَّهُ الإِلَهُ وَالْقَدَرِيَّةَ يَعْبُدُونَ بِزَعْمَهِمْ رَبًّا عَاجِزًا لا تَنْفُذُ مَشِيئَتُهُ وَلا يَقْدِرُ عَلَى مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ عَبِيدُهُ فَهَذِهِ الْفِرَقُ مَا بَيْنَ جَاهِلٍ بِاللَّهِ اعْتَقَدَ فِيهِ خِلافَ مَا اعْتَقَدَهُ الْمُسْلِمُونَ فِى الْخَالِقِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَضِدَّ مَا قَرَّرَهُ النَّبِىُّ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ مِنَ الْعَقَائِدِ وَمُكَذِّبٍ لَهُ رَدَّ حُكْمَهُ الَّذِى أَوْحَاهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِمَا أَنْزَلَهُ سُبْحَانَهُ عَلَى سَيِّدِ رُسُلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ (خَرَجُوا مِنَ التَّوْحِيدِ) إِمَّا (بِعِبَادَتِهِمْ لِغَيْرِ اللَّهِ) فِى حَالَةِ الْمُجَسِّمَةِ وَالْقَدَرِيَّةِ وَأَمْثَالِهِمْ[1] أَوْ بِتَكَبُّرِهِمْ عَنِ التَّسْلِيمِ وَالِانْقِيَادِ وَالتَّذَلُّلِ لَهُ عَزَّ وَجَلَّ (فَهُمْ كُفَّارٌ لَيْسُوا مُسْلِمِينَ كَالَّذِينَ يَعْتَقِدُونَ أُلُوهِيَّةَ عَلِىِّ بنِ أَبِى طَالِبٍ) رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ (أَوِ الْخَضِرِ) عَلَيْهِ السَّلامُ (أَوِ) السُّلْطَانِ الْعُبَيْدِىِّ الَّذِى كَانَ فِى مِصْرَ وَعُرِفَ بِلَقَبِ (الْحَاكِمِ بِأَمْرِ اللَّهِ وَغَيْرِهِمْ) مِمَّنْ يَعْتَقِدُ مِثْلَ اعْتِقَادِهِمْ (أَوْ) يَأْتِى (بِمَا فِى حُكْمِ ذَلِكَ مِنَ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ).

   (وحُكْمُ مَنْ يَجْحَدُ الشَّهَادَتَيْنِ) أَوْ إِحْدَاهُمَا (التَّكْفِيرُ قَطْعًا) أَىْ قَوْلًا وَاحِدًا بِلا خِلافٍ (وَمَأْوَاهُ) فِى الآخِرَةِ (جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا أَبَدًا لا يَنْقَطِعُ فِى الآخِرَةِ عَنْهُ الْعَذَابُ إِلَى مَا لا نِهَايَةَ لَهُ وَمَا هُوَ بِخَارِجٍ مِنَ النَّارِ) كَمَا قَالَ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِى سُورَةِ الأَحْزَابِ ﴿إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا﴾ وَعَلَى هَذَا أَهْلُ الإِسْلامِ قَاطِبَةً. وَخَالَفَنَا فِى مَا تَقَدَّمَ رَجُلانِ انْتَسَبَا فِى الْمَاضِى إِلَى الإِسْلامِ وَكَذَّبَا مَا جَاءَ بِهِ الْقُرْءَانُ وَثَبَتَ فِى السُّنَّةِ وَأَجْمَعَتْ عَلَيْهِ الأُمَّةُ وَزَعَمَا أَنَّ عَذَابَ الْكُفَّارِ فِى النَّارِ لَيْسَ مُؤَبَّدًا وَأَنَّ جَهَنَّمَ تَفْنَى أَمَّا أَحَدُهُمَا فَيُسَمَّى جَهْمَ بنَ صَفْوَانٍ قُتِلَ بِحُكْمِ الشَّرْعِ لِهَذِهِ الْمَقَالَةِ وَغَيْرِهَا مِنَ الضَّلالِ وَأَمَّا الآخَرُ فَيُسَمَّى أَحْمَدَ بنَ تَيْمِيَةَ جَمَعَ إِلَى هَذِهِ الضَّلالَةِ ضَلالاتٍ أُخْرَى كَثِيرَةً وَاسْتُتِيبَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ وَكَانَ إِذَا وَاجَهَهُ الْعُلَمَاءُ يُظْهِرُ التَّوْبَةَ وَالتَّرَاجُعَ لَكِنَّهُ مَا يَلْبَثُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى إِظْهَارِ الشُّذُوذِ فَحَكَمَ قُضَاةُ الْمَذَاهِبِ الأَرْبَعَةِ عِنْدَ تَكَرُّرِ ذَلِكَ مِنْهُ بِحَبْسِهِ إِلَى أَنْ يَمُوتَ فَتُوُفِّىَ وَهُوَ مَحْبُوسٌ فِى قَلْعَةِ دِمَشْقَ.

   (وَمَنْ أَدَّى أَعْظَمَ حُقُوقِ اللَّهِ بِتَوْحِيدِهِ تَعَالَى أَىْ تَرْكِ الإِشْرَاكِ بِهِ شَيْئًا) فَلَمْ يَعْبُدْ غَيْرَ اللَّهِ وَلا نَسَبَ إِلَى الْحَقِّ سُبْحَانَهُ مَا لا يَلِيقُ بِهِ مِنَ الصِّفَاتِ (وَ)عَقَدَ قَلْبَهُ عَلَى (تَصْدِيقِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَلَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ مَا يُنَافِى ذَلِكَ أَوْ يَمْنَعُ قَبُولَهُ[2] فَإِنَّهُ (لا يَخْلُدُ فِى نَارِ جَهَنَّمَ خُلُودًا أَبَدِيًّا وَإِنْ دَخَلَهَا بِمَعَاصِيهِ) الْكَبَائِرِ الَّتِى لَمْ يَتُبْ مِنْهَا (وَمَآلُهُ) أَىْ مَا يَؤُولُ إِلَيْهِ أَمْرُهُ وَيَصِيرُ (فِى النِّهَايَةِ عَلَى أَىِّ حَالٍ كَانَ) هُوَ (الْخُرُوجُ مِنَ النَّارِ وَدُخُولُ الْجنَّةِ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ قَدْ نَالَ الْعِقَابَ) الشَّدِيدَ (الَّذِى يَسْتَحِقُّ)، هَذَا (إِنْ لَمْ يَعْفُ اللَّهُ عَنْهُ) أَمَّا إِنْ عَفَا اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فَإِنَّهُ لا يَدُخْلُ النَّارَ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا (قَالَ رَسُولُ اللَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ) أَىْ بَعْدَ دُخُولِهَا بِذُنُوبِهِ (مَنْ قَالَ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَفِى قَلْبِهِ وَزْنُ ذَرَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ) اﻫ أَىْ وَفِى قَلْبِهِ أَقَلُّ الإِيمَانِ أَىْ أَقَلُّ مَا يَصِحُّ بِهِ الإِيمَانُ وَيَحْصُلُ بِهِ النَّجَاةُ مِنَ الْخُلُودِ الأَبَدِىِّ فِى النَّارِ. وَالذَّرَّةُ مُفْرَدُ الذَّرِّ وَهُوَ شَبِيهُ الْغُبَارِ الَّذِى يُرَى عِنْدَمَا يَدْخُلُ نُورُ الشَّمْسِ مِنَ الْكَوَّةِ كَمَا يُطْلَقُ عَلَى النَّمْلِ الأَحْمَرِ الصَّغِيرِ. وَالْحَدِيثُ (رَوَاهُ الْبُخَارِىُّ[3]).

   (وَأَمَّا الَّذِى قَامَ بِتَوْحِيدِهِ تَعَالَى) وَءَامَنَ بِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَاجْتَنَبَ مَعَاصِيَهُ) كُلَّهَا (وَقَامَ بِأَوَامِرِهِ) أَىْ مَا أَوْجَبَهُ عَلَيْهِ كُلَّهُ (فَيَدْخُلُ الْجنَّةَ بِلا عَذَابٍ حَيْثُ النَّعِيمُ الْمُقِيمُ الْخَالِدُ) بِلا انْتِهَاءٍ (بِدِلالَةِ الْحَدِيثِ الْقُدْسِىِّ الَّذِى رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْدَدْتُ لِعِبَادِىَ الصَّالِحِينَ مَا لا عَيْنٌ رَأَتْ وَلا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ) اﻫ أَىْ هَيَّأْتُ لِعِبَادِىَ الَّذِينَ أَدَّوُا الْوَاجِبَاتِ كُلَّهَا وَاجْتَنَبُوا الْمُحَرَّمَاتِ كُلَّهَا نَعِيمًا لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ مِنَ الْخَلْقِ قَبْلَ ذَلِكَ وَلا سَمِعَ بِهِ وَلا خَطَرَ مُجَرَّدَ خُطُورٍ عَلَى قَلْبِ إِنْسَانٍ (وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ) رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ بَعْدَ أَنْ نَقَلَ الْحَدِيثَ عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ قَوْلَهُ تَعَالَى) أَىْ فِى سُورَةِ السَّجْدَةِ (﴿فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِىَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾) اﻫ (رَوَاهُ الْبُخَارِىُّ فِى الصَّحِيحِ[4]). وَمَعْنَى الْحَدِيثِ الْقُدْسِىِّ الْحَدِيثُ الَّذِى يَرْوِيهِ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ رَبِّهِ تَعَالَى فَيَكُونُ فِيهِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى أَوْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّهِ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ.

(14) وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ يَعْبُدُونَ ذَاتًا مُنَزَّهًا عَنِ الشَّبِيهِ وَالْمَكَانِ وَالْحَجْمِ وَالتَّغَيُّرِ وَالنَّقْصِ مُتَّصِفًا بِصِفَاتِ الْكَمَالِ وَالْمُشَبِّهَةُ يَعْبُدُونَ ذَاتًا ءَاخَرَ تَخَيَّلُوهُ ذَا حَجْمٍ وَأَبْعَادٍ قَابِلًا لِلتَّغَيُّرِ وَالتَّبَدُّلِ وَالْقَدَرِيَّةُ كَذَلِكَ يَعْبُدُونَ ذَاتًا ءَاخَرَ تَخَيَّلُوهُ عَاطِلًا عَنِ الصِّفَاتِ قَابِلًا لِلنَّقْصِ وَالْعَجْزِ فَلَمْ يَعْبُدُوا الرَّبَّ الَّذِى نَعْبُدُهُ وَلا ءَامَنُوا بِهِ كَمَا قَالَ الْعُلَمَاءُ إِنَّ عِبَادَةَ الْخَالِقِ تَسْتَحِيلُ مَعَ  الْجَهْلِ بِهِ. مُصَنَّف.

(15) مِثَالُ مَا يَمْنَعُ قَبُولَهُ كَأَنْ صَدَّقَ بِقَلْبِهِ وَلَمْ يَنْطِقْ بِالشَّهَادَتَيْنِ أَوْ صَدَّقَ فِي الْوَقْتِ الَّذِى لا يُقْبَلُ مِنْهُ ذَلِكَ كَأَنْ صَدَّقَ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا أَوْ بَعْدَ تَبْشِيرِ مَلَكِ الْمَوْتِ لَهُ بِالْعَذَابِ الأُخْرَوِىِّ. مُصَنَّف.

(16) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِىُّ فِى بَابِ زِيَادَةِ الإِيمَانِ وَنُقْصَانِهِ مِنْ كِتَابِ الإِيمَانِ فِى صَحِيحِهِ.

(17) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِىُّ فِى بَابِ مَا جَاءَ فِى صِفَةِ الْجَنَّةِ وَأَنَّهَا مَخْلُوقَةٌ مِنْ كِتَابِ بَدْءِ الْخَلْقِ فِى صَحِيحِهِ.