(حُكْمُ مَنْ يَدَّعِى الإِسْلامَ لَفْظًا وَهُوَ مُنَاقِضٌ لِلإِسْلامِ مَعْنًى)
أَىْ هَذَا بَيَانُ حُكْمِ مَنْ يَدَّعِى الإِسْلامَ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلإِسْلامِ فِى الْحَقِيقَةِ بِاعْتِقَادِ أَوْ قَوْلِ أَوْ فِعْلِ مَا يُنَافِيهِ.
(هُنَاكَ طَوَائِفُ عَدِيدَةٌ) أَىْ فِرَقٌ مُتَعَدِّدَةٌ (كَذَّبَتِ الإِسْلامَ مَعْنًى) أَىْ حَقِيقَةً (وَلَوِ انْتَمَوْا لِلإِسْلامِ) أَىْ لَوْ كَانُوا يَنْتَسِبُونَ إِلَى الإِسْلامِ (بِقَوْلِهِمُ الشَّهَادَتَيْنِ أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَصَلَّوْا وَصَامُوا) أَىْ صُورَةً (لِأَنَّهُمْ نَاقَضُوا الشَّهَادَتَيْنِ بِاعْتِقَادِ مَا يُنَافِيهِمَا فَإِنَّهُمْ) يَتَلَفَّظُونَ بِالشَّهَادَتَيْنِ وَهُمْ مُكَذِّبُونَ لِمَعْنَاهُمَا فَهَؤُلاءِ (خَرَجُوا مِنَ التَّوْحِيدِ) أَىِ الإِسْلامِ إِمَّا (بِعِبَادَتِهِمْ لِغَيْرِ اللَّهِ) أَوْ بِتَكْذِيبِهِمْ مَا أَنْزَلَهُ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ ﷺ (فَهُمْ كُفَّارٌ لَيْسُوا مُسْلِمِينَ كَالَّذِينَ يَعْتَقِدُونَ أُلُوهِيَّةَ عَلِىِّ بنِ أَبِى طَالِبٍ) وَهُوَ الْخَلِيفَةُ الرَّاشِدُ ابْنُ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ (أَوْ) أُنَاسٍ يَعْبُدُونَ (الْخَضِرَ) وَهُوَ نَبِىٌّ عَلَى الْقَوْلِ الرَّاجِحِ (أَوْ) أُنَاسٍ يَعْتَقِدُونَ الأُلُوهِيَّةَ لِلسُّلْطَانِ العُبَيْدِىِّ الْمَعْرُوفِ بِلَقَبِ (الْحَاكِمِ بِأَمْرِ اللَّهِ) الَّذِى ادَّعَى الأُلُوهِيَّةَ وَدَعَا النَّاسَ لِعِبَادَتِهِ (وَغَيْرِهِمْ) كَالْحُلُولِيَّةِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ اللَّهَ يَحُلُّ فِى غَيْرِهِ وَأَهْلِ الْوَحْدَةِ الْمُطْلَقَةِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَالَمُ وَإِنَّ أَفْرَادَ الْعَالَمِ أَجْزَاءٌ مِنْهُ تَعَالَى وَالْمُعْتَزِلَةِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ الْعَبْدَ يَخْلُقُ أَفْعَالَهُ (أَوْ) مَنْ يَأْتِى (بِمَا فِى حُكْمِ ذَلِكَ مِنَ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ) أَىْ يَأْتِى بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ يُخْرِجُهُ مِنَ الإِسْلامِ.
(وَحُكْمُ مَنْ يَجْحَدُ) أَىْ يُنْكِرُ مَعْنَى (الشَّهَادَتَيْنِ) أَوْ إِحْدَاهُمَا (التَّكْفِيرُ قَطْعًا) أَىْ قَوْلًا وَاحِدًا بِلا خِلافٍ (وَمَأْوَاهُ) فِى الآخِرَةِ (جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا أَبَدًا لا يَنْقَطِعُ فِى الآخِرَةِ عَنْهُ الْعَذَابُ) وَلا يُخَفَّفُ (إِلَى مَا لا نِهَايَةَ لَهُ وَمَا هُوَ بِخَارِجٍ مِنَ النَّارِ) كَمَا قَالَ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ ﴿إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا﴾ وَقَالَ تَعَالَى ﴿وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ﴾ وَعَلَى هَذَا أَهْلُ الإِسْلامِ قَاطِبَةً وَخَالَفَ فِى ذَلِكَ جَهْمُ بنُ صَفْوَانَ وَابْنُ تَيْمِيَةَ. وَكَفَّرَ ابْنُ تَيْمِيَةَ جَهْمًا لِقَوْلِهِ بِفَنَاءِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ ثُمَّ شَارَكَهُ فِى نِصْفِ عَقِيدَتِهِ فَقَالَ إِنَّ النَّارَ تَفْنَى لا يَبْقَى فِيهَا أَحَدٌ، ذَكَرَ ذَلِكَ فِى رِسَالَةٍ لَهُ وَنَقَلَهُ عَنْهُ تِلْمِيذُهُ ابْنُ قَيِّمِ الْجَوْزِيَّة فِى كِتَابِهِ حَادِى الأَرْوَاحِ إِلَى بِلادِ الأَفْرَاحِ.
(وَمَنْ أَدَّى أَعْظَمَ حُقُوقِ اللَّهِ) أَىْ أَدَّى أَعْظَمَ فَرْضٍ فَرَضَهُ اللَّهُ عَلَى الْعِبَادِ (بِتَوْحِيدِهِ تَعَالَى أَىْ تَرْكِ الإِشْرَاكِ بِهِ شَيْئًا وَتَصْدِيقِ رَسُولِهِ ﷺ) أَىْ ءَامَنَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاجْتَنَبَ الْكُفْرَ فَإِنَّهُ (لا يَخْلُدُ فِى نَارِ جَهَنَّمَ خُلُودًا أَبَدِيًّا وَإِنْ دَخَلَهَا بِمَعَاصِيهِ وَمَآلُهُ) أَىْ مَصِيرُهُ (فِى النِّهَايَةِ عَلَى أَىِّ حَالٍ كَانَ) هُوَ (الْخُرُوجُ مِنَ النَّارِ وَدُخُولُ الْجَنَّةِ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ قَدْ نَالَ الْعِقَابَ الَّذِى يَسْتَحِقُّ إِنْ لَمْ يَعْفُ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَفِى قَلْبِهِ وَزْنُ ذَرَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ) أَىْ أَنَّ الْمُسْلِمَ مَهْمَا كَانَ إِيمَانُهُ ضَعِيفًا طَالَمَا أَنَّ الإِيمَانَ فِى قَلْبِهِ فَلا بُدَّ أَنْ يَخْرُجَ مِنَ النَّارِ إِنْ دَخَلَهَا بِمَعَاصِيهِ. وَالْحَدِيثُ (رَوَاهُ الْبُخَارِىُّ).
(وَأَمَّا الَّذِى قَامَ بِتَوْحِيدِهِ تَعَالَى) أَىْ ءَامَنَ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَنَزَّهَهُ عَنْ مُشَابَهَةِ خَلْقِهِ وَءَامَنَ بِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ (وَاجْتَنَبَ مَعَاصِيَهُ وَقَامَ بِأَوَامِرِهِ) أَىْ أَدَّى الْفَرَائِضَ وَاجْتَنَبَ الْمُحَرَّمَاتِ (فَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ بِلا عَذَابٍ حَيْثُ النَّعِيمُ الْمُقِيمُ) أَىِ (الْخَالِدُ) لا يَلْقَى فِيهَا جُوعًا وَلا عَطَشًا وَلا نَكَدًا (بِدِلالَةِ الْحَدِيثِ الْقُدْسِىِّ الَّذِى رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْدَدْتُ لِعِبَادِىَ الصَّالِحِينَ مَا لا عَيْنٌ رَأَتْ وَلا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ) أَىْ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ هَيَّأَ لِعِبَادِهِ الصَّالِحِينَ نَعِيمًا فِى الْجَنَّةِ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ مِنَ الْخَلْقِ وَلا سَمِعَ بِهِ وَلا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ إِنْسَانٍ (وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ) رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ بَعْدَ أَنْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ (اقْرَؤُوا إِنْ شِئْتُمْ قَوْلَهُ تَعَالَى ﴿فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِىَ لَهُم مِّنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ﴾) أَىْ مَا أُخْفِىَ لَهُمْ مِنَ النَّعِيمِ الَّذِى تَقَرُّ بِهِ أَعْيُنُهُمْ أَىْ تَفْرَحُ بِهِ مِمَّا لَمْ يُطْلِعِ اللَّهُ عَلَيْهِ مَلائِكَتَهُ وَلا أَنْبِيَاءَهُ (﴿جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾) وَالْحَدِيثُ (رَوَاهُ الْبُخَارِىُّ فِى الصَّحِيحِ).