الخميس نوفمبر 21, 2024

حُكمُ زِيَارَةِ قَبرِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَذهَبِ الْمَالِكِيِّ

(هذا نقلُ شَيءٍ قليلٍ جِدّا مِمَّا وَرَدَ فِي الفِقهِ الْمَالِكِيِّ)

قَالَ الإِمَامُ مَالِكٌ لِلْخَلِيفَةِ أَبِي جَعفَرٍ الْمَنصُورِ لَمَّا حَجَّ وَزَارَ قَبرَ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَأَلَ مَالِكًا قَائِلًا (يَا أَبَا عَبدِ الله أَستَقبِلُ الْقِبلَةَ وَأَدعُو أَم أَستَقبِلُ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ)؟ فَقَالَ لَهُ الإِمَامُ مَالِكٌ (وَلِمَ تَصرِفُ وَجهَكَ عَنهُ وَهُوَ وَسِيلَتُكَ وَوَسِيلَةُ أَبِيكَ آدَمَ عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إِلَى الله تَعَالَى يَومَ الْقِيَامَةِ؟ بَلِ استَقبِلهُ واستَشفِع بِهِ فَيُشَفِّعهُ الله) (الشِّفَا 2-42).

وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الْفَضلِ عِيَاضٌ رَحِمَهُ الله فِي كِتَابِ الشِّفَا لَهُ (وَزِيَارَةُ قَبرِهِ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ سُنَّةٌ مِن سُنَنِ الْمُسلِمِينَ مَجمَعٌ عَلَيهَا وَفَضِيلَةٌ مُرَغَّبٌ فِيهَا) (الشِّفَا 2-83).

وَقَالَ الزُّرقَانِيُّ فِي شَرحِ المَوَاهِبِ (12 – 195) إِنَّ كُتُبَ الْمَالِكِيَّةِ طَافِحَةٌ بِاستِحبَابِ الدُّعَاءِ عِندَ الْقَبرِ مُستَقبِلًا لَهُ مُستَدبِرًا لِلْقِبلَةِ وَمِمَّن نَصَّ عَلَى ذَلِكَ أَبُو الْحَسَنِ الْقَابِسِيُّ وَأَبُو بَكرِ بنُ عَبدِ الرَّحمَنِ وَالْعَلَّامَةُ خَلِيلٌ فِي (مَنسَكِهِ) وَنَقَلَهُ فِي (الشِّفَا) عَنِ ابنِ وَهبٍ عَن مَالِكٍ قَالَ إِذَا سَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَدَعَا يَقِفُ وَوَجهُهُ إلَى الْقَبرِ لَا إلَى الْقِبلَةِ، وَيَدنُو وَيُسَلِّمُ عَلَيهِ.

قَالَ ابنُ جُزَيٍّ الكَلبِيُّ الْمَالِكِيُّ فِي القوانين الفقهية في تلخيص مذهب المالكية والتنبيه على مذهب الشافعية والحنفية والحنبلية (1 – 153) يَنبَغِي لِمَن حَجَّ أَن يَقصِدَ الْمَدِينَةَ فَيَدخُلَ مَسجِدَ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَيُصَلِّيَ فِيهِ وَيُسَلِّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى ضَجِيعَيْهِ أَبِي بَكرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ الله عَنهُمَا وَيَتَشَفَّعَ بِهِ إِلَى الله وَيُصَلِّيَ بَينَ الْقَبرِ وَالْمِنبَرِ وَيُوَدِّعَ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَرَجَ مِنَ الْمَدِينَةِ.

وَقَالَ الْعَلَّامَةُ الصَّاوِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الشَّرحِ الصَّغِيرِ (2 – 71) إنَّ الزَّائِرَ يَبدَأُ بِالسَّلَامِ وَيَختِمُ بِالصَّلَاةِ عَلَيهِ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ، وَالْأَفضَلُ فِي الزِّيَارَةِ الْقُربُ مِنَ الْقَبرِ الشَّرِيفِ بِحَيثُ يَكُونُ النَّبِيُّ يَسمَعُ قَولَهُ عَلَى حَسَبِ الْعَادَةِ، وَيَلْزَمُ فِي تِلْكَ الْحَضرَةِ الْأَدَبَ الظَّاهِرِيَّ وَالْبَاطِنِيَّ لِيَظْفَرَ بِالْمُنَى.

تَنبِيهٌ مُهِمٌ:
مَا نُقِلَ عَن مَالِكٍ أَنَّهُ كَرِهَ أَن يَقُولَ (زُرتُ قَبرَ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّم)، أَجَابَ عَنهُ الْمُحَقِّقُونَ مِن أَصحَابِهِ بِأَنَّهُ كَرِهَ اللَّفظَ أَدَبًا لَا أَصلَ الزِّيَارَةِ، فَإِنَّهَا مِن أَفضَلِ الْأَعمَالِ وَأَجَلِّ الْقُرُبَاتِ وَأنَّ مَشرُوعِيَّتَهَا مَحَلُّ إِجْمَاعٍ بِلَا نِزَاعٍ وَاللَّهُ الْهَادِي إِلَى الصَّوَابِ ذَكَرَهُ الحَافِظُ ابنُ حَجَرٍ العَسقَلَانِيُّ فِي فَتحِ الْبَارِي شَرحِ صَحِيحِ البُخَارِيِّ (3 – 66).
فَالإِمَامُ مَالِكٌ رَأَى أّنَّ قَولَ الزَّائِرِ (زُرتُ النَّبِيَّ) أَولَى بِالْأَدَبِ مِن أَن يَقُولَ زُرتُ (قَبرَ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ).