الخميس نوفمبر 21, 2024

 

حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَصِفِيُّهُ وَحَبِيبُهُ، بَلَّغَ الرِّسَالَةَ وَأَدَّى الأَمَانَةَ فَجَزَاهُ اللَّهُ عَنَّا خَيْرَ مَا جَزَى نَبِيًّا مِنْ أَنْبِيَائِهِ. اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى ءَالِهِ وَصَحْبِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ .

أَمَّا بَعْدُ عِبَادَ اللَّهِ، أُوصِي نَفْسِي وَإِيَّاكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ، وَهُوَ الْقَائِلُ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ: ﴿يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُم مُسْلِمُونَ﴾ [سُورَةَ ءَالِ عِمْرَانَ/ 102]

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: »حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ، قِيلَ مَا هُنَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: إِذَا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ وَإِذَا دَعَاكَ فَأَجِبْهُ، وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْ لَهُ وَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ فَشَمِّتْهُ، وَإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ، وَإِذَا مَاتَ فَاتْبَعْهُ« [رَوَاهُ مُسْلِمٌ]. وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ حَصْرَ حُقُوقِ الْمُسْلِمِ فِي هَذِهِ الْخِصَالِ إِنَّمَا الْمُرَادُ بَيَانُ أَهَمِيَّةِ هَذِهِ الْحُقُوقِ.

أَوَّلُهَا: »إِذَا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ«.

فَمِنْ حَقِّ أَخِيكَ الْمُسْلِمِ عَلَيْكَ أَنْ تَبْدَأَهُ بِالسَّلامِ عِنْدَ لِقَائِهِ بِقَوْلِكَ »السَّلامُ عَلَيْكُمْ« وَإِنْ شِئْتَ زِدْتَ: »وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ«، وَمَعْنَاهُ أَنْتُمْ فِي حِفْظِ اللَّهِ أَوِ السَّلامَةُ وَالأَمَانُ مُلازِمَانِ لَكُمْ وَهُوَ دُعَاءٌ مِنَ الْمُؤْمِنِ لأِخِيهِ الْمُؤْمِنِ يُوقِظُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا مَعْنَى اسْتِشْعَارِ عَظَمَةِ اللَّهِ الَّذِي شَرَعَ لَهُمَا هَذِهِ التَّحِيَّةَ لِتُزَكِّيَ فِي نُفُوسِهِمْ ءَايَاتِ الْمَحَبَّةِ وَالتَّعَاوُنِ، قَالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: »وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلا تُؤْمِنُونَ حَتَّى تَحَابُّوا، أَوَلا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَىْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلامَ بَيْنَكُمْ« [رَوَاهُ مُسْلِمٌ].

وَأَمَرَنَا الْحَبِيبُ أَنْ نَقْرَأَ السَّلامَ عَلَى مَنْ عَرَفْنَا وَمَنْ لَمْ نَعْرِفْ. وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الاِبْتِدَاءَ بِهِ سُنَّةٌ، وَأَمَّا الرَّدُّ فَهُوَ فَرِيضَةٌ. وَمِنْ ءَادَابِ هَذِهِ التَّحِيَّةِ أَنْ يُسَلِّمَ الرَّاكِبُ عَلَى الْمَاشِي، وَالْمَاشِي عَلَى الْقَاعِدِ ، وَالْقَلِيلُ عَلَى الْكَثِيرِ، وَكَمَا شُرِعَ السَّلاَمُ عِنْدَ اللِّقَاءِ فَقَدْ شُرِعَ عِنْدَ الْفِرَاقِ.

وَأَمَّا الْحَقُّ الثَّانِي مِنْ حُقُوقِ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ هُوَ تَلْبِيَةُ دَعْوَتِهِ »وَإِذَا دَعَاكَ إِلَى وَلِيمَتِهِ«

وَهُوَ مَا أَشَارَ إِلَيْهِ الْمُصْطَفَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: »وَإِذَا دَعَاكَ فَأَجِبْهُ«.

وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْوَلاَئِمَ تُقَامُ لِلتَّحَدُّثِ بِنِعْمَةِ اللَّهِ عِنْدَ الزِّوَاجِ، أَوْ تَحْقِيقِ أَمَلٍ، أَوْ رِزْقٍ بِمَوْلُودٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ النِّعَمِ، وَالْمُؤْمِنُ يُحِبُّ لأِخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ، وَلاَ شَكَّ أَنَّ إِجَابَةَ هَذِهِ الدَّعْوَةِ مِمَّا يُبَرْهِنُ عَلَى هَذَا الْحُبِّ وَيُنَمِّيهِ وَالأَصْلُ فِيهَا قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: »إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلَى وَلِيمَةٍ فَلْيَأْتِهَا«.

قَالَ الْعُلَمَاءُ : »إِذَا كَانَتِ الْوَلِيمَةُ وَلِيمَةَ عُرْسٍ فَالإِجَابَةُ وَاجِبَةٌ« فَلاَ يَنْبَغِي التَّخَلُّفُ عَنْهَا بِدُونِ عُذْرٍ، وَأَمَّا الأَكْلُ مِنْهَا فَلَيْسَ وَاجِبًا.

وَقَدْ نَصَّ الفُقَهَاءُ عَلَى أُمُورٍ وَجَعَلُوهَا أَعْذَارًا شَرْعِيَّةً تُبِيحُ لِلْمُسْلِمِ عَدَمَ الإِجَابَةِ، مِنْهَا أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ مُنْكَرٌ مِنْ خَمْرٍ أَوْ فِسْقٍ وَمُجُونٍ كَمَا هُوَ شَائِعٌ فِي عَصْرِنَا، نَسْأَلُ اللَّهَ اللُّطْفَ وَالْعَافِيَةَ. أَمَّا إِذَا كَانَتْ لِشُهُودِ وَلِيمَةٍ أُخْرَى غَيْرِ الْعُرْسِ فَلاَ يَجِبُ الْحُضُورُ، لَكِنْ إِنْ كَانَ فِي ذَلِكَ إِدْخَالُ السُّرُورِ عَلَى قَلْبِ أَخِيهِ الْمُؤْمِنِ فَفِيهِ ثَوَابٌ.

وَأَمَّا خَصْلَةُ الْخَيْرِ الثَّالِثَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْحَبِيبُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ وَهِيَ الْحَقُّ الثَّالِثُ مِنْ حُقُوقِ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ فَهِيَ الَّتِي وَرَدَتْ فِي قَوْلِهِ »فَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْ لَهُ«. وَالاِسْتِنْصَاحُ طَلَبُ النَّصِيحَةِ وَهِيَ حِيَازَةُ الْخَيْرِ لِلْمَنْصُوحِ لَهُ، وَقَدْ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ: »الدِّينُ النَّصِيحَةُ«.

وَنَصِيحَةُ الْمُسْلِمِ إِرْشَادُهُ إِلَى مَصَالِحِهِ فِي أَمْرِ ءَاخِرَتِهِ وَدُنْيَاهُ وَتَوْجِيهُهُ إِلَى الْخَيْرِ وَهِيَ مَعَ وَجَازَةِ لَفْظِهَا كَلِمَةٌ جَامِعَةٌ لِكُلِّ مَعَانِي الْخَيْرِ وَالْفَضِيلَةِ، وَتَكُونُ وَاجِبَةً إِذَا كَانَتْ مُتَعَلِّقَةً بِفِعْلِ الْوَاجِبَاتِ وَتَرْكِ الْمُحَرَّمَاتِ، وَمَنْدُوبَةً إِذَا كَانَتْ مُتَعَلِّقَةً بِفِعْلِ الْمَنْدُوبَاتِ وَتَرْكِ الْمَكْرُوهَاتِ، وَيَتَأَكَّدُ هَذَا الْحَقُّ وَيَلْزَمُ إِذَا طَلَبَهُ الْمُسْلِمُ مِنْ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ، وَلَيْسَ كُلُّ رَجُلٍ يُسْتَنْصَحُ أَوْ يُسْتَشَارُ إِنَّمَا الَّذِي يُسْتَعَانُ بِرَأْيِهِ هُوَ الْعَاقِلُ الْمُجَرَّبُ صَاحِبُ الدِّينِ وَالتَّقْوَى لأِنَّ الدِّينَ عِمَادُ كُلِّ صَلاَحٍ.

أَمَّا الْحَقُّ الرَّابِعُ مِنْ حَقِّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ فَهُوَ الْوَارِدُ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: »إِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ فَشَمِّتْهُ«.

وَالتَّشْمِيتُ الدُّعَاءُ لَهُ بِالْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ. قَالَ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ: »إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَلْيَقُلْ لَهُ أَخُوهُ أَوْ صَاحِبُهُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ فَإِذَا قَالَ لَهُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ فَلْيَقُلْ يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ«.

وَإِذَا لَمْ يَقُلِ الْعَاطِسُ الْحَمْدُ لِلَّهِ فَلاَ يُشَمَّتُ لِمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ رَجُلَيْنِ عَطَسَا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَشَمَّتَ أَحَدَهُمَا وَلَمْ يُشَمِّتِ الآخَرَ، فَقَالَ الرَّجُلُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، شَمَّتَّ هَذَا وَلَمْ تُشَمِّتْنِي، قَالَ: »إِنَّ هَذَا حَمِدَ اللَّهَ وَلَمْ تَحْمَدِ اللَّهَ«.

وَالْحَقُّ الْخَامِسُ مِنْ حُقُوقِ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ عِيَادَتُهُ إِذَا مَرِضَ:

وَهُوَ مَا أَشَارَ إِلَيْهِ الْحَبِيبُ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ بِقَوْلِهِ: »إِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ«. وَالأَصْلُ فِيهِ تَوْثِيقُ عُرَى الْمَحَبَّةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَيَتَأَكَّدُ طَلَبُهَا بَيْنَ ذَوِي الْقُرْبَى، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُ مِنْ مَرِضَ مِنْ أَصْحَابِهِ وَيَقُولُ لِلْمَرِيضِ: »كَيْفَ تَجِدُكَ؟« وَيَدْعُو اللَّهَ لَهُ وَلاَ يُطِيلُ الْجُلُوسَ عِنْدَهُ. فَيَنْبَغِي مُرَاعَاةُ هَذِهِ الأُمُورِ عِنْدَ الزِّيَارَةِ.

وَمِنْ ءَادَابِ الزِّيَارَةِ أَنْ يَتَحَدَّثَ إِلَى الْمَرِيضِ بِمَا يَشْرَحُ صَدْرَهُ، وَإِذَا سَأَلَهُ عَنْ مَرَضِهِ فَلْيُهَوِّنْ عَلَيْهِ أَمْرَ هَذَا الْمَرَضِ وَأَنَّهُ قَرِيبُ الزَّوَالِ وَأَنَّ الشِّفَاءَ مِنْهُ غَالِبٌ أَوْ عَامٌّ، وَلِيَجْتَنِبْ كَثْرَةَ الْكَلاَمِ وَتَهْوِيلَ أَمْرِ الْمَرَضِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَطْلُبَ الزَّائِرُ مِنْ الْمَرِيضِ الدُّعَاءَ لَهُ وَحَسْبُ الزَّائِرِ مِنَ الثَّوَابِ أَنَّ الْمَلاَئِكَةَ تَسْتَغْفِرُ لَهُ، وَأَنَّهُ فِي رَحْمَةِ اللَّهِ حَتَّى يَرْجِعَ كَمَا وَرَدَ فِي الصَّحِيحِ.

أَمَّا الْحَقُّ السَّادِسُ الَّذِي ذَكَرَهُ النَّبِيُّ الْعَظِيمُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ اتِّبَاعُ جِنَازَةِ الْمُسْلِمِ إِذَا مَاتَ، فَقَالَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ: »وَإِذَا مَاتَ فَاتْبَعْهُ«.

وَالْمُشَيِّعُ لِلْجَنَازَةِ لَهُ مِنَ الأَجْرِ مِثْلُ جَبَلِ أُحُدٍ ، فَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: »مَنْ تَبِعَ جِنَازَةَ مُسْلِمٍ إيِمَانًا وَاحْتِسَابًا وَكَانَ مَعَهُ حَتَّى يُصَلِيَ عَلَيْهَا وَيَفْرُغَ مِنْ دَفْنِهَا فَإِنَّهُ يَرْجِعُ (مِنَ الأَجْرِ) بِقِيرَاطَيْنِ كُلُّ قِيرَاطٍ مِثْلُ جَبَلِ أُحُدٍ، وَمَنْ صَلَّى عَلَيْهَا ثُمَّ رَجَعَ قَبْلَ أَنْ تُدْفَنَ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِقِيرَاطٍ«.

وَمَعْلُومٌ أَنْ تَشْيِيعَ الْجِنَازَةِ فَرْضُ كِفَايَةٍ مَتَى قَامَ بِهِ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ سَقَطَ عَنِ الْبَاقِينَ. وَيُسَنُّ لِلرِّجَالِ إِتْبَاعُ الْجَنَائِزِ، وَلاَ يُسَنُّ ذَلِكَ لِلنِّسَاءِ، وَيَمْشِي سَاكِتًا مَشْغُولاً بِذِكْرِ اللَّهِ مُطْرِقًا مُفَكِّرًا فِي رَهْبَةِ الْمَوْتِ وَمَصِيرِهِ فَإِنَّ الْمَقَامَ مَقَامَ عِظَةٍ وَاعْتِبَارٍ، وَأَنَّ هَذِهِ هِيَ عَاقِبَةُ أَهْلِ الدُّنْيَا وَمَصِيرُهُمْ فَلاَ يَغْتَرَّ بِهَا (أَيْ بِالدُّنْيَا) وَلاَ يَرْكُنْ إِلَيْهَا، وَلاَ بَأْسَ بِقَوْلِ الْمُشَيِّعِينَ »لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ« وَلاَ عِبْرَةَ بِقَوْلِ الْمُجَسِّمَةِ الَّذِينَ يُحَرِّمُونَ قَوْلَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ عِنْدَ اتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ.

فَعَسَى أَنْ نَتَدَبَّرَ جَمِيعًا هَذِهِ الْحُقُوقَ الَّتِي عَلَّمَنَا إِيَاهاَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى نَعُودَ فَنَشْعُرَ كَمَا كَانَ الأَوَائِلُ بِأَنَّنَا جَسَدٌ وَاحِدٌ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الأَعْضَاءِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى .

 

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَسْتَهْدِيهِ وَنَشْكُرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ الصَّادِقِ الْوَعْدِ الأَمِينِ وَعَلَى إِخْوَانِهِ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ. وَرَضِيَ اللَّهُ عَنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَءَالِ الْبَيْتِ الطَّاهِرِينَ وَعَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَعَنِ الأَئِمَّةِ الْمُهْتَدِينَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَعَنِ الأَوْلِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ أَمَّا بَعْدُ عِبَادَ اللَّهِ فَإِنِّي أُوصِيكُمْ وَنَفْسِيَ بِتَقْوَى اللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ فَاتَّقُوهُ.

وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ أَمَرَكُمْ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ أَمَرَكُمْ بِالصَّلاةِ وَالسَّلامِ عَلَى نَبِيِّهِ الْكَرِيْمِ فَقَالَ ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى ءَالِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ علَى سَيّدِنَا إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى ءَالِ سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى ءَالِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى ءَالِ سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَىْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ﴾ اللَّهُمَّ إِنَّا دَعَوْنَاكَ فَاسْتَجِبْ لَنَا دُعَاءَنَا فَاغْفِرِ اللَّهُمَّ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ رَبَّنَا ءَاتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ اللَّهُمَّ اجْعَلْنا هُدَاةً مُهْتَدِينَ غَيْرَ ضَالِّينَ وَلاَ مُضِلِّينَ اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِنَا وَءَامِنْ رَوْعَاتِنَا وَاكْفِنَا مَا أَهَمَّنَا وَقِنَا شَرَّ مَا نَتَخَوَّف. عِبادَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغِي، يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ. اذْكُرُوا اللَّهَ الْعَظِيمَ يُثِبْكُمْ وَاشْكُرُوهُ يَزِدْكُمْ، وَاسْتَغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ وَاتَّقُوهُ يَجْعَلْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مَخْرَجًا، وَأَقِمِ الصَّلاةَ.