حمزة بن عبد المطلب أسد الله وسيد الشهداء
ترجمته:
هو حمزة بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي، عم رسول الله صلى الله عليه وسلم المكنى بأبي عمارة وقيل أبو يعلى، وأمه هالة بنت أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة. وهو شقيق صفية بنت عبد المطلب عمة الرسول صلى الله عليه وسلم وأم الزبير لأمها وأبيها، وكان أسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم بسنتين وقيل بأربع سنين والأول أصح، وهو أخو الرسول صلى الله عليه وسلم من الرضاعة.
قصة إسلامه:
روى ابن الجوزي في كتابه “صفة الصفوة” عن محمد بن كعب القرظي قال: قال أبو جهل في رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يكره فبلغ ذلك حمزة فدخل المسجد مغضبًا فضرب رأس أبي جهل بالقوس ضربة أوضحته ثم بعد ذلك أعلن إسلامه فعز به رسول الله والمسلمون، وذلك في السنة السادسة من البعثة.
وفي “أسد الغابة” لابن الاثير الجزري ما نصه: عن محمد بن إسحاق قال إن أبا جهل اعترض رسول الله صلى الله عليه وسلم فآذاه وشتمه وقال فيه ما يكره، فلم يكلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم ومولاة لعبد الله بن جدعان التيمي في مسكن لها فوق الصفا تسمع ذلك ثم انصرف عنه فعمد إلى ناد لقريش عند الكعبة فجلس معهم ولم يلبث حمزة بن عبد المطلب أن أقبل راجعًا من قنص له وكان صاحب قنص يرميه ويخرج له، وكان إذا رجع من قنصه لم يرجع إلى أهله حتى يطوف بالكعبة، وكان إذا فعل ذلك لم يمر على ناد من قريش إلا وقف وسلم وتحدث معهم وكان أعز قريش وأشدها شكيمة. ثم إن مولاة ابن جدعان كلمته بما جرى، قال ابن الأثير: فاحتمل حمزة الغضب لِما أراد الله تعالى من كرامته فخرج سريعًا لا يقف على أحد كما كان يصنع يريد الطواف بالبيت معدًا لأبي جهل أن يقع به، فلما دخل المسجد نظر إليه جالسًا في القوم فأقبل نحوه حتى إذا قام على رأسه رفع القوس فضربه بها ضربة شجته شجة منكرة، وقامت رجال من ثريش من بني مخزوم إلى حمزة لينصروا أبا جهل فقالوا: ما نراك يا حمزة إلا قد صبأت [أي أسلمت]، قال حمزة: أنا أشهد أنه رسول الله، فقال أبو جهل: دعوا أبا عمارة فإني والله لقد سببت ابن أخيه سبًا قبيحًا.
مع هذه الحادثة أعلنها حمزة غير هياب ولا متردد “أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله”.
وعز المسلمون بحمزة عزًا عظيمًا لما كان له من السطوة والمكانة وعظيم الجرأة والبأس.
ثم إن حمزة هاجر إلى المدينة وشهد بدرًا وأبلى فيها بلاءً عظيمًا مشهودًا.
وقد قال فيه الرسول الصادق عليه الصلاة والسلام: “رحمة الله عليم فإنك كنت ما علمت فعولاً للخيرات وَصولاً للرحم”.
جهاده في سبيل الله:
في “صفة الصفوة” لابن الجوزي عن سيدنا علي رضي الله عنه قال: “لما كان يوم بدر ودنا القوم منا إذا رجل منهم على جمل له أحمر، يسير في القوم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يا علي نادِ لي حمزة” وكان أقربهم من المشركين من صاحب الجمل الأحمر، فجاء حمزة وسئل عن صاحب الجمل الأحمر، فقال: هو عتبة بن ربيعة وهو ينهى عن القتال، فبرز عتبة وشيبة والوليد فقالوا: من يبارز، فخرج فتية من الأنصار فقال عتبة: لا نريد هؤلاء ولكن من يبارزنا من ولد عمنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “قم يا علي قم يا حمزة قم يا عبيدة بن الحارث”.
ثم إن حمزة بارز شيبة فقتله، وبارز علي الوليد فقتله، وبارز عبيدة عنبة فأثبت كلٌّ صاحبه وكر علي وحمزة على عتبة بأسيافهما فأجهزوا عليه.
وجيء بعبيدة إلى الرسول عليه الصلاة والسلام لكنه ما لبث أن توفي شهيدًا سعيدًا رضي الله عنه.
وقد ذكر أن حمزة رضي الله عنه كان عليه في الحرب ريشة نعامة وقاتل يوم بدر بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم بسيفين، وقال بعض أسارى الكار: “من الرجل المعلم بريشة نعامة” قالوا: حمزة رضي الله عنه، قالوا: “ذاك فعل بنا الأفاعيل”.
هذا وليعلم أن حمزة رضي الله عنه هو صاحب أول لواء عقده الرسول عليه الصلاة والسلام، ففي “أسد الغابة” عن أبي الحسن المدائني قال: أول لواء عقده رسول الله صلى الله عليه وسلم لحمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه بعثه في سرية إلى سيف البحر من أرض مهينة.
وفاته رضي الله عنه:
لقد أكرم الله سيدنا حمزة بأن توفاه شهيدًا حميدًا قد تزود بصالح العمل مع حسن السيرة وسلامة السريرة، ففي السنة الثالثة من الهجرة يوم الجمعة، وقيل يوم السبت بينما كان القتال يدور في أحد وقد حمى الوطيس واحمرت الحدق وثبتت الأبطال كالليوث تناضل وتناصر رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث ولى كثير من القوم وتزلزلت الأقدام تحت وطأة السيف، فالألسن صامتة والأسنة تحكي قصص الالتحام، والسيوف تخطب على منابر الرقاب وحمزة يصول ويجول ويقاتل قتال الأبطال وكان يقاتل بسيفين، فقال قائل: أي أسدٍ هو حمزة، وبينما هو كذلك إذا عثر عثرة فوقع على قفاه وانكشف الدرع وإذا بوحشي الحبشي يرميه بالحربة فيمضي حمزة شهيدًا سعيدًا.
وفي سبب قتل وحشي لحمزة أن وحشيًا كان عبدًا مملوكًا عند “جبير بن مطعم” فقال له جبير: إن قتلت حمزة فأنت حر، وكان حمزة قد قتل “طعيمة بن عدي” عم جبير يوم بدر، روى الإمام ابن الجوزي في “صفة الصفوة” يروي عن وحشي بعدما كان قد أسلم قال: وكمنت لحمزة تحت صخرة حتى مرَّ عليّ فلما دنا مني رميته بحربتي فأضعها في ثُنته حتى دخلت بين وركيه/ وكان ذلك ءاخر العهد به.
قال وحشي: فلما رجع الناس رجعت معهم فأقمت بمكة حتى فشا فيها الإسلام.
وقد مثل به كفار قريش ومُثّل بجميع القتلى يومئذ، إلا حنظلة بن أبي عامر فإن أباه كان مع قريش يومها فتركوه. وجعل النساء يمثلن بالقتلى فيجدعن الأنوف ويقطعن الآذان ويبقرن البطون، وبقرت “هند بنت عتبة” بطن حمزة فأخرجت كبده فلاكتها ولم تسغها فلفظتها.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد مُثّل به “أي بحمزة” فلم يرّ منظرًا كان أوجع لقلبه منه فقال: “رحمك الله أي عم فلقد كنت وَصولاً للرحم فَعولاً للخيرات”.
وعن جابر قال: لما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم حمزة قتيلاً بكى فلما رأى أي ما مُثّل به شهق.
هذا وقد ذكر أنه قد كشف مرة عن عدة قبور لشهداء أحد بينها قبر حمزة فكان كما هو.
وعن جابر قال: لما أراد معاوية أن يجري عينًا التي “بأحد” كتبوا إليه: إنّا لا نستطيع أن نجريها إلا على قبور الشهداء، فكتب معاوية: انبشوهم قال: فرأيتهم يحملون على أعناق الرجال كأنهم نيام، وأصابت المسحاة رجل حمزة فانبعثت دمًا.
وأعقب مقتل حمزة رضي الله عنه الحزن العظيم من كافة المسلمين، فبكى عليه الناس وحزن عليه الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام وكانت وفاته مصيبة كبيرة وفاجعة فجع بها الناس يومئذ.
رحم الله سيدنا حمزة سيد الشهداء وجمعنا به مع الصحابة الأبرار