حسـن الخلـق
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونشكره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا مثيل له ولا شبيه ولا مكان له ، وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وعظيمنا وقائدنا وقرة أعيننا محمدًا عبده ورسوله وصفيه وحبيبه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة فجزاه الله عنا خير ما جزى نبيًا من أنبيائه، صلى الله عليه صلاة يقضي بها حاجاتنا ويفرج بها كرباتنا ويكفينا بها شر أعدائنا وسلم عليه وعلى ءاله سلامًا كثيرًا .
أما بعد عباد الله فإني أوصيكم ونفسي بتقوى الله العلي العظيم القائل في حق سيدنا محمد سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم : {وإنك لعلى خلق عظيم} سورة القلم.
فلقد كان صلى الله عليه وسلم العفو خلقه والصبر شيمته وتحمل الأذى من الغير حاله وأدابه فهو القائل صلوات ربي وسلامه عليه:”ما شىء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلقٍ حسن فإن الله تعالى يبغض الفاحش البذيء” . قال الترمذي حديث حسن .
وحسن الخلق إخوة الإيمان عبارة عن تحمل أذى الغير وكف الأذى عن الغير وبذل المعروف ، فالأخلاق التي جاء بها كتاب الله تعالى الأخلاق التي جاء بها القرءان العظيم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصبر على الأذى وكف الأذى عن الغير فكل خصلة خير أمر الله بفي القرءان بالتخلق بها فهي من خلق الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا أحد أحبار اليهود من أهل المدينة يسمى زيد بن سعية قد اطلع في بعض الكتب القديمة أن نبيّ ءاخر الزمان لا يزيده شدة الجهل عليه إلا حلمًا ، فأراد هذا الحبر اليهودي بعد أن هاجر الرسول إلى المدينة أن يعرف إن كان هذا الوصف ينطبق على الرسول فعامل الرسول بدين مؤجل لأجل معلوم ثم قبل أن يحِلَّ الأجل بثلاثة ايام جاء اليهودي إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم مطالبًا بالدين ونال من الرسول بكلمة تهز المشاعر، فأراد سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن ينتقم منه وكاد أن يبطش به فيقتله فنهاه الرسول الحليم الصبور ، عندها علم اليهودي أن سيدنا محمدًا هو رسول الله وأنه نبيّ ءاخر الزمان فنطق بالشهادتين قائلا أشهد أنْ لا إله لا الله وأشهد أنّ محمدًا رسول الله .
وهذا حفيد رسول الله صلى الله عليه وسلم الإمام زين العابدين رضي الله تعالى عنه وأرضاه الذي كانت توضؤه الجارية فبينما هي توضؤه سقط الإبريق على وجهه رضوان الله عليه فجرح وجهه وصار ينْزل الدم على الأرض فهذه الفتاة البنت الجارية ارتعبت وخافت وفزعت وقالت له يا سيدي والكاظمين الغيظ قال كظمت غيظي قالت والعافين عن الناس قال عفوت عنك اذهبي فأنت حرة لوجه الله تعالى .
وعن معاذ بن أنس رضي الله عنه أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال :” من كظم غيظًا وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله سبحانه على رؤوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيره من الحور ما شاء “ . رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن .
أخي المؤمن ، أخي المسلم، إذا أساء إليك إنسان أو جرحك بكلمة أو مسبة فكظمت غيظك وكنت قادرًا على تنفذه فإن الله يخيرك من الحور ما شئت يوم القيامة ، فلتكن واسع الصدر متسامحًا كثير الصفح فالعفو من شيم الكرام . وروى ابن حبان بالإسناد الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :” ليس الشديد من غلب الناس ولكن الشديد من غلب نفسه” . إن الشديد هو الذي يغلب نفسه ويتمالك أعصابه .
إخوة الإيمان، لا أدب أحسن من أدب رسول الله صلى الله عليه وسلم جزاه الله عنا أحسن الجزاء ، فإن تعويد النفس على تحمل أذى الغير يكون وسيلة إلى الدرجات العلى ومن كف نفسه عند الغضب حفظ نفسه ووقاها ، فكم من جريمة سببها الغضب وكم من قطيعة رحم بين الإخوة والأقارب سببها الغضب وكم من الخلافات والمنازعات سببها عدم كف النفس عند الغضب وإن أخطر ما يقع فيه الإنسان في حالة الغضب هو الكفر كهؤلاء الذين لا يتورعون عن مسبة الله أو الاعتراض على الله والعياذ بالله تعالى . وقد قال الإمام النووي في كتابه روضة الطالبين : “لو غضب رجل على ولده أو غلامه فضربه ضربًا شديدًا فقال له رجل ألست بمسلم فقال لا متعمدًا أي عن عمدٍ أي بإرادته من غير سبق لسان قال لا كفر والعياذ بالله” ، أي ولو كان غاضبًا خرج عن دين الله والعياذ بالله تعالى .
أخي المسلم، إذا واجهتك مشكلة في حياتك اليومية في بيتك أو في عملك أو في الشارع أو في أي مكان ءاخر فلا تغضب لنفسك واكتم غيظك وصن لسانك عن بذيء الكلام واعف عمن ظلمك وكن متسامحًا لين الجانب ولا تكن فظًا غليظ القلب. يقول الله تعالى في القرءان العظيم : {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرًا} سورة الأحزاب .
اللهم إنا نسألك التقى والنقى والعفاف والغنى (أي غنى النفس) ونسألك أن تجعلنا من عبادك المتخلقين بأخلاق نبيك المصطفى وشمائله العظيمة .
هذا وأستغفر الله لي ولكم
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَهْدِيهِ وَنَشْكُرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ الصَّادِقِ الْوَعْدِ الأَمِينِ وَعَلَى إِخْوَانِهِ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ. وَرَضِيَ اللَّهُ عَنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَءَالِ الْبَيْتِ الطَّاهِرِينَ وَعَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَعَنِ الأَئِمَّةِ الْمُهْتَدِينَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَعَنِ الأَوْلِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ أَمَّا بَعْدُ عِبَادَ اللَّهِ فَإِنِّي أُوصِيكُمْ وَنَفْسِيَ بِتَقْوَى اللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ فَاتَّقُوهُ.
وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ أَمَرَكُمْ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ، أَمَرَكُمْ بِالصَّلاةِ وَالسَّلامِ عَلَى نَبِيِّهِ الْكَرِيْمِ فَقَالَ ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى ءَالِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى ءَالِ سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى ءَالِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى ءَالِ سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَىْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ﴾، اللَّهُمَّ إِنَّا دَعَوْنَاكَ فَاسْتَجِبْ لَنَا دُعَاءَنَا فَاغْفِرِ اللَّهُمَّ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ رَبَّنَا ءَاتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ غَيْرَ ضَالِّينَ وَلا مُضِلِّينَ اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِنَا وَءَامِنْ رَوْعَاتِنَا وَاكْفِنَا مَا أَهَمَّنَا وَقِنَا شَرَّ مَا نَتَخَوَّفُ. عِبَادَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغِي، يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ. اذْكُرُوا اللَّهَ الْعَظِيمَ يُثِبْكُمْ وَاشْكُرُوهُ يَزِدْكُمْ، وَاسْتَغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ وَاتَّقُوهُ يَجْعَلْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مَخْرَجًا، وَأَقِمِ الصَّلاةَ.