حسـن الخـلق
الخطبة الأولى:
الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى، الحمد لله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، أحمده تعالى وأستهديه وأسترشده، وأتوب إليه وأستغفره، وأعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا.
والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد سيد ولد عدنان خاتم النبيين والمرسلين بعثه الله رحمة للعالمين بالحق هاديا ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه سراجا وهاجا وقمرا منيرا فهو كسائر إخوانه النبيين دعا إلى الهدى والخير والرشاد ونهى عن الشر والفتن والفساد ، بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة فجزاه الله عنا خير ما جزى نبيا من أنبيائه.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره الكافرون وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله وصفيه وخليله صلى الله عليه وعلى كل رسول أرسله.
أما بعد،
عباد الله أوصي نفسي وإياكم بتقوى الله أوصي نفسي وإياكم بتقوى الله. هذه هي سفينة النجاة. يقول الله تبارك وتعالى في القرءان الكريم: ] قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون [[سورة الزمر/9].
أهل الله تبارك وتعالى، أهل الصدق والوفاء والصفاء العارفون بالله تعالى العلماء العاملون الخائفون الخاشعون الساجدون الراكعون تحلوا بالخلق الحسن وأقبلوا على بذل المعروف، تحلوا بالخلق الحسن وأقبلوا على بذل المعروف، وكم حري بنا سواء كنا أفرادا أو أسرا، سواء كنا حكاما أو محكومين كم حري بنا أن نتحلى بالخلق الحسن وأن نقبل على بذل المعروف.
ورد في حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي أجاب فيه صاحبه أبو ذر رضي الله عنه عن وصاياه الشريفة التي ترفع من شأن العامل الملتزم بها، فقد روى ابن حبان في صحيحه عن أبي ذر رضي الله عنه قال: “أوصاني خليلي بخصال من الخير، أوصاني أن أنظر إلى من هو دوني ولا أنظر إلى من هو فوقي وأوصاني بحب المساكين والدنو منهم وأوصاني أن أقول الحق وإن كان مرا وأوصاني أن أصل رحمي وإن أدبرت وأوصاني بأن أكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله”. الخلق الحسن وبذل المعروف من شمائل النبي عليه الصلاة والسلام فقد قالت عائشة رضي الله عنها في وصف النبي صلى الله عليه وسلم: “لم يكن فاحشا ولا متفحشا ولا سخابا في الأسواق ولا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح”.
ومن خلق النبي العربي الكريم صلى الله عليه وسلم ما قاله عليه الصلاة والسلام يعلمنا ويؤدبنا: “من كظم غيظا وهو يستطيع أن ينفذه دعاه الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق حتى يخيره في أي الحور شاء”.
أيها الأحبة الكرام هذه شمائل النبي عليه الصلاة والسلام ووصاياه.
النبي عليه الصلاة والسلام صاحب الوجه الحسن والخلق الحسن أوصانا ببذل المعروف والخلق الحسن فما هو الخلق الحسن الذي لو تحلينا به أفرادا وأسرا علماء حكماء وحكاما ومحكومين أساتذة ومعلمين ومريدين. ما قاله عبد الله ابن المبارك في وصف الخلق الحسن: “هو بسط الوجه وبذل المعروف وكف الأذى” هي العبر في الدين كثيرة ولكن الشأن في الاعتبار والاتعاظ وما سردناه وما تلوناه وما ذكرناه وما بسطناه إن هو إلا كما يعلق في الخيط فيما لو ألقيته في البحر ثم أخذته. فالعبر في القرءان الكريم والحديث النبوي الشريف وفي كلام الصحابة الكرام ومن تبعهم بإحسان مواعظ وعبر شمائل حسنة وخصال حميدة إذا فلم التنازع، إذا فلم الشقاق، إذا فلم عقوق الوالدين، إذا فلم نشوز الزوجة، إذا فلم ظلم الحكام، إذا فلم يظلم كثيرون أنفسهم وغيرهم والعبر كثيرة والمواعظ وفيرة والآيات البينات ثابتة واضحة والأحاديث الشريفة الصحيحة ثابتة واضحة.
الشأن فيمن يعمل فيما تعلم، الشأن في أن تطبق على نفسك ما تسمع من علوم الدين وءاداب الشريعة وسلوك الصالحين.
نعم النبي صلى الله عليه وسلم أوصى أبا ذر أن ينظر إلى من هو دونه في الدنيا حتى يشكر نعمة ربه عليه وحتى لا يزدري المرء نعم الله التي أسبغها عليه ففي أمور الدنيا أنظر إلى من هو أقل منك مالا وأضعف منك جسما وأقل أو لا ذرية له وأكثر بلاء وأشد أمراضا لتنظر في نفسك فتقول الحمد لله على كل حال.
قال ولا أنظر إلى من هو فوقي. فإن من ينظر إلى من هو فوقه ممن أنعم الله عليهم فإن لم يكن له مال ولا ذرية ولا صحة ولا حاشية فإن كثيرين يسعون السعي الحرام ليكثر موردهم ولتتعدد حساباتهم في البنوك فيطرقون أبواب الحرام ولا يكتفون بالحلال. وهكذا شأن بعض أفراد العائلة الذين يكونون فتنة في إلحاحهم وطلباتهم فلا يكفون عن الإلحاح على طلب المزيد حتى يغرق الزوج أو الأب في مال حرام وتربكه وترتكبه الديون الكثيرة بعدما يحاول مقامرا خاسرا فيعود خائبا ولا يتندم بعضهم على ما يبدر منه بل يتورط من قضية إلى قضية من زنا إلى شرب خمر، من قمار إلى قرض ربا ظنا منه أنه يريد مرة أن يموه عن نفسه ومرة يريد أن يوسع موارد رزقه فهل هؤلاء في مثل هذه الحالة يدفعون عنك عذاب القبر في ما لو تورطت في المال الحرام وظلم الناس لتسد طلباتهم فيما حرم الله تعالى.
قال أبو ذر: “أوصاني النبي عليه الصلاة والسلام بحب المساكين والدنو منهم”. عاشر أهل الفضل ليكن أصدقاؤك وأصدقاء أولادك من أهل العلم والفضل، ليكن طلبة علم الدين من أهل الأدب والسلوك الحسن في الشريعة أصدقاؤك ليكن هؤلاء أصدقاء لك ولأولادك ولا تعاشر أهل السوء ولا تأذن لأولادك بمعاشرة أهل السوء وكذلك الأمر بالنسبة لزوجك فإن صاحب السوء ساحب وكثيرون من الآباء في غفلة عن هذا يتركون أولادهم فيفاجأون فيما بعد بأن ولده صار عضوا في لجنة لف سجائر المخدرات أو في شم الكوكايين أو بيع والاتجار بالهيرويين أو إن ابنته صارت عضوا في مرقص فلان والحبل على الجرار والعياذ بالله تعالى.
كل ذلك بدعوى الحضارة، كل ذلك بدعوى التمدن أما دين الله تبارك وتعالى فكثيرون يظنون أنه للمساكين والفقراء والذين شابت رؤوسهم وصاروا على حافة قبورهم، هؤلاء هم الدين لهم، أما الشباب والأغنياء والرجال والنساء الذين في مقتبل عمرهم فقلما يلتفتون إلى الالتزام بأحكام دين الله تعالى.
قال: “وأوصاني أن أقول الحق ولو كان مرا” اتهم رأيك، اتهم نفسك، لا تكن مستبدا برأيك ولا يكن همك أن يغلب رأيك رأي إخوانك، تعاونوا على البر والتقوى ولا يكن همك أن تتفرد برأيك فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يوحى إليه وكان يستشير. قال: “وأوصاني أن أصل رحمي وإن أدبرت”. أليس الله تعالى يقول في القرءان الكريم : ] فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم [ [سورة محمد/22]، ولطالما أوصينا في مناسبات كثيرة وخطب الأعياد وغيرها بصلة الأرحام فإن تفكك المجتمع اليوم وما يعانيه من فتن وأوبئة سببه عدم الترابط الديني الأخوي الذي حض الله عليه في القرءان وأمرنا به النبي عليه الصلاة والسلام فبعض من الناس لا يعرفون خالاتهم ولا عماتهم ولا أخوالهم بل ولا يزور جده ولا جدته إلا بعد عشر سنين أولما يأتيه ورقة نعيه فينتظره خارج المسجد ليسأل فيما بعد ماذا ترك لنا من وصية أو تركة.
قال: ” وأوصاني بأن أكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله ” تفرج الهم بإذن الله فأكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله. لا حول عن معصية الله إلا بعصمة الله ولا قوة على طاعة الله إلا بعون الله.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم.
الخطبة الثانية
إن الحمد لله نحمده ونستغفره ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلوات الله وسلامه عليه وعلى كل رسول أرسله.
أما بعد، عباد الله ، أوصيكم ونفسي بتقوى الله العلي العظيم.
يقول الله تعالى في كتابه العزيز :﴿ يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شىء عظيم، يوم ترونـها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد ﴾.
واعلموا أن الله أمركم بأمر عظيم أمركم بالصلاة على نبيه الكريم فقال : ﴿ إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين ءامنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ﴾ اللهم صل على محمد وعلى ءال محمد كما صليت على إبراهيم وعلى ءال إبراهيم وبارك على محمد وعلى ءال محمد كما باركت على إبراهيم وعلى ءال إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم إنا دعوناك فاستجب لنا دعاءنا فاغفر اللهم لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات ربنا ءاتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار اللهم اجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين اللهم استر عوراتنا وءامن روعاتنا واكفنا ما أهمنا وقنا شر ما نتخوف.
عباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون. أذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه يزدكم، واستغفروه يغفر لكم واتقوه يجعل لكم من أمركم مخرجا، وأقم الصلاة.