الخميس نوفمبر 21, 2024

جَهْلُ ابن تيمية في معنى التوسل أدى به إلى أن قاس فعل المؤمنين المتوسلين بالأنبياء والأولياء على فعل المشركين

جَهْلُ ابن تيمية في معنى التوسل أدى به إلى أن قاس فعل المؤمنين المتوسلين بالأنبياء والأولياء على فعل المشركين الذين حكى الله عنهم في القرءان (مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَىٰ) وقد ادعى ابن تيمية أن استواء الفعلين في السبب الحامل على الفعل يوجب الاستواء في الحكم.

الـجـواب :
والذي أداه إلى هذا القياس الفاسد وهو قياسه ما لا عبادة فيه على ما فيه عبادة، جهله حقيقة العبادة، فقد روى الحافظ ابن عبد البر في كتابه جامع العلم وفضله بسنده عن عوف بن مالك الأشجعي رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (تفترق أمتي على بضع وسبعين فرقة أعظمها على أمتي فتنة قوم يقيسون الدين برأيهم يحرمون ما أحل الله ويحلون ما حرم الله) وساق فيه إسنادا إلى الحسن البصري رضي الله عنه أنه قال أول من قاس إبليس قال خلقتني من نار وخلقته من طين، وأسند أيضا عن ابن سيرين رضي الله تعالى عنه أنه قال أول من قاس إبليس، وإنما عبدت الشمس والقمر بالمقاييس.

قال أبو الفداء إسماعيل التميمي في المنح اللإلهية وأبو حامد المرزوقي في كتابه براءة الأشعريين من عقائد المخالفين في بطلان القاعدة التي تمسك بها ابن تيمية ما نصه :
القاعدة المشهورة المطردة وهي: أن استواء الفعلين في السبب الحامل على الفعل لا يوجب استواءها في الحكم، يدل على هاته القاعدة دلالة قطعية أنه لو لم يكن الأمر كذلك بأن كان الاستواء في الحامل يوجب الاستواء في الحكم كما ادعاه البدعي ابن تيمية وقرره في قياسه التوسل على العبادة والمتوسل على عابد الوثن للزم إبطال الشريعة وتساوي الأعمال في الأحكام واللازم باطل بالاتفاق وهو ضروري غني عن الاستدلال، وأما الملازمة فلما علم من أن الشريعة جاءت لإخراج العبد عن دائرة هواه حتى يكون بالاختيار عبدا لله فالمعنى الذي يراعيه المكلف ويحمله على الفعل بالإقدام إن كان مصلحة أو بالإحجام إن كان مفسدة، وإن راعته الشريعة لـه تفضلا من الله إلا أنها لم تسترسله مع أغراضه وأهوائه فلم تبح له سلوك كل طريق يوصل إليها، بل أخذت بلجامه إلى الطرق التي عينتها ليتبين بذلك كونه عبدا لا يقدر على شىء حتى إذا أخذ حظه من العمل أخذه من تحت يد الشريعة، فالأكل مثلا يحمل عليه دفع ألم الجوع وسد الرمق وهو يحصل بكل ما يؤكل من طاهر ونجس حلال أو حرام وقد عيّنت الشريعة طريقة بالاختيار بالحلال الطيب الطاهر ومثله الشرب الذي يحمل عليه دفع ألم العطش خصّته أيضا بالحلال الطيب فالآكل والشارب من الحلال الطيب لدفع الألم وسد الرمق مساو للآكل والشارب من الحرام النجس للغرض المذكور، فلو كان الاستواء في الحامل موجبا للاستواء في الحكم لما اختلف الحكم فيهما، فكان الأول ءاتيا بواجب أو مباح والثاني ءاتيا بحرام، ولكان الواجب استواءهما في الحلية أو الحرمية، وكذلك الوطء إذا وقع لقضاء الشهوة ودفع دغدغة المني فإن الزاني والناكح والمالك يشتركون في هذا السب مع أن فعل الأخيرين مباح وفعل الأول محرم فلو كان الاشتراك في الحامل مفض إلى الاشتراك في الحكم لزم استواءهما في الحل والحرمة ومثل ذلك اكتساب الأموال واقتناؤها فإن الشرع عين لتحصيلها طرقا مخصوصة على وجوه مخصوصة كالبيع والإجارة وما أشبه ذلك على شرائط عينها فيها تنعدم بانعدامها ولا يحصل الاكتساب بفقدها وحرم في ذلك طرق الغصب وما كان من الطرق على غير الوجه المشروع، فالغاصب والمشتري مثلا مستويان في الحامل وهو الاكتساب ومختلفان في الحكم، ومثل ذلك يقع في العبادات المشروعة لقهر النفس والتوجه للواحد الحق فإنه عيّن لها طرقا مخصوصة يتقرب بها إليه فمن جاءه منها قربه وأسعده ومن جاءه من غيرها طرده وأبعده وإن توجه بها إليه وقصده، فالعابد والمبتدع مشتركان في الحامل وهو قصد التقرب مع اختلافهما في الحكم فظهر بهذا صحة لزوم قلب الشريعة على تقدير القول بتساوي الأحكام عند الاشتراك في الأغراض فيتعين بطلانه وإذا بطل لزم صدق نقيضه وهو أن الاشتراك في الغرض لا يوجب الاشتراك في الحكم. اهـ

ومن المعلوم أن هؤلاء المشركين الذين حكى الله عنهم ذلك اعترفوا بأنهم عبدوهم بقولهم (وما نعبدهم) فأين في توسل المتوسلين بالأنبياء والأولياء ما يدعيه ابن تيمية وأتباعه أن ذلك عبادة لغير الله؟؟