الثلاثاء مارس 18, 2025

الدَّرْسُ الثَّامِنُ

تَقْدِيمُ تَعَلُّمِ الْعِلْمِ عَلَى الْعَمَلِ

 

     الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى ءَالِهِ وَصَحَابَتِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ.

     أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ مَغْرُورُونَ. مَا هُوَ الضَّرُورِىُّ يَتْرُكُونَهُ وَيَعْدِلُونَ إِلَى غَيْرِ الضَّرُورِىِّ. كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ يُكْثِرُونَ مِنَ الذَّهَابِ إِلَى الْحَجِّ بَعْدَ حَجَّةِ الإِسْلامِ وَيَزُورُونَ النَّبِىَّ ﷺ وَلا يَتَعَلَّمُونَ عِلْمَ الدِّينِ الضَّرُورِىَّ وَيَظُنُّونَ أَنَّ أَعْمَالَهُمْ صَحِيحَةٌ مَقْبُولَةٌ وَهُمْ غَافِلُونَ عَنْ أَنَّ شَرْطَ الْعَمَلِ مُوَافَقَةُ السُّنَّةِ أَىْ شَرِيعَةِ الرَّسُولِ ﷺ الْوُضُوءُ وَالصَّلاةُ وَالطَّهَارَةُ وَالْحَجُّ وَالذِّكْرُ وَالدُّعَاءُ كُلٌّ شَرْطُهُ أَنْ يُوَافِقَ شَرِيعَةَ الرَّسُولِ ﷺ فَإِذَا لَمْ يُوَافِقْ ذَلِكَ لَمْ يَقْبَلْهُ اللَّهُ تَعَالَى وَإِذَا لَمْ يَتَعَلَّمِ الشَّخْصُ فَلا سَبِيلَ لَهُ إِلَى مَعْرِفَةِ ذَلِكَ. إِذَا لَمْ يَتَعَلَّمِ الشَّخْصُ مِنْ أَبِيهِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ يَعِيشُ مُنْغَمِرًا فِى الْغَفْلَةِ فَيَعْرِفُ بَعْدَ الْمَوْتِ أَنَّ أَعْمَالَهُ الَّتِى كَانَ يَظُنُّهَا زَادًا لِلآخِرَةِ هِىَ لا شَىْء. قَالَ الرَّسُولُ عَلَيْهِ السَّلامُ كُلُّ عَمَلٍ لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا أَىْ لا يُوَافِقُ شَرِيعَتَنَا فَهُوَ رَدٌّ اهـ [رَوَاهُ الْبُخَارِىُّ] أَىْ لا يَقْبَلُهُ اللَّهُ. كَيْفَ يُعْرَفُ أَنَّ الْعَمَلَ يُوَافِقُ الشَّرْعَ أَوْ لا يُوَافِقُ إِلَّا بِالتَّعَلُّمِ. لَوْ كَانَ أَبُوهُ أَعْلَمَ عُلَمَاءِ عَصْرِهِ ثُمَّ لَمْ يَتَعَلَّمْ مِنْ أَيْن يَعْرِفُ وَلَوْ كَانَ أَبُوهُ وَلِيًّا وَجَدُّهُ وَلِيًّا مِنْ أَيْنَ يَعْرِفُ. مَا أَكْثَرَ الْمَغْرُورِينَ فِى النَّاسِ.

     هَذَا الْحَدِيثُ لِيَحْفَظْهُ كُلُّ وَاحِدٍ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ كُلُّ عَمَلٍ لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ اهـ إِذَا كَانَ الْعَمَلُ صَرِيحًا فِى الْقُرْءَانِ وَفِى الْحَدِيثِ لَيْسَ فِيهِ خَفَاءٌ فَهَذَا أَمْرُهُ ظَاهِرٌ وَإِنْ كَانَ لَيْسَ مَذْكُورًا بِعَيْنِهِ فِى الْقُرْءَانِ وَالْحَدِيثِ بَلِ اسْتَخْرَجَهُ أَئِمَّةُ الِاجْتِهَادِ الشَّافِعِىُّ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ وَمَنْ قَبْلَهُمْ مِنَ الْمُجْتَهِدِينَ مِنَ التَّابِعِينَ كَالْحَسَنِ الْبِصْرِىِّ وَعَطَاءِ ابْنِ أَبِى رَبَاحٍ إِنِ اسْتَخْرَجَهُ هَؤُلاءِ الْمُجْتَهِدُونَ بِفَهْمِهِمْ مِنَ الْقُرْءَانِ وَالْحَدِيثِ فَهُوَ مِثْلُ الَّذِى ذُكِرَ فِى الْقُرْءَانِ صَرِيحًا أَوْ فِى الْحَدِيثِ صَرِيحًا.

     لَيْسَ شَرْطًا أَنْ يَكُونَ كُلُّ شَىْءٍ مِنَ الْعِبَادَاتِ وَالْحَسَنَاتِ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ فِى الْقُرْءَانِ وَالْحَدِيثِ. عَمَلُ الْمَوْلِدِ لَيْسَ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ وَالطَّرِيقَةُ كَذَلِكَ وَأَشْيَاءُ عَدِيدَةٌ تُوَافِقُ الْقُرْءَانَ وَالْحَدِيثَ. لَيْسَ كُلُّ عَمَلِ خَيْرٍ بِعَيْنِهِ ذَكَرَهُ الْقُرْءَانُ وَالْحَدِيثُ إِنَّمَا ذَكَرَ الْقُرْءَانُ وَالْحَدِيثُ الْقَوَاعِدَ ثُمَّ الْعُلَمَاءُ الْمُجْتَهِدُونَ يَسْتَخْرِجُونَ مِنْ هَذِهِ الْقَوَاعِدِ أَحْكَامًا.

     هُنَاكَ جَمَاعَةٌ يُقَالُ لَهُمُ الْوَهَّابِيَّةُ مُذَبْذَبُونَ مَرَّةً يَأْخُذُونَ بِشَىْءٍ لَمْ يَذْكُرْهُ الْقُرْءَانُ وَلا الرَّسُولُ إِنْ أَعْجَبَهُمْ وَإِنْ لَمْ يُعْجِبْهُمْ يَقُولُونَ مَا فَعَلَهُ الرَّسُولُ وَلا أَمَرَ بِهِ بِعَيْنِهِ نَحْنُ لا نَأْخُذُ بِهِ. مُذَبْذَبُونَ. كَثِيرٌ مِنَ الأَشْيَاءِ الرَّسُولُ مَا ذَكَرَهَا فِى الْحَدِيثِ وَلا ذَكَرَهَا الْقُرْءَانُ. هَذِهِ الْمَحَارِيبُ الْمُجَوَّفَةُ فِى الْمَسَاجِدِ مَا كَانَتْ أَيَّامَ الرَّسُولِ بَعْدَ الرَّسُولِ بِنَحْوِ تِسْعِينَ سَنَةً عَمِلَهَا بَعْضُ الْعُلَمَاءِ.

     وَالطَّرِيقَةُ كَذَلِكَ بَعْدَ خَمْسِمِائَةِ سَنَةٍ عَمِلَهَا الشَّيْخُ أَحْمَدُ الرِّفَاعِىُّ وَالشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ ثُمَّ بَعْضُ مَنْ جَاءَ بَعْدَهُمَا. وَعِلْمُ النَّحْوِ مَا كَانَ يُدَرَّسُ أَيَّامَ الرَّسُولِ إِنَّمَا بَعْدَهُ عَلَيْهِ السَّلامُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ وَضَعَهُ حَتَّى يُسْتَعَانَ بِهِ عَلَى فَهْمِ الْقُرْءَانِ وَالْحَدِيثِ وَحَتَّى لا يُحَرَّفَ لَفْظُ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ. لِهَذَا عَلَّمَهُ الْعُلَمَاءُ بَعْدَ الرَّسُولِ. كُلُّ هَذَا مَقْبُولٌ. الشَّرْطُ أَنْ يُوَافِقَ الْقُرْءَانَ وَالْحَدِيثَ. أَمَّا مَا لا يُوَافِقُ الْقُرْءَانَ وَالْحَدِيثَ فَهُوَ مَرْدُودٌ حَتَّى الدُّعَاءُ إِذَا لَمْ يُوَافِقِ الشَّرْعَ فَهُوَ مَرْدُودٌ بَلْ قَدْ يَكْفُرُ بَعْضُ النَّاسِ بِبَعْضِ أَنْوَاعِ الدُّعَاءِ. وَاحِدٌ فِى بِلادِنَا جَاهِلٌ يَتَشَبَّهُ بِالصُّوفِيَّةِ قَالَ اللَّهُ يَجْعَلُنِى فِدَاءً لِأُمَّةِ مُحَمَّدٍ مَعْنَاهُ يَحُطُّنِى فِى جَهَنَّمَ وَلا يَحُطُّ أَحَدًا غَيْرِى حَتَّى لا يُعَذَّبَ أَحَدٌ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ. هَذَا ضِدُّ الْقُرْءَانِ وَالْحَدِيثِ. الرَّسُولُ ﷺ قَالَ يَخْرُجُ قَوْمٌ مِنَ النَّارِ بِشَفَاعَةِ مُحَمَّدٍ اهـ [رَوَاهُ الْبُخَارِىُّ] قَالَ قَوْمٌ مَعْنَاهُ عَدَدٌ كَثِيرٌ مِنْ أُمَّتِى يَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ ثُمَّ أُخْرِجُهُمْ بَعْدَ هَذَا. كَيْفَ يَقُولُ هَذَا الْجَاهِلُ اللَّهُمَّ اجْعَلْنِى فِدَاءً لِأُمَّةِ مُحَمَّدٍ. كَيْفَ يَقُولُ.