توسّل الصحابة بالنبيّ مُـحـمّـد صلَّى الله عليه وسلَّم
روى البَيْهقيُّ بإسنادٍ صحيحٍ عن مالِك الدار (وكان خازِن عُمَر) قال أصَابَ الناسَ قَحْطٌ فِي زَمَانِ عُمَر فَجَاءَ رَجُلٌ إِلَى قَبْرِ النَّبِيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم فَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ اسْتَسْقِ لأُمّتِكَ فَإِنَّهُمْ قَدْ هَلَكُواْ، فَأَتَاهُ رَسُولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم فِي الْمَنَامِ فَقَالَ (إِيتِ عُمَر فَأَقْرِئْهُ مِنِّي السَّلاَمَ وَأَخْبِرْهُ أَنَّهُمْ يُسْقَوْنَ وَقُلْ لَهُ عليك بالكيس الكيس) فأتى الرجل فأخبر عمر فقال (يا ربّ ما ءالوا إلاّ ما عجزتُ). اهـ
وهذَا الرجُلُ هُوَ بِلاَل بْنُ الْحَارِثِ الْمُزَنِيّ الصحَابِيُّ، فَهذَا الصحَابِيُّ قَدْ قَصَدَ قَبْرَ الرسُولِ لِلتَبرُّكِ فَلَمْ يُنْكِرْ عَليهِ عُمَر وَلاَ غَيْرُهُ.
وقالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَر فِي فَتْحِ البَاري مَا نَصّه (ورَوَى ابْنُ أبِي شيبة بإسناد صحيحٍ من رِوايةِ أبِي صالِح السمّان عن مالِك الدار قال أصَابَ الناسَ قَحطٌ فِي زَمَانِ عُمَر فجاءَ رَجُلٌ إِلَى قبِر النبي صلَّى الله عليه وسلَّم فقال يا رسولَ اللهِ اسْتَسْقِ لأُمّتِكَ فَإِنَّهم قد هلكوا، فأُتي الرجلُ فِي الْمَنَامِ فقِيلَ لَهُ (ائتِ عمر……..الحديث) وقد روى سيف في الفتُوح أنَّ الَّذِي رأى الْمَنَامَ الْمَذكُورُ هو بِلاَل بْنُ الْحَارِث الْمُزَنِيّ أحَدُ الصحابَةِ). اهـ
وقال ابنُ كثير ما نصّه (وقد روينا أن عمر عسّ الْمَدِينةَ ذاتَ ليلةٍ عامَ الرمادة فلَمْ يَجِد أحدًا يضحكُ، ولا يتحدّثُ الناسُ في منازِلِهِم على العادة، ولَمْ يرَ سائلاً يسأل، فسأل عن سببِ ذلِكَ فقِيلَ له يا أميرَ الْمُؤمِنِينَ إنّ السؤال سألوا فلم يعطوا فقطعوا السؤال، والنّاس في همٍّ وضيقٍ فهُمْ لاَ يَتَحدّثُونَ ولاَ يضحَكُون، فكَتَبَ عُمَر إِلَى أبِي مُوسى بِالبَصرَةِ أن يـا غَـوْثـاهُ لأمّـةِ مُـحـمّـدٍ، وكتب إلى عمرو بنِ العاص بِمِصْرَ أن يـا غَـوْثَـاهُ لأمّـةِ مُـحـمّـدٍ، فبَعَثَ إِلَيْهِ كُلُّ واحِدٍ مِنهُما بِقافِلَةٍ عظيمَةٍ تَحمِلُ البُرّ وسائِرَ الأطعمات، ووَصَلَتْ ميرةُ عمرو في البحر إلى جدّة ومن جدّة إلى مكة. وهذا الأثَرُ جيّدُ الإِسناد). اهـ
وهذا فيه الردّ على ابنِ تيميَةَ لِقَوْلِهِ إنّه لاَ يَجُوزُ التوسُّلُ إلاَّ بِالْحيّ الْحَاضِرِ، فهذَا عُمَر ابنُ الْخَطّابِ استَغَاثَ بِأبِي مُوسى وعمرو بنِ العاص وَهُمَا غَائِبانِ.
ثُمَّ يقولُ فِي الصحِيفَةِ التِي تَلِيهَا (وقال سيفُ بن عمر، عَن سهل بنِ يوسف السلمي، عن عبدِ الرحمن بنِ كَعْب بن مالك قال كان عام الرمادة في ءاخر سنة سبع عشرة وأوّل سنة ثَماني عشرة أصاب أهل الْمَدِينةِ وما حَوْلَها جوع فهلك كثير من النّاس حتى جعلت الوحش تأوي إلى الإنس، فكان الناس بذلك وعمر كالْمحصور عن أهل الأَمصار حتّى أقبَلَ بِلاَل بنُ الْحَارِثِ الْمزني فاستأذن على عمر فقال أنا رسولُ رسول الله إليك، يقولُ لَكَ رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم (لقد عهدتك كيّسًا، وما زلت على ذلك فما شأنك) قال متَى رأيت هذَا؟ قال البارِحَة، فخَرَجَ فنادى في النّاس الصلاة جامِعة، فصلّى بِهِمْ ركعَتَيْنِ ثُمّ قامَ فقالَ أيّها النّاس أنشدكم الله هل تعلَمُون مِنّي أمرًا غيره خير منه فقالوا اللّهمّ لاَ، فقال إنَّ بِلاَل بنَ الْحَارِث يزعم ذيْت وَذيْت، قالوا صَدَقَ بِلاَل فاستَغِثْ بِاللهِ ثُمَّ بالْمُسلمين، فبعث إليهم وكان عمرُ عن ذلك مَحصورًا، فقال عمر الله أكبر، بلغ البلاء مدَّتَه فانكشف، ما أُذن لقوم في الطلب إلا وقد رفع عنهم الأذى والبلاء، وكتب إلى أمراء الأمصار أن أغِيثُوا أهلَ الْمَدِينةِ وما حَولَها، فإنه قد بلغ جهدهم، وأخرج الناس إلى الاستسقاء، فخرج وخرج معه العباس بن عبد الْمُطلب ماشيًا، فخطب وأوجز وصلّى ثُمَّ جثا لركبتيه وقال: اللّهمّ إيّاك نعبُدُ وإيّاكَ نستعين، اللّهمّ اغفر لنا وارْحَمْنا وارضَ عنّا، ثُمَّ انصرف، فما بلغوا الْمَنازِل راجعين حتى خاضوا الغدران).