الخميس أبريل 18, 2024

توسل الأنبياء بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم

قال الحافظ التقي السبكي في شفاء الأسقام [1] ما نصه: “وأقول إن التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم جائز في كل حال: قبل خلقه، وبعد خلقه في مدة حياته في الدنيا، وبعد موته في مدة البرزخ، وبعد البعث في عرصات القيامة والجنة. وهو على ثلاثة أنواع:

النوع الأول: أن يتوسل به بمعنى أن طالب الحاجة يسأل الله تعالى به أو بجاهه أو ببركته فيجوز ذلك في الأحوال الثلاثة، وقد ورد في كل منها خبر صحيح، أما الحالة الأولى قبل خلقه فيدل على ذلك ءاثار عن الأنبياء الماضين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين اقتصرنا منها على ما تبين لنا صحته وهو ما رواه الحاكم أبو عبد الله بن البيع في المستدرك على الصحيحين أو أحدهما قال ثنا أبو سعيد عمرو بن محمد بن منصور المُعدّل، ثنا أبو الحسن محمد بن إسحاق بن إبراهيم الحنظلي، ثنا أبو الحارث عبد الله بن مسلم الفهري، ثنا إسماعيل بن مسلمة، أنا عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن جده، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لما اعترف ءادم عليه السلام بالخطيئة قال: يا رب أسألك بحق محمد لما غفرت لي فقال الله: يا ءادم، وكيف عرفت محمدًا ولم أخلقه، قال: يا رب لأنك لما خلقتني بيدك ونفخت فيّ من روحك رفعت رأسي فرأيت على قوائم العرش مكتوبًا: “لا إله إلا الله محمد رسول الله” فعرفت أنك لم تضف إلى اسمك إلا أحب الخلق إليك، فقال الله: صدقت يا ءادم، إنه لأحب الخلق إليّ، إذ سألتني بحقه فقد غفرت لك، ولولا محمد ما خلقتك”. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد وهو أوّل حديث ذكرته لعبد الرحمن بن زيد بن أسلم في هذا الكتاب. ورواه البيهقي [2] أيضًا في دلائل النبوة وقال تفرد به عبد الرحمن وذكره الطبراني وزاد فيه “وهو ءاخر الأنبياء من ذريتك”.

وذكر الحاكم مع هذا الحديث أيضًا عن علي بن حمشاذ العدل، ثنا هارون بن العباس الهاشمي، ثنا جندل بن والق، ثنا عمرو بن أوس الأنصاري، ثنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب، عن ابن عباس قال: “أوحى الله إلى عيسى عليه السلام، يا عيسى ءامن بمحمد وأمُرْ من أدركه من أمتك أن يؤمنوا به، فلولا محمد ما خلقت ءادم، ولولاه ما خلقت الجنة والنار، ولقد خلقت العرش على الماء فاضطرب فكتبت عليه “لا إله إلا الله فسكن”، قال الحاكم: هذا حديث حسن صحيح الإسناد ولم يخرجاه. انتهى ما قاله الحاكم.

والحديث المذكور لم يقف عليه ابن تيمية بهذا الإسناد ولا بلغه أن الحاكم صححه فإنه قال –أعني ابن تيمية-: “أما ما ذكره في قصة ءادم من توسله فليس له أصل ولا نقله أحد عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد يصلح للاعتماد عليه ولا للاعتبار ولا للاستشهاد، ثم ادعى ابن تيمية أنه كذِب وأطال الكلام في ذلك جدًا بما لا حاصل تحته بالوهم والتخرص ولو بلغه أن الحاكم صححه لما قال ذلك أو لتعرض للجواب عنه، وكأني به إن بلغه بعد ذلك يطعن في عبد الرحمن بن زيد بن أسلم راوي الحديث، ونحن نقول: قد اعتمدنا في تصحيحه على الحاكم، وأيضًا عبد الرحمن بن زيد بن أسلم لا يبلغ في الضعف إلى الحد الذي ادعاه، وكيف يحل لمسلم أن يتجاسر على منع هذا الأمر العظيم الذي لا يرده عقل ولا شرع وقد ورد فيه هذا الحديث، وسنزيد هذا المعنى صحة وتثبيتًا بعد استيفاء الأقسام”. انتهى كلام السبكي.

قلت: والبيهقي التزم في كتابه أن لا يذكر حديثًا موضوعًا، فالعجب من جرأة ابن تيمية على إطلاق أن أحدًا ممن يعتدُّ به من المحدثين لن يذكره ومن قول الذهبي في هذا الحديث أظنه موضوعًا، وليس هناك أدنى متمسك، وليس فيه ركاكة من حيث المعنى، فعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ليس ممن اتهم بالكذب، فما الداعي للذهبي إلى أن يقول هذه المقالة، اللهم إلا أن يكون من الذين هم قلوبهم منحرفة عن التوسل بالنبي.

ثم قال: “وأما ما ورد من توسل نوح وإبراهيم وغيرهما من الأنبياء فذكره المفسرون واكتفينا عنه بهذا الحديث لجودته وتصحيح الحاكم له ولا فرق في هذا المعنى بين أن يعبر عنه بلفظ التوسل أو الاستعانة أو التشفع أو التجوه، والداعي بالدعاء المذكور وما في معناه متوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم لأنه جعله وسيلة لإجابة الله دعاءه ومستغيث به –والمعنى أنه استغاث الله به على ما يقصده، فالباء ههنا للسببية وقد ترد للتعدية كما تقول: من استغاث بك فأغثه- ومستشفع به ومتجوه به ومتوجه فإن التجوه والتوجه راجعان إلى معنى واحد” انتهى كلام السبكي.

 

الهوامش:

[1] شفاء السقام [ص/161].

[2] دلائل النبوة [5/489]، مستدرك الحاكم [2/615]، المعجم الصغير للطبراني [ص/355].