الخميس مارس 28, 2024

تمهيد

جاءنا الأنبياء بالبيان الكافي، وقابلوا الأمراض بالدواء الشافي، وتوافقوا على منهاج لم يختلف، ثم أقبل الشيطان يخلط بالبيان شبها، وبالدواء سما، وبالسبيل الواضح جردا مضلا، وما زال يلعب بالعقول إلى أن فرّق الجاهلية في مذاهب سخيفة وبدع قبيحة، فأصبحوا يعبدون الأصنام في البيت الحرام، ويرون وأد البنات ويمنعونهن الميراث إلى غير ذلك من الضلال الذي سوّله لهم إبليس، فابتعث الله سبحانه وتعالى محمدا فرفع المقابح وشرع المصالح، فسار أصحابه معه وبعده في ضوء نوره سالمين من العدو وغروره، فلما انسلخ نهار وجودهم أقبلت أغباش الظلمات فعادت الأهواء تنشىء بدعا وتضيق سبيلا ما زال متسعا، ففرّق الأكثرون دينهم وكانوا شيعا، ونهض إبليس يُلَبّس ويزخرف ويفرّق ويؤلف، وإنما يصح له التلصص في ليل الجهل فلو قد طلع عليه صبح العلم افتضح .

فرأيت أن أحذر من بعض مكايده التي سار في ركبها أهل الحشو سعيا في بث فتنة التشبيه، ولا يخفى أن في تعريف الشر تحذيرا عن الوقوع فيه ، ففي الصحيحين من حديث حذيفة قال: «كان الناس يسألون رسول الله عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني» [(11)]، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «والله ما أظن على ظهر الأرض اليوم أحدا أحب إلى الشيطان هلاكا مني، فقيل: وكيف؟ فقال: والله إنه ليحدث البدعة في مشرق أو مغرب، فيحملها الرجل إلي، فإذا انتهت إلي قمعتها بالسنة، فترد عليه كما أخرجها»[(12)].

وقد وضعت هذا الكتاب محذرا من فتنة استطار شررها اليوم في الأرض، ومخوفا من محنة أهلكت خلقا كثيرا، والله المعين بجوده كل صادق في مقصوده، والله موفقي فيما قصدت وملهمي للصواب فيما أردت[(13)].

– الغيرة على ما حلّ بالأمة وشبابها من التضليل والتشرذم:

قال المحدث الشيخ محمد زاهد الكوثري ما نصه[(14)]: «ولما حدثت الفتن في خلافة عثمان رضي الله عنه استخفّ جانبه أعداء الدين المندسّون بين المسلمين، فخفوا إلى السعاية بينهم وإثارة خواطرهم بما يمكن أن يروج عليهم لسلامة صدورهم وبعدهم عن معرفة طرائق تمويه الفاتنين غير المتظاهرين بما يمس بالدين، ينتقلون في البلاد لهذه الغاية ويمهدون السبيل إلى القضاء على هذا الدين ببث بذور الدمار وما عمله أمثال عبد الله بن سبأ في ذلك العهد مشهور» – ثم ذكر المرجئة – إلى أن قال: «وكان عدة من أحبار اليهود ورهبان النصارى وموابذة المجوس أظهروا الإسلام في عهد الراشدين، ثم أخذوا بعدهم في بث ما عندهم من الأساطير بين من تروج عليهم ممن لم يتهذب بالعلم من أعراب الرواة وبسطاء مواليهم، فتلقفوها منهم ورووها لآخرين بسلامة باطن، معتقدين ما في أخبارهم في جانب الله من التجسيم والتشبيه، ومستأنسين بما كانوا عليه من الاعتقاد في جاهليتهم، وقد يرفعونها افتراء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم أو خطأ فأخذ التشبيه يتسرب إلى معتقد الطوائف ويشيع شيوع الفاحشة، ولم يكن بنو أمية كالراشدين في السهر على معتقد المسلمين إلا فيما يمس بسياستهم».

ثم تكلم عن كيفية نشأة المعتزلة وغيرهم من الفرق وفتنتهم في زمن المأمون والجهمية وفتن الملحدين وتغلغلهم في الأمة ساعين في إضلالها… إلى أن قال[(15)] «وأهل السنة من الفقهاء والمحدثين يواصلون العمل في علومهم في غير جلبة ولا ضوضاء، والحشوية يجرون على طيشهم وعمايتهم واستتباعهم الرعاع والغوغاء، ويتقولون في الله ما لا يجوزه الشرع ولا العقل من إثبات الحركة له والنقلة والحد والجهة والقعود والإقعاء والاستلقاء والاستقرار إلى نحوها مما تلقوه بالقبول من دجاجلة الملبسين من الثنوية وأهل الكتاب ومما ورثوه من أمم قد خلت، ويؤلفون في ذلك كتبًا يملأونها بالوقيعة في الآخرين، ويخرقون حجاب الهيبة في الإكفار متبرقعين بالسنة ومعتزين إلى السلف يستغلون ما ينقل عن بعض السلف من الأقوال المجملة التي لا حجة فيها. نعم لهم سلف ولكن من غير هذه الأمة وهم على سنة ولكن على من سنها الأوزار إلى يوم القيامة ، وليس هذا محل بسط مخازيهم. وكانت المعتزلة تتغلب على عقول المفكرين من العلماء ويسعون في استعادة سلطانهم على الأمة، وأصناف الملاحدة والقرامطة توغلوا في الفساد واحتلوا البلاد حيث لم يبق في ثغور الدفاع عن الدين من يرابط بحجج دامغة تمحق مخرقتهم لانشغالهم بنفوسهم بما جد من الأحوال.

ففي مثل هذه الظروف الحرجة غار الإمام أبو الحسن الأشعري رضي الله عنه على ما حلّ بالمسلمين من ضروب النكال وقام لنصرة السنة وقمع البدعة، فسعى أولاً للإصلاح بين الفريقين من الأمة بإرجاعهما عن تطرفهما إلى الوسط العدل، قائلاً:

للأولين : أنتم على الحق إذا كنتم تريدون بخلق القرءان اللفظ والتلاوة والرسم، و للآخرين : أنتم مصيبون إذا كان مقصودكم بالقديم الصفة القائمة بذات البارئ غير البائنة منه -كما يقول ابن المبارك – يعني الكلام النفسي، وليس لكم مجال أن تنكروا حدوث لفظ اللافظ وتلاوة التالي، كما أنه ليس للأولين نفي الصفة القائمة به تعالى من غير لفظ ولا صوت.

وقائلاً للأولين أيضًا: نفي المحاذاة والصورة صواب، غير أنه يجب عليكم الاعتراف بالتجلي من غير كيف.

وللآخرين : إياكم من إثبات الصورة والمحاذاة وكل ما يفيد الحدوث، وأنتم على صواب إن اقتصرتم على إثبات الرؤية للمؤمنين في الآخرة من غير كيف.

وهكذا حتى وفقه الله لجمع كلمة المسلمين وتوحيد صفوفهم، وقمع المعاندين وكسر تطرفهم، وتواردت عليه المسائل من أقطار العالم فأجاب عنها فطبق ذكره الآفاق، وملأ العالم بكتبه وكتب أصحابه في السنة والرد على أصناف المبتدعة والملاحدة وأهل الكتاب، وتفرّق أصحابه في بلاد العراق وخراسان والشام وبلاد المغرب ومضى لسبيله، وبعد وفاته بيسير استعاد المعتزلة بعض قوتهم في عهد بني بويه، لكن الإمام ناصر السنة أبا بكر بن الباقلاني قام في وجههم وقمعهم بحججه ودانت للسنة على الطريقة الأشعرية أهل البسيطة إلى أقصى بلاد أفريقية[(16)]، وقد بعث ابن الباقلاني في جملة من بعث من أصحابه إلى البلاد أبا عبد الله الحسين بن عبد الله بن حاتم الأزدي إلى الشام ثم إلى قيروان وبلاد المغرب، فدان له أهل العلم من أئمة المغاربة وانتشر المذهب إلى صقلية والأندلس، ولابن أبي زيد وأبي عمران الفاسي وأبي الحسن القابسي وأبي الوليد بن الباجي وأبي بكر بن العربي وتلامذتهم أياد بيضاء في ذلك، وقام بنشر المذهب في الحجاز راوية الجامع الصحيح الحافظ أبو ذر الهروي، وأخذ عنه من ارتحل إليه من علماء الآفاق وكان انتشاره بالشام قبل ذلك بواسطة صاحب الأشعري أبي الحسن عبد العزيز الطبري راوية تفسير ابن جرير عن مؤلفه، وكان أهل الشام يجتلبون كبار الأئمة من المذهب الأشعري حينًا بعد حين كالإمام قطب الدين النيسابوري اجتلبه نور الدين الشهيد على طلب العلماء» اهـ.

– مواجهة الخطة المدبرة لإحلال المذهب الحشوي تحت ستار مذهب السلف محل مذهب أهل السنة:

ثم قال الكوثري: «وبعض الحنابلة على مسلك السلف في التفويض وترك الخوض وبعضهم انحاز إلى المعتزلة، وكان غالبهم على تعاقب القرون حشوية على الطريقة السالمية والكرامية إلى أن جعل الظاهر بيبرس قضاء القضاة في المذاهب الأربعة لأول مرة فاتصلوا بعلماء أهل السنة يفاوضونهم في العلم فأخذت تزول أمراضهم البدعية، وكاد أن لا يبقى بينهم حشوي لولا جالية حران بعد نكبة بغداد حطوا رحلهم بالشام، ونبغ من بينهم رجل حسنت نشأته في الطلب على ذكاء وحافظة وسمت وتمكن من اجتلاب ثقة شيوخ العلم إلى نفسه وثنائهم عليه، وكان واعظًا طلق اللسان فإذا هو يجري على خطة مدبرة في إحلال المذهب الحشوي تحت ستار مذهب السلف محل مذهب أهل السنة ، ولم يعلم أن مذهب أهل السنة من الأشاعرة والماتريدية بلغ من التمحيص العلمي على تعاقب القرون بأيدي نوابغ أهل النظر والفقه في الدين ممن لا يعد هذا الحشوي من صغار تلامذتهم إلى مستوى من قوة الحجج بحيث إذا حاول مثله أن يصطدم بها لا يقع إلا على أم رأسه فيردى ولا يودى، وحيث لم يكن له شيخ يرشده في العلوم النظرية أصبح علمه لا يرتكز على شىء وثيق خليطًا كثير التناقض، توزعت مواهبه في أهواء متبعة ثم أفضى إلى ما عمل وزالت فتنه بردّ العلماء عليه» اهـ.

ولا أريد أن أخوض هل تاب ابن تيمية أم لا، ولكني أقول: إن ما تسعى المشبهة اليوم إليه التغرير بأبناء المسلمين لزرع نفس الفكر بينهم، حتى انخدع لهم الكثيرون وسار في ركبهم من جهل حالهم وظن فيهم الخير، وهذا ما واجهناه في مواطن متعددة، حتى إنك ترى فيهم الجمود والتحجر مع ما يسمعون من الدليل، وهو ما دفعني لأضع هذه الرسالة.

ومن أدل الدليل على أنهم يمشون على خطى المشبهة أنه يعجبهم ما ذهب إليه الدارمي والكرامية وأضرابهم ممن نفتهم الأمة، ويطبعون كتبهم، ولولا ما بأيديهم اليوم من أموال وإمكانيات لما عرفتهم أو سمعت بهم إلا من كتب الفرق.

ولا يسعك أمام تأثر أولئك الشباب الذين ينحرفون اليوم عن الجادة بتلك التحريفات والتخرصات إلا أن تبين الحق وتسعى لإخراجهم من ورطتهم، ذلك أنهم سلَّموا عقولهم تحت تمويه التمسك بفهم السلف الصالح زورًا وبهتانًا تارة، والسلف الصالح برآء مما لفقوه عليهم وإنما تنقل عنهم عبارات مجملة أرادوا منها التفويض في تعيين المعاني المرادة بالآيات المتشابهة، وأولوها تأويلا إجماليا بقولهم: «أمروها كما جاءت بلا كيف» ، فدار المشبهة حولها وأوهموا العامي أن مقصودهم هو ما يلقونه هم على مسامعهم من نسبة التحيز والجهة والكيفية التي زعموا أنها هي المقصودة بالمتشابه لا غير، حتى قال قائلهم: لله عينان كبيرتان، ثم يمنعون أي تأويل ولو نقل عن أحمد أو ابن عباس ومع ذلك يستشهدون بالموضوع والضعيف فلا حول ولا قوة إلا بالله.

ثم تارة أخرى تحت كذبة محاربة البدع والخرافات حيث يتعلقون ببعض الأفعال التي يرونها من بعض الجهلة كالطواف حول القبور، ثم من خلالها يعممون الحكم بالشرك على أهل الناحية، ويستبيحون دماءهم أو يخلطون هذا بما هو مشروع في دين الله من التبرك بآثار الأنبياء على الوجه الذي سنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، والعجب أن أدلة هذه المسئلة تجدها في صحيحي البخاري ومسلم كثيرة فضلا عن غيرهما من كتب الحديث المعتبرة عند أهل السنة والجماعة، وهذا يظهر حقيقتهم أنهم هم أصحاب البدعة الأصلية الذين موَّهوا ومخرقوا ولبَّسوا حتى أثَّروا في العامة، بل وفي بعض من يظن نفسه من الخاصة ، عبر وسائل متعددة منها الكتب وما أكثرها، والأنترنت وأخيرًا الفضائيات التي زمام أغلبها اليوم بيدهم وللأسف الشديد، حيث حملوا معاول هدم هذا الدين بكل ما تعنيه هذه الكلمة، وبأبشع صور الفتك، بل وتحت دعوى التمسك بالكتاب والسنة. ثم تجدهم يتنطحون في ادعاء العلم، حتى كأنَّ الواحد منهم جمع علم الشافعي أو أحمد أو غيرهما من أهل العلم والاجتهاد، أو ربما ادعوا التفوَّق عليهم.

ليس ذلك فحسب بل هم يُغيرون على الروايات التي لا توافق هواهم فيُضعِّفونها، وعلى الروايات الضعيفة فيصححونها، وهم في واقع حالهم لا يحفظون عشر معشار رياض الصالحين، معتمدين في الحكم على إسناد الحديث ومتنه على المتخبط في التصحيح والتضعيف من مُدَّعي المحدثية الألباني.

ولا يلاحظون إلا ما فهمه من أشار لذكره الشيخ الكوثري، لأنهم حصروا فهم أصول الدِّين فيه وفيمن اتبعه وسار على تزييفه، فلا تكاد تجد لهم سلفًا غيره، ومن وراءه سواء عرفوا أو لم يعرفوا الكرامية الحشوية المشبهة الذين اتَّبعوا المتشابه، تحت عنوان إثبات ما أثبت الله لنفسه، ثم غلَّبوا إحساسهم ومخيلتهم فيها، معطلين {…لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ… *} [(17)]، وإن ذكروها عند كل تمويه ليلبسوا باطلهم بالحق، ليؤثروا على أولئك الذين لم يتعلموا العقيدة كما ينبغي أو لا يعرفون حقيقتهم، لأن هؤلاء المحرفين يوردون ءاياتٍ يتوهمون من ظاهرها أن الله جسم وأن لله تعالى صفات كصفات الخلق كالحركة والسكون والنزول والصعود، فيحملون تلك الآيات على حسب الوهم والحس والخيال، ويحتجون بها على الناس فيوهمون بهذا من لم يسبق له سماع في هذا العلم أن كلامهم صحيح فيتبعهم فيهلك كما هلكوا، وظنوا أنهم بهذا يثبتون ما أثبته الله لنفسه وأن تفسيرها على حسب ما يليق بالله تحريف للكلم عن مواضعه، ونسوا أو تناسوا أنهم بهذا يعطلون المحكم من آي القرءان كقوله تعالى: {…لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ… *} ، و{…هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا *} [(18)]، و{وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ *} [(19)]. وهو ما يدل على سوء أفهامهم حيث جعلوا القرءان متعارضًا متناقضًا نعوذ بالله من مذهب هذا مؤداه، بل لعب بهم الشيطان ولبّس عليهم.

اعتمد المشبهة في القديم والحاضر التلبيس والإيهام بإيراد الآيات والأحاديث التي يتوهمون منها التشبيه على مقتضى الحس ، بل زادوا عليها أنهم قبلوا في ذلك الحديث الموضوع والضعيف، وهم يناورون بأساليب اللف والدوران كعادة سلفهم لبث تخيلاتهم وأوهامهم، متجنبين في المراحل الأولى التصريح، ثم ينتهون بالعامي إلى التشبيه الممزوج دومًا بإيراد قوله تعالى: {…لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ… *} ، أو (على ما يليق بالله) أو (بلا كيف) إيهامًا وتلبيسًا، يوهمون أنهم لا يشبهون الله بخلقه، ومتى كان المشبه يصرح بتشبيهه، ومع ذلك يصفون الله بالحركة والانتقال والحرف والصوت والجلوس والمس إلى غير ذلك من صفات الخلق ثم يقولون: {…لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ… *} ، يوردون الآية ليبعدوا عن أنفسهم صفة التشبيه، يتلاعبون بالعامي ليسكن إلى عقيدتهم، {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ… *} [(20)]، ثم يجرونه في خطة خبيثة نحو مخازيهم.

لم يقبلوا حمل تلك الآيات المتشابهة على ما هو مستعمل في لسان العرب الأقحاح، وهو لسان الأعرابي في البادية راعي الغنم وكذا أهل المدن من العرب، ثم ينبذون التأويل الذي رضيه أهل العلم، حتى وقعوا في شر أعمالهم حيث انقلب الأمر عليهم في مثل قوله تعالى: {وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً *} [(21)]، وقوله {…يُؤْذُونَ اللَّهَ… *} [(22)]… وغير ذلك.

وقالوا: (لسنا مفوضة)، متبرئين من سلف الأمة الذين قالوا: (أمروها كما جاءت بلا كيف)، ثم قالوا: (لسنا مؤولة)، متبرئين من خلف الأمة الذين اضطروا للإكثار من التأويل الموافق للكتاب والسنة ولسان العرب حفظًا للعوام من الوقوع في براثن التشبيه وأهله. ثم قالوا: (نقول بالصفات على حقيقتها)، وإنما هو التمويه والتلبيس كعادتهم، ثم بعد ذلك ينادون عليها في سوق من يزيد، فيبذل كل واحد منهم في ثمنها من التشبيه ما يزيد، فلو رأيت الآيات وقد عزلوها عن سياقها ونفوا عنها كل تعظيم أو تقديس حتى جعلوها تحت حكم أهوائهم وتخيلاتهم لقلت غوثاه لأمة محمد من بليد عنيد .

فكيف إذا سمعتهم يقولون لا طريق لك علينا من لسان العرب، وإن قال ربنا: {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ *} [(23)]، محتجين بأن الله دعا إلى الهدى والإرشاد ولا يجوز أن يكون في كلامه ما يوهم التشبيه، ونسوا قوله تعالى: {…يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا… *} [(24)]، وكذا قوله: {…فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ… *} [(25)]، ثم هم يحسبون أنهم يحسنون صنعا: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرَينِ أَعْمَالاً *الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا *} [(26)].

وإن قلت لهم تحتجون بحديث موضوع عار عليكم، قالوا معطل أو مؤول يسبون سلف الأمة ثم يدعون أنهم سلفية، وكذا خلفها، فلا حول ولا قوة إلا بالله.

نعم خطرهم عظيم لأنهم يوردون الآيات والأحاديث المتشابهة، ويوهمون العامي بأن معناها على ما تبادر إلى أذهانهم فيستسلم لهم من ليس عنده معرفة بالعقيدة الصحيحة. فكان من الواجب كشف الحقيقة بالأدلة من القرءان والسنة ولسان العرب وتقريب ذلك لأفهام طلاب النجاة قدر الاستطاعة إن شاء الله تعالى.

– من الحاجات الماسة أن تؤلف كتب خاصة بأسلوب يعلق بالخاطر وتستسيغه العامة لتكون سدًا محكمًا في وجه أهل البدعة:

قال الكوثري ما نصه[(27)]والأشعرية هم العدل الوسط بين المعتزلة والحشوية، لا ابتعدوا عن النقل كما فعل المعتزلة، ولا عن العقل[(28)] كعادة الحشوية، ورثوا خير من تقدمهم وهجروا باطل كل فرقة، حافظوا على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وملأوا العالم علمًا ، ويوجد بينهم من ينتمي إلى التصوف من مناصرة بعض الأئمة من الصوفية للسنة على الطريقة الأشعرية منذ القرن الخامس.

فيجب على المسلمين في جميع أدوار بقائهم أن يتفرغ منهم جماعة لتتبع أنواع الآراء السائدة في طوائف البشر والعلوم المنتشرة بينهم وفحص كل ما يمكن أن يأتي من قبله ضرر للمسلمين، لاسيما في المعتقد الذي لا يزال ينبوع كل خير ما دام راسخًا رصينًا ويصير منشأ كل فساد إن استحال واهنًا واهيًا، فيدرسون هذه الآراء والعلوم دراسة أصحابها أو فوق دراستهم ليجدوا فيها ما يدفعون به الشكوك التي يستثيرها أعداء الدين بوسائط عصرية… (ويقيمون بذلك)[(29)] دون تسرب تلبيساتهم سورًا حصينًا واقيًا… ( ويدونون) ما استخلصوه من تلك العلوم من طرائق الدفاع في كتب خاصة بأسلوب يعلق بالخاطر وتستسيغه العامة، لتكون سدًا محكمًا مدى الدهر دون مفاجأة جوارف الشكوك، وإن لم يفعلوا ذلك يسهل على الأعداء أن يجدوا سبيلاً إلى مراتع خصبة بين المسلمين، تنبت فيها بذور تلبيساتهم بحيث يصعب اجتثاث عروقها الفوضوية، بل تسري سموم الإلحاد في قلوب خالية تتمكن فيها فيهلك الحرث والنسل وقانا الله شر ذلك وأيقظنا من رقدتنا» اهـ.

وهو ما يدعو أهل الصدق والغيرة للسعي بكل ما يستطيعون في سبيل إعلاء كلمة الحق، خشية من أن ينقلب كثير من الناس إلى عقيدتهم، وهو ما أخبرني به صديق عن أقاربه الذين لم يكن التلفاز قد دخل إلى بيتهم إلا من فترة لا تزيد على أشهر ثلاثة، حتى قالت صاحبة البيت وابنتها لقريبتها: اسمعي طلعنا غلطانين الله جالس على العرش، والمولد حرام إلى غير ذلك مما فيه سرد لأفكار تبث في يومنا هذا بتركيز خطير، وهل تعلم من أين أخذت المرأة وابنتها هذه الأفكار؟ إنها من بعض القنوات الفضائية التي تحرص على نشر ذلك المنهج.

الإسهام في كشف تمادي أهل التشبيه في طرق التمويه:

قال الحافظ الكبير مؤرخ الشام أبو القاسم ابن عساكر الدمشقي ما نصه[(30)]: «ثم إن الله وله الحمد أكمل دينه وأتمه إتمامًا ونصب له من العلماء به أئمة يقتدى بهم وأعلامًا، وآتاهم بصائر نافذة عند الشبهات، ورزقهم أفهامًا فانتدبوا لتبصير المستبصرين، حتى أصبحوا متحيرين إيضاحًا وإفهامًا لما همى سحاب الباطل وهطل بعدما صار ركامًا، وقام سوق البدع عند ولاة المسلمين في الخافقين قيامًا وحاد أهل الاعتزال عن سنن الاعتدال جرأة منهم على ردّ السنن وإقدامًا، فنفوا عن الرب سبحانه ما أثبت لنفسه من صفاته فلم يثبتوا صفة ولا كلامًا، وتمادى أهل التشبيه في طرق التمويه وأحجموا عن الحق إحجامًا فشبهوا ربهم حتى توهموه جسمًا يقبل تحيزًا وافتراقًا وانضمامًا، وغلوا في إثبات كلامه حتى حسبوه يحتمل بجهلهم تجزيًا وانقسامًا، وظنوا اسم الله القديم ألفًا وهاء تتلو لامًا ولامًا، فامتعض العلماء من المثبتين من تفاوت مذهبيهم، واعتصموا بالسنة اعتصامًا، وألجموا العوام عن الخوض في علم الكلام[(31)] خوف العثار إلجامًا، فكان أبو الحسن الأشعري رحمة الله عليه ورضوانه أشدهم بذلك اهتمامًا، وألدهم لمن حاول الإلحاد في أسماء الله وصفاته خصامًا، وأمدهم سنانًا لمن عاند السنة، وأحدهم حسامًا، وأمضاهم جنانًا عند وقوع المحنة، وأصعبهم مرامًا، ألزم الحجة لمن خالف السنة والمحجة إلزامًا، فلم يسرف في التعطيل ولم يغل في التشبيه، وابتغى بين ذلك قوامًا، وألهمه الله نصرة السنة بحجج العقول حتى انتظم شمل أهلها به انتظامًا، وقسم الموجودات من المحدثات أعراضًا وجواهر وأجسامًا، وأثبت لله سبحانه ما أثبته لنفسه من الأسماء والصفات إعظامًا ونفى عنه ما لا يليق بجلاله من شبه خلقه إجلالاً له وإكرامًا ونزهه عن سمات الحدث تغيرًا وانتقالاً وإدبارًا وإقبالاً وأعضاء وأجرامًا، وائتم به من وفقه الله لاتباع الحق في التمسك بالسنة ائتمامًا» اهـ.

وهو مرادي من هذه الرسالة أن أقتدي بهذا الإمام الكبير في تبيان معاني الإيمان والتوحيد لأنه بعد رجوعه عن مذهب الاعتزال تلقى علم أهل السنة والجماعة عن أئمة كبار بالسند المتصل، قال المحدث العلاّمة السيد محمد بن محمد الحسيني الزبيدي الشهير بمرتضى رحمه الله ما نصه[(32)]: «وليعلم أن كلاً من الإمامين أبي الحسن الأشعري وأبي منصور رضي الله عنهما وجزاهما عن الإسلام خيرًا لم يبدعا من عندهما رأيًا ولم يشتقا مذهبًا، إنما هما مقرران لمذاهب السلف مناضلان عما كانت عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأحدهما قام بنصرة نصوص مذهب الشافعي وما دلّت عليه، والثاني قام بنصرة نصوص مذهب أبي حنيفة وما دلّت عليه، وناظر كل منهما ذوي البدع والضلالات حتى انقطعوا وولوا منهزمين، وهذا في الحقيقة هو أصل الجهاد الحقيقي الذي تقدّمت الإشارة إليه. فالانتساب إليهما إنما هو باعتبار أن كلاً منهما عقد على طريق السلف نطاقًا وتمسّك وأقام الحجج والبراهين عليه، فصار المقتدي به في تلك المسالك والدلائل يسمى أشعريًا وماتريديًا».

إلى أن قال: «ولم يكن أبو الحسن أوّل متكلّم بلسان أهل السنة إنما جرى على سنن غيره، أو على نصرة مذهب معروف فزاد المذهب حجة وبيانًا ولم يبتدع مقالة اخترعها ولا مذهبًا انفرد به، ألا ترى أن مذهب أهل المدينة نسب إلى مالك ومن كان على مذهب أهل المدينة يقال له مالكي، ومالك إنما جرى على سنن من كان قبله وكان كثير الاتباع لهم، إلا أنه لما زاد المذهب بيانًا وبسطًا عزي إليه، كذلك أبو الحسن الأشعري لا فرق، ليس له في مذهب السلف أكثر من بسطه وشرحه وتواليفه في نصرته. ثم عدّد خلقًا من أئمة المالكية كانوا يناضلون عن مذهب الأشعري ويبدّعون من خالفها» اهـ.

هذا من جهة النقل وموافقة السلف بما لايقبل التشكيك، وهو ما يؤكد أنهما على الاقتداء، أضف إلى ذلك أن كلامهما الثابت عنهما لا يخالف أدلة العقول.

– بيان أن اعتقاد الأشعري مسدد، وبه يقول أهل السنة والجماعة:

يتابع أبو القاسم ابن عساكر الدمشقي ليقول: «فلما انتقم من أصناف أهل البدع بإيضاح الحجج والأدلة انتقامًا، ووجدوه لدى الحِجاج في تبيين الاحتجاج عليه فيما ابتدعوه همامًا، قالوا فيه حسدًا من البهتان ما لا يجوز لمسلم أن ينطق به استعظامًا وقذفوه بنحو ما قذفت به اليهود عبد الله بن سلام وأباه سلامًا[(33)]، فلم ينقصوه بذلك عند أهل التحقيق بل زادوه بما قالوا فيه تمامًا، ومدحوه بنفس ذمهم، وقد قيل في المثل: (لن تعدم الحسناء ذامًّا)، وقلما انفك عصر من الأعصار من غاوٍ يقدح في الدين، ويغوي إبهامًا، وعاوٍ يجرح بلسانه أئمة المسلمين، ويعوي إيهامًا، ويستنْزل من العامة طوائف جهالاً وزعانف أغتامًا، ويحمل بجهله على سب العلماء والتشنيع عليهم سفهاء طغامًا، لكن العلماء إذا سمعوا بمكرهم عدّوه منهم عرامًا، وإذا ما مروا بلغوهم في الكبار من الأئمة مروا كرامًا، وإذا خاطبهم الجاهلون منهم قالوا لهم سلامًا، ولن يعبأ الله بتقوّلهم فيه وتكذيبهم عليه» اهـ.

وقال[(34)]وهل من الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية إلا موافق له – للإمام الأشعري – أو منتسب إليه أو راضٍ بحميد سعيه في دين الله أو مثن بكثرة العلم عليه، غير شرذمة يسيرة تضمر التشبيه وتعادي كل موحد يعتقد التنْزيه» .

وكان قال ما نصه[(35)]: «وأنشدت لبعضهم في المعنى المتقدم:

إن اعتقـاد الأشعري مسـدد

لا يمتري في الحق إلا ممتري

وبه يقـول العالمـون بأسرهم

من بين ذي قلم وصاحب منبر

والمدعـون عليه غير مقـاله

ما فيهم إلا جهـول مفتري

فذر التعامي واعتصم بمقـاله

واعلم يقينًا أنه القول السري

وارفض ملامة من نهاك بجهلـه

عمـا يـراه لأنه لم يشـعر

وإذا لحـاك العاذلـون فقل لهم

قول امرىء في دينـه مستبصر

إن كان من ينفي النقائص كلها

عن ربـه ترمـونه بتمشعر

وترونه ذا بدعـة في عقلـه

فليشهد الثقـلان أني أشعري

ثم إن أفراخ الحشوية من مشبهة العصر يزيفون الحقائق والمفاهيم الصحيحة بأساليب تناقلوها عن سلفهم الطالح لا الصالح، كما تلاحظ ذلك في كلام الحافظ الكبير ابن عساكر الدمشقي رضي الله عنه، منها الكذب والتحريف وتزوير الحقائق ، وليس هنا محل بسطها أو ذكرها، وليس ءاخرها كما سترى في طيات هذه الرسالة إخراج أئمة أهل السنة والجماعة كالنووي وابن حجر العسقلاني من أهل السنة والجماعة، أو ادعاء رجوع بعضهم عن عقيدة التنـزيه كالإمام الأشعري، ولو كان الأمر كما يفترون فلم يلعنونه؟ ولم الخلاف قائم إلى يومنا ، لكنه التمويه والتلبيس لجر الضعفاء إلى عقيدتهم الفاسدة التي يبقونها كامنة خفية لا يصرحون بها أول الأمر، بل يقولون: نصف الله بما وصف به نفسه على ما يليق به سبحانه، ثم لاحقا يكشفون عن أنيابهم، ويبثون سمومهم . هذا بالإضافة إلى ادعاء رجوع علماء آخرين كالفخر الرازي والغزالي وإمام الحرمين الجويني وغيرهم كذبا وزورا عن مذهب الأشعري الإمام رضوان الله عليه، وقد توزَّعت أكاذيبهم هذه وغيرها في كتبهم التي يوزِّعونها أو يبيعونها وهي ذات طباعة فاخرة.

فأردت أن يكون هذا الكتاب نافعًا في بيان شواهد التنزيه وكشف أوهامهم، وبيان حقية القول بتكفير المجسم والجهوي ، راغبا إلى الله تعالى في التوفيق للصواب إنه على ما يشاء قدير وبعباده لطيف خبير.

ـ[11] رواه البخاري في صحيحه: (3/1319)، (3411)، كتاب المناقب: باب علامات النبوة في الإسلام، ومسلم في صحيحه: (3/1475)، (1847)، كتاب الإمارة: باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن.

ـ[12] رواه اللالكائي في اعتقاد أهل السنة (1/55)، (12)، سياق ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في ثواب من حفظ السنة ومن أحياها ودعا إليها.

ـ[13] من مقدمة الحافظ ابن الجوزي في كتابه تلبيس إبليس (ص/11)، بتصرف يتناسب ورسالتنا هذه.

ـ[14] في مقدمة تبيين كذب المفتري (ص/9)، تحت عنوان لمعة في نشأة الفرق.

ـ[15] مقدمة تبيين كذب المفتري (ص/14)،

ـ[16] قال المحدث العلاّمة السيد محمد بن محمد الحسيني الزبيدي الشهير بمرتضى رحمه الله إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدّين (2/6 – 7) ما نصه: «الفصل الثاني: إذا أطلق أهل السنة والجماعة فالمراد بهم الأشاعرة والماتريدية . قال الخيالي في حاشيته على شرح العقائد: الأشاعرة هم أهل السنة والجماعة، هذا هو المشهور في ديار خراسان والعراق والشام وأكثر الأقطار وفي ديار ما وراء النهار يطلق ذلك على الماتريدية أصحاب الإمام أبي منصور وبين الطائفتين اختلاف في بعض المسائل كمسئلة التكوين وغيرها إلى أن قال: وذكر العز بن عبد السلام أن عقيدة الأشعري أجمع عليها الشافعية والمالكية والحنفية وفضلاء الحنابلة ووافقه على ذلك من أهل عصره شيخ المالكية في زمانه أبو عمرو بن الحاجب، وشيخ الحنفية جمال الدّين الحصيري، وأقرّه على ذلك التقي السبكي فيما نقله عنه ولده التاج. وفي كلام عبد الله الميوري المتقدّم ما نصه: « أهل السنة من المالكية والشافعية وأكثر الحنفية بلسان أبي الحسن الأشعري يناضلون وبحجته يحتجّون ».

إلى أن قال : «ثم قال التاج السبكي: وأنا أعلم أن المالكية كلهم أشاعرة لا أستثني أحدًا، والشافعية أغلبهم أشاعرة لا أستثني إلا من لحق منهم بتجسيم أو اعتزال» اهـ. وسيأتي إن شاء الله ما هو أوسع من ذلك في محله.

ـ[17] الشورى: جزء من الآية 11 .

ـ[18] مريم: جزء من الآية 65 .

ـ[19] الإخلاص: 4 .

ـ[20] الزمر: جزء من الآية 67 .

ـ[21] الإسراء: 72 .

ـ[22] الأحزاب: جزء من الآية 57 .

ـ[23] الشعراء: 195 .

ـ[24] البقرة: جزء من الآية 26 .

ـ[25] آل عمران: جزء من الآية 7 .

ـ[26] الكهف: 103 – 104 .

ـ[27] مقدمة تبيين كذب المفتري (ص/19).

ـ[28] فمثال الشرع الشمس ومثال العقل العين فإذا فتحت وكانت سليمة رأت الشمس. قال الراغب الأصفهاني في تفصيل النشأتين وتحصيل السعادتين (ص/140): «في تظاهر العقل والشرع وافتقار أحدهما إلى الآخر: اعلم أن العقل لن يهتدي إلا بالشرع، والشرع لا يتبين إلا بالعقل، فالعقل كالأُس، والشرع كالبناء، ولن يغني أسٌّ ما لم يكن بناءٌ، ولن يثبت بناءٌ ما لم يكن أسٌ. وأيضًا فالعقل كالبصر والشرع كالشعاع، ولن يغني البصر ما لم يكن شعاع من خارج، ولن يغني الشعاع ما لم يكن بصر، ولهذا قال الله تعالى: «قد جاءَكم من الله نورٌ وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سُبُل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإِذنه» اهـ.

ـ[29] تعديل طفيف بغرض الاختصار.

ـ[30] تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى الإمام أبي الحسن الأشعري (1/25، وما بعدها).

ـ[31] والمقصود كلام أهل الأهواء.

ـ[32] إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدّين (2/6 – 7).

ـ[33] حيث قال اليهود هو شرنا وابن شرنا وتنقصوه حين علموا أنه أسلم بعد أن كانوا يقولون فيه هو خيرنا وابن خيرنا وأفضلنا وابن أفضلنا، وهم قوم بهت= = أهل غدر وكذب وفجور على ما جاء في صحيح البخاري وغيره، وقد ورث منهم أفراخهم المشبهة الوقيعة في إمام السنة ببهتان يختلقونه هداهم الله تعالى.

ـ[34] تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى الإمام أبي الحسن الأشعري (ص/410).

ـ[35] تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى الإمام أبي الحسن الأشعري (ص/363).