إنّ المطَّلع على تاريخ هذه الفرقة المنحرفة والمتبصِّر فيه يجد أنه تاريخ أسود، نشأ على العداوة لكل من لم يدخل في دعوتهم، ومحاربته بشتى ما أتيح لهم من طرق. إذ إن هذه الفرقة تأسّست على غيرِ ما كان عليه رسولنا الكريم ﷺ والصحابة في المعتقد والأعمال. فمحمد بن عبد الوهاب لا يرى مسلمًا على وجه الأرض غير جماعته، ويرسل إلى كل من خالفه من يغتاله في فراشه أو في السوق ليلًا([1])، وكان إذا تبعه أحد كان قد حجّ حجَّةَ الإسلام يقول له: حُجَّ ثانيًا فإن حجتك الأولى فعلتها وأنت مشرك فلا تقبَل ولا تسقط عنك الفرض، وإذا أراد أحد الدخول في دينه يقول له بعد أنْ يأمره بالنطق بالشهادتين: «اشهَدْ على نفسك أنك كنت كافرًا وعلى والديك أنهما ماتا كافرين وعلى فلان وفلان، ويتهم جماعة من أكابر العلماء الماضين أنهم كانوا كفارًا، فإن شهدَ قبِلَه وإلا قتله. وكان يصرّح بتكفير الأمة منذ ستمائة سنة ويُكفِّر من لا يتبعه ويسمّيهم المشركين ويستحل دماءهم وأموالهم، وكان يقول للناس «إني أتيتكم بدين جديد»، حيث كان يعتقد أن الإسلام منحصر فيه وفي من تبعه وأن الناس سواهم كلهم مشركون([2]).
وإذا دققنا النظر في ذلك نجد أن فكر هذه الفرقة الضالة يدور حول قضية التكفير الشمولي التي بسببها اعتبروا جميع من لم يوافقهم في دعوتهم كافرًا حلال الدم، الأمر الذي سوَّغ لهم بزعمهم قتل الناس واستحلال أموالهم وسبي نسائهم بدعوى أن كل الناس سواهم مشركون لا يعرفون الإسلام، فكفّروا بذلك جميع الأمة الإسلامية، وذلك مصرح به في كتبهم ومؤلفاتهم. ولم يقتصر الأمر على ذلك بل كفّروا الصحابة والعلماء والأشاعرة والماتريدية وسلاطين المسلمين العثمانيين وصلاح الدين الأيوبي محرر فلسطين وغيرهم.
فقد تستروا باسم دين الإسلام هذا الدين الحنيف المبني على السماحة والاعتدال والوسطية ليغطوا ما يفعلون من رذائل وقبائح وليُضلوا الناس عن سبيل الحق، والحقُّ أنهم منتسبون إلى الإسلام زورًا وبهتانًا والإسلام منهم براء، فإنهم حقًّا فئة تدعو إلى النار، والله تعالى يدعو إلى دار السلام.
ففي كتاب «السُّحُب الوابلة على ضرائح الحنابلة»([3]) لابن حميد الحنبلي([4]) في ترجمة والد محمد بن عبد الوهاب([5]) «عبد الوهاب بن سليمان التميميّ النجديّ… – وهو والد محمد صاحب الدعوة التي انتشر شررها في الآفاق، لكن بينهما تباين مع أن محمدًا لم يتظاهر بالدعوة إلا بعد موت والده – وأخبرني بعض من لقيته عن بعض أهل العلم ممن عاصر الشيخ عبد الوهاب هذا أنه كان غضبان على ولده محمد لكونه لم يرضَ أن يشتغل بالفقه كأسلافه وأهل جهته ويتفرس فيه أنه يحدث منه أمر، فكان يقول للناس: يا ما ترون من محمد من الشر، فقدّر الله أن صار ما صار. وكذلك ابنه سليمان أخو محمد كان منافيًا له في دعوته، وردّ عليه ردًّا جيدًا بالآيات والآثار لكون المردود عليه –يعني محمد بن عبد الوهاب – لا يقبل سواهما، ولا يلتفت إلى كلام عالم متقدمًا أو متأخرًا كائنًا من كان، غير الشيخ تقي الدين ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، فإنه يرى كلامهما نصًّا لا يقبل التأويل.. وسمى الشيخ سليمان ردَّه على أخيه «فصل الخطاب في الرد على محمد بن عبد الوهاب».
وقال مفتي الشافعية ورئيس المدرسين في مكة أيام السلطان عبد الحميد([6]): قال الشيخ أحمد بن زيني دحلان([7]) في كتابه «الدرر السنية في الرد على الوهابية»([8]) «فكان (مُحمد بن عبد الوهاب) يقول لهم: إنما أدعوكم إلى التوحيد وترك الشرك بالله.. وجميع ما هو تحت السبع الطباق مشرك على الإطلاق ومن قتَل مشركًا فله الجنة».
وممن صرّح بهذه العقيدة التكفيرية الشمولية المتطرفة من كتَّاب ومؤلفي هذه الفرقة الضالة علي بن محمد بن سنان المدرس في المسجد النبوي والجامعة الوهابية المسماة الجامعة الإسلامية، حيث قال في كتابه المسمّى «المجموع المفيد من عقيدة التوحيد»([9]): «أيها المسلمون لا ينفع إسلامكم إلا إذا أعلنتم الحرب العشواء على هذه الطرق – يقصد الصوفية – وقضيتم عليها… حاربوها قبل أن تحاربوا اليهود».
فجعل بزعمه أهلَ الإسلام مشركين كفارًا لا ينفعهم دينهم إلا إذا تصدوا للصوفية وأعلنوا الحرب عليهم، وجعل قتالهم مقدَّمًا على قتال أهل الكفر اليهود والمجوس، ولا يخفى على عاقل ما لأهل التصوف الصحيح من فضائل ومكارم يضيق المقام عن ذكرها الآن.
وفي الكتاب المسمّى «فتح المجيد» لعبد الرحمٰن بن حسن آل الشيخ تكفير المسلمين في الدول العربية، يذكر مؤلفه([10]) أنَّ أهل مصر كفار لأنهم يعبدون أحمد البدوي([11])، وأهل العراق ومن حولهم كأهل عمان كفار لأنهم يعبدون الجيلاني([12])، وأهل الشام كفار لأنهم يعبدون ابن عربي([13])، وكذلك أهل نجد والحجاز قبل ظهور الدعوة الوهابية، وأهل اليمن.
هذا وقد تمادت الوهابية في التكفير حتى كفّرت من يقلّد المذاهب ووصفتهم بالشرك والعياذ بالله تعالى كما قال ذلك محمد صديق حسن القنوجي في كتابه المسمّى «الدين الخالص» فقال([14]) «تقليد المذاهب من الشرك».
وبذلك على ما يزعم كفرَ كلُّ أفراد الأمة الإسلامية اليوم لأن أفراد الأمة اليوم هم أتباع أهل المذاهب الأربعة وهم عند الوهابية كفار. وبذلك أيضا تكفير لأنفسهم من غير أن يشعروا فإنهم يقلّدون مذهب الإمام أحمد بن حنبل وينتسبون إليه وهو برئ منهم.
ولم تكتفِ الوهابية بهذا التكفير بل كفّرت مليارًا ونصفًا من المسلمين الأشاعرة والماتريدية. والأشاعرة والماتريدية هم أهل السُّنَّة والجماعة كما قال ذلك الإمام الحافظ محمد مرتضى الزبيدي([15])([16]): «إذا أُطلقَ أهل السُّنَّة والجماعة فالمراد بهم الأشاعرة والماتريدية». وكذلك في كتابهم المسمّى «التوحيد»([17]) المقرر تدريسه للمرحلة الثانوية للصف الأول ثانوي تأليف صالح ابن فوزان، المصادق عليه من وزارة التربية والتعليم في المملكة العربية السعودية لسنة 1424 للهجرة، وصفوا في هذا الكتاب المقرر رسميًّا في مدارسهم الأشاعرة والماتريدية بالشرك وقالوا عن المشركين الأوائل أهل الجاهلية([18]) «فهؤلاء المشركون هم سلف الجهمية والمعتزلة والأشاعرة».
إن تكفير الوهابية للماتريدية ينعطف تكفيرًا للسلطان محمد الفاتح الماتريدي([19]) وبهذا يكونون معارضين لرسول الله ﷺ حيث قال([20]): «لَتُفْتَحَنَّ القِسْطَنْطِيْنِيَّة فَلَنِعْمَ الأَمِيرُ أَمِيْرُهَا وَلَنِعْمَ الجَيْشُ ذَلِكَ الجيش». والذي فتحها هو السلطان محمد الفاتح الماتريدي العثماني رضي الله عنه.
وقد طعنت الوهابية في عمر بن عبد العزيز([21]) رضي الله عنه الخليفة السادس([22]) وهذا كله تنفيذًا لأوامر مؤسسيهم الإنكليز ولزرع الفتنة بين صفوف المسلمين، أعاذنا الله من هذه الفرقة وانحرافها وضلالها.
[1])) مُحمد بن عبد الله بن حميد النجدي، السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة، ص276.
[2])) إبراهيم المنصوري السمنودي، سعادة الدارين، ج1، ص54 – 57، 59، 62، 63.
[3])) الحنابلة: هم أتباع أحمد بن حنبل، وهو أحد الأئمة الأربعة الكبار من أهل السُّنَّة، وصاحب المذهب الحنبلي المشهور. ولد 164للهجرة. الذهبي، سير أعلام النبلاء، ج8، ص115 – 204، رقم الترجمة: 2014. الزركلي، الأعلام، ج1، ص203.
[4])) ابن حميد، محمد بن عبد الله بن عثمان بن حميد العامري، نسبة إلى عامر بن صعصعة، النجدي. مؤرخ، من علماء الحنابلة، ولد في بلدة عنيزة (مركز القصيم، بنجد)، وسافر إلى مكة واليمن والشام والعراق ومصر، واستقر مفتيًا للحنابلة بمكة، وتوفي بالطائف من كتبه «السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة» في تراجم الحنابلة، و«النعت الأكمل بتراجم أصحاب الإمام أحمد بن حنبل». ولد سنة 1236 للهجرة. وتوفي سنة 1295 للهجرة. الزركلي، الأعلام، ص116.
[5])) مُحمد بن عبد الله بن حميد النجديّ الحنبلي، السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة، ص275.
[6])) عبد الحميد خان الثاني، حامي السُّنَّة وشريعة سيد المرسلين، السلطان الغازي. هو ابن السلطان الغازي عبد المجيد خان ابن السلطان الغازي محمود خان الثاني ابن السلطان الغازي عبد الحميد خان الأول. جلس على أريكة الملك وسرير الخلافة العثمانية الإسلامية في 11شعبان/1293للهجرة، فاستلم زمام المملكة بساعد من حديد، ونهض نهضة الليث، فلمّ الشعب، ورأب الصدع، ونظم الأمور. ولد في 16 شعبان سنة 1258ه.عبد الباسط فاخوري، تحفة الأنام، ص209، 210.
[7])) أحمد بن زيني دحلان: فقيه مكي مؤرخ. ولد بمكة وتولى فيها الإفتاء والتدريس، وفي أيامه أنشئت أول مطبعة بمكة فطبع فيها بعض كتبه، ومات في المدينة. من تصانيفه: «الفتوحات الإسلامية»، و«الجداول المرضية في تاريخ الدولة الإسلامية»، و«خلاصة الكلام في أمراء البلد الحرام»، و«رسالة في الرد على الوهابية». ولد 1232 للهجرة، وتوفي 1304 للهجرة. الزركلي، الأعلام، ج1، ص376، 377.
[8])) أحمد بن زيني دحلان، الدرر السنية في الرد على الوهابية، ص46.
[9])) علي بن مُحمد بن سنان، الكتاب المسمّى المجموع المفيد من عقيدة التوحيد، ص102.
[10])) عبد الرحمٰن بن حسن آل الشيخ، الكتاب المسمّى فتح المجيد شرح كتاب التوحيد، ص191.
[11])) أبو العباس سيدي أحمد البدوي الشريف رضي الله تعالى عنه، وشهرته في جميع أقطار الأرض تغني عن تعريفه، مولده بمدينة فاس بالمغرب، انتقل إلى مكة المشرفة ومنها إلى طنطا، وكان من كثرة ما يتلثم لقب بالبدوي وبأبي اللثامين، توفي في طنطا وقبره هناك مشهور. الحسن بن محمد بن القسام الكوهن الفاسي المغربي، طبقات الشاذلية الكبرى، ص66، 67.
[12])) عبد القادر الجيلاني، أبو محمد، الحنبلي، شيخ بغداد، الفقيه صاحب الطريقة التي نشرت في الدنيا. ولد بجيلان سنة 471 للهجرة، وتوفي سنة561للهجرة. الذهبي سير أعلام النبلاء، ج12، ص600 – 607، رقم الترجمة: 5227,
[13])) ابن العربي، محيي الدين، أبو بكر، محمد بن علي الطائي، الحاتمي، نزيل دمشق، العلامة، صاحب التآليف الكثيرة، توفي سنة 688 للهجرة. الذهبي، سير أعلام النبلاء، ج14، ص119 – 120، رقم الترجمة: 34.
[14])) مُحمد صدّيق حسن القنوجي، الكتاب المسمّى الدين الخالص، ج1، 140.
[15])) محمد بن محمد بن عباد الرزاق الحسيني الزبيدي، أبو الفيض، الملقب بمرتضى: علّامة باللغة والحديث والرجال والأنساب، من كبار المصنفين. أصله من واسط في العراق، ومولده بالهند في بلجرام، ومنشؤه في زبيد باليمن. رحل إلى الججاز، وأقام بمصر، فاشتهر فضله، وكاتبه ملوك الحجاز والهند واليمن والشام والعااق والمغرب الأقصى والترك والسودان والجزائر. من كتبه: «تاج العروس في شرح القاموس»، و«إتحاف السادة المتقين في شرح إحياء علوم الدين» وغيرها من الكتب. ولد رحمه الله سنة 1145 للهجرة، وتوفي بالطاعون في مصر سنة1205للهجرة. الزركلي، الأعلام، ج7، ص70.
[16])) مُحمد مرتضى الزبيدي، إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين، ج7، ص8، 9.
[17])) صالح بن فوزان، الكتاب المسمّى التوحيد، ص67.
[18])) صالح بن فوزان، الكتاب المسمّى التوحيد، ص67.
[19])) محمد خان الثاني الفاتح، السلطان الملك المجاهد، أبو المعالي، السلطان الغازي، ابن السلطان مراد خان الثاني. جلس على سرير الملك بعد وفاة أبيه بعهد منه وعمره تسع عشرة سنة وخمسة أشهر. هو الذي أسس ملك هذه الدولة العلية المؤسسة على التقوى. ولد سنة 833 للهجرة. عبد الباسط فاخوري، تحفة الأنام، ص161.
[20])) أحمد، مسند أحمد، ج4، ص335.
[21])) عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم الأموي القرشي، أبو حفص: الخليفة الصالح والملك العادل، بويع له بالخلافة سنة 99للهجرة، وسكن الناس في أيامه فمنع مسبة علي بن أبي طالب، وكان من تقدمه من الأمويين يسبونه على المنابر، ولم تطل مدته إذ كانت خلافته سنتين ونصف سنة. ولد سنة61للهجرة. وتوفي سنة101للهجرة. الزركلي، الأعلام، ج5، ص50.
[22])) عبد العزيز الهاشمي، إطلاق الأعنة، ص16، 17.